كيفية دراسة الفقه ...


الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده

أما بعد السلام عليكم ورحمة الله

هذه محاضرة مفيدة في منهجية دراسة علم الفقه لفضيلة الشيخ العلامة الوزير الأثير صالح بن عبد العزيز آل الشيخ - حفظه الله وغفر له - سأطرحها عبر حلقات متتابعة دفعا للملل ، وزيادة تأمل ترسيخا للفائدة


قال حفظه الله وغفر له :


" الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على محمد عبد الله ورسوله وصفيه وخليله صلى الله عليه و على آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
أسأل الله جلّ وعلا لي ولكم التوفيق للصالحات والسداد في القول والعمل. والإصابة في كل حال وأسأله سبحانه أن يجعلنا ممن يمن عليه بالعلم النافع والعمل الصالح وألا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ، لا حول لنا ولا قوة إلا به سبحانه، اللهم وفقنا للصالحات، ومُنّ علينا بما تحب وترضى.

أما بعد:

فنذكر مقدمة في كيفية الاستفادة من كتب الفقه، وكيف يدرس طالب العلم الفقه على أنجح السبل.
أولاً : الفقه من حيث مسائله:
منه المسائل التي كانت واقعة في زمن النبوة فنزلت فيها آيات أو آية فأكثر وبيّن فيها النبي صلى الله عليه وسلم الحكم، فهذه مسائل منصوص على حكمها وفي الغالب تكون النصوص الدالة على ذلك ظاهرة في المعنى، ومنها ما هو قابل لاختلاف المجتهدين في فهم دلالة النصوص على تلك المسائل.
ومنها مسائل وقعت بعد زمن النبي عليه الصلاة والسلام وهذه المسائل احتاج إليها الناس لتوسع البلاد الإسلامية، ومخالطة العرب لغيرهم ومعلوم أن طبيعة أهل مكة والمدينة وأهل الجزيرة ليست هي طبيعة أهل الشام والعراق وأهل فارس وأهل خراسان وأهل مصر، فطبائع مختلفة في الحالات الاجتماعية في المساكن فيما يستخدمون في الوقت في الجوّ إلى آخره، فظهرت مسائل احتاج إليها الناس يسألون عنها الصحابة رضوان الله عليهم.
وهذا هو القسم الثاني: وهي المسائل التي اجتهد فيها الصحابة رضوان الله عليهم، واجتهاد الصحابة في هذه المسائل كان مبنياً إما على دلالة نص في ادخال مثلاً المسألة في عام، أو في الاستدلال بمطلق على هذه المسألة أو بالاستدلال بقاعدة عامة دلّ عليها دليل في هذه المسألة نحو القواعد المعروفة كرفع الحرج والمشقة تجلب التيسير والأمور بمقاصدها، ونحو ذلك من القواعد العامة.
وهناك مسائل اجتهدوا فيها والاجتهاد كان على غير وضوح في الدليل يعني يُستدل له ولكن قد يُستدل عليه وهذا ظهر وظهرت الأحوال المختلفة بين الصحابة بقوة في هذا الأمر فهذا النوع مما دُوِّن بعد ذلك في أقوال الصحابة وصارت المسألة عند الصحابة قولين أو أكثر من ذلك من مثل حكم الصلاة في الجمع بين الصلاتين للمطر، هل يقتصر فيها على المغرب والعشاء أم يلحق بها أيضاً الظهر والعصر ومن مثل الكلام في الأقراء هل هي الطهر أم الحيضات، ونحو ذلك من مسائل اختلف فيها الصحابة وهذا من نوع الاختلاف الذي له دلالته في النصوص.
هناك مسائل كما ذكرتُ لكم ظهرت مثل استخدام مصنوعات أو أطعمة، مِثل الكفار التي قد يستخدمون في صنعها بعض الأمور مثل أنفحة الميتة ونحو ذلك، هذا ما ظهر إلا لما دخل العراق ظهر مثل هذه المسائل مثل بعض الألبسة الخاصة التي كانت عندهم مثل الحمام، ودخول الحمام، وهو بيت الماء الحار الذي كان في الشام ونحو ذلك.
وكذلك مثل أنواع من البيوع لم تكن معروفة في زمن النبي عليه الصلاة والسلام، وإنما أُحدثت بعد ذلك، وأمثال هذا كثير مما فيه الخلاف بين الصحابة رضوان الله عليهم، هذا الخلاف بين الصحابة رضوان الله عليهم غالبه مسائل اجتهاد، وقليل منه مسائل خلاف، والفرق بينهما أنّ المسائل المختلف فيها تارة تكون مسائل اجتهاد وتارة تكون مسائل خلاف فيُعنى بمسائل الاجتهاد ما لم يكن في الواقعة نصٌ فاجتهد هذا الاجتهاد، ويُلحق به ما كان فيها نص، ونعني بالنص ما كان فيها دليل من الكتاب أو السنة، لكن هذا الدليل يمكن فهمه على أكثر من وجه، فاجتهد في المسألة ففهم من الدليل كذا وفهم آخر من الدليل شيئاً آخر مثل " والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء " هنا هل القرء هو الطهر أم هو الحيضة؟ هذه تدخل في مسائل الاجتهاد الذي لا تثريب على المجتهدين فيما اجتهدا فيه..."انتهى


- يتبع بإذن الله تعالى -
 
نتابع قوله حفظه الله وغفر له

" ... القسم الثاني: مسائل الخلاف وهو وجود خلاف في بعض المسائل وكما ذكرت لكم كان نادراً عند الصحابة رضوان الله عليهم والخلاف ما يكون اجتهد برأيه في مقابلة الدليل مثل ما كان ابن عباس رضي الله عنه يفتي في مسألة الربا بأنه لا ربا إلا في النسيئة وأنّ التفاضل في الرباويات ليس من الربا، وإنه ليس ثم أصناف ربوية، لكن النسيئة (التأجيل) أما التفاضل بين نوعين مختلفين مما هو معروف بربا الفضل فإن هذا لا يعده ربا، هذا اجتهاد في مقابلة النص.
كذلك إباحته مثلاً في زمن طويل كثير من عمره رضي الله عنه نكاح المتعة وظنه أنّ هذا ليس بمنسوخ ونحو ذلك، وغير هذا من المسائل التي جاء فيها دليل واضح، هذه تسمى مسائل خلاف وهذا يكون الخلاف فيها ضعيفاً ولا يجوز الاحتجاج بمثل هذا، لأن المجتهد من المجتهدين من الصحابة فمن بعدهم قد يجتهد ويغيب عنه النص يغيب عنه الدليل أو يكون له فهم ولكنه معارض بفهم الأكثرين، فهذه هي التي يسميها أهل العلم ويخصها شيخ الإسلام ابن تيمة بالذكر بأنها (مسائل خلاف) ومسائل الخلاف غير مسائل الاجتهاد، قالوا وعليه فأن المقالة المشهورة (لا انكار في مسائل الخلاف)، وتصحيحها : (لا انكار في مسائل الاجتهاد ) ،ونفى بمسائل الإجتهاد المسائل التي حصل فيها خلاف، وللخلاف حظٌ من النظر للخلاف حظ، من الأثر حظٌ من الدليل.

أما إذا كان القولان: أحدهما مع الدليل بظهور والآخر ليس كذلك فإنا نقول: ليس هذا من مسائل الاجتهاد، بل من مسائل الخلاف، والخلاف منهيٌ عنه، والعالم إذا خالف الدليل بوضوح فيقال هذا اجتهاده وله أجر، لكنه أخطأ في هذا الأمر، ولا يعوّل على اجتهاده في مقابلة النص، هذه الأقوال أيضاً كثرت في زمن التابعين وزمن التابعين كانت الحاجات تزيد في وقائع جديدة وكثرت الفتوى بناء على ما استجد من الواقع على نحو ما ذكرت من استدلالهم بالكتاب، استدلالهم بالسنة، استدلالهم باجماع الصحابة ونتجت هناك أقوال في مسائل في التابعين ... " انتهى

يتبع بإذن الله