عمل البنت ، نزول الفتاة للعمل


اليوم تصل هذه الطريقة الى ذروة اختمارها واكتمالها، لكن الطريق لا تخلو من أشواك وللأنوثة كسلاح حدّان. اشكالية هذه الازدواجية دفعتنا الى أخذ نماذج عينية من المجتمع لتجيب عن سؤال: «هل كونك أنثى ساعدك في حياتك المهنية والاجتماعية أم أعاقك؟».

تهمة السطحية

تقول رولا (30 عاماً) إنها تلحظ تزايد الطلب على موظفات وليس موظفين، فإن فتحت أي مطبوعة تجد اعلانات من نوع «مطلوب سكرتيرة، مطلوب مدرّسة...». ولا يعود السبب الى كونها أكثر كفاية بل أقلّ أجراً، ما يدحض ما يحكى عن تحسّن كبير في أحوال النساء. طبعاً طرأت تحسينات لكنها ليست شاملة وليست عادلة بعد. وتضيف: «هناك أيضاً عرف عالمي هو اعتبار التعامل مع المرأة أكثر سلاسة مما هو مع الرجل.»

لكن رولا ترى ان المرأة اللبنانية العاملة تنقسم بين فريقين متطرفين الأول يظهر أنوثته في شكل صارخ ومبالغ فيه للفت النظر، والثاني يلجمها كرد فعل عكسي وإثبات الجدارة المهنية للمرأة ودحض تهمة السطحية والاهتمام بالمظهر فقط.

تعود المرأة عند سؤال كهذا الى الرواسب الطفولية، فهي بدأت تميز أنوثتها عن ذكورة أخيها منذ الطفولة، وذلك عبر التمييز في التربية. تعترف مهى (29 عاماً) انها كانت تكره كونها أنثى في طفولتها وتتمنى لو انها ذكر كشقيقها المتمتّع بما لا تتمتّع به (سهر أمام التلفزيون- زيارات أصدقاء- ممارسة هوايات خارج المنزل...)، وتستغرب كيف أن هذا التمييز كان صادراً عن أمها وجدّتها من دون أبيها. تقول مهى: «اليوم، أنا سعيدة لأنني لست ولداً، فقد اكتشفت الامتيازات التي أتمتع بها. بسبب طريقة التربية غير العادلة والقاسية، تنشأ الفتاة على الجلد وتحمّل أسوأ الظروف، وباكراً «تعجنها» الحياة، فتتلقى الصدمات بثبات أكثر من الولد الذي قد لا ينجو من اختبارات مماثلة لأنه لا يكون مستعداً لها. كما أنها تكون معتادة ومدرّبة على كبت مشاعرها والتحكّم بها. فإذا سافرت مثلاً تستطيع تدبّر شؤونها أكثر من شقيقها المسافر. ومن خبرتي الشخصية لمست كم أن الشبان المتغربين تعساء، أكثر بما لا يقاس من الفتيات المتغربات. اذاً بمعنى ما، خدمني كوني أنثى في تخطّي مراحل صعبة والاقبال على خطوات أصعب، حملتني فوق طاقتي لكنها أيضاً عزّزت هذه الطاقة. في العمل، لا أستطيع القول إن جنسي خدمني كما أنه لم يعقني. الحقيقة أنه كما هناك تفضيل للنساء في وظائف معينة هناك تفضيل للذكور في غيرها. في الصحافة المكتوبة مثلاً، يفضل الذكور لقدرتهم على العمل حتى ساعات متأخرة من الليل».

عبء الأنوثة

زينة (33عاماً) لا تنكر سعادتها بان الله خلقها أنثى، لأن الأنثى في رأيها أقدر على استيعاب الجنس الآخر والعالم حولها، انها تعرف أكثر من الذكر ماذا تريد من الحياة والآخرين. لكن الأمر ليس مشرقاً دوماً، تعترف زينة بأنها في بعض الأوقات تتعب من أنوثتها وتشعر أنها تسبّب لها المشكلات وتعيقها عن تحقيق ما تريده. حصل هذا عندما تعرضت للتحرش في العمل والابتزاز لأجل الحصول على ترقية. لا تلوم زينة الرجل فقط بل هي ترى زميلات لها يفرشن الطريق أمام ابتزاز واستغلال من هذا النوع ويقمن باستغلال أجسادهن وليس أنوثتهن للحصول على ترقية مثلاً .

«كنت أسجن نفسي في غرفتي وأبكي كي أنفّس غضبي وأقول لنفسي «لو لم أكن أنثى لما تعرّضت لهذا الموقف» اليوم صرت أكثر هدوءاً وأقول لنفسي لو لم أكن أنثى لما كنت أنا، ولكانت نظرتي الى نفسي والعالم أسوأ مما هي. فمن قال إن العشب دائماً أخضر في سفح الجبل المجاور؟ كما يقول مثل انكليزي».

تريد نداء في عملها العدالة والندية. تريد أن تكون نداً لزميلها وتتنافس معه بشرف لذلك تحرص على ألا تبالغ في ابراز انوثتها (تحاشي الملابس القصيرة والضيقة...) لكنها لا تخرج أبداً من منزلها من دون تصفيف شعرها ووضع لمسات الماكياج: «أعرف كيف ينظر الرجل الى المرأة، أراقب زملائي يعلقون على تفاصيل ملابس الزميلات ويحكمون عليهن من خلال ملابسهن . لذلك، أفضل أن أزيح عامل الأنوثة وأقدّم نفسي كانسانة تقوم بعملها كما يجب.لا أحرص على ترتيب مظهري لأجل مطامع بل كي أكون متصالحة مع نفسي لأن طبيعتي تملي عليّ هذا