المجلس التاسع عشر

30 جمادى الآخر 1436ه

كتاب الرقاق

الباب الحادي عشر.



~*~*~*~*~*~*~*


باب قول النبي صلى الله عليه وسلم

هذا المال خضرة حلوة


~*~*~*~*~*~*~*




بَاب قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الْمَالُ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنْ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا قَالَ عُمَرُ اللَّهُمَّ إِنَّا لَا نَسْتَطِيعُ إِلَّا أَنْ نَفْرَحَ بِمَا زَيَّنْتَهُ لَنَا اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ أَنْ أُنْفِقَهُ فِي حَقِّهِ.




6076 حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ يَقُولُ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ قَالَ سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْطَانِي ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي ثُمَّ قَالَ هَذَا الْمَالُ وَرُبَّمَا قَالَ سُفْيَانُ قَالَ لِي يَا حَكِيمُ إِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ فَمَنْ أَخَذَهُ بِطِيبِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ وَكَانَ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى.








الشرح





قَوْلُهُ بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ ) تَقَدَّمَ شَرْحُهُ قَرِيبًا فِي " بَابِ مَا يُحْذَرُ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا " فِي شَرْحِ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ .






قَوْلُهُ وَقَوْلُهُ - تَعَالَى - : زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ الْآيَةَ كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ ، وَلِأَبِي زَيْدٍ الْمَرْوَزِيِّ " حُبُّ الشَّهَوَاتِ الْآيَةَ " وَلِلْإِسْمَاعِيلِيِّ مِثْلُ أَبِي ذَرٍّ وَزَادَ " إِلَى قَوْلِهِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا " وَسَاقَ ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ . وَقَوْلُهُ " زُيِّنَ " قِيلَ الْحِكْمَةُ فِي تَرْكِ الْإِفْصَاحِ بِالَّذِي زُيِّنَ أَنْ يَتَنَاوَلَ اللَّفْظُ جَمِيعَ مَنْ تَصِحُّ نِسْبَةُ التَّزْيِينِ إِلَيْهِ وَإِنْ كَانَ الْعِلْمُ أَحَاطَ بِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هُوَ الْفَاعِلُ بِالْحَقِيقَةِ فَهُوَ الَّذِي أَوْجَدَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا وَهَيَّأَهَا لِلِانْتِفَاعِ وَجَعَلَ الْقُلُوبَ مَائِلَةً إِلَيْهَا وَإِلَى ذَلِكَ الْإِشَارَةُ بِالتَّزْيِينِ لِيَدْخُلَ فِيهِ حَدِيثُ النَّفْسِ وَوَسْوَسَةُ الشَّيْطَانِ وَنِسْبَةُ ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ - تَعَالَى - بِاعْتِبَارِ الْخَلْقِ وَالتَّقْدِيرِ وَالتَّهْيِئَةِ وَنِسْبَةُ ذَلِكَ لِلشَّيْطَانِ بِاعْتِبَارِ مَا أَقْدَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنَ التَّسَلُّطِ عَلَى الْآدَمِيِّ بِالْوَسْوَسَةِ النَّاشِئِ عَنْهَا حَدِيثُ النَّفْسِ وَقَالَ ابْنُ التِّينِ بَدَأَ فِي الْآيَةِ بِالنِّسَاءِ لِأَنَّهُنَّ أَشَدُّ الْأَشْيَاءِ فِتْنَةً لِلرِّجَالِ وَمِنْهُ حَدِيثُ مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ قَالَ وَمَعْنَى تَزْيِينِهَا إِعْجَابُ الرَّجُلِ بِهَا وَطَوَاعِيَتُهُ لَهَا وَالْقَنَاطِيرُ جَمْعُ قِنْطَارٍ وَاخْتُلِفَ فِي تَقْدِيرِهِ فَقِيلَ سَبْعُونَ أَلْفَ دِينَارٍ وَقِيلَ سَبْعَةُ آلَافِ دِينَارٍ وَقِيلَ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ رِطْلًا وَقِيلَ مِائَةُ رِطْلٍ وَقِيلَ أَلْفُ مِثْقَالٍ وَقِيلَ أَلْفٌ وَمِائَتَا أُوقِيَّةٍ وَقِيلَ مَعْنَاهُ الشَّيْءُ الْكَثِيرُ مَأْخُوذٌ مِنْ عَقْدِ الشَّيْءِ وَإِحْكَامِهِ وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ : الْقَوْلُ الْأَخِيرُ قِيلَ هَذَا أَصَحُّ الْأَقْوَالِ لَكِنْ يَخْتَلِفُ الْقِنْطَارُ فِي الْبِلَادِ بِاخْتِلَافِهَا فِي قَدْرِ الْوُقِيَّةِ








[ ص: 264 ] قَوْلُهُ ( وَقَالَ عُمَرُ : اللَّهُمَّ إِنَّا لَا نَسْتَطِيعُ إِلَّا أَنْ نَفْرَحَ بِمَا زَيَّنْتَهُ لَنَا ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ أَنْ أُنْفِقَهُ فِي حَقِّهِ ) سَقَطَ هَذَا التَّعْلِيقُ فِي رِوَايَةِ أَبِي زَيْدٍ الْمَرْوَزِيِّ وَفِي هَذَا الْأَثَرِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ فَاعِلَ التَّزْيِينِ الْمَذْكُورَ فِي الْآيَةِ هُوَ اللَّهُ وَأَنَّ تَزْيِينَ ذَلِكَ بِمَعْنَى تَحْسِينِهِ فِي قُلُوبِ بَنِي آدَمَ وَأَنَّهُمْ جُبِلُوا عَلَى ذَلِكَ لَكِنَّ مِنْهُمْ مَنِ اسْتَمَرَّ عَلَى مَا طُبِعَ عَلَيْهِ مَنْ ذَلِكَ وَانْهَمَكَ فِيهِ وَهُوَ الْمَذْمُومُ وَمِنْهُمْ مَنْ رَاعَى فِيهِ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ وَوَقَفَ عِنْدَ مَا حُدَّ لَهُ مِنْ ذَلِكَ وَذَلِكَ بِمُجَاهَدَةِ نَفْسِهِ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ - تَعَالَى - لَهُ فَهَذَا لَمْ يَتَنَاوَلْهُ الذَّمُّ وَمِنْهُمْ مَنِ ارْتَقَى عَنْ ذَلِكَ فَزَهِدَ فِيهِ بَعْدَ أَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ وَأَعْرَضَ عَنْهُ مَعَ إِقْبَالِهِ عَلَيْهِ وَتَمَكُّنِهِ مِنْهُ فَهَذَا هُوَ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ وَإِلَى ذَلِكَ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِ عُمَرَ " اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ أَنْ أُنْفِقَهُ فِي حَقِّهِ " .





وَأَثَرُهُ هَذَا وَصَلَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي غَرَائِبِ مَالِكٍ مِنْ طَرِيقِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ هُوَ الْأَنْصَارِيُّ " أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَتَى بِمَالٍ مِنَ الْمَشْرِقِ يُقَالُ لَهُ نَفْلُ كِسْرَى فَأَمَرَ بِهِ فَصُبَّ وَغُطِّيَ ثُمَّ دَعَا النَّاسَ فَاجْتَمَعُوا ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَكُشِفَ عَنْهُ فَإِذَا حُلِيٌّ كَثِيرٌ وَجَوْهَرٌ وَمَتَاعٌ فَبَكَى عُمَرُ وَحَمِدَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَقَالُوا لَهُ مَا يُبْكِيكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ؟ هَذِهِ غَنَائِمُ غَنِمَهَا اللَّهُ لَنَا وَنَزَعَهَا مِنْ أَهْلِهَا ، فَقَالَ مَا فُتِحَ مِنْ هَذَا عَلَى قَوْمٍ إِلَّا سَفَكُوا دِمَاءَهُمْ وَاسْتَحَلُّوا حُرْمَتَهُمْ . قَالَ فَحَدَّثَنِي زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ أَنَّهُ بَقِيَ مِنْ ذَلِكَ الْمَالِ مَنَاطِقُ وَخَوَاتِمُ فَرُفِعَ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَرْقَمَ : حَتَّى مَتَى تَحْبِسُهُ لَا تُقَسِّمُهُ قَالَ بَلَى إِذَا رَأَيْتَنِي فَارِغًا فَآذِنِّي بِهِ فَلَمَّا رَآهُ فَارِغًا بَسَطَ شَيْئًا فِي حُشِّ نَخْلَةٍ ثُمَّ جَاءَ بِهِ فِي مِكْتَلٍ فَصَبَّهُ فَكَأَنَّهُ اسْتَكْثَرَهُ ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ أَنْتَ قُلْتَ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ ، فَتَلَا الْآيَةَ حَتَّى فَرَغَ مِنْهَا ثُمَّ قَالَ لَا نَسْتَطِيعُ إِلَّا أَنْ نُحِبَّ مَا زَيَّنْتَ لَنَا فَقِنِي شَرَّهُ وَارْزُقْنِي أَنْ أُنْفِقَهُ فِي حَقِّكَ فَمَا قَامَ حَتَّى مَا بَقِيَ مِنْهُ شَيْءٌ " وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ يَحْيَى الْمَدَنِيِّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ نَحْوَهُ وَهَذَا مَوْصُولٌ لَكِنْ فِي سَنَدِهِ إِلَى عَبْدِ الْعَزِيزِ ضَعْفٌ وَقَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ وَاسْتَحَلُّوا حُرْمَتَهُمْ وَقَطَعُوا أَرْحَامَهُمْ فَمَا رَامَ حَتَّى قَسَمَهُ وَبَقِيَتْ مِنْهُ قِطَعٌ وَقَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ لَا نَسْتَطِيعُ إِلَّا أَنْ يَتَزَيَّنَ لَنَا مَا زَيَّنْتُ لَنَا وَالْبَاقِي نَحْوُهُ وَزَادَ فِي آخِرِهِ قِصَّةً أُخْرَى


قَوْلُهُ : سُفْيَانُ هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ .





قَوْلُهُ ثُمَّ قَالَ إِنَّ هَذَا الْمَالَ رُبَّمَا قَالَ سُفْيَانُ : قَالَ لِي يَا حَكِيمُ إِنَّ هَذَا الْمَالَ فَاعِلُ قَالَ أَوَّلًا هُوَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْقَائِلُ " رُبَّمَا " هُوَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدَايِنِيِّ رَاوِيهِ عَنْ سُفْيَانَ وَالْقَائِلُ قَالَ لِي هُوَ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ صَحَابِيُّ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ وَحَكِيمٌ بِالرَّفْعِ بِغَيْرِ تَنْوِينٍ مُنَادًى مُفْرَدٌ حُذِفَ مِنْهُ حَرْفُ النِّدَاءِ وَظَاهِرُ السِّيَاقِ أَنَّ حَكِيمًا قَالَ لِسُفْيَانَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْهُ لِأَنَّ بَيْنَ وَفَاةِ حَكِيمٍ وَمَوْلِدِ سُفْيَانَ نَحْوَ الْخَمْسِينَ سَنَةً وَلِهَذَا لَا يُقْرَأُ حَكِيمٌ بِالتَّنْوِينِ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّ سُفْيَانَ رَوَاهُ مَرَّةً بِلَفْظِ " ثُمَّ قَالَ " أَيِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " إِنَّ هَذَا الْمَالَ " وَمَرَّةً بِلَفْظِ " ثُمَّ قَالَ لِي يَا حَكِيمُ إِنَّ هَذَا الْمَالَ إِلَخْ " وَقَدْ وَقَعَ بِإِثْبَاتِ حَرْفِ النِّدَاءِ فِي مُعْظَمِ الرِّوَايَاتِ وَإِنَّمَا سَقَطَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي زَيْدٍ الْمَرْوَزِيِّ وَتَقَدَّمَ شَرْحُ قَوْلِهِ " فَمَنْ أَخَذَهُ بِطِيبِ نَفْسٍ إِلَخْ " فِي بَابِ " الِاسْتِعْفَافِ عَنِ الْمَسْأَلَةِ " مِنْ كِتَابِ الزَّكَاةِ وَتَقَدَّمَ شَرْحُ قَوْلِهِ : فِي آخِرِهِ وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى فِي " بَابِ لَا صَدَقَةَ إِلَّا عَنْ ظَهْرِ غِنًى " مِنْ كِتَابِ الزَّكَاةِ أَيْضًا وَقَوْلُهُ " بُورِكَ لَهُ فِيهِ " زَادَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ سُفْيَانَ بِسَنَدِهِ وَمَتْنِهِ وَإِبْرَاهِيمُ كَانَ أَحَدَ الْحُفَّاظِ وَفِيهِ مَقَالٌ .








يتبع إن شاء الله

المجلس العشرون

7 جمادى الآخر 1436ه

كتاب الرقاق

الباب الحادي عشر

شرح الشيخ بن عثيمين رحمه الله





-باب قوله النبي صلى الله عليه وسلم: ( هذا المال خضرة حلوة ).




وقوله تعالى: { زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ( 14 ) }




قال عمر: اللهم إنا لا نستطيع إلا أن نفرح إلا أن نفرح

بما زينه لنا ، اللهم إني أسألك أن أتفقه في حقه.






قوله: ( هذا المال خضرة حلوة ) سبق ذكره في حديث متصل.
قوله: ( زين للناس ) المزيِّن هو الله عز وجل ، لكن أحياناً يذكر الله الفعل الذي يكون منه عز وجل على سبيل المبني لما لم يسمى فاعله كراهة لنسبته لله عز وجل ، ومن ذلك قول الجن: { وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشداً } فلما ذكروا الشر قالوا: أريد مع أن الله هو الذي يريده ، ولما ذكروا الخير وهو الرشد قالوا: أم أراد بهم ربهم0
( من النساء ) أي الزوجات ، ( والبنين ) معروف معناه ، ( القناطير المقنطرة ) أي الآلاف المؤلفة من الذهب ، والفضة ، ( والخيل المسومة ) أي المعلمة التي وضع لها علامة تدل على جودتها وشدة عدوها ( والأنعام والحرث ) فكل هذه الأصناف يقول الله عنها ذلك ، متاع الحياة الدنيا { والله عنده حسن الثواب }.
{ قل أؤنبئكم بخير من ذلكم للذين اتقوا عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله والله بصير بالعباد الذين يقولون ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار } جعلنا الله وإياكم منهم. هذا هو الخير ، مع أن الإنسان يستطيع أن هذا الخير مع إدراك مازين الله له في الدنيا ، كما قال عمر رضي الله عنه: ( اللهم إنا لا نستطيع إلا أن نفرح بما زينته لنا ، اللهم إنس أسألك أن أنفقه في حقه ).
( الوجه الثاني ).




الحديث الأول:



عن حكيم بن حزام قال: ( سألت النبي صلى الله عليه وسلم ، فأعطاني ، ثم سألته فأعطاني ، ثم سألته فأعطاني ، ثم قال: إن هذا المال ـ وربما قال سفيان: قال لي يا حكيم إن هذا المال ـ خضرة حلوة ، فمن أخذه بطيب نفس بورك له فيه ، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه ، وكان كالذي يأكل ولا يشبع ، واليد العليا خير من اليد السفلى ).
وهذا دليل على كرمه عليه الصلاة والسلام ، وكان من كرمه أنه لا يُسأل شيئاً إلا أعطاه.






وفيه التحذير من الاستشراف بالمال ، وإن الإنسان إذا أخذ بإشراف نفس لم يبارك له فيه ، ومعنى إشراف نفس يعني: تطلع له ، فضلاً عن أن يُسأل ، أما من أتاه بغير استشراف نفس ، ولا سؤال فإنه يبارك له فيه ، وقد قال صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب: ( ما جاءك عن هذا المال وأنت غير مشرف ، ولا سائل فخذه ) فانتفى الأمرين: الإشراف وهو التطلع والسؤال ، ( فخذه وما لا فلا تتبعه نفسك ) وصدق النبي صلى الله عليه وسلم أن الذي يشرف للمال ويسأله كالذي يأكل ولا يشبع ، ثم بين عليه الصلاة والسلام أن هذا يده سفلى فقال: ( واليد العليا خير من اليد السفلى ) ، واليد العليا هي يد المعطي ، واليد السفلى هي يد الآخذ ، لأن يد المعطي تأتي من فرق ليضع الدرهم في يد الآخذ ، فالأخذ يده سفلى ، والمعطي يده عليا.




حكم أخذ المال من غير سؤال ولا تطلع إليه




السؤال : هل يجوز لي قبول ما يأتيني من المال من

غير سؤال ، سواء كان بمناسبة أو من غير مناسبة أم أن الواجب ترك قبوله ؟




الجواب :

الحمد لله




من أعطي شيئاً من غير مسألة ولا تطلع إليه جاز له قبوله ؛ لما رواه البخاري (1473) ومسلم (1045) (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُعْطِي عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْعَطَاءَ فَيَقُولُ لَهُ عُمَرُ : أَعْطِهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفْقَرَ إِلَيْهِ مِنِّي ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : خُذْهُ فَتَمَوَّلْهُ ، أَوْ تَصَدَّقْ بِهِ ، وَمَا جَاءَكَ مِنْ هَذَا الْمَالِ وَأَنْتَ غَيْرُ مُشْرِفٍ ، وَلَا سَائِلٍ فَخُذْهُ ، وَمَا لَا فَلَا تُتْبِعْهُ نَفْسَكَ) قَالَ سَالِمٌ فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَانَ ابْنُ عُمَرَ لَا يَسْأَلُ أَحَدًا شَيْئًا ، وَلَا يَرُدُّ شَيْئًا أُعْطِيَهُ) .
قال النووي رحمه الله : "والمشرف إلى الشيء هو المتطلع إليه الحريص عليه" انتهى من شرح مسلم.
قال النووي رحمه الله : " إذا عُرض عليه مال من حلال على وجه يجوز أخذه ولم يكن مِنْهُ مسألة ولا تطلع إليه جاز أخذه بلا كراهة ، ولا يجب . وقال بعض أهل الظاهر : يجب ; لحديث سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن عمر رضي الله عنه...فذكره .
دليلنا حديث حكيم بن حزام رضي الله عنه قال : (سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْطَانِي , ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي , ثُمَّ قَالَ : يَا حَكِيمُ , إنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ فَمَنْ أَخَذَهُ بِسَخَاوَةِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ , وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ وَكَانَ كَاَلَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ , وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى . قَالَ حَكِيمُ : فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ , وَاَلَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَا أَرْزَأُ أَحَدًا بَعْدَكَ شَيْئًا حَتَّى أُفَارِقَ الدُّنْيَا . فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَدْعُوَ حَكِيمًا لِيُعْطِيَهُ الْعَطَاءَ فَيَأْبَى أَنْ يَقْبَلَ مِنْهُ شَيْئًا . ثُمَّ إنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ دَعَاهُ لِيُعْطِيَهُ فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهُ , فَقَالَ : يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ , أُشْهِدُكُمْ عَلَى حَكِيمٍ أَنِّي أَعْرِضُ عَلَيْهِ حَقَّهُ الَّذِي قَسَمَ اللَّهُ لَهُ فِي هَذَا الْفَيْءِ فَيَأْبَى أَنْ يَأْخُذَهُ . فَلَمْ يَرْزَأْ حَكِيمٌ أَحَدًا مِنْ النَّاسِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى تُوُفِّيَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ



.

وقوله : " يَرْزَأُ " : - مَعْنَاهُ لَمْ يَأْخُذْ مِنْ أَحَدٍ شَيْئًا..., وَمَوْضِعُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَقَرَّهُ عَلَى هَذَا . وَكَذَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَسَائِرُ الصَّحَابَةِ الْحَاضِرِينَ رضي الله عنهم , وَحَدِيثُ عُمَرَ مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ وَالْإِبَاحَةِ " انتهى من "شرح المهذب"(6/234) .






وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء : أرسل إلي أحد أقاربي مبلغا كبيرا من المال بمناسبة زواجي ، يقصد به مساعدتي . هل أقبله أم أن العفاف أولى والاكتفاء بما أملك ؟




فأجابوا :

"
لا بأس بقبوله دون استشراف نفس ، ويكافأ عليه إذا تيسر ذلك بما يناسب ، أو يُدعى له ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من صنع إليكم معروفا فكافئوه ، فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له ، حتى تروا أنكم قد كافأتموه) رواه أبو داود والنسائي" انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (16/176( .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرح "رياض الصالحين" (1/275) :
كان ابن عمر رضي الله عنهما لا يسأل أحداً شيئاً ، وإذا جاءه شيء من غير سؤال قبله ، وهذا غاية ما يكون من الأدب ألا تذل نفسك بالسؤال ، ولا تستشرف للمال وتعلق قلبك به .
فالذي ينبغي أن من أعطاك بغير مسألة تقبل منه إلا إذا كان الإنسان يخشى ممن أعطاه أن يَمُنَّ به عليه في المستقبل فيقول : أنا أعطيتك أنا فعلت معك كذا وكذا وما أشبه ذلك فهنا يرده ؛ فليحم نفسه من هذا.." انتهى .
وأما سؤال الناس من غير ضرورة ، فهو محرم لا يجوز .
قال النووي رحمه الله في "شرح مسلم" : اتفق العلماء على النهي عن السؤال من غير ضرورة ، قال : واختلف أصحابنا في سؤال القادر على الكسب على وجهين : أصحهما التحريم لظاهر الأحاديث ، والثاني يجوز مع الكراهة ، بشروط ثلاثة : أن لا يلح ، ولا يذل نفسه زيادة على ذل نفس السؤال ، ولا يؤذي المسئول ، فإن فقد شرط من ذلك حرم" انتهى نقلاً من "فتح الباري" (10/408) ، وللزيادة ينظر جواب السؤال رقم (104781) .
والله أعلم (أ.هــ)


عودة لشرح الشيخ بن عثيمين رحمه الله




س: ما حكم أن يستعير أحدهم كتاب من كتب العلم يكون من أخيه وليس له مثيل ؟

ج: الاستعارة جائزة كما استعار النبي صلى الله عليه وسلم من صفوان بن أمية.





س: أحياناً يكون محتاجاً لهذا الكتاب ومهم أن يكون في مكتبته ، كأن يكون خطيباً مثلاً ...؟
ج: لا يجوز ، ولا يسأل أبداً.



س: من الناس يُسر لو سأل أي شيء ، ويفرح بذلك ؟
ج: هذا مستثنى ، ولا مانع ، أي الذي يسأل غيرها لإدخال السرور على المسؤول ، وليس بحاجة لهذا الشيء.



س: فإن كان بحاجة له ؟



ج: هو سواء احتاج أو لم يحتاج مادام أنا أعرف أن هذا الرجل سوف يسر لرسالته فلا بأس به ، والنبي صلى عليه الصلاة والسلام دخل ذات يوم وطلب طعاماً ، فأحضر إليه طعام فقال: ألم أرى البرمة على النار ؟ أي فيها اللحم ، قالوا: يا رسول الله ، هذا لحكم تصدق به على بريرة قال: هو عليها صدقة ، ولنا هدية ) فإذا علمنا أن المسؤول يفرح ويسر صار لمصلحته لا لمصلحة السائل.