يعد الثناء والمدح من أهم الأساليب التربوية، وهو احتياج نفسي للصغير والكبير مهما كان مستواه الإيماني والأخلاقي والفكري والثقافي، كما أنه منهج تربوي نبوي، اتبعه الرسول – صلى الله عليه وسلم - مع صحابته صغارا كانوا أم كبارا، حيث كان يطلق الألقاب عليهم، مثل: سيف الله، وأسد الله، وأمين الأمة، والفاروق، والصديق.

ويتضمن المدح أيضا: كلمات الثناء والتقدير، وصف السلوك الحميد، الاحتضان - القبلات، التربيت على الكتف، واللمسات الرقيقة.

فالمدح للسلوك الجيد والخلق القويم يعتبر من أفضل وسائل التدعيم والبناء التربوي السليم للطفل، بشرط أن يكون متوازناً، لا إفراط فيه بحيث يجنح بالأبناء إلى العجب والغرور وانتفاش النفس، ولكن مدحاً واعياً مصوّباً لتعزيز السلوك الجيد والخلق الحميد، ولتشجيع المهارات المبدعة والمواهب الكامنة.

وقد أظهرت الأبحاث العلمية فعالية المدح والثناء وفوائده على الأبناء، نذكر منها:

1- في تغيير السلوك وزيادة تكرار السلوك الحميد.

2- يبني الصفات الإيجابية، ويثبتها، ويقويها، ويرسخ القيم المحبوبة.

3- يساعد الأطفال على الشعور بالسعادة والاعتزاز والرضا بأنفسهم.

4- بناء علاقات أسرية يسودها الوئام والانسجام.

5- يساعد الأبناء على اكتساب المهارات الجديدة.

ولذلك كان مدح الطفل (الذي يكون حقيقيا ودون مبالغة) وسيلة تربوية تشبع حاجة كامنة بداخل الإنسان عموما، والطفل خصوصا.

والمدح لا يكون فقط فيما نراه لدى الطفل، بل كذلك فيما نحب أن يتصف به من وخلق، ومدح الطفل بما يمكنه أن يفعل، ويكون دافعا وتشجيعا له نحو الخير، فحاجة الطفل للمدح تأتي من حاجة الإنسان المتجذرة بأعماقه إلى التقدير، فلو قلت لابنك: (أحسنت) لبحث عن (الأحسن)، ولكن للأسف فإن كثيرا من الآباء والأمهات يبخلون على أبنائهم بالمدح، ولكن تجدهم سباقين إلى التوبيخ واللوم إذا رأوا ما لا يرضيهم من أبنائهم.

أذكر أني قد حضرت دورة للدكتور الفاضل/ مصطفى أبو السعد، وأذكر يومها تكلم عن مسألة مدح الأبناء، حيث أنه حث على أن نكثر المدح لأبنائنا، فقالت إحدى الحاضرات معترضة: أنه إذا أكثرنا المدح فإن الطفل سيصبح مغرورا!!

هنا رد عليها الدكتور/ مصطفى: على العكس، فإننا إذا أشبعنا تلك الحاجة في أبنائنا وبناتنا، فإنه سينمي لديهم الثقة بأنفسهم، ويشعرهم بالطمأنينة، ويولد لديهم شعورا بأنهم مرغوبون، ويكون حافزا لهم لإنجاز أكثر، ويجعلهم إيجابيين وفاعلين في الحياة، كما أنه يعتبر صمام أمان لهم من أن يتملكهم أحد بكلامه المعسول، فيصبحون طوعا لمن يعطيهم حاجتهم.

ثم أردف مستشهدا ببيت شعر:

مَلأَى السَنَابِلُ تَنْحَنِيْ بِتَوَاضُعِ *** والفَاْرِغَات رُؤُوسُهُن شَوامِخُ

بمعنى: أن الإنسان الممتلئ بالإيجابيات، وبالخير، بالثقة، بالعلم، وزد ما شئت من خير، والذي لا يشعر بالنقص، تجده متواضعا، قريبا من الناس، يحترم غيره، نفسه مستقرة. بينما الذي يشعر بالنقص، تجده يتكلم عن نفسه بتعال، يحاول إظهار نفسه، يتفاخر ويتحدث بما ليس فيه، وما أكثرهم!!

كيف نمارس المدح والثناء؟
1- اثن على سلوك الطفل، لا على الطفل نفسه، على سبيل المثال: قل: "ساعدت أخاك في ترتيب الغرفة هذا جيد"، ولا تقل: "إنك ولد رائع". وقل: "رسمك متقن"، ولا تقل: "أنت فنان".

2- امدح المحاولات ولو لم تكن إنجازاً، ولنحذر من تثبيط الطفل أثناء محاولاته حتى لا يصاب بخيبة الأمل وضعف الثقة في النفس.
3- اثن على طفلك وشجعه أثناء قيامه بالعمل ليصبح أكثر تعاوناً.

4- ركز على وصف الأشياء التي قام بها الطفل، وليس على الأشياء التي لم يقم بها.

5- انتبه للغة جسدك أثناء ثنائك على طفلك: نبرة صوت قوية ملؤها الفرح والبهجة تعبر عن إعجابك، مصحوبة بابتسامة، وعينيك تنظر إلى عينيه وأنت تميل نحوه منحنياً إلى مستوى قامته.

6- لغة الثناء أو الكلمات المستعملة يجب أن تكون بسيطة وقصيرة وواضحة، واذكر السلوك الذي أعجبك بالتحديد، مثلاً، شكراً لك يا سعيد لأنك قمت بأداء واجبك المدرسي وجمعت أدواتك في الشنطة.

7- لا تربط الثناء على الطفل بأساليب السخرية أو بالملاحظات الانتقادية. على سبيل المثال: "تبدو اليوم هادئاً، لا كما كنت بالأمس مزعجاً وعصبياً".

8- عند استخدامنا لأسلوب الثناء نركز دائماً على الجوانب الإيجابية من سلوك الطفل. ويتضمن الثناء، التشجيع والوصف واللمس والربت والابتسامة والمكافأة البسيطة كالملصقات والجوائز.

9- وليكن مدحك حقيقيا غير مجامل: فالطفل يعرف بإحساسه وذكائه متى تكون صادقاً في مدحك ومتى تكون مجاملا مبالغاً؛ لذلك علينا أن نمدح ما يستحق المدح من إيجابيات حقيقية، مع الابتعاد عن أسلوب المدح للمدح أو التفاخر أو المبالغة المضرة، وهو المدح السلبي الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم وحذّر منه في قوله للذي رآه يبالغ في مدح أخاه: "ويلك قطعت عنق صاحبك" رواه البخاري.
وأخيرا:
اجعل عينك عين نحلة تقع وتلاحظ وتنتبه لكل ما هو جميل، ولا تكن عينك كعين الذبابة تركز على كل ما هو سلبي:

فكن جاهزا مركزا على ما ينجزه ابنك ـ ولو كان صغيرا ـ ولا تؤخره عن وقته.

وكن جاهزا بالمفردات المادحة، والوجه المبتسم، واليد المشجعة.


أَيَعْجِزُ أحدُكم ، أن يكسِبَ كُلَّ يومٍ ألفَ حسَنَةٍ ؟ يُسَبِّحُ اللهَ مائَةَ تسبيحَةٍ ؛ فَيَكْتُبُ اللهُ لَهُ بَها ألفَ حسَنَةٍ ، ويَحُطُّ عنه بِها ألْفَ خَطِيئَةٍ