لمحات من مكانة مصر الدينية والتاريخية عبر العصور..





لمحات من مكانة مصر الدينية والتاريخية عبر العصور.. 2339432013719312



ذكرت في خمسة وعشرين موضعا بالقرآن..

وصي بها الرسول.. وتبوأت منزلة حضارية دينية بعد دخول الإسلام إليها..

خصها أعلام المؤرخين بأجزاء في مؤلفاتهم للحديث عن فضائلها..


كانت ولا زالت مصر منذ أقدم العصور الحصن الحصين والصرح العملاق في منطقة الشرق الأوسط.. فمنذ أن دخل الإسلام في مصر‏‏ بدأت عصرا من النهوض والإحياء‏،‏ بعد القهر الإغريقي الروماني الذي استمر عشرة قرون - بدءا الإسكندر الأكبر ‏[356-‏324‏ ق‏.‏م‏]‏ في القرن الرابع قبل الميلاد، وحتي هرقل [610-641م] في القرن السابع للميلاد..

فلقد أحياها الإسلام فاستأنفت مسيرتها الحضارية، وتبوأت مكانتها القيادية في المحيط الإسلامي، وأعطت للفكر الإسلامي والحضارة الإسلامية العطاء الذي وصلت به حاضرها الإسلامي بتراثها الحضاري القديم، فكان أن امتلكت المجد الديني والحضاري من طرفيه..


هذا ما قرأته للكاتب والمفكر الإسلامي الكبير الدكتور محمد عمارة.. حيث أكد على مكانة مصر عبر العصور التاريخية.. فذكر ما يلى في إحدى كتاباته عن تاريخ وفضائل مصر:

"بشر فيها سيدنا إدريس عليه السلام بالتوحيد، وعلم الناس علوم المدنية والتمدن منذ فجر الإنسانية على عهد آدم عليه السلام، وفيها ارتفعت رايات التوحيد الذي جاء به خاتم الأنبياء محمد بن عبد الله صلي الله عليه وسلم.

ونظرا لمكانة مصر في التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية نجد أن أعلام المؤرخين خصوها وأفردوا لها أجزاء في مؤلفاتهم للحديث عن فضائلها التي استأثرت بها علي سائر البلدان.. ومن هؤلاء المؤرخين المقريزي وغيره.

وتابع عمارة في حديثه عن مصر:

"إذا كان هذا التراث في فضائل مصر هو مما يجب التعريف به، وتدريسه لأبنائنا وبناتنا بالمدارس والجامعات، لإحياء الروح الوطنية، وإذكاء عوامل وعواطف الولاء والانتماء للوطن الذي مثل ويمثل المركز القائد في المحيط الإسلامي، فيكفي في هذا المقام أن نشير إلى أن هؤلاء المؤرخين العظام، الذين جعلوا الحديث عن فضائل مصر سنة متبعة في كتب التاريخ..

فقد أبرزوا امتياز هذا البلد الأمين بأن ذكره قد جاء في القرآن الكريم في خمسة وعشرين موضعا، منها: {وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ‌ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً}[يونس:87]،

ومنها: {وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ‌ إِن شَاءَ اللَّـهُ آمِنِينَ} [يوسف:99]،
ومنها: {اهْبِطُوا مِصْرً‌ا فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ} [البقرة:61]،
ومنها: {وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْ‌يَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَىٰ رَ‌بْوَةٍ ذَاتِ قَرَ‌ارٍ‌ وَمَعِينٍ} [المؤمنون:50]،
ومنها: {وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَ‌اهُ مِن مِّصْرَ‌ لِامْرَ‌أَتِهِ أَكْرِ‌مِي مَثْوَاهُ}[يوسف:21]،
ومنها: {وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا} [القصص:15]، {وَجَاءَ رَ‌جُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَىٰ}[القصص:20]،
ومنها: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ‌ وَهَـٰذِهِ الْأَنْهَارُ‌ تَجْرِ‌ي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُ‌ونَ}[الزخرف:51] - .. الخ.. الخ.. الخ..

وواصل المفكر الإسلامي:

" وقبيل الفتح الإسلامي لمصر كانت استجابة شعبها لرسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي حملها الصحابي حاطب بن أبي بلتعة [35ق.هـ -30هـ 586 ـ650م] إلى المقوقس ـ عظيم القبط ـ سنة 7 هـ سنة 628م ـ استجابة إيجابية..


حيث دار بينهما حوار أرسى مبادئ الإسلام في الرفض لاستبداد الفرعونية، وفي الاعتراف بكل النبوات والكتب والرسالات الدينية، وفي جعل الإيمان بالإسلام ـ الشامل لكل الرسالات ـ إضافة وارتقاء على سلم الإيمان بالدين الإلهي الواحد، دون الإنكار لأي شريعة من شرائع الأنبياء السابقين، وذلك ـ عندما قال حاطب للمقوقس:


"إنه قد كان قبلك رجل زعم أنه الرب الأعلي فانتقم الله به ثم انتقم منه فاعتبر بغيرك، ولا يعتبر بك.. وإن لك دينا لن تدعه إلا لما هو خير منه ـ وهو الإسلام ـ الكافي به الله، وما بشارة موسي بعيسي إلا كبشارة عيسى بمحمد، وما دعاؤنا إياك إلى القرآن إلا كدعائك أهل التوراة إلى الانجيل. ولسنا ننهاك عن دين المسيح، ولكنا نأمرك به".


ولمكانة هذا البلد الأمين.. كانت نبوءة رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم بدخوله في الإسلام، وكانت وصاياه بأهله، الذين سيتبئون في التاريخ الإسلامي مكان الريادة والقيادة، وسيمثلون كنانة الله في أرضه، المدافعة عن حياض دار الإسلام.


وفي هذه الوصايا قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام مسلم:

"ستفتح عليكم بعدي مصر، فاستوصوا بقبطها خيرا، فإن لكم منهم صهرا وذمة"، وروى مسلم أيضا قوله صلى الله عليه وسلم: "ستفتحون أرضا يذكر فيها القيراط، فاستوصوا بأهلها خيرا، فإن لهم ذمة ورحما"؛ فمن رحم هاجر المصرية جاء إسماعيل ابن أبي الأنبياء إبراهيم عليهما السلام، ومن مصر كانت مارية القبطية، التي ولدت للرسول صلى الله عليه وسلم ابنه الوحيد إبراهيم الذي سماه باسم أبي الأنبياء، الأمر الذي جعل المؤرخين الذين أرخوا لفضائل مصر يقولون:

إن العرب والمسلمين كافة لهم نسب بمصر من جهة أمهم مارية أم إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ لأن أزواج النبي أمهات المؤمنين، والقبط أخوال العرب والمسلمين، وصارت العرب كافة من مصر بأمهم هاجر لأنها أم إسماعيل وهو أبو العرب.

واستطرد عمارة:

"و تنبأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن أهل مصر سيكونون على امتداد تاريخ الإسلام القوة الضاربة دفاعا عن ديار الإسلام في مواجهة التحديات والغزوات، جاء في كنز العمال أنه صلى الله عليه وسلم قال لصحابته: "إذا فتح الله عليكم مصر فاتخذوا فيها جندا كثيفا، فذلك الجند خير أجناد الأرض"... فلما سأله أبو بكر الصديق: ولم ذلك يا رسول الله؟ قال: "لأنهم في رباط إلي يوم القيامة".


ولقد أكد التاريخ على نبوءة رسول الله صلى الله عليه وسلم فالجند الذين خرجوا من مصر هم الذين هزموا الصليبيين، وحرروا القدس من الاغتصاب الصليبي. والجند الذين خرجوا من مصر هم الذين كسروا شوكة التتار في عين جالوت سنة 658هـ سنة 1260م ـ فأنقذوا الحضارة من الدمار، وحافظوا على حوزة الإسلام.


ـ والجند الذين خرجوا من مصر ـ سنة 910هـ سنة 1504م ـ هم الذين حاربوا طلائع الغزوة الصليبية الحديثة على شواطئ الهند المسلمة، عندما حاربوا البرتغاليين الذين التفوا حول العالم الإسلامي تمهيدا لغزو قلبه، واغتصاب القدس من جديد.


وأيضا:

ـ كما أن مصر وأجنادها قد مثلت القيادة لحركات التحرر الوطني في عصرنا الحديث، والقوة المرابطة على جبهة التحريرللقدس وفلسطين من الاغتصاب الصهيوني.


وإذا كان المسلمون قد فتحوا الشام والعراق والخليج وفارس في عام واحد، فإن فتح مصر قد استغرق خمس سنوات،
لأن الرومان قد اتخذوها عاصمة لإمبراطورتيهم الشرقية، وجعلوا معركتها الفاصلة التي حررت الشرق من استعمارهم وقهرهم الذي دام عشرة قرون.. حتى لقد قال هرقل: إذا سقطت الإسكندرية ضاع ملك الروم!


وفي هذا الفتح الإسلامي لمصر شاركت كوكبة من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم
زاد عددها على المائة، كان من بينهم كثيرون من كبار الصحابة وأبطالهم المبرزين.

ولقد قصت كتب فضائل مصر دعاء سيدنا نوح عليه السلام لمصر التي سميت باسم حفيده الذي سكنها بعد الطوفان، ولقد جاء في دعائه لحفيده ولأهل مصر: اللهم بارك في ذريته، وأسكنه الأرض المباركة التي هي أمن البلاد وغوث العباد، ونهرها أفضل أنهار الدنيا، واجعل فيها أفضل البركات.


وقال عمرو بن العاص عن هذا البلد الأمين : إنَّ ولاية مصر جامعة، تعدل خلافة..

أما ابنه عبدالله
، فلقد وصف أهلها فقال: إنهم أكرم الأعاجم محتدا، وأسمحهم يدا، وأفضلهم عنصرا، وأقربهم رحما بالعرب كافة، وبقريش خاصة، ومن أراد أن ينظر إلى الفردوس فلينظر إلى أرض مصر حين تخضر زروعها، ويزهر ربيعها، وتكسى بالنوار أشجارها، وتغني أطيارها.


وقال الصحابي كعب الأحبار
[32هـ 652م]، فيها:

"إني لأحب مصر وأهلها، لأن أهلها أهل عافية. ومن أرادها بسوء كبه الله على وجهه".


وبناء على ما سبق أكد ونؤكد على أن مصر امتازت وتميزت في القرآن والسنة، أصبحت فضائلها فنا من فنون تاريخ الإسلام.