سورة البقرة


مدنية بلا خلاف أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم قال: أخبرنا عبد الله بن حامد قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن يوسف قال: حدثنا يعقوب بن سفيان الصغير قال: حدثنا يعقوب بن سفيان الكبير قال: حدثنا هشام بن عمار قال: حدثنا الوليد بن مسلم قال: حدثنا شعيب بن زريق عن عطاء الخراساني عن عكرمة قال: أول سورة نزلت بالمدينة سورة البقرة قوله عز وجل: (الَمَ ذَلِكَ الكِتابُ) أخبرنا أبو عثمان الزعفراني قال: أخبرنا أبو عمرو بن مطر قال: أخبرنا جعفر بن محمد بن الليث قال: أخبرنا أبو حذيفة قال: حدثنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: أربع آيات من أول هذه السورة نزلت في المؤمنين وآيتان بعدها نزلتا في الكافرين وثلاث عشرة بعدها نزلت في المنافقين.

وقوله (إِنَ الَّذينَ كَفَروا) قال الضحاك: نزلت في أبي جهل وخمسة من أهل بيته وقال الكلبي: يعني اليهود.

وقوله تعالى (وَإِذا لَقوا الَّذينَ آَمَنوا) قال الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس: نزلت هذه الآية في عبد الله بن أبي وأصحابه وذلك أنهم خرجوا ذات يوم فاستقبلهم نفر من أصحاب رسول الله صلى عليه وسلم فقال عبد الله بن أبي انظروا كيف أرد هؤلاء السفهاء عنكم فذهب فأخذ بيد أبي بكر فقال: مرحباً بالصديق سيد بني تميم وشيخ الإسلام وثاني رسول الله في الغار الباذل نفسه وماله ثم أخذ بيد عمر فقال: مرحباً بسيد بني عدي بن كعب الفاروق القوي في دين الله الباذل نفسه وماله لرسول الله ثم أخذ بيد علي فقال: مرحباً بابن عم رسول الله وختنه سيد بني هاشم ما خلا رسول الله ثم افترقوا فقال عبد الله لأصحابه: كيف رأيتموني فعلت فإذا رأيتموهم فافعلوا كما فعلت فأثنوا عليه خيراً فرجع المسلمون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبروه بذلك فأنزل الله هذه الآية.
قوله (يا أَيُّها الناسُ اُعبُدوا رَبَّكُم) أخبرنا سعيد بن محمد الزاهد قال: أخبرنا أبو علي بن أحمد الفقيه قال: أخبرنا أبو ذر القهستاني قال: حدثنا عبد الرحمن بن بشر قال: حدثنا روح قال: حدثنا شعبة عن سفيان الثوري عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة قال: كل شيء نزل فيه (يا أَيُّها الناسٌ) فهو مكي ويا أيها الذين آمنوا فهو مدني يعني أن يا أيها الناس خطاب أهل مكة و (يا أَيُّها الَّذينَ آمَنوا) خطاب أهل المدينة قوله (ياأَيُّها الناسُ اُعبُدوا رَبَّكُم) خطاب لمشركي مكة إلى قوله (وَبَشِّرِ الَّذينَ آمَنوا) وهذه الآية نازلة في المؤمنين وذلك أن الله تعالى لما ذكر جزاء الكافرين بقوله (النارُ الَّتي وَقودُها الناسُ وَالحِجارةُ أُعِدَت لِلكافِرينَ) ذكر جزاء المؤمنين.

قوله (إِنَّ اللهَ لا يَستَحيي أَن يَضرِبَ مَثَلاً) قال ابن عباس في رواية أبي صالح لما ضرب الله سبحانه هذين المثلين للمنافقين يعني قوله (مَثَلُهُم كَمَثَلِ الَّذي اِستَوقَدَ ناراً) وقوله (أَو كَصَيِّبٍ مِنَ السَماءِ) قالوا الله أجل وأعلى من أن يضرب الأمثال فأنزل الله هذه الآية وقال الحسن وقتادة: لما ذكر الله الذباب والعنكبوت في كتابه وضرب للمشركين المثل ضحكت اليهود وقالوا: ما يشبه هذا كلام الله فأنزل الله هذه الآية.

خبرنا أحمد بن عبد الله بن إسحاق الحافظ في كتابه قال: أخبرنا سليمان بن أيوب الطبراني قال: حدثنا عبد العزيز بن سعيد عن موسى بن عبد الرحمن عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس في قوله (إِنَّ اللهَ لا يَستَحيي أَن يَضرِبَ مَثَلاً) قال: وَذَلِكَ أن الله ذكر آلهة المشركين فقال (وَإِن يَسلِبهُمُ الذُبابُ شَيئاً) وذكر كيد الآلهة فجعله كبيت العنكبوت فقالوا ارايتم حيث ذكر الله الذباب والعنكبوت فيما أنزل من القرآن على محمد أي شيء يصنع بهذا فأنزل الله الآية.
قوله (أَتأمُرونَ الناسَ بِالبِرِ) قال ابن عباس في رواية الكلبي عن أبي حاتم بالإسناد الذي ذكر نزلت في يهود المدينة كان الرجل منهم يقول لصهره ولذوي قرابته ولمن بينهم وبينه رضاع من المسلمين اثبت على الدين الذي أنت عليه وما يأمرك به وهذا الرجل يعنون محمداً صلى الله عليه وسلم فإن أمره حق فكانوا يأمرون الناس بذلك ولا يفعلونه.

وقوله (وَاِستَعينوا بِالصَبرِ وَالصَلاةِ) عند أكثر أهل العلم أن هذه الآية خطاب لأهل الكتاب وهو مع ذلك أدب لجميع العباد. وقال بعضهم: رجع بهذا الخطاب إلى خطاب المسلمين والقول الأول أظهر.
وقوله (إِنَّ الَّذينَ آَمَنوا وَالَّذينَ هادوا) الآية. أخبرنا أحمد بن محمد بن أحمد الحافظ قال: أخبرنا عبد الله بن محمد بن جعفر الحافظ قال: حدثنا أبو يحيى الرازي قال: حدثنا سهل بن عثمان العسكري قال: حدثنا يحيى بن أبي زائدة قال: قال ابن جريج: عن عبد الله بن كثير عن مجاهد قال: لما قص سلمان على النبي صلى الله عليه وسلم قصة أصحاب الدير قال: هم في النار قال سلمان: فأظلمت علي الأرض فنزلت (إنَّ الَّذينَ آمَنوا وَالَّذينَ هادوا) إلى قوله (يَحزَنونَ) قال: فكأنما كشف عني جبل.
أخبرنا محمد بن عبد العزيز المروزي قال: أخبرنا محمد بن الحسين الحدادي قال: أخبرنا أبو فرقد قال: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: أخبرنا عمرو عن أسباط عن السدي (إِنَّ الَّذينَ آَمَنوا والَّذينَ هادوا) الآية قال: نزلت في أصحاب سلمان الفارسي لما قدم سلمان على رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل يخبر عن عبادة أصحابه واجتهادهم وقال: يا رسول الله كانوا يصلون ويصومون ويؤمنون بك ويشهدون أنك تبعث نبياً فلما فرغ سلمان من ثنائه عليهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا سلمان هم من أهل النار فأنزل الله (إِنَّ الَّذينَ آَمَنوا وَالَّذينَ هادوا) وتلا إلى قوله (وَلا هُم يَحزَنونَ).
أخبرنا محمد بن أحمد بن محمد بن جعفر قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن زكرياء قال: أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الدغولي قال: أخبرنا أبو بكر بن أبي خيثمة قال: حدثنا عمرو بن حماد قال: حدثنا أسباط عن السدي عن أبي مالك عن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم (إِِنَّ الَّذينَ آمَنوا وَالَّذينَ هادوا) الآية نزلت هذه الآية في سلمان الفارسي وكان من أهل جندي سابور من أشرافهم وما بعد هذه الآية نازلة في اليهود.

وقوله (فَوَيلٌ لِلَّذينَ يَكتُبونَ الكِتابَ بِأَيديهِم) الآية نزلت في الذين غيروا صفة النبي صلى الله عليه وسلم وبدلوا نعته قال الكلبي بالإسناد الذي ذكرنا: إنهم غيروا صفة النبي صلى الله عليه وسلم في كتابهم وجعلوه آدم سبطاً طويلاً وكان ربعة أسمر صلى الله عليه وسلم وقالوا لأصحابهم وأتباعهم: انظروا إلى صفة النبي الذي يبعث في آخر الزمان ليس يشبه نعت هذا وكانت للأحبار والعلماء مأكلة من سائر اليهود فخافوا أن يذهبوا مأكلتهم إن بينوا الصفة فمن ثم غيروا.
قوله (وَقالوا لَن تَمَسَّنا النارُ إِلا أَيّاماً مَّعدودَةً) أخبرنا إسماعيل بن أبي القسم الصوفي قال: أخبرنا أبو الحسين العطار قال: أخبرنا أحمد بن الحسين بن عبد الجبار قال: حدثني أبو القسم عبد الله بن سعد الزهري قال: حدثني أبو عمرو قال: حدثنا أبي عن أبي إسحاق قال: حدثني محمد بن أبي محمد عن عكرمة عن ابن عباس قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ويهود تقول: إنما هذه الدنيا سبعة آلاف سنة إنما يعذب الناس في النار لكل ألف سنة من أيام الدنيا يوم واحد في النار من أيام الآخرة وإنما هي سبعة أيام ثم ينقطع العذاب فأنزل الله تعالى في ذلك من قولهم (وَقالوا لَن تَمَسَّنا النارُ إِلا أَيّاماً مَّعدودَةً).

وقال ابن عباس في رواية الضحاك: وجد أهل الكتاب ما بين طرفي جهنم مسيرة أربعين قالوا: لن نعذب في النار إلا ما وجدنا في التوراة فإذا كان يوم القيامة اقتحموا في النار فساروا في العذاب حتى انتهوا إلى سقر وفيها شجرة الزقوم إلى آخر يوم من الأيام المعدودة فقال لهم خزنة النار: يا أعداء الله زعمتم أنكم لن تعذبوا في النار إلا أياماً معدودات فقد انقطع العدد وبقي الأمد.
قوله (اَفَتَطمَعونَ) الآية. قال ابن عباس ومقاتل: نزلت في السبعين الذين اختارهم موسى ليذهبوا معه إلى الله تعالى فلما ذهبوا معه سمعوا كلام الله تعالى وهو يأمر وينهى ثم رجعوا إلى قومهم فأما الصادقون فأدوا ما سمعوا. وقالت طائفة منهم: سمعنا الله من لفظ كلامه يقول: إن استطعتم أن تفعلوا هذه الأشياء فافعلوا وإن شئتم فلا تفعلوا ولا بأس وعند أكثر المفسرين نزلت الآية في الذين غيروا آية الرجم وصفة محمد صلى الله عليه وسلم.

قوله (وَكانوا مِن قَبلُ يَستَفتِحونَ عَلى الَّذينَ كَفَروا) وقال ابن عباس: كان يهود خيبر تقاتل غطفان فكلما التقوا هزمت يهود خيبر فعاذت اليهود بهذا الدعاء وقالت: اللهم إنا نسألك بحق النبي الأمي الذي وعدتنا أن تخرجه لنا في آخر الزمان إلا نصرتنا عليهم قال: فكانوا إذا التقوا دعوا بهذا الدعاء فهزموا غطفان فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم كفروا به فأنزل الله تعالى (وَكانوا مِن قَبلُ يَستَفتِحونَ عَلى الَّذينَ كَفَروا) أي بك يا محمد إلى قوله (فَلَعنَةُ اَلله عَلى الكافِرينَ) وقال السدي: كانت العرب تمر بيهود فتلقى اليهود منهم أذى وكانت اليهود تجد نعت محمد في التوراة أن يبعثه الله فيقاتلون معه العرب فلما جاءهم محمد صلى الله عليه وسلم كفروا به حسداً وقالوا: إنما كانت الرسل من بني إسرائيل فما بال هذا من بني إسماعيل.
قوله (قُل مَن كانَ عَدوَّاً لِجِبريلَ) الآية. أخبرنا سعيد بن محمد بن أحمد الزاهد قال: أخبرنا الحسن بن أحمد الشيباني قال: أخبرنا المؤمل بن الحسن قال: حدثنا محمد بن إسماعيل بن سالم قال: أخبرنا أبو نعيم قال: حدثنا عبد الله بن الوليد عن بكير عن ابن شهاب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: أقبلت اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا أبا القاسم نسألك عن أشياء فإن أجبتنا فيها اتبعناك أخبرنا من الذي يأتيك من الملائكة فإنه ليس نبي إلا يأتيه ملك من عند ربه عز وجل بالرسالة بالوحي فمن صاحبك قال: جبريل قالوا: ذاك الذي ينزل بالحرب وبالقتال ذاك عدونا لو قلت ميكائيل الذي ينزل بالمطر والرحمة اتبعناك فأنزل الله تعالى (قُل مَن كانَ عَدُوَّاً لِجِبريلَ فَإِنَّهُ نَزَلَهُ عَلى قَلبِكَ) إلِى قوله (فَإِنَ الَلهَ عَدُوٌّ لِّلكافِرينَ).
================================================== =========
قوله (مَن كانَ عَدُوّاًً للهِ وَمَلائِكَتِهِ) الآية. أخبرنا أبو بكر الأصفهاني قال: أخبرنا أبو الشيخ الحافظ قال: حدثنا أبو يحيى الرازي قال: حدثنا سهل بن عثمان قال: حدثنا علي بن مسهر عن داود عن الشعبي قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: كنت آتي اليهود عند دراستهم التوراة فأعجب من موافقة القرآن التوراة وموافقة التوراة القرآن فقالوا يا عمر ما أحد أحب إلينا منك قلت ولم قالوا: لأنك تأتينا وتغشانا قلت: إنما أجيء لأعجب من تصديق كتاب الله بعضه بعضاً وموافقة التوراة القرآن وموافقة القرآن التوراة فبينما أنا عندهم ذات يوم إذ مر رسول الله صلى الله عليه وسلم خلف ظهري فقالوا: إن هذا صاحبك فقم إليه فالتفت إليه فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد دخل خوخة من المدينة فأقبلت عليهم فقلت: أنشدكم بالله وما أنزل عليكم من كتاب أتعلمون أنه رسول الله فقال سيدهم: قد نشدكم الله فأخبروه فقالوا: أنت سيدنا فأخبره فقال سيدهم: إنا نعلم أنه رسول الله قال: فقلت فأنت أهلكهم إن كنتم تعلمون أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لم تتبعوه قالوا: إن لنا عدواً من الملائكة وسلماً من الملائكة فقلت من عدوكم ومن سلمكم قالوا: عدونا جبريل وهو ملك الفظاظة والغلظة والإصار والتشديد قلت: ومن سلمكم قالوا: ميكائيل وهو ملك الرأفة واللين والتيسير قلت: فإني أشهدكم ما يحل لجبريل أنه يعادي سلم ميكائيل وما يحل لميكائيل أن يسالم عدو جبريل وإنهما جميعاً ومن معهما أعداء لمن عادوا وسلم لمن سالموا ثم قمت فدخلت الخوخة التي دخلها رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستقبلني فقال: يا ابن الخطاب ألا أقرؤك آيات نزلت علي من قبل قلت: بلى فقرأ (قًل مَن كانَ عَدُوّاً لِجِبريلَ فَإِنَّهُ) الآية حتى بلغ (وَما يَكفُرُ بِها إِلا الفاسِقونَ) قلت: والذي بعثك بالحق ما جئت إلا أخبرك بقول اليهود فإذا اللطيف الخبير قد سبقني بالخبر. قال عمر: فلقد رأيتني أشد في دين الله من حجر.

وقال ابن عباس: إن حبراً من أحبار اليهود من فدك يقال له عبد الله بن صوريا حاج النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن أشياء فلما اتجهت الحجة عليه قال: أي ملك يأتيك من السماء قال: جبريل ولم يبعث الله نبياً إلا وهو وليه قال: ذاك عدونا من الملائكة ولو كان ميكائيل لآمنا بك إن جبريل نزل بالعذاب والقتال والشدة فإنه عادانا مراراً كثيرة وكان أشد ذلك علينا أن الله أنزل على نبينا أن بيت المقدس سيخرب على يدي رجل يقال له بختنصر وأخبرنا بالحين الذي يخرب فيه فلما كان وقته بعثنا رجلاً من أقوياء بني إسرائيل في طلب بختنصر ليقتله فانطلق يطلبه حتى لقيه ببابل غلاماً مسكيناً ليست له قوة فأخذه صاحبنا ليقتله فدفع عنه جبريل وقال لصاحبنا: إن كان ربكم الذي أذن في هلاككم فلا تسلط عليه وإن لم يكن هذا فعلى أي حق تقتله فصدقه صاحبنا ورجع إلينا وكبر بختنصر وقوي وغزانا وخرب بيت المقدس فلهذا نتخذه عدواً فأنزل الله هذه الآية.
وقال مقاتل: قالت اليهود: كان جبريل عدونا أمر أن يجعل النبوة فينا فجعلها في غيرنا فأنزل الله هذه الآية.
================================================== ==========

قوله (وَلَقَد أَنزَلنا إِليكَ آياتٍ بَيِّناتٍ) قال ابن عباس: هذا جواب لابن صوريا حيث قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا محمد ما جئتنا بشيء نعرفه وما أنزل عليك من آية بينة فنتبعك بها فأنزل الله هذه الآية.

قوله (وَاِتَّبَعوا ما تَتلو الشَياطينُ عَلى مُلكِ سُلَيمانَ) الآية. أخبرني محمد بن عبد العزيز القنطري قال: أخبرنا أبو الفضل الحدادي قال: أخبرنا أبو يزيد الخالدي قال: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: حدثنا جدي قال: أخبرنا حصين بن عبد الرحمن عن عمران بن الحارث قال: بينما نحن عند ابن عباس إذ قال: إن الشياطين كانوا يسترقون السمع من السماء فيجيء أحدهم بكلمة حق فإذا جرب من أحدهم الصدق كذب معها سبعين كذبة فيشربها قلوب الناس فاطلع على ذلك سليمان فأخذها فدفنها تحت الكرسي فلما مات سليمان قام شيطان الطريق فقال: ألا أدلكم على كنز سليمان المنيع الذي لا كنز له مثله قالوا: نعم قال: تحت الكرسي فأخرجوه فقالوا: هذا سحر سليمان سحر به الأمم فأنزل الله عذر سليمان (وَاَتَّبَعوا ما تَتلو الشَياطينُ عَلى مُلكِ سُلَيمانَ وَما كَفَرَ سُليمانُ).
وقال الكلبي: إن الشياطين كتبوا السحر والنارنجيات على لسان آصف: هذا ما علم آصف بن برخيا سليمان الملك ثم دفنوها تحت مصلاه حين نزع الله ملكه ولم يشعر بذلك سليمان ولما مات سليمان استخرجوه من تحت مصلاه وقالوا للناس: إنما ملككم سليمان بهذا فتعلموه فلما علم علماء بني إسرائيل قالوا: معاذ الله أن يكون هذا علم سليمان وأما السفلة فقالوا: هذا علم سليمان وأقبلوا على تعلمه ورفضوا كتب أنبيائهم ففشت الملامة لسليمان فلم تزل هذه حالهم حتى بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم وأنزل الله عذر سليمان على لسانه ونزل براءته مما رمي به فقال (وَاَتَّبَعوا ما تَتلو الشَياطينُ) الآية.

خبرنا سعيد بن العياش القرشي كتابة أن الفضل بن زكرياء حدثهم عن أحمد بن نجدة عن سعيد بن منصور عن عثمان بن بشير عن حصيفة قال: كان سليمان إذا نبتت الشجرة قال: لأي داء أنت فتقول: لكذا وكذا فلما نبتت شجرة الخروبة قال: لأي شيء أنت قالت: لخراب بيتك قال: تخربينه قالت: نعم قال: بئس الشجرة أنت فلم يلبث أن توفي فجعل الناس يقولون في مرضاهم: لو كان مثل سليمان فأخذت الشياطين فكتبوا كتاباً وجعلوه في مصلى سليمان وقالوا: نحن ندلكم على ما كان سليمان يداوي به فانطلقوا فاستخرجوا ذلك فإذا فيه سحر ورقي فأنزل الله تعالى (وَاَتَّبَعوا ما تَتلو الشَياطينُ عَلى مُلكِ سُلَيمانَ) إلى قوله (فَلا تَكفُر) قال السري: إن الناس في زمن سليمان كتبوا السحر فاشتغلوا بتعلمه فأخذ سليمان تلك الكتب فدفنها تحت كرسيه ونهاهم عن ذلك ولما مات سليمان وذهب به كانوا يعرفون دفن الكتب فتمثل شيطان على صورة إنسان فأتى نفراً من بني إسرائيل وقال: هل أدلكم على كنز لا تأكلونه أبداً قالوا نعم قال: فاحفروا تحت الكرسي فحفروا فوجدوا تلك الكتب فلما أخرجوها قال الشيطان: إن سليمان ضبط الجن والإنس والشياطين والطيور بهذا فأخذ بنو إسرائيل تلك الكتب فلذلك أكثر ما يوجد السحر في اليهود فبرأ الله عز وجل سليمان من ذلك وأنزل هذه الآية.

قوله تعالى (يَا أَيَّها الَّذينَ آَمَنوا لا تَقولوا راعِنا) الآية. قال ابن عباس في رواية عطاء: وذلك أن العرب كانوا يتكلمون بها فلما سمعتهم اليهود يقولونها للنبي صلى الله عليه وسلم أعجبهم ذلك وكان راعنا في كلام اليهود سباً قبيحاً فقالوا: إنا كنا نسب محمداً سراً فالآن أعلنوا السب لمحمد فإنه من كلامه فكانوا يأتون نبي الله صلى الله عليه وسلم فيقولون: يا محمد راعنا ويضحكون ففطن بها رجل من الأنصار وهو سعد بن عبادة وكان عارفاً بلغة اليهود وقال: يا أعداء الله عليكم لعنة الله والذي نفس محمد بيده لئن سمعتها من رجل منكم لأضربن عنقه فقالوا: ألستم تقولونها فأنزل الله تعالى (ياأَيُّها الَّذينَ آَمَنوا لا تَقولوا راعِنا) الآية.