كلُّ مَعروفٍ صَدَقةٌ



*"كلُّ مَعروفٍ صَدَقةٌ"

الراوي : جابر بن عبدالله المحدث : البخاري-المصدر : صحيح البخاري الصفحة أو الرقم: 6021 خلاصة حكم المحدث : [صحيح]-=1&m[]=0&s[]=0]الدرر السنية


*"كلُّ معروفٍ صدقةٌ ، و إنَّ من المعروفِ أن تلْقى أخاك و وجهُك إليه مُنْبَسِطٌ ، و أن تَصُبَّ من دلْوِك في إناءِ جارِك"

الراوي : جابر بن عبدالله المحدث : الألباني-المصدر : صحيح الجامع الصفحة أو الرقم: 4557 خلاصة حكم المحدث : حسن=1&m[]=0&s[]=0]-الدرر السنية

*عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رضي الله عنهما - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم – قَالَ: «كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ »(1).

شرح المفردات(2):
( معروف ) المعروف في اصطلاح الشارع ما عرف حسنه بالشرع، وبإزائه المنكر وهو ما أنكره وحرمه كذا قال القاضي، وقال الراغب : المعروف اسم لكل ما عرف حسنه بالشرع والعقل معا.
(صدقة ) أي له حكمها في الثواب.

من فوائد الحديث(3):
1- الحث على فعل الخير مهما أمكن، وأنه لا ينبغي للمسلم أن يحتقر شيئا من المعروف.
2- قال الماوردي: المعروف نوعان: قول، وعمل؛ فالقول: طيب الكلام وحسن البشر، والتودد بجميل القول، والباعث عليه حسن الخلق ورقة الطبع، والعمل: بذل الجاه، والإسعاف بالنفس، والمعونة في النائبة، والباعث عليه حب الخير للناس وإيثار الصلاح لهم، وهذه الأمور تعود بنفعين نفع على فاعلها في اكتساب الأجر وجميل الذكر، ونفع على المعان بها في التخفيف والمساعدة فلذلك سماه هنا صدقة(4).
3- يسر الشريعة واستيعابها للناس كافة؛ ففعل المعروف وتحصيل الثواب لا يختص بأهل اليسار بل كل مسلم قادر على أن يفعل أنواعاً من المعروف؛ من ذكر وتسبيح ودعاء، ونصيحة، وأمر بمعروف ونهي عن منكر، وإرشاد ضال، ومواساة محزون إلى غير ذلك من صنوف المعروف.
4- على المسلم أن يجتهد في فعل المعروف مما يستطيعه ولا يشق عليه، فبفعل المعروف يطيب عيشه، وتطمئن نفسه، وتتوثق صلته بمن حوله، مع ماله إن صلحت نيته من الأجر الجزيل والثواب العظيم.
شبكة السنة النبوية وعلومها

(1) رواه البحاري، رقم (6021)، ومسلم، رقم (2375) .
(2) فتح الباري لابن حجر (10 / 448)، شرح النووي على مسلم - (7 / 91).
(3) فتح الباري لابن حجر (9/ 31).
(4) أدب الدنيا والدين(1/247) مختصراً .

__________________




عن جابر بن عبدالله - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((كل معروف صدقة))؛ رواه البخاري.

المعروف ما يتعارف الناس على حسنِه، أو ما عرف في الشرع حسنه، إن كان مما يتعبد به لله، فهو ما عرف في الشرع حسنه، وإن كان مما يتعامل به الناس، فهو مما تعارف الناس على حسنه، وفي هذا الحديث ((كل معروف)) يشمل هذا وهذا، فكل عمل تتعبد به إلى الله، فإنه صدقة، كما ورد في حديث سابق: ((كل تسبيحة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة)).

وأما ما يتعارف الناس على حسنه، فهو أيضًا ما يتعلق بالمعاملة بين الناس؛ فكل ما تعارف الناس على حسنه فهو معروف؛ مثل الإحسان إلى الخلق بالمال، أو بالجاه، أو بغير ذلك من أنواع الإحسان، ومن ذلك أن تلقى أخاك بوجه طلق، لا بوجه عبوس، وأن تلين له القول، وأن تُدخِل عليه السرور؛ ولهذا قال العلماء - رحمهم الله -: إن من الخير إذا عاد الإنسان مريضًا أن يُدخِل عليه السرور، ويقول: أنت في عافية، وإن كان الأمر على خلاف ما قال، بأن كان مرضه شديدًا، يقول ذلك ناويًا أنه في عافية أحسن ممن هو دونه؛ لأن إدخال السرور على المريض سبب للشفاء؛ ولهذا تجد أن الإنسان إذا كان مريضًا مرضًا عاديًّا صغيرًا إذا قال له الإنسان إن هذا شيء بسيط هيِّن لا يضر، سُرَّ بذلك ونسي المرض، ونسيان المرض سبب لشفائه، وكون الإنسان يعلق قلبه بالمرض، فذلك سبب لبقائه.

وأضرب لكم مثلاً لذلك برجل فيه جرح، تجد أنه إذا تلهَّى بحاجة أخرى لا يحس بألم الجرح، لكن إذا تفرغ - ولم يشتغل بشيء - تذكر هذا الجرح وآلمه، وربما أحس بأنه سيموت منه.

انظر مثلاً إلى الحمَّالين الذين يحملون الأشياء على السيارات وينزلونها، أحيانًا يسقط على قدمه شيء فيجرحه، ولكنه ما دام يحمل تلك الحمالات التي يحملها على ظهره تجده لا يشعر بالجرح ولا يحس بألمه، حتى إذا فرغ أحس به وتألم.

إذًا غفلة المريض عن المرض، وإدخال السرور عليه، وتأميله بأن الله - عز وجل - سيشفيه، فهذا خير يُنسِيه المرض، وربما كان سببًا للشفاء.

إذًا كل معروف صدقة، لو أن أحدًا يجلس إلى جنبك، ورأيته محترًّا يتصبَّب العرق من جبينه، فروَّحت عليه بالمروحة، فإنه لك صدقة؛ لأنه معروف.

لو قابلت الضيوف بالانبساط، وتعجيل الضيافة لهم، وما أشبه ذلك؛ فهذا صدقة.

انظر إلى إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - لما جاءته الملائكة ضيوفًا ماذا صنع؟ قالوا: سلامًا، قال: سلام.

قال العلماء: وقول إبراهيم (سلام) أبلغ من قول الملائكة (سلامًا)؛ لأن قول الملائكة (سلامًا)؛ يعني: نسلم سلامًا، وهو جملة فعلية تدل على التجدد والحدوث، وقول إبراهيم (سلام) جملة اسمية تدل على الثبوت والاستقرار فهو أبلغ، وماذا صنع - عليه الصلاة والسلام؟ راغ إلى أهله، فجاء بعجل سمين.

(فراغ) قال العلماء: معناه انسرق مسرعًا بخفية، وهذا من حسن الضيافة، ذهب مسرعًا؛ لئلا يمنعوه، أو يقولوا: انتظر، ما نريد شيئًا، فراغ إلى أهله، فجاء بعجل سمين، وفي الآية الأخرى: ﴿ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ ﴾ [هود: 69]؛ يعني: مشويًّا، ومعلوم أن اللحم المشوي أطعم من اللحم المطبوخ؛ لأن طعمه يكون باقيًا فيه، فجاء بعجل.

والعلماء يقولون: إن العجل من أفضل أنواع اللحم؛ لأن لحمه لين ولذيذ، ثم قال - تعالى -: ﴿ فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ ﴾ [الذاريات: 27]، وما وضعه في مكان بعيد، وقال لهم: اذهبوا إلى مكان الطعام، فهذا ليس من المروءة، وإنما قرَّبه إليهم.

ثم قال: ﴿ أَلَا تَأْكُلُونَ ﴾، ولم يقل لهم: كلوا، و(ألا) أداة عرض؛ يعني: عرض عليهم الأكل ولم يأمرهم.

ولكن الملائكة ما أكلوا؛ لأن الملائكة لا يأكلون، الملائكة ما لهم أجواف، ما لهم كروش ولا أمعاء ولا أكباد، خلقهم الله من نور جسدًا واحدًا، جثة واحدة، لا يأكلون ولا يشربون، ولا يبولون ولا يتغوطون، يسبحون الليل والنهار لا يفترون، دائمًا يقولون: سبحان الله، سبحان الله، فلم يأكلوا لهذا السبب؛ فأوجس منهم خيفةً؛ لأنهم لم يأكلوا، فمن عادة العرب أن الضيف إذا لم يأكل فقد تأبَّط شرًّا؛ ولهذا فمن عادتنا إلى الآن أنه إذا جاء الضيف ولم يأكل، قالوا: مالح؛ يعني: ذُقْ من طعامنا، فإذا لم يمالح، قالوا: إن هذا الرجل قد نوى بنا شرًّا، فنكرهم إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - على ذلك، وأوجس منهم خيفة، قالوا: لا تخفْ، ثم بيَّنوا له الأمر، قالوا: لا تخفْ، وبشَّروه بغلام عليم، وكان قد كبر، وكانت امرأته قد كبرت؛ فأقبلتِ امرأته لما سمعتِ البشرى ﴿ فِي صَرَّةٍ [الذاريات: 29]؛ أي: في صحة، ﴿ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا ﴾ [الذاريات: 29] عجبًا، ﴿ وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ ﴾؛ يعني: ألد وأنا عجوز عقيم، قالت الملائكة: ﴿ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ ﴾ [الذاريات: 30]، الرب - عز وجل - يفعلُ ما يشاء، إذا أراد شيئًا قال له: كن، فيكون.

ثم قال - تعالى -: ﴿ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ [الذاريات: 30]، وهنا قدَّم الحكيم على العليم، وفي آيات كثيرة يقدم العليم على الحكيم، والسبب أن هذه المسألة - أي: كونها تلد وهي عجوز - خرجت عن نظائرها، ما لها نظير إلا نادرًا، فبدأ بالحكيم الدالِّ على الحكمة؛ يعني: أن الله حكيم أن تلدي وأنت عجوز.

المهم أن إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - قد ضرب المثل في حسن الضيافة، وحسن الضيافة من المعروف، وكل معروف صدقة؛ كما أخبر الصادق المصدوق - عليه الصلاة والسلام - والله أعلم"؛ [ابن عثيمين].
__________________