من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين



قال مسلم في صحيحه


1721 1037- وَحَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى ، قال: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ ،
قال:أَخْبَرَنِي يُونُسُ ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ ، قَالَ حَدَّثَنِي حُمَيْدُ بْنُ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ

" سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ وَهُوَ يَخْطُبُ يَقُولُ إِنِّي سَمِعْتُ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ

مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ وَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ وَيُعْطِي اللَّهُ"


صحيح مسلم - كِتَاب الزَّكَاةِ - لا تلحفوا في المسألة فوالله
لا يسألني أحد منكم شيئا فتخرج له مسألته مني
شيئا وأنا له كاره فيبارك له فيما أعطيته

موقع الإسلام





- من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين ، و إنما أنا قاسم ، و الله يعطي ، و لن
تزال هذه الأمه قائمة على أمر الله ، لا يضرهم من خالفهم ،
حتى يأتي أمر الله عز و جل

الراوي: معاوية بن أبي سفيان المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 6612
خلاصة حكم المحدث:
صحيح
=0&s[]=0&d[1]=1]الدرر السنية


شرح الحديث:
(1) هذا الحديث مشتمل على ثلاث جمل كل واحدة منها لها معنى قائم بنفسه، والموافق للترجمة منها هو الجملة الأولى، وذكر الحافظ ابن حجر في (فتح الباري) أن الجمل الثلاث قد تتعلق جميعها بترجمة الباب من جهة إثبات الخير لمن تفقه في دين الله، وأن ذلك لا يكون بالاكتساب فقط بل لمن يفتح الله عليه به، وأن من يفتح الله عليه بذلك لا يزال جنسه موجوداً حتى يأتي أمر الله.
(2) قوله (يفقهه في الدين) معناه يفهمه، يقال: فقُه بالضم إذا صار الفقه له سجية، وفقَه بالفتح إذا سبق غيره إلى الفهم، وفقِه بالكسر إذا فهم، والمراد به الفهم في الأحكام الشرعية، أي الفهم الذي يثمر العمل ليكون فقهه وعلمه له لا عليه كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: ((والقرآن حجة لك أو عليك)).
(3) قال الحافظ في (الفتح): ومفهوم الحديث أن من لم يتفقه في الدين، أي يتعلم قواعد الإسلام وما يتصل بها من الفروع فقد حرم الخير، وقد أخرج أبو يعلى حديث معاوية رضي الله عنه من وجه آخر ضعيف وزاد في آخره: ((ومن لم يتفقه في الدين لم يبال الله به))، والمعنى صحيح، لأن من لم يعرف أمور دينه لا يكون فقيهاً ولا طالب فقه، فيصح أن يوصف بأنه ما أريد به الخير. انتهى.
(4) الحديث دال على مادلت عليه الآيات الكثيرة، والأحاديث المستفيضة من وصف الله بالإرادة، ومعلوم أن مذهب أهل السنة والجماعة في باب أسماء الله وصفاته: تنـزيهه عما نزّه عنه نفسه، وإثبات جميع ما أثبته لنفسه في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، من الأسماء والصفات على الوجه اللائق بجلال الله، بدون تكييف ولا تمثيل، وبدون تأويل أو تعطيل، كما قال سبحانه وتعالى: ( ليس كمثله شئ وهو السميع البصير )، وصفات الله تعلى كلها يقال في بعضها ما يقال في البعض الآخر، دون فرق بين صفة وصفة، فكل ما ثبت في الكتاب والسنة من العلم، والإرادة، والسمع، والبصر، والكلام، والقدرة، واليدين، والوجه، والغضب، والرضا، والاستواء على العرش، وغير ذلك، يجب إثباته له، واعتقاده على النهج الواضح الذي بينه الله بقوله ( ليس كمثله شئ وهو السميع البصير )، وكما أن لله ذاتاً لا تشبه الذوات، فكذا صفاته الثابتة بالكتاب والسنة تثبت على الوجه اللائق بالله، دون أن يكون فيها مشابهاً لخلقه، فإنه يقال في الصفات ما قيل في الذات سواء بسواء، كما أنه يقال في بعض الصفات ما قيل في البعض الآخر سواء بسواء.
وإرادة الله تعالى عند أهل السنة نوعان دل عليهما كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم: (إحداهما) بمعنى المشيئة الكونية القدرية، و(الثانية) الإرادة الدينية الشرعية، والفرق بينهما:
أن الكونية القدرية شاملة لكل شيء، لا فرق فيها بين ما يحبه الله وما يبغضه، ولابد من وقوع ما تقتضيه، وأما الدينية الشرعية فهي خاصة فيما يحبه الله ويرضاه، ولا يلزم وقوع ذلك، فالله تعالى أراد من الإنس والجن شرعاً وديناً أن يعبدوه وحده، وذلك محبوب إليه، ولذلك أنزل الكتب وأرسل الرسل، وأراد كوناً وقدراً في بعض عباده الخير، فاجتمع لهم الأمران الكوني والشرعي، وأراد في البعض الآخر غير ذلك فوقعت في حقه الكونية دون الدينية الشرعية، فالذي أراده كوناً وقدراً: أن يكون الناس فريقين فريقاً في الجنة وفريقاً في السعير، ولابد من وقوع ذلك، ولو شاء غير ذلك لوقع، كما قال الله تعالى: ( قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين )، وقال ( ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجِّنة والناس أجمعين )، أما بيان الحق والدعوة إليه فهو حاصل للكل، قال تعالى ( ألم نجعل له عينين* ولسانا وشفتين* وهديناه النجدين )، قال تعالى ( والله يدعوا إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ) فحذف مفعول الفعل (يدعو) إشارة إلى العموم فيه والشمول، وأظهر مفعول الفعل (يهدي) المفيد الخصوص، فالدعوة إلى الحق عامة للجميع والهداية خاصة فيمن وفقه الله.
وما قدّره الله وقضاه لابد من وقوعه كما تقدم بيانه، ونحن لا نعلم ذلك إلاّ بواحد من أمرين: (أحدهما) وقوع الشيء، فكل ما وقع علمنا أن الله قد شاءه، لأنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، فأي حركة تجري فهي بمشيئة الله، و(الثاني) حصول الإخبار بالشيء الغائب عنّا من الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم، سواء كان ماضياً أو مستقبلاً، فإذا أخبر عن شيء ماض علمنا قطعاً بأنه كان ووقع كما أخبر، وإذا أخبر عن شيء مستقبل علمنا قطعاً بأنه لابد وأن يقع لأن الله قد شاءه، فالأخبار الماضية كأخبار بدء الخلق مثلاً، والمستقبلة كأخبار آخر الزمان ونهاية الدنيا وغير ذلك.
وليس معنى المشيئة الشاملة والإرادة القدرية أن الإنسان مسلوب الإرادة مجبور على أفعاله لا مشيئة له ولا اختيار، بل له مشيئة تابعة لمشيئة الله كما قال تعالى: ( ما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين )، ولهذا ندرك الفرق بين الحركات الاضطرارية كحركة المرتعش، والحركات الاختيارية من العقلاء كالبيع والشراء، وحصول الإحسان من البعض، والإساءة من البعض الآخر، فالاضطرارية لا دخل للعبد فيها، والاختيارية تجري بمشيئة العبد وإرادته التابعة لمشيئة الله وإرادته.
ومن أمثلة الإرادة الدينية في القرآن قوله تعالى: ( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر )، وقوله ( والله يريد أن يتوب عليكم )، ومن أمثلة الكونية القدرية قوله تعالى( ولا ينفعكم نصحي إن أردت أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم )، وقوله ( ولكن الله يفعل ما يريد )، ومن السنة قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذين نحن بصدد الكلام عليه: ((من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين)).
(5) قوله (إنما أنا قاسم والله يعطي)، أعاد البخاري الحديث في (كتاب فرض الخمس) للاستدلال بهذه الجملة على أن قسمة الغنيمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه قاسم للمال حيث أمره الله، وساق مع هذا الحديث أحاديث أخرى منها حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: ((ما أعطيكم ولا أمنعكم، إنما أنا قاسم أضع حيث أُمرت)). والمعنى: لا أعطي أحداً ولا أمنع أحداً إلاّ بأمر الله، وفي ذلك إثبات القضاء والقدر والإيمان بذلك، وأنه لا مانع لما أعطى الله، ولا معطي لما منع الله، وأن العباد يتصرفون في المال بحق وبغير حق، بإرادتهم ومشيئتهم، وحصول قسمته بين الناس كما قسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم هو مما قضاه الله كوناً وقدراً، وأمر به شرعاً وديناً.
(6) قوله (ولن تزال هذه الأمة قائمة على أمر الله لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله)، أعاد البخاري الحديث بتمامه في (كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة) للاستدلال بهذه الجملة على عدم خلو الأرض من معتصم بالكتاب والسنة حتى يأتي أمر الله، وأورد هذه الجملة فقط في (كتاب المناقب مشيراً إلى أن ذلك من علامات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وهو منقبة لهذه الأمة.
(7) أمة محمد صلى الله عليه وسلم لها معنيان: معنى عام ومعنى خاص، فالأمة بالمعنى العام هي أمة الدعوة، وهم كل إنسان وكذا الجن من حين بعث الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم إلى قيام الساعة، فإن الدعوة موجهة إليهم كما قال صلى الله عليه وسلم في الخمس التي أعطيها دون من قبله: ((وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس عامة)). ويدل للأمة بالمعنى العام قوله تعالى: ( ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ).
أما الأمة بالمعنى الخاص: فهي أمة الإجابة، وهم الذين أجابوا الدعوة ودخلوا في دين الله، ومن أمثلة ذلك قوله تعالى:( كنتم خير أمة أخرجت للناس )، وقوله تعالى ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا )الآية. ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث: ((ولن تزال هذه الأمة...)) الخ.
(8) قوله (ولن تزال هذه الأمة)، هو من العام المراد به الخصوص، فإن المراد به بعض الأمة كما دل على ذلك أدلة منها قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون)). أخرجه البخاري في (كتاب الاعتصام) من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه.
(9) في المراد بالطائفة المنصورة أقوال، جزم البخاري ـ رحمه الله ـ في صحيحه بأنهم أهل العلم بالآثار، وقال أحمد بن حنبل: ((إن لم يكونوا أهل الحديث فلا أدري من هم)). وقال القاضي عياض: ((أراد أحمد أهل السنة ومن يعتقد مذهب أهل الحديث)). وقال النووي: ((يحتمل أن تكون هذه الطائفة فرقة من أنواع المؤمنين ممن يقيم أمر الله تعالى من مجاهد، وفقيه، ومحدث، وزاهد، وآمر بالمعروف، وغير ذلك من أنواع الخير، ولا يلزم اجتماعهم في مكان واحد، بل يجوز أن يكونوا متفرقين)). ذكر هذه الأقوال الحافظ ابن حجر في (فتح الباري).
(10) (أمر الله): ذكر في الجملة الأخيرة مرتين لكل منهما معنى، فمعنى (أمر الله) في قوله صلى الله عليه وسلم: ((ولا تزال هذه الأمة قائمة على أمر الله)) شرع الله ودينه، وهو مثل قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: ((من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد))، ومعنى أمر الله في قوله: (حتى يأتي أمر الله) ما قدره الله وقضاه من خروج ريح في آخر الزمان تقبض روح كل من في قلبه شيء من الإيمان، ويبقى شرار الناس الذين عليهم تقوم الساعة كما جاء ذلك في أحاديث صحيحة، منها ما رواه مسلم في صحيحه في (كتاب الفتن) في ذكر الأمور التي تجري في آخر الزمان وفيه: ((بينما هم كذلك إذ بعث الله ريحاً طيبة فتأخذهم تحت آباطهم فتقبض روح كل مؤمن وكل مسلم، ويبقى شرار الناس يتهارجون فيها تهارج الحمر، فعليهم تقوم الساعة)).
والأمر كالإرادة يأتي لمعنى كوني قدري ومعنى ديني شرعي، وهذا الحديث فيه شاهد لكل من المعنيين.
(11) من فقه الحديث وما يستنبط منه:
(1) الترغيب في طلب العلم والحث عليه.
(2) بيان فضل العلماء على سائر الناس.

(3) بيان فضل التفقه في الدين على سائر العلوم.

(4) إثبات صفة الإرادة لله تعالى.

(5) أن الفقه في الدين علامة لإرادة الله الخير بالعبد.

(6) إرشاد الناس إلى السنة وإعلانها على المنابر.

(7) الإيمان بالقضاء والقدر وأن المعطي المانع هو الله تعالى.

(8) بشارة هذه الأمة بأن الخير باق فيها.

(9) إخباره صلى الله عليه وسلم عما يستقبل وهو من الغيب الذي أطلعه الله عليه.

(10) إخباره بهذا المغيب من علامات نبوته صلى الله عليه وسلم حيث وقع كما أخبر مدة أربعة عشر قرناً الماضية، ولابد من استمرار ذلك حتى يأتي أمر الله كما أخبر صلوات الله وسلامه عليه.

(11) وجوب الإيمان بوقوع استمرار الحق، وأنه لا ينقطع حتى يأتي أمر الله كما جاء ذلك عن الذي لا ينطق عن الهوى صلوات الله وسلامه عليه.

(12) هذا الإخبار منه صلى الله عليه وسلم عما يستقبل أحد طريقي العلم بالشيء الذي قدره الله والطريق الثانية الوقوع.

(13) أن الطائفة المنصورة لها مخالفون ومناوؤون.

(14) الحث على التمسك بالكتاب والسنة ليكون العبد من هذه الطائفة.

(15) بيان أن أعداء هذه الطائفة لا يضرونها ولا يؤثرون على استمرار الحق.

(16) أن استمرار الحق في أمة محمد صلى الله عليه وسلم منقبة عظيمة لها.

(17) أن الإجماع حجة.