من مواقف إبراهيم بن أدهم في الحج


من مواقف إبراهيم بن أدهم في الحج 173962014924987



للصالحين الزاهدين أحوالًا عجيبة في عباداتهم .. ومن بين هؤلاء الزهاد إبراهيم بن أدهم أمير الزهاد، فقد كان إبراهيم بن أدهم واحدًا من هؤلاء الصالحين الذين كانوا من أبناء الملوك، إذ كان والده ملكًا من ملوك خراسان وكان سبب زهده أنه خرج مرة إلى الصيد فسمع هاتفًا يقول له: يا إبراهيم، ما لهذا خُلِقْتَ ولا بذا أُمرتَ، فحلف ألا يعصي الله تعالى، وترك ملك أبيه فأكثر من السفر في طلب العلم والازدياد من الطاعات.

ونحن في موسم الحج دعونا نتأمل سويًا في أحوال هذا الزاهد العابد في الحج، فروي أن إبراهيم بن أدهم حج مرة مع جماعة من أصحابه فشرط عليهم في ابتداء السفر أن لا يتكلم أحدهم إلا لله تعالى، ولا ينظر إلا لله.


فلما وصلوا وطافوا بالبيت رأوا جماعة من أهل خراسان في الطواف معهم غلام جميل قد فتن الناس بالنظر إليه، فجعل إبراهيم يسارقه النظر ويبكي. فقال له بعض أصحابه: يا أبا إسحاق، ألم تقل لنا: لا ننظر إلا لله تعالى. فقال: ويحك، هذا ولدي وهؤلاء خدمي وحشمي.

وأنشد يقول:

هجرت الخلق طراً في هواكا *** وأيتمت العيال لكي أراكا

فلو قطعتني في الحب إربا *** لما حن الفؤاد إلى سواكا


وخرج إبراهيم ابن أدهم رضي الله عنه يومًا ماشيًا قاصدًا الحج فرآه رجل كان يركب ناقه، فقال له: إلى أين يا إبراهيم؟، قال إبراهيم: إلى الحج، فقال له: وأين الراحله والطريق بعيد وشاق؟، فقال إبراهيم رضي الله عنه: لي مراكب كثيره، قال السائل: وأين المراكب، وما هي؟، فأجابه إبراهيم: إذا نزلت المصيبة ركبت مركب الصبر، وإذا نزلت النعمة ركبت مركب الشكر، وإذا نزل القضاء ركبت مركب الرضى، وإذا دعتني نفسي إلى شيء علمت أن ما بقي من الأجل أقل مما مضى، فقال له السائل: سر بإذن الله فأنت الراكب وأنا الماشي.


وقد نقل عن الإمام ابن رجب أنه قال: الحج المبرور مثل حج إبراهيم بن أدهم مع رفيقه الرجل الصالح الذي صحبه من بلخ، فرجع من حجه زاهدًا في الدنيا راغبًا في الآخرة، وخرج عن ملكه وماله وأهله وعشيرته وبلاده، واختار بلاد الغربة، وقنع بالأكل من عمل يده، إما من الحصاد، أو نظارة البساتين.


ومن القصص العجيبة التي حدثت مع إبراهيم بن أدهم بعد انتهائه من العمرة ذهب إلى المدينة المنورة لزيارة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ووصل إلى المدينة مع صﻼة العشاء، وبعد أنصلى العشاء جلس في المسجد يسبح ويذكر الله.


وبينما هو كذلك إذ جاءه أحد المشرفين على خدمة المسجد طالبا منه الخروج من المسجد إن كان قد أنهي صﻼته لأنهم يعلقون المسجد، فقال له إبراهيم بن أدهم: هﻼ تركتني أبيت هنا، فلم أكتري بيتًا بعد، وأغلقوا على الباب ثم إذا رجعتم في صﻼة الفجر ستجدوني هنا باذن الله.

فما كان من هذا الرجل إﻻ أن نادى على أخرين وأخذوا في شد إبراهيم بن أدهم من عبائته وأخرجوه من المسجد خوفا أن يكون يريد بالمسجد شرًا.


وبينما هم على تلك الحاله
وعند وصولهم إلى باب المسجد رآهم أحد المارين بجانب المسجد وهم على هذه الحالة، فجاء إليهم وقال لهم: ما بالكم؟ اتركوا الرجل، فاخبروه بالقصة، فقال لهم: أنا أخذه للمبيت عندي.


فاخذه الرجل وذهب به وفي الطريق قال له: أنا رجل خباز أخبز الخبز بالليل وأبنائي يبيعونه بالنهار وعندي في المخبز سرير تستطيع أن تنام عليه حتى الصباح، ثم تستأجر لنفسك مكانًا أخر إن كنت تنوى البقاء.


فذهب معه إبراهيم بن ادهم إلى المخبز وهناك لم يستطع النوم، فظل يراقب الخباز وهو يعمل فرآه يقول: بسم الله عند إدخاله الخبز إلى الفرن، ثم يقول الحمد لله عند إخراجه منها، وظل يفعل هذا على كل خبزه، فسأله إبراهيم بن أدهم: يا أخي أما لك ذكر غير هذا؟!.

فقال له: والله إن لي عشرون عامًا وأنا ما أدخلت خبزة إلى الفرن إﻻ ببسم الله، وﻻ أخرجتها إﻻ بحمد الله.


فقال إبراهيم بن أدهم وهل وجدت أثرا لهذا الذكر على حياتك؟، فقال: نعم ما سألت الله شيئًا إﻻ استجاب لي، إﻻ دعوة واحدة دعوتها وﻻ زلت أكررها منذ خمس سنوات! فقال له وما هي !؟ فقال له سألت الله أن يجمعني بإبراهيم بن أدهم أجلس معه وأستفيد من علمه.


فضحك ابن أدهم وقال: له يا أخي والله إنك أفضل عند الله من إبراهيم بن أدهم، فقال له الرجل اتقي الله يا رجل، وأين أنا من إبراهيم بن أدهم ذلك الرجل العالم الورع !!.


فقال له: والله يا أخي إن الله قد جاء لك بإبراهيم بن أدهم مجرورًا من ثيابه حتى ألقاه عند قدميك.. أنا إبراهيم بن أدهم، فتعجب الرجل وحمد الله على استجابته لدعائه.