السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، ولا عدوان إلا على الظالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، الملك الحق المبين ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، الصادق الأمين ، صلى الله عليه وعلى آله وصحابته أجمعين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيراً.
أما بعد:
فهذا تلخيص لكتاب ( قواعد التفسير جمعا ودراسة ) للباحث خالد بن عثمان السبت .
يقع الكتاب في جزئين من الطبعة الأولى 1417هـ الصادرة عن دار ابن عفان – السعودية. أسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن ينفعني به ، وكل من قرأه من طلبة العلم وأن يتقبله مني يوم ، لا ينفع ما ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
وكتب
أبو عبد الله المصلحي
الثلاثاء 30/شوال/1424هـ.
المقدمة العلمية
وتتكون من ثلاثة أقسام هي:
القسم الأول: في التعريفات.
القسم الثاني: في الفروقات.
القسم الثالث: في ذكر بعض المقدمات.
القسم الأول
التعريفات
تعريف القواعد:
لغة:
جمع قاعدة ، وهي الأصل الذي يبنى عليه غيره ويستوي في هذا الأمور الحسية والمعنوية.
اصطلاحا:
حكم كلي يتعرف بواسطته على أحكام جزئياته.
ملاحظة:
قولنا ( حكم كلي ) لا يرد عليه أن كثيراً من القواعد لها استثناءات وذلك لأن الشاذ لا يخرم القاعدة ، والعبرة بالأغلب لا بالنادر.
قال الشاطبي رحمه الله في الموافقات (2/53):
( والأمر الكلي إذا ثبت فتخلف بعض الجزئيات عن مقتضى الكلي لا يخرجه عن كونه كلياً .... هذا شأن الكليات الاستقرائية ... وإنما يتصور أن يكون يختلف بعض الجزئيات قادحا في الكليات العقلية ) أ.هـ.
وقال الكفوي في كتابه ( الكليات 122):
( وتخلف الأصل في موضع أو موضعين لا ينافي أصالته ).
وعليه:
فالتعبير الوارد في التعريف بـ ( كلي ) صحيح ولا حاجة لاستبداله بـ ( أغلبي ).
وهذا الأمر يشمل قواعد الفقه والنحو والأصول وسائر القواعد الاستقرائية.
أما التعريف الذي ذهب إليه بعضهم حيث قال أن قواعد الفقه أغلبية أما قواعد النحو والأصول فهي كلية فهذا غير صحيح والله أعلم.
ونحن نسلم أن قواعد الفقه لها استثناءات أكثر من غيرها ، لكن هذا لا يعني أن غيرها ليس فيه مستثنيات.
وبعد هذا الايضاح نقول:
إن القواعد التي نذكرها هنا هي قواعد كلية وإن كان كثير منها له مستثنيات.
تعريف التفسير:
لغة:
هو اخراج الشيء من مقام الخفاء إلى مقام الظهور سواء كان ذلك في المعاني أم في المحسوسات.
ومدار معاني هذه اللفظة في اللغة تدور حول الكشف والبيان.
اصطلاحاً:
هو علم يُبحث فيه عن أصول القرآن العظيم من حيث دلالته على مراد الله تعالى بحسب التوسع.
تعريف قواعد التفسير باعتباره لقباً على علم معين:
قواعد التفسير:
هي الأحكام الكلية التي يتوصل بها إلى استنباط معاني القرآن العظيم ومعرفة كيفية الاستنباط.
القسم الثاني
الفروقات
أولا :
الفرق بين القاعدة والضابط.
اختلف اهل العلم في ذلك ، فذهب بعضهم الى التفريق بين القاعدة والضابط ، ومن أهم الفروقات التي يذكرونها:
الضابط يجمع فروعا من باب واحد بينما القاعدة تجمع فروعاً من أبواب شتى.
وعليه فالقاعدة أوسع من الضابط.
إن الخلاف الواقع في الضوابط من حيث القبول والرد أكثر من الخلاف الواقع في القواعد من حيث القبول والرد.
بينما ذهب آخرون إلى عدم التفريق بين القاعدة والضابط.
ثانياً:
الفرق بين قواعد التفسير وبين علوم القرآن:
قواعد التفسير جزء من علوم القرآن ، والنسبة بينهما نسبة الجزء إلى الكل ، وهي من أهم العلوم القرآنية.
ثالثاً:
الفرق بين قواعد التفسير وبين التفسير.
التفسير: هو كشف المعاني التي تضمنتها الآيات القرآنية ، اما قواعد التفسير فهي الأصول التي يعتمد عليها المفسر اثناء عمله في توضيح وكشف هذه المعاني .
وهو كالفرق بين الفقه وبين أصول الفقه.
القسم الثالث
في ذكر بعض المقدمات
أولاً: أهمية معرفة القواعد:
لما تشعبت العلوم وكثرت تفاصيلها بحيث أصبح من الصعوبة الاحاطة بجزئيات فن واحد من فنون العلم فضلاً عن جميع العلوم ، عمد العلماء إلى استقراء الأصول الكلية الجامعة وتدوينها. تيسيراً للعلم واختصاراً للجهد والوقت.
قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله في المجموع (19/203):
لا بد أن يكون مع الانسان أصول كلية ترد إليها الجزئيات ليتكلم بعلمٍ وعدلٍ . ثم يعرف الجزئيات كيف وقعت وإلا فسيبقى في كذب وجهل في الجزئيات وجهل وظلم في الكليات.
ثانياً: فائدة قواعد التفسير:
تحصيل القدرة على تفسير معاني القرآن.
الفهم الصحيح لكلام المفسرين.
تمييز الأقوال الصحيحة من الضعيفة في التفاسير.
ثالثاً: التأليف في قواعد التفسير:
التكلم عن نشأة هذا العلم كالكلام عن نشوء سائر العلوم . ففي البداية ظهر ممزوجاً بغيره من علوم القرآن إلى أن أصبح علماً مستقلاً.
ومن المؤلفات في قواعد التفسير:
قواعد التفسير ، ابن الخطيب الحنبلي ، ولد 542هـ توفي 621هـ . من أقارب شيخ الاسلام ابن تيمية. وهذا الكتاب لم يصل إلينا.
المنهج القديم في قواعد تتعلق بالقرآن الكريم ، ابن الصائغ الحنفي ت 777هـ ، لم يصل إلينا.
قواعد التفسير ، ابن الوزير اليماني ت 840هـ ، وهو مخطوط.
التيسير في قواعد علم التفسير ، الكافيجي ت 879هـ ، مطبوع.
القواعد الحسان لتفسير القرآن ، عبد الرحمن ناصر السعدي ت 1376هـ ، مطبوع.
أصول التفسير، خالد بن عبد الرحمن العك ، مطبوع.
قواعد التدبر الأمثل لكتاب الله عز وجل ، عبد الرحمن حبنكة ،مطبوع.
قواعد وفوائد لفقه كتاب الله تعالى، عبد الله بن محمد الجوعي ،مطبوع.
الباب الأول
نزول القرآن وما يتعلق به
هذا الباب يشتمل على أربعة أقسام:
القسم الأول: القواعد المتعلقة بأسباب النزول.
القسم الثاني: القواعد المتعلقة بمكان النزول.
القسم الثالث: القواعد المتعلقة بالقراءات.
القسم الرابع: القواعد المتعلقة بترتيب الآيات والسور.
القسم الأول
القواعد المتعلقة بأسباب النزول
تعريف سبب النزول:
هو ما نزلت الآية أو الآيات تتحدث عنه أو مبينة لحكمه عند وقوعه.
أقسام النزول:
أ- ما نزل ابتداءاً وهو أكثر القرآن.
ب- ما نزل عقيب سؤال أو واقعة وهو ما نحن بصدده.
أهمية الموضوع:
معرفة أسباب النزول شرط مهم للمفسر , لا يمكن له التكلم إلا بعد معرفته.
قاعدة1:
القول في أسباب النزول توقيفي.
توضيح: القول في أسباب النزول يعتمد على النقل والسمع , أي الرواية عمن شاهدوا التنزيل , فلا مدخل للرأي فيها ألبته.
لا تحتاج هنا إلى مثال.
قاعدة2:
سبب النزول له حكم الرفع.
توضيح: أسباب النزول على قسمين:
الأول: الصريح: وهو ما صرح فيه الصحابي بقوله: سبب نزول هذه الآية كذا. أو يذكر واقعة أو سؤالاً ثم قال: فنزلت الآية , أو نزلت , أو ثم نزلت , أو فأوحى الله إلى نبيه... .
الثاني: غير الصريح: وهو أن يقول: نزلت هذه الآية في كذا. فهذا يحتمل أن يكون سبباً للنزول ويحتمل أن يكون من قبيل التفسير.
وبعد أن عرفت هذين القسمين نقول:
لا ريب أن الأول له حكم الرفع. لكن وقع الخلاف في الثاني. فالبخاري يجعله من قبيل المرفوع أي حكمه حكم الأول. أما أحمد وغيره فلا يجعله كذلك وعليه أكثر المسانيد. ذكره ابن تيمية في المجموع (13/339).
التطبيق:
مثال غير الصريح:
أخرج البخاري عن حذيفة t في قوله تعالى: { وانفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ......... } الآية قال نزلت في النفقة.
تنبيه:
قد تأتي الرواية الواحدة في بعض المواضع بصيغة صريحة في سبب النزول. وتأتي في موضع آخر بصيغة غير صريحة. فهذا يوجب علينا تتبع الروايات في المواضع المختلفة قبل الشروع في الحكم عليها فيما يتعلق بالصيغة.
مثال:
أخرج البخاري عن نافع قال: كان ابن عمر y إذا قرأ القرآن لم يتكلم حتى يفرغ منه. فأخذت عليه يوماً فقرأ سورة البقرة حتى انتهى إلى مكان قال: تدري فيم أنزلت؟ قلت: لا. قال: نزلت بكذا وكذا. ثم مضى.
فهذا غير صريح وقد ورد في موضع آخر عند البخاري بلفظ من قبيل التصريح.
انظر: فتح الباري (8/189-190).
مثال الصريح:
أخرج البخاري عن البراء t قال: لما نزل صوم رمضان كانوا لا يقربون النساء رمضان كله. وكان رجال يخونون أنفسهم فأنزل الله تعالى: {علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم.....}الآية.
قاعدة:
نزول القرآن تارة يكون مع تقرير الحكم وتارة قبله وتارة بعده.
التطبيق:
ما نزل مع تشريع الحكم:
الغالب في آيات القرآن من هذا النوع , فيكون نزولها مصاحباً لتشريع الحكم أو وقوع الشيء. وأمثلته كثيرة مثل فرض الصوم.
ما نزل قبل تقرير الحكم:
ومثاله قوله تعالى: { لا أقسم بهذا البلد . وأنت حل بهذا البلد } والسورة مكية.
وقد فسرها جماعة من السلف بالحل الذي وقع للنبي r عام الفتح. وقوله تعالى: [ سيهزم الجمع ويولون الدبر ] فقد فسرت بيوم بدر مع أن السورة مكية. وقوله تعالى: [ وآخرون يقاتلون في سبيل الله ] فالسورة مكية وليس ثمة قتال يومئذٍ. وإنما شرع القتال بعد الهجرة في المدينة.
ما نزل بعد تقرير الحكم:
مثاله آية الوضوء. أخرج الشيخان من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: خرجنا مع رسول الله r في بعض أسفاره حتى إذا كنا بالبيداء انقطع عقد لي ..... فقام رسول الله حين أصبح على غير ماء فأنزل الله آية التيمم , فتيمموا ...الحديث. والآية ذكر فيها الوضوء مع التيمم علماً أن الوضوء مشروع قبل ذلك.
قال ابن عبد البر: والحكمة في نزول آية الوضوء ــ مع تقدم العمل به ــ ليكون فرضه متلواً بالتنزيل أ.هـ التمهيد (19/279).
ومثال آخر على ما نزل بعد تقرير الحكم , آية الجمعة وهي قوله تعالى: [ يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة ...... ] وهي مدنية مع أن الجمعة فرضت بمكة قبل الهجرة بدليل حديث عبد الرحمن بن كعب بن مالك عند ابن ماجه بإسناد صححه الألباني.
قاعدة:
الأصل عدم تكرر النزول.
توضيح: ما دلت عليه القاعدة هو الأصل. إلا أنه قد يخرج عن هذا الأصل فيتم الحكم بتعدد أسباب النزول إذا كانت ثابتة سنداً , صريحه دلالةً , مع تباعد الفترة بينهما . وهذا القول خير من القول بالترجيح بين الروايات لأنه الجمع ما أمكن مقدم على الترجيح. وتكرار النزول أمر لا غرابة فيه فقد يكون ذلك من باب تأكيد الحكم أو بيان أنه الواقعة الجديدة داخلة تحت حكم الآية أو من باب التذكير.
تطبيق: قال تعالى: [ ويسألونك عن الروح ...... ] الآية. أخرج الشيخان من حديث ابن مسعود t قال: كنت أمشي مع النبي r في حرثٍ بالمدينة وهو يتوكأ على عسيب , فمر بنفر من اليهود , فقال بعضهم: لو سألتموه؟ فقال بعضهم: لا تسألوه. فإنه يسمعكم ما تكرهون. فقالوا: يا أبا القاسم حدثنا عن الروح. فقام النبي r ساعة. ورفع رأسه إلى السماء , فعرفت أنه يوحى إليه حتى صعد الوحي ثم قال: [ الروح من أمر ربي ]. هذا الحديث كان في المدينة. وأخرج الترمذي من حديث ابن عباس y , قال: قالت قريش ليهود: أعطونا شيئاً نسأل هذا الرجل. فقالوا: سلوه عن الروح فسألوه عن الروح فأنزل الله تعالى: [ يسألونك عن الروح ] الآية. قال ابن كثير معلقاً على حديث ابن مسعود في التفسير (3/60): وهذا السياق يقتضي فيما يظهر بادي الرأي أن هذه الآية مدنية , وأنها نزلت حين سأله اليهود عن ذلك بالمدينة مع أن السورة كلها مكية. وقد يجاب عن هذا بأنه قد تكون نزلت عليه بالمدينة مرة ثانية كما نزلت عليه بمكة قبل ذلك. وقال ابن حجر في فتح الباري (8/401): ويمكن الجمع بأن يتعدد النزول , بحمل سكوته في المرة الثانية على توقع مزيد بيان في ذلك.
قاعدة:
قد يكون سبب النزول واحداً , والآيات النازلة متفرقة , والعكس.
تطبيق:
مثال لما اتحد سببه وتعددت الآيات النازلة فيه:
عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قلت يا رسول الله: يُذكر الرجال ولا يُذكر النساء فأنزل الله عز وجل: [ إن المسلمين والمسلمات ....... ] الآية. وأنزل: [ إني لا أضيع عمل عاملٍ منكم ...... ] الآية. أخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي. وأصله عند الترمذي. وذكره الألباني في صحيح سنن الترمذي.
مثال لما تعددت أسبابه والنازل فيه واحد:
أخرج البخاري قصة عويمر العجلاني عندما وجد رجلا مع امرأته وفي نهاية الحديث قال له الرسول r: قد أنزل الله القرآن فيك وفي حاجتك [ والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم .... ] الآيات. ثم أخرج البخاري أيضاً قصة هلال بن أمية عندما قذف امرأته بشريك بن سحماء . وفي نهاية الحديث نزل جبريل وأنزل عليه: [ والذين يرمون أزواجهم .... ].
قاعدة:
إذا تعددت المرويات في سبب النزول ننظر إلى الثبوت فنقتصر على الصحيح , ثم ننظر إلى الدلالة فنقتصر على الصريح , فإذا تقارب الزمان حُمل على الجميع , وإذا تباعد حكم بتكرار النزول.
توضيح:
هذه القاعدة من أنفع ما يكون للناظر في كتب التفسير , فكثيراً ما يذكر المفسرون أسباباً عدة لنزول الآية. وفي هذه الحالة ينبغي تطبيق الخطوات التالية بالترتيب التالي:
ننظر في الأسانيد , فنترك الضعيف ونقتصر على الصحيح.
ننظر في الدلالات , فنترك غير الصريح , ونقتصر على الصريح.
إذا كانت الروايات , الصحيحة , الصريحة متعددة , متقاربة الزمان حكمنا بأن الآية نزلت بعد تلك الأسباب كلها.
إن كان الزمان متباعداً حكمنا بتكرر النزول. وبعض العلماء يذهب في هذه الحالة إلى الترجيح. لكن الأولى هو الأول. وتقدم.
وبهذه الخطوات ينحل عن المشتغل في التفسير كثير من الأشكالات.
تطبيق:
مثال ما كان فيه بعض الروايات ثابتاً . والآخر لم يصح.
أخرج الشيخان من حديث جندب بن سفيان t قال: اشتكى رسول الله r فلم يقم ليلتين أو ثلاثاً. فجاءت امرأة فقالت يا محمد: إني لأرجو أن يكون شيطانك قد تركك , لم أره قربك منذ ليلتين أو ثلاثاً. فأنزل الله عز وجل: [ والضحى . والليل إذا سجى . ما ودعك ربك وما قلى ]. فهذه رواية صحيحة , صريحة في سبب النزول. وقد وردت روايات أخرى في سبب نزولها مفادها وجود جرو كلب تحت سرير النبي r لم يشعر به فأبطأ عليه جبريل بسبب ذلك. وهذه قصة مشهورة. لكن جعلها سبباً لنزول هذه الآية لا يصح. ووردت روايات أخرى تذكر أسباباً متعددة للنزول وكلها لا تصح. ذكرها الحافظ في الفتح (8/710).
مثال ما كانت الروايات فيه كلها ثابتة لكن منها الصريح ومنها غير الصريح:
قال تعالى: [ ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله ].
تعددت الروايات في سبب نزولها:
أخرج الترمذي من حديث عامر بن ربيعة t قال: كنا مع النبي r في سفر في ليلة مظلمة فلم ندرِ أين القبلة فصلى كل رجلٍ منا على حياله فلما أصبحنا ذكرنا ذلك لرسول الله r فنزلت: [ فأينما تولوا فثم وجه الله ]. صحيح سنن الترمذي (2357) الأرواء (291).
فهذا حديث من جهة الثبوت صحيح , من جهة الدلالة صريح.
أخرج الترمذي من حديث ابن عمر y قال: كان النبي r يصلي على راحلته تطوعاً حيثما توجهت به , وهو جاءٍ من مكة إلى المدينة ثم قرأ ابن عمر هذه الآية: [ ولله المشرق والمغرب ... ] صحيح سنن الترمذي (2358).
هذا حديث صحيح لكنه غير صريح.
وبمقتضى القاعدة نقدم الأول على الثاني من باب تقديم الصريح الدلالة على غير الصريح.
مثال ما صحت فيه كل الروايات وكلها صريحة مع تقارب الزمان:
مضى مثاله قريباً في قوله تعالى: [ والذين يرمون أزواجهم ] وبمقتضى القاعدة تكون الآية نزلت بعد الأسباب كلها.
مثال ما صحت فيه الروايات وكانت صريحة مع تباعد النزول: مضت أمثلته عند الكلام على ما تكرر نزوله كما في الآية: [ ويسألونك عن الروح ].
مثال الترجيح (عند القائلين به) كترجيح رواية الصحيحين على غيرهما في الأمثلة السابقة. وقدمنا أن القول بتكرار النزول أولى من هذا القول. والله أعلم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، ولا عدوان إلا على الظالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، الملك الحق المبين ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، الصادق الأمين ، صلى الله عليه وعلى آله وصحابته أجمعين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيراً.
أما بعد:
فهذا تلخيص لكتاب ( قواعد التفسير جمعا ودراسة ) للباحث خالد بن عثمان السبت .
يقع الكتاب في جزئين من الطبعة الأولى 1417هـ الصادرة عن دار ابن عفان – السعودية. أسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن ينفعني به ، وكل من قرأه من طلبة العلم وأن يتقبله مني يوم ، لا ينفع ما ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
وكتب
أبو عبد الله المصلحي
الثلاثاء 30/شوال/1424هـ.
المقدمة العلمية
وتتكون من ثلاثة أقسام هي:
القسم الأول: في التعريفات.
القسم الثاني: في الفروقات.
القسم الثالث: في ذكر بعض المقدمات.
القسم الأول
التعريفات
تعريف القواعد:
لغة:
جمع قاعدة ، وهي الأصل الذي يبنى عليه غيره ويستوي في هذا الأمور الحسية والمعنوية.
اصطلاحا:
حكم كلي يتعرف بواسطته على أحكام جزئياته.
ملاحظة:
قولنا ( حكم كلي ) لا يرد عليه أن كثيراً من القواعد لها استثناءات وذلك لأن الشاذ لا يخرم القاعدة ، والعبرة بالأغلب لا بالنادر.
قال الشاطبي رحمه الله في الموافقات (2/53):
( والأمر الكلي إذا ثبت فتخلف بعض الجزئيات عن مقتضى الكلي لا يخرجه عن كونه كلياً .... هذا شأن الكليات الاستقرائية ... وإنما يتصور أن يكون يختلف بعض الجزئيات قادحا في الكليات العقلية ) أ.هـ.
وقال الكفوي في كتابه ( الكليات 122):
( وتخلف الأصل في موضع أو موضعين لا ينافي أصالته ).
وعليه:
فالتعبير الوارد في التعريف بـ ( كلي ) صحيح ولا حاجة لاستبداله بـ ( أغلبي ).
وهذا الأمر يشمل قواعد الفقه والنحو والأصول وسائر القواعد الاستقرائية.
أما التعريف الذي ذهب إليه بعضهم حيث قال أن قواعد الفقه أغلبية أما قواعد النحو والأصول فهي كلية فهذا غير صحيح والله أعلم.
ونحن نسلم أن قواعد الفقه لها استثناءات أكثر من غيرها ، لكن هذا لا يعني أن غيرها ليس فيه مستثنيات.
وبعد هذا الايضاح نقول:
إن القواعد التي نذكرها هنا هي قواعد كلية وإن كان كثير منها له مستثنيات.
تعريف التفسير:
لغة:
هو اخراج الشيء من مقام الخفاء إلى مقام الظهور سواء كان ذلك في المعاني أم في المحسوسات.
ومدار معاني هذه اللفظة في اللغة تدور حول الكشف والبيان.
اصطلاحاً:
هو علم يُبحث فيه عن أصول القرآن العظيم من حيث دلالته على مراد الله تعالى بحسب التوسع.
تعريف قواعد التفسير باعتباره لقباً على علم معين:
قواعد التفسير:
هي الأحكام الكلية التي يتوصل بها إلى استنباط معاني القرآن العظيم ومعرفة كيفية الاستنباط.
القسم الثاني
الفروقات
أولا :
الفرق بين القاعدة والضابط.
اختلف اهل العلم في ذلك ، فذهب بعضهم الى التفريق بين القاعدة والضابط ، ومن أهم الفروقات التي يذكرونها:
الضابط يجمع فروعا من باب واحد بينما القاعدة تجمع فروعاً من أبواب شتى.
وعليه فالقاعدة أوسع من الضابط.
إن الخلاف الواقع في الضوابط من حيث القبول والرد أكثر من الخلاف الواقع في القواعد من حيث القبول والرد.
بينما ذهب آخرون إلى عدم التفريق بين القاعدة والضابط.
ثانياً:
الفرق بين قواعد التفسير وبين علوم القرآن:
قواعد التفسير جزء من علوم القرآن ، والنسبة بينهما نسبة الجزء إلى الكل ، وهي من أهم العلوم القرآنية.
ثالثاً:
الفرق بين قواعد التفسير وبين التفسير.
التفسير: هو كشف المعاني التي تضمنتها الآيات القرآنية ، اما قواعد التفسير فهي الأصول التي يعتمد عليها المفسر اثناء عمله في توضيح وكشف هذه المعاني .
وهو كالفرق بين الفقه وبين أصول الفقه.
القسم الثالث
في ذكر بعض المقدمات
أولاً: أهمية معرفة القواعد:
لما تشعبت العلوم وكثرت تفاصيلها بحيث أصبح من الصعوبة الاحاطة بجزئيات فن واحد من فنون العلم فضلاً عن جميع العلوم ، عمد العلماء إلى استقراء الأصول الكلية الجامعة وتدوينها. تيسيراً للعلم واختصاراً للجهد والوقت.
قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله في المجموع (19/203):
لا بد أن يكون مع الانسان أصول كلية ترد إليها الجزئيات ليتكلم بعلمٍ وعدلٍ . ثم يعرف الجزئيات كيف وقعت وإلا فسيبقى في كذب وجهل في الجزئيات وجهل وظلم في الكليات.
ثانياً: فائدة قواعد التفسير:
تحصيل القدرة على تفسير معاني القرآن.
الفهم الصحيح لكلام المفسرين.
تمييز الأقوال الصحيحة من الضعيفة في التفاسير.
ثالثاً: التأليف في قواعد التفسير:
التكلم عن نشأة هذا العلم كالكلام عن نشوء سائر العلوم . ففي البداية ظهر ممزوجاً بغيره من علوم القرآن إلى أن أصبح علماً مستقلاً.
ومن المؤلفات في قواعد التفسير:
قواعد التفسير ، ابن الخطيب الحنبلي ، ولد 542هـ توفي 621هـ . من أقارب شيخ الاسلام ابن تيمية. وهذا الكتاب لم يصل إلينا.
المنهج القديم في قواعد تتعلق بالقرآن الكريم ، ابن الصائغ الحنفي ت 777هـ ، لم يصل إلينا.
قواعد التفسير ، ابن الوزير اليماني ت 840هـ ، وهو مخطوط.
التيسير في قواعد علم التفسير ، الكافيجي ت 879هـ ، مطبوع.
القواعد الحسان لتفسير القرآن ، عبد الرحمن ناصر السعدي ت 1376هـ ، مطبوع.
أصول التفسير، خالد بن عبد الرحمن العك ، مطبوع.
قواعد التدبر الأمثل لكتاب الله عز وجل ، عبد الرحمن حبنكة ،مطبوع.
قواعد وفوائد لفقه كتاب الله تعالى، عبد الله بن محمد الجوعي ،مطبوع.
الباب الأول
نزول القرآن وما يتعلق به
هذا الباب يشتمل على أربعة أقسام:
القسم الأول: القواعد المتعلقة بأسباب النزول.
القسم الثاني: القواعد المتعلقة بمكان النزول.
القسم الثالث: القواعد المتعلقة بالقراءات.
القسم الرابع: القواعد المتعلقة بترتيب الآيات والسور.
القسم الأول
القواعد المتعلقة بأسباب النزول
تعريف سبب النزول:
هو ما نزلت الآية أو الآيات تتحدث عنه أو مبينة لحكمه عند وقوعه.
أقسام النزول:
أ- ما نزل ابتداءاً وهو أكثر القرآن.
ب- ما نزل عقيب سؤال أو واقعة وهو ما نحن بصدده.
أهمية الموضوع:
معرفة أسباب النزول شرط مهم للمفسر , لا يمكن له التكلم إلا بعد معرفته.
قاعدة1:
القول في أسباب النزول توقيفي.
توضيح: القول في أسباب النزول يعتمد على النقل والسمع , أي الرواية عمن شاهدوا التنزيل , فلا مدخل للرأي فيها ألبته.
لا تحتاج هنا إلى مثال.
قاعدة2:
سبب النزول له حكم الرفع.
توضيح: أسباب النزول على قسمين:
الأول: الصريح: وهو ما صرح فيه الصحابي بقوله: سبب نزول هذه الآية كذا. أو يذكر واقعة أو سؤالاً ثم قال: فنزلت الآية , أو نزلت , أو ثم نزلت , أو فأوحى الله إلى نبيه... .
الثاني: غير الصريح: وهو أن يقول: نزلت هذه الآية في كذا. فهذا يحتمل أن يكون سبباً للنزول ويحتمل أن يكون من قبيل التفسير.
وبعد أن عرفت هذين القسمين نقول:
لا ريب أن الأول له حكم الرفع. لكن وقع الخلاف في الثاني. فالبخاري يجعله من قبيل المرفوع أي حكمه حكم الأول. أما أحمد وغيره فلا يجعله كذلك وعليه أكثر المسانيد. ذكره ابن تيمية في المجموع (13/339).
التطبيق:
مثال غير الصريح:
أخرج البخاري عن حذيفة t في قوله تعالى: { وانفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ......... } الآية قال نزلت في النفقة.
تنبيه:
قد تأتي الرواية الواحدة في بعض المواضع بصيغة صريحة في سبب النزول. وتأتي في موضع آخر بصيغة غير صريحة. فهذا يوجب علينا تتبع الروايات في المواضع المختلفة قبل الشروع في الحكم عليها فيما يتعلق بالصيغة.
مثال:
أخرج البخاري عن نافع قال: كان ابن عمر y إذا قرأ القرآن لم يتكلم حتى يفرغ منه. فأخذت عليه يوماً فقرأ سورة البقرة حتى انتهى إلى مكان قال: تدري فيم أنزلت؟ قلت: لا. قال: نزلت بكذا وكذا. ثم مضى.
فهذا غير صريح وقد ورد في موضع آخر عند البخاري بلفظ من قبيل التصريح.
انظر: فتح الباري (8/189-190).
مثال الصريح:
أخرج البخاري عن البراء t قال: لما نزل صوم رمضان كانوا لا يقربون النساء رمضان كله. وكان رجال يخونون أنفسهم فأنزل الله تعالى: {علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم.....}الآية.
قاعدة:
نزول القرآن تارة يكون مع تقرير الحكم وتارة قبله وتارة بعده.
التطبيق:
ما نزل مع تشريع الحكم:
الغالب في آيات القرآن من هذا النوع , فيكون نزولها مصاحباً لتشريع الحكم أو وقوع الشيء. وأمثلته كثيرة مثل فرض الصوم.
ما نزل قبل تقرير الحكم:
ومثاله قوله تعالى: { لا أقسم بهذا البلد . وأنت حل بهذا البلد } والسورة مكية.
وقد فسرها جماعة من السلف بالحل الذي وقع للنبي r عام الفتح. وقوله تعالى: [ سيهزم الجمع ويولون الدبر ] فقد فسرت بيوم بدر مع أن السورة مكية. وقوله تعالى: [ وآخرون يقاتلون في سبيل الله ] فالسورة مكية وليس ثمة قتال يومئذٍ. وإنما شرع القتال بعد الهجرة في المدينة.
ما نزل بعد تقرير الحكم:
مثاله آية الوضوء. أخرج الشيخان من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: خرجنا مع رسول الله r في بعض أسفاره حتى إذا كنا بالبيداء انقطع عقد لي ..... فقام رسول الله حين أصبح على غير ماء فأنزل الله آية التيمم , فتيمموا ...الحديث. والآية ذكر فيها الوضوء مع التيمم علماً أن الوضوء مشروع قبل ذلك.
قال ابن عبد البر: والحكمة في نزول آية الوضوء ــ مع تقدم العمل به ــ ليكون فرضه متلواً بالتنزيل أ.هـ التمهيد (19/279).
ومثال آخر على ما نزل بعد تقرير الحكم , آية الجمعة وهي قوله تعالى: [ يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة ...... ] وهي مدنية مع أن الجمعة فرضت بمكة قبل الهجرة بدليل حديث عبد الرحمن بن كعب بن مالك عند ابن ماجه بإسناد صححه الألباني.
قاعدة:
الأصل عدم تكرر النزول.
توضيح: ما دلت عليه القاعدة هو الأصل. إلا أنه قد يخرج عن هذا الأصل فيتم الحكم بتعدد أسباب النزول إذا كانت ثابتة سنداً , صريحه دلالةً , مع تباعد الفترة بينهما . وهذا القول خير من القول بالترجيح بين الروايات لأنه الجمع ما أمكن مقدم على الترجيح. وتكرار النزول أمر لا غرابة فيه فقد يكون ذلك من باب تأكيد الحكم أو بيان أنه الواقعة الجديدة داخلة تحت حكم الآية أو من باب التذكير.
تطبيق: قال تعالى: [ ويسألونك عن الروح ...... ] الآية. أخرج الشيخان من حديث ابن مسعود t قال: كنت أمشي مع النبي r في حرثٍ بالمدينة وهو يتوكأ على عسيب , فمر بنفر من اليهود , فقال بعضهم: لو سألتموه؟ فقال بعضهم: لا تسألوه. فإنه يسمعكم ما تكرهون. فقالوا: يا أبا القاسم حدثنا عن الروح. فقام النبي r ساعة. ورفع رأسه إلى السماء , فعرفت أنه يوحى إليه حتى صعد الوحي ثم قال: [ الروح من أمر ربي ]. هذا الحديث كان في المدينة. وأخرج الترمذي من حديث ابن عباس y , قال: قالت قريش ليهود: أعطونا شيئاً نسأل هذا الرجل. فقالوا: سلوه عن الروح فسألوه عن الروح فأنزل الله تعالى: [ يسألونك عن الروح ] الآية. قال ابن كثير معلقاً على حديث ابن مسعود في التفسير (3/60): وهذا السياق يقتضي فيما يظهر بادي الرأي أن هذه الآية مدنية , وأنها نزلت حين سأله اليهود عن ذلك بالمدينة مع أن السورة كلها مكية. وقد يجاب عن هذا بأنه قد تكون نزلت عليه بالمدينة مرة ثانية كما نزلت عليه بمكة قبل ذلك. وقال ابن حجر في فتح الباري (8/401): ويمكن الجمع بأن يتعدد النزول , بحمل سكوته في المرة الثانية على توقع مزيد بيان في ذلك.
قاعدة:
قد يكون سبب النزول واحداً , والآيات النازلة متفرقة , والعكس.
تطبيق:
مثال لما اتحد سببه وتعددت الآيات النازلة فيه:
عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قلت يا رسول الله: يُذكر الرجال ولا يُذكر النساء فأنزل الله عز وجل: [ إن المسلمين والمسلمات ....... ] الآية. وأنزل: [ إني لا أضيع عمل عاملٍ منكم ...... ] الآية. أخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي. وأصله عند الترمذي. وذكره الألباني في صحيح سنن الترمذي.
مثال لما تعددت أسبابه والنازل فيه واحد:
أخرج البخاري قصة عويمر العجلاني عندما وجد رجلا مع امرأته وفي نهاية الحديث قال له الرسول r: قد أنزل الله القرآن فيك وفي حاجتك [ والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم .... ] الآيات. ثم أخرج البخاري أيضاً قصة هلال بن أمية عندما قذف امرأته بشريك بن سحماء . وفي نهاية الحديث نزل جبريل وأنزل عليه: [ والذين يرمون أزواجهم .... ].
قاعدة:
إذا تعددت المرويات في سبب النزول ننظر إلى الثبوت فنقتصر على الصحيح , ثم ننظر إلى الدلالة فنقتصر على الصريح , فإذا تقارب الزمان حُمل على الجميع , وإذا تباعد حكم بتكرار النزول.
توضيح:
هذه القاعدة من أنفع ما يكون للناظر في كتب التفسير , فكثيراً ما يذكر المفسرون أسباباً عدة لنزول الآية. وفي هذه الحالة ينبغي تطبيق الخطوات التالية بالترتيب التالي:
ننظر في الأسانيد , فنترك الضعيف ونقتصر على الصحيح.
ننظر في الدلالات , فنترك غير الصريح , ونقتصر على الصريح.
إذا كانت الروايات , الصحيحة , الصريحة متعددة , متقاربة الزمان حكمنا بأن الآية نزلت بعد تلك الأسباب كلها.
إن كان الزمان متباعداً حكمنا بتكرر النزول. وبعض العلماء يذهب في هذه الحالة إلى الترجيح. لكن الأولى هو الأول. وتقدم.
وبهذه الخطوات ينحل عن المشتغل في التفسير كثير من الأشكالات.
تطبيق:
مثال ما كان فيه بعض الروايات ثابتاً . والآخر لم يصح.
أخرج الشيخان من حديث جندب بن سفيان t قال: اشتكى رسول الله r فلم يقم ليلتين أو ثلاثاً. فجاءت امرأة فقالت يا محمد: إني لأرجو أن يكون شيطانك قد تركك , لم أره قربك منذ ليلتين أو ثلاثاً. فأنزل الله عز وجل: [ والضحى . والليل إذا سجى . ما ودعك ربك وما قلى ]. فهذه رواية صحيحة , صريحة في سبب النزول. وقد وردت روايات أخرى في سبب نزولها مفادها وجود جرو كلب تحت سرير النبي r لم يشعر به فأبطأ عليه جبريل بسبب ذلك. وهذه قصة مشهورة. لكن جعلها سبباً لنزول هذه الآية لا يصح. ووردت روايات أخرى تذكر أسباباً متعددة للنزول وكلها لا تصح. ذكرها الحافظ في الفتح (8/710).
مثال ما كانت الروايات فيه كلها ثابتة لكن منها الصريح ومنها غير الصريح:
قال تعالى: [ ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله ].
تعددت الروايات في سبب نزولها:
أخرج الترمذي من حديث عامر بن ربيعة t قال: كنا مع النبي r في سفر في ليلة مظلمة فلم ندرِ أين القبلة فصلى كل رجلٍ منا على حياله فلما أصبحنا ذكرنا ذلك لرسول الله r فنزلت: [ فأينما تولوا فثم وجه الله ]. صحيح سنن الترمذي (2357) الأرواء (291).
فهذا حديث من جهة الثبوت صحيح , من جهة الدلالة صريح.
أخرج الترمذي من حديث ابن عمر y قال: كان النبي r يصلي على راحلته تطوعاً حيثما توجهت به , وهو جاءٍ من مكة إلى المدينة ثم قرأ ابن عمر هذه الآية: [ ولله المشرق والمغرب ... ] صحيح سنن الترمذي (2358).
هذا حديث صحيح لكنه غير صريح.
وبمقتضى القاعدة نقدم الأول على الثاني من باب تقديم الصريح الدلالة على غير الصريح.
مثال ما صحت فيه كل الروايات وكلها صريحة مع تقارب الزمان:
مضى مثاله قريباً في قوله تعالى: [ والذين يرمون أزواجهم ] وبمقتضى القاعدة تكون الآية نزلت بعد الأسباب كلها.
مثال ما صحت فيه الروايات وكانت صريحة مع تباعد النزول: مضت أمثلته عند الكلام على ما تكرر نزوله كما في الآية: [ ويسألونك عن الروح ].
مثال الترجيح (عند القائلين به) كترجيح رواية الصحيحين على غيرهما في الأمثلة السابقة. وقدمنا أن القول بتكرار النزول أولى من هذا القول. والله أعلم.