من الشبه المثارة حول القرآن، التي صُنفت على أنها من الشبه اللغوية، ما جاء في قوله تعالى: {كالذين من قبلكم كانوا أشد منكم قوة وأكثر أموالا وأولادا فاستمتعوا بخلاقهم فاستمتعتم بخلاقكم كما استمتع الذين من قبلكم بخلاقهم وخضتم كالذي خاضوا} (التوبة:69).
فقد قالوا حول هذه الشبهة: إن اسم الموصول (الذي) في قوله تعالى: {وخضتم كالذي خاضوا} قد جاء في صيغة المفرد، مع أن موصوله (ضمير الجمع) قد جاء في صيغة الجمع، وكان المفترض - بحسب القائلين بهذه الشبهة - أن يأتي التركيب القرآني على النحو التالي: (وخضتم كالذين خاضوا)؛ لتوافق الصلة (واو الجماعة) في (خاضوا) الاسم الموصول (الذين) الدال على صيغة الجمع؛ إذ لا يستقيم الإتيان بالاسم الموصول المفرد (الذي)، مع مجيء صلته على صيغة الجمع.
والحق، فإن التركيب القرآني لا إشكال فيه، بل جاء على وفق لسان العرب، وعلى حسب أسلوبهم في البيان، وبيان ذلك يُعرف ببيان الوجوه التالية:
الأول: أن الاسم الموصول (الذي) يُستعمل للمفرد والجمع في كلام العرب؛ فمن أمثلة استعماله مع الجمع، ما جاء في شعر هديل بن الفرخ العجلي:
وبت أساقي القوم إخوتي الذي غوايتهم غيي ورشدهم رشدي
فأتى الشاعر باسم الموصول (الذي)، مع أن صلته ضمير الجمع في قوله: (غوايتهم).
ومن هذا القبيل في الاستعمال أيضاً، قول الراجز:
يا رب عبس لا تبارك في أحد
في قائم منهم ولا في من قعد
إلا الذي قاموا بأطراف المسد
فجاء الراجز باسم الموصول (الذي)، مع أن صلته (واو الجماعة) في قوله: (قاموا) ضمير جمع، فهذا وجه أول يفهم على ضوئه صحة التركيب القرآني.
الثاني: أن يكون الاسم الموصول (الذي) صفة لاسم مفرد، لكن معناه الجمع؛ كـ (الفريق) أو كـ (الفوج)، فلوحظ في الصفة اللفظ، وفي الضمير المعنى؛ فلفظ (الفريق) و(الفوج) مفردان، لكن معناهما الجمع. وعلى هذا يكون توجيه الآية: وخضتم كالفوج الذي خاضوا؛ فـ {الذي}-بحسب هذا التوجيه- صفة لاسم مفرد اللفظ (الفوج)؛ في حين أن ضمير الجماعة ( الواو )، في قوله: {خاضوا}، يعود على معنى الجمع في لفظ (الفوج)؛ إذ إن معناه الجمع.
وهذا أيضاً استعمال معهود ومعروف في لسان العرب؛ حيث استعملت العرب ألفاظاً صيغتها الإفراد، غير أن معناها الجمع، كلفظ (القوم)، فهو لفظ مفرد، ومعناه الجمع؛ وكلفظ (الماء)، فهو لفظ مفرد، ومعناه الجمع، ونحو ذلك. وهذا وجه ثان يُفهم من خلاله صحة هذا التركيب القرآني.
الثالث: أن الاسم الموصول (الذي) مخفف من الاسم الموصول (الذين)، وتخفيف اسم الموصول مستعمل في بعض لغات العرب، كلغة هذيل وتميم، حيث يحذفون النون من المثنى، ويحذفونها من الجمع، من باب التخفيف في اللفظ؛ فمن تخفيفهم الاسم الوصول المثنى، قول الأخطل:
أبني كليب إن عمي اللـذا قتلا الملوك وفككا الأغلالا
فخفف الشاعر الاسم الموصول المثنى (اللذان)، وجعله (اللذا)، مع أن صلته ألف التثنية (قتلا، فككا).
ومن تخفيفهم الاسم الموصول الجمع، قول أشهب بن رميلة:
وإن الذي حانت بفلج دماؤهم هم القوم كل القوم يا أم خالد
فخفف الشاعر الاسم الموصول الجمع (الذين)، وجعله (الذي) مع أن صلته (هم) ضمير الجمع.
هذا، وقد أتى سيبويه بهذا البيت شاهدًا على استعمال الاسم الموصول (الذي)، موضع اسم الموصول (الذين)، بما يُفهم من مسلكه أن الأمر من باب التخفيف.
فإذا تبينت هذه الوجوه الثلاث، وأمكن حمل التركيب القرآني عليها، عُلم أنه لا إشكال في هذا التركيب مطلقاً، وإنما الإشكال فيمن قصرت أفهامهم عن فهم لسان العرب، وفيمن فسدت ألسنتهم عن معرفة أساليبهم في البيان والتبيين.
فقد قالوا حول هذه الشبهة: إن اسم الموصول (الذي) في قوله تعالى: {وخضتم كالذي خاضوا} قد جاء في صيغة المفرد، مع أن موصوله (ضمير الجمع) قد جاء في صيغة الجمع، وكان المفترض - بحسب القائلين بهذه الشبهة - أن يأتي التركيب القرآني على النحو التالي: (وخضتم كالذين خاضوا)؛ لتوافق الصلة (واو الجماعة) في (خاضوا) الاسم الموصول (الذين) الدال على صيغة الجمع؛ إذ لا يستقيم الإتيان بالاسم الموصول المفرد (الذي)، مع مجيء صلته على صيغة الجمع.
والحق، فإن التركيب القرآني لا إشكال فيه، بل جاء على وفق لسان العرب، وعلى حسب أسلوبهم في البيان، وبيان ذلك يُعرف ببيان الوجوه التالية:
الأول: أن الاسم الموصول (الذي) يُستعمل للمفرد والجمع في كلام العرب؛ فمن أمثلة استعماله مع الجمع، ما جاء في شعر هديل بن الفرخ العجلي:
وبت أساقي القوم إخوتي الذي غوايتهم غيي ورشدهم رشدي
فأتى الشاعر باسم الموصول (الذي)، مع أن صلته ضمير الجمع في قوله: (غوايتهم).
ومن هذا القبيل في الاستعمال أيضاً، قول الراجز:
يا رب عبس لا تبارك في أحد
في قائم منهم ولا في من قعد
إلا الذي قاموا بأطراف المسد
فجاء الراجز باسم الموصول (الذي)، مع أن صلته (واو الجماعة) في قوله: (قاموا) ضمير جمع، فهذا وجه أول يفهم على ضوئه صحة التركيب القرآني.
الثاني: أن يكون الاسم الموصول (الذي) صفة لاسم مفرد، لكن معناه الجمع؛ كـ (الفريق) أو كـ (الفوج)، فلوحظ في الصفة اللفظ، وفي الضمير المعنى؛ فلفظ (الفريق) و(الفوج) مفردان، لكن معناهما الجمع. وعلى هذا يكون توجيه الآية: وخضتم كالفوج الذي خاضوا؛ فـ {الذي}-بحسب هذا التوجيه- صفة لاسم مفرد اللفظ (الفوج)؛ في حين أن ضمير الجماعة ( الواو )، في قوله: {خاضوا}، يعود على معنى الجمع في لفظ (الفوج)؛ إذ إن معناه الجمع.
وهذا أيضاً استعمال معهود ومعروف في لسان العرب؛ حيث استعملت العرب ألفاظاً صيغتها الإفراد، غير أن معناها الجمع، كلفظ (القوم)، فهو لفظ مفرد، ومعناه الجمع؛ وكلفظ (الماء)، فهو لفظ مفرد، ومعناه الجمع، ونحو ذلك. وهذا وجه ثان يُفهم من خلاله صحة هذا التركيب القرآني.
الثالث: أن الاسم الموصول (الذي) مخفف من الاسم الموصول (الذين)، وتخفيف اسم الموصول مستعمل في بعض لغات العرب، كلغة هذيل وتميم، حيث يحذفون النون من المثنى، ويحذفونها من الجمع، من باب التخفيف في اللفظ؛ فمن تخفيفهم الاسم الوصول المثنى، قول الأخطل:
أبني كليب إن عمي اللـذا قتلا الملوك وفككا الأغلالا
فخفف الشاعر الاسم الموصول المثنى (اللذان)، وجعله (اللذا)، مع أن صلته ألف التثنية (قتلا، فككا).
ومن تخفيفهم الاسم الموصول الجمع، قول أشهب بن رميلة:
وإن الذي حانت بفلج دماؤهم هم القوم كل القوم يا أم خالد
فخفف الشاعر الاسم الموصول الجمع (الذين)، وجعله (الذي) مع أن صلته (هم) ضمير الجمع.
هذا، وقد أتى سيبويه بهذا البيت شاهدًا على استعمال الاسم الموصول (الذي)، موضع اسم الموصول (الذين)، بما يُفهم من مسلكه أن الأمر من باب التخفيف.
فإذا تبينت هذه الوجوه الثلاث، وأمكن حمل التركيب القرآني عليها، عُلم أنه لا إشكال في هذا التركيب مطلقاً، وإنما الإشكال فيمن قصرت أفهامهم عن فهم لسان العرب، وفيمن فسدت ألسنتهم عن معرفة أساليبهم في البيان والتبيين.