نتأمل قول النبي الأعظم عليه الصلاة والسلام: (ناصيتي بيدك) لماذا أكد على منطقة الناصية بالذات، وما هي علاقة هذه المنطقة بالإيمان والكفر... لنقرأ
عبارات كثيرة كان يرددها سيد البشر عليه الصلاة والسلام، لماذا؟ وما الحكمة من الأدعية الكثيرة التي كررها نبي الرحمة باستمرار، لدرجة أن الذي يتعمق في حياة النبي الكريم يلاحظ على الفور أن كل أعماله وكل حركاته وسكناته كان يدعو بدعاء محدد، ما هو السر يا تُرى؟ وهل من معجزة من وراء ذلك؟
لكي نتعرف على الحكمة أو جزء من الحكمة نلجأ إلى عبارة لفتت انتباهي من دعاء نبوي عظيم يُقال عند الكرب والهم والحزن، يقول فيه الحبيب الأعظم: (اللهم إني عبدك بن عبدك بن أمتك ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل في قضاؤك أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور بصري وجلاء حزني) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما قاله عبد قط إذا أصابه هم أو حزن إلا أذهب الله همه وأبدله مكان حزنه فرحا) قالوا يا رسول الله ينبغي لنا أن نتعلم هذه الكلمات قال (أجل ينبغي لمن سمعهن أن يتعلمهن) [رواه ابن حبان في كتاب الرقائق، والإمام أحمد عن ابن مسعود]. [رواه ابن حبان في كتاب الرقائق، والإمام أحمد].
والسؤال: لماذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: (ناصيتي بيدك)؟ وما علاقة الناصية باستجابة الدعاء؟ بل ما علاقة هذه المنطقة من الرأس بالإيمان بالله تعالى؟ طبعاً الناصية هي مقدمة وأعلى الرأس، أي المنطقة أعلى جبين الإنسان، وهذه المنطقة يوجد خلفها مباشرة مقدمة الدماغ وهي أهم جزء من أجزاء الدماغ عند الإنسان.
اكتشاف مهم
كما نعلم هناك أجزاء كثيرة من الدماغ لم تُكتشف حتى الآن، ويحاول العلماء الغوص في أعماق الدماغ لمعرفة أسراره وكل جزء من أجزائه ما هو عملها وتأثيرها. ومن آخر الاكتشافات العلمية أن بعض العلماء قام بتجربة على الدماغ، وكان يهدف لدراسة المنطقة المسؤولة عن الكفر والإيمان! فماذا وجد؟
لقد كانت المفاجأة أن المنطقة المسؤولة عن الكذب والصدق في الدماغ هي ذاتها المسؤولة عن الكفر والإيمان! وهي المنطقة الأمامية من الدماغ أو منطقة الناصية وتحديداً ما يسمى (VMPC) أو ventral medial prefrontal cortex. لقد وجدوا أن المنطقة الأمامية من الدماغ مسؤولة أيضاً عن اتخاذ القرارات، وعن القيادة، أي قيادة الإنسان لنفسه ولغيره.
يقوم العلماء في جامعة بنسلفانيا University of Pennsylvania اليوم بدراسة الموجات الاهتزازية التي يبثها الدماغ، ومنهم الدكتور Knight Robert بدراسة دقيقة للدماغ باستخدام جهاز المسح بالرنين المغنطيسي الوظيفي fMRI ، وباستخدام موجات غاما التي يبثها الدماغ، يقول هذا الباحث: إن الموجات التي يبثها دماغ الإنسان تتغير مع طريقة تفكيره، تتغير أثناء الكذب وأثناء الخطأ، وأثناء الإيمان بشيء ما، أو خلال إنكار شيء ما.
لقد وجد العلماء أيضاً أن هذه المنطقة تنمو أثناء الإيمان عندما يعيش الإنسان حالة من الاندماج مع معتقدات معينة، ولكن في حالة الممارسات السيئة والاضطرابات في العقيدة وعدم الإيمان بشيء (أي الإلحاد) فإن هذه المنطقة "تتآكل" مع الزمن ويقل عدد خلايا الدماغ فيها وتصبح أصغر حجماً، وبالتالي تزداد الاضطرابات النفسية لدى هؤلاء ويزداد لديهم القلق والإحباط، وربما يسهل عليهم الانتحار!
وإذا ما علمنا أنه في العام الماضي فقط (2007) انتحر أكثر من 700 ألف شخص معظمهم في دول غربية يتمتع أفرادها بنسب عالية من الإلحاد ندرك أهمية هذا الأمر، وأهمية أن يكون الإنسان مؤمناً. ومن أغرب ما قرأت أن بعض الباحثين اليوم يؤكدون على ضرورة إقحام الدين في العلم!!!
فقد وجدوا أن الدين والإيمان مهم جداً في علاج الاضطرابات النفسية، ومهم في علاج الانتحار، ومهم في الشفاء، لأن الاعتقاد بالشفاء هو نصف الشفاء! ولذلك نجد بين وقت وآخر دعوات تنطلق من علماء ملحدين!!! من أجل دمج الدين بالعلم، وهذا أغرب ما في الأمر، أي أنهم يريدون استخدام الدين فقط من أجل الدنيا، ولكنهم لا يدركون شيئاً عن الآخرة.
وهنا يا أحبتي لابد أن نستشعر رحمة الله وفضلة علينا أن جعلنا مسلمين، وجعلنا نعيش كل لحظة من لحظات حياتنا مع القرآن، وهذا من أعظم أنواع الإعجاز، أن المؤمن يجد في كتاب الله تعالى آيات تناسب جميع أحواله وهذا ما لا نجده في أي كتاب آخر!
ويؤكد العلماء أن الدماغ يبث موجات كهرطيسية بشكل دائم، وتتغير هذه الترددات وشكل الموجات وشدتها وقيمة ذبذبتها حسب نوع التصرف وحسب نوع الكلام، ويقولون بأن أفعال الإنسان مهما كانت صغيرة تترك آثاراً على جبهة الإنسان، وخلف الجبهة، أي أن شكل الناصية يختلف من شخص لآخر حسب الإيمان والكفر وحسب معتقداته، ولذلك فإن الإنسان الذي يمارس الأفعال السيئة فإن ناصيته تختلف عن الإنسان الذي يمارس أعمال الخير.
ولذلك فإن الله تعالى سوف يأخذ هذه نواصي المجرمين ويقودها إلى جهنم والعياذ بالله، هؤلاء الملحدين سوف يُعرفون ويميَّزون يوم القيامة يعرفهم الناس من جبهتهم ومن العلامات البارزة عليها، والتي كانت مختفية في الدنيا عنا فإن الله تعالى يظهرها للعباد يوم القيامة، ولذلك يقول تعالى: (يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ) [الرحمن: 41].
من هنا نستفيد شيئاً جديداً ألا وهو أن نسلم هذه الناصية لله تعالى، وأن نردد قول سيدنا هود عليه السلام كلما اعترضنا موقف صعب: (إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [هود: 56].
وأخيراً نستطيع أن نستنتج أن المنطقة المسؤولة عن تحديد الإيمان والكفر هي منطقة الناصية في الدماغ، ولذلك كان النبي عليه الصلاة والسلام يؤكد على أهمية هذه المنطقة، حتى إنه يضع يده الشريفة على جبهة المريض ليدعو له ويقرأ له القرآن فيُشفى بإذن الله!
اللهم إنا نعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته، إن ربي على صراط مستقيم