ر
بسم الله الرحمن الرحيم
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
[size=32]تهافـت اللَّادينيَّـة[/size]
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده، وعلى آله وصحبه وسلَّم، أمَّا بعد:
فلا نزال نسمع بين الفينة والأخرى عن أقوام ضلَّ سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، ويقدُم هؤلاء في هذا العصر أناس قد امتلأت قلوبهم حقدا على دين ربِّ العالمين، وأشربوا في قلوبهم حبَّ التفسُّخ والانحلال، وشاع فيهم الإسفاف والابتذال، تحت دعوى الحريَّة والتحضُّر وغير ذلك من المسالك العِلال.
وأن يأتيك ذلك ممن نشأ نشأة الدين المحرَّف من يهود ونصارى، أو الدِّين المختلق من الهندوس والبوذيَّة وما شاكلها، لأخفُّ مضاضةً، وأقلُّ ألما من أن يأتيك من قوم نشؤوا في ديار الإسلام، وفي أكناف الدِّين الحنيف؛ وجَدوا على هذا آباءهم وأجدادهم، وآثارهم ومآثرهم لا تزال شاهدة ! ثمَّ يتنكرون ويجحدون.
انتشر دين ربِّ العاملين الحنيف، وانتشرت سنَّة نبيٍّه الأمين في هذه الأزمنة القريبة انتشارا كبيرا، وآب النَّاس إلى إلههم الحقٍّ أوبة عميمة، وصاحب ذلك تديُّن صادق، وبحث عن الحقائق، وابتعاد عن البوائق، فلم يرق ذلك لمن عَظُم تعظيمه للكفَّار والملحدين من الشَّرقيين والغربيِّين، ولمن تمكَّن من قلوبهم الانبهار بهم إلى حدٍّ حيَّر العقول، مع احتقار وازدراء لبني أبيهم أشد تحييرا !
من القوم من جحد الحقَّ واستيقنت به أنفسهم، ومنهم من استحكمت فيهم الشهوات، وتجارت بهم الشبهات، فصاروا لا يعرفون معروفا ولا ينكرون منكرا إلا ما أشربوا من أهوائهم، ومنهم المغرَّر بهم المنخدعون بالبريق والزخارف، واتفقت حالهم على معرفة ظاهر من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون.
وتعدَّدت الأسباب واتفقت النتائج، ومن أعظم ذلك الجهل بحقيقة دين الله جلَّ وعلا، وما صحب ذلك من تشويه وتهجين من طرف إعلام فاشل، ذي رغبة ورهبة، ليست رغبة في رضا ربِّه وجنَّة نعيمه، ولا رهبة من سخطه وناره، لكنَّها رغبة في متاع الدنيا، ورغبة في مدح أسيادهم الذين تربَّوا على الخضوع لهم، لعلهم يقولون: متحضِّر متنوِّر، ومتفتِّح متمدِّن، نعم صار الإعلاميُّ من قومنا-إلا ما رحم ربِّي- لعبة في يد سيِّده الغربيٍّ، وعبدا له يخضع و منه يطلب الرضا، وكذا رهبة من أن يوصف بالتخلُّف أو يوسم بالرجعية، أو تنشف الموارد ويقلَّ فتات الموائد!
ضعفت حال المسلمين في زماننا لحبٍّ الدنيا وكراهية الموت؛ اتَّبعوا أذناب البقر ورضوا بالزرع، فأصيبت القلوب بالوهن، وتهاونت الجوارح في العمل، قدَّر ذلك العزيز الحكيم، وله في ذلك الحكمة البالغة، سارع الناصحون وسعى المصلحون، فأيَّد الله صادقهم، وبلَّغ مخلصهم، تطفَّل على عملهم مخذُولون ومخذِّلون، لبسوا لباس الناصحين، وغفلوا عن لباس التقوى، وأرادوا خيرا –زعموا- فلم يبلغوه، فأرْدَوا من تبعهم في حضيض يجيء بعده حضيض، زعم منهم زاعمون أن لا رفع للهوان إلى بنكران الأديان، والسير وراء بني علمان، وجهلوا قول النبيِّ العدنان (حتَّى ترجعوا إلى دينكم).
إنَّ ربَّ هذا الكون قد جعل لكل شيء مقادير، وأحكم فيه سننا لا تحابي أحدا، وكذا شرع شرائع تهدي الخلق إلى صراط مستقيم، وتكفُل الخير العميم في الدنيا والدين، وتجنٍّب طريق الشرِّ وولوج الجحيم، من سار على وفق ما قضى الربُّ كونا، وشرع شرعا؛ أوشك أن يبلغ المراد، ومن حاد عن الطريق، لم يبلغه ولو سلك كلَّ طريق.
إنَّ دين الإسلام دين الحقِّ، حنيفية سمحة، أراد الله جلَّ وعلا به لعباده اليسر، ورفع عنهم الحرج والإصر، أمر فيه بصلة الأرحام، وإطعام الأنام، ورحمة الأيتام، حضَّ فيه على كلٍّ الأفعال الحِسان، وحذَّر من التصرفَّات الهجان.
زرع به في القلوب شجرة الإيمان، وقلع عروق الكفر والطُّغيان، فآتت أكلها طيبا في كلِّ الأحيان.
أقام قيه شعائر الإسلام وأمر بعباداته العظام، صلة بين العبد وربٍّه، وتزكية لنفسه وتطهيرا من الأدران.
أعطى الفقراء حقَّهم ونصيبهم، وأمر بمواساتهم والرفق بهم، وجعل ذلك برهان الإيمان.
قرن فيه حقَّه العظيم بحق الوالدين، وأمر ببرِّهم وما أدراك ما برُّ الوالدين.
جعل للنَّاس ولاة وأمراء يحفظون الدين ويقيمون دنيا الإنسان، ويجمعون النَّاس على السنَّة والقرآن.
حذَّر فيه عن البدع والأهواء حفاظا على الأذهان، وتحصينا للأديان.
أعطى كلَّ ذي حقٍّ حقَّه، أكرم فيه بني الإنسان، ورفع الظلم عن النسوان، وآتاهنَّ حقهنَّ موفورا غير منقوص في سائر التشريعات والأحكام.
حرَّم فيها المسكرات والمخدٍّرات حفظا للعقول وإبعادا عن مشابهة الحيوان.
شرع فيه الجهاد فتحا للقلوب، ودعوة إلى الإيمان، ونشرا للسنَّة للقرآن، وردعا للكفر والطغيان.
قسم الإرث بنفسه سبحانه عدلا منه وقطعا للنزاع والخصام.
حكم بالعدل وأوفى الحقوق، ونصر المظلوم، وردع الظالم، فشرَّع لذلك القضاء يقوم به أهل العلم والعرفان.
شرع الله في دينه الحدود والتعزيرات حفاظا على حسن سير الحياة، وتحصيلا للأمان.
أمر بالآداب، وشرع منها لكلِّ الأحوال والأحيان، وحثَّ على التخلُّق بأخلاق القرآن وشيَم النبيِّ العدنان وفيها
الكفاية والتمام.
لم يقف تشريعه على حسن معاملة الإنسان، حتَّى أمر بالرفق بالحيوان، ونهى عن تحميله فوق الطَّاقة، وتوَّعد من ضيَّعه بالنيران.
هذا إجمال لشيء من محاسن هذه الشريعة وعظمتها، وتذكير لمن يعتبر ويتذكَّر، فالفطر السليمة والعقول الصحيحة قاضية بعظمتها وحسنها، مذعنة لها، منقادة لتعاليمها، فإن أصيب أحد هذين بشهوة أو بشبهة، عسر الأمر، واشتدَّ الحال.
ويقابل هذا في ما يدعوا إليه القوم، من نتاج أفكار، وزبالة أذهان؛ عقائد فاسدة وتصوُّرات خاطئة، وأخلاق سافلة، وظلمات سائدة، وانحلال فاشي، وتفسُّخ مزري، زنا وفاحشة، وكسوة عارية، لؤم وجحود، وتكبُّر وكنود، شرك وطغيان، وكفر ونكران، ماديَّة مستحكمة، ونفعيَّة خالصة، مكر وحيلة، وسوء سريرة، وفساد طويَّة، خيلاء وإسراف، وتبذير وإسفاف، وغير هذا كثير، لكن كلُّه تحت أسماء منمَّقة، وألبسة مزوَّقة؛ من حريَّة، وتفتُّح، وعدالة اجتماعيَّة، ودهاء، وما إلى ذلك من التلبيسات.
نعم؛كلُّ هذا موجود وزيادة، وليس ظلما للقوم، ولا يقولَنَّ قائل إن في ديار الإسلام مثل هذا ونظائره، فلم التعسُّف؟! فإنه مع وقوع ذلك فإنها تبقى منكرات وبوائق، لا محاسن وحقائق، ثمَّ إنَّ كثيرا منها مستورد دخيل، وهي في ديار القوم أشدُّ وأحدُّ! أمَّا القوم فقد استساغوا ذلك، بل جعلوه عين الحضارة والتمدُّن، وكفى بالشرِّ شرًّا أن يقرَّ ويقرَّر.
وكأنِّي بآخر يقول: إن للقوم أخلاق حسنة وحسن سيرة، ولهم انضباط وأمانة! وقد بلغوا من التحضُّر والتطوُّر ما لم يتهيَّأ لغيرهم، أمَّا أن للقوم أخلاق فإنه كما هو متقرِّر أن منها جبليًّا ومكتسبا، وقد يكون لبعضهم شيئا من الجبليِّ، ولذلك فإنَّك ترى في هذه الشعوب نفسها تفاوتا عظيما في ذلك، بل إنَّ في بعض ديار الإسلام من لا يبلغ غيرهم مبلغهم من لين الجانب وحسن المعاشرة، ومن طلبه وجده، هذا شيء؛ والآخر أنَّ كثيرا من هذه الأخلاق مصطنعة ونفعيَّة محدودة الصلاحيَّة، وإن شئت فقل: تجاريَّة، وقد شاهد هذا من شاهده ممَّن نشأ عند القوم أو نزل بهم، لذلك فإنَّه إذا زالت المنفعة وقُضيَ الأرب تغيَّر القوم، وأمَّا الانضباط والأمانة فكما تقدَّم في الجبليِّ، كذلك فإنه تردعهم قوانينهم الصَّارمة، وتحبسهم العقوبات الماليَّة والمعنويَّة، وقد علموا فيما بينهم أنَّه لا يصلحهم غير هذا.
وأمَّا أنَّ القوم لهم حضارة عظيمة، وتطوُّرا دنيويا كبيرا، فأوَّلا؛ هذه دنيا يعطيها ربُّنا من يحبُّ ومن لا يحب، ثمَّ إنهم سلكوا طريقها وابتغوا سبلها فنالوا مرادهم، فلو فعل مثلهم في مثل هذا المسلمون لما بُخسوا من حظِّهم شيئا، وليس هذا لنقص دينهم ولا لفساد معتقدهم، وقد شوهد من الشَّرقيين الكفَّار من سلك الطريق الصحيحة لهذا التطوُّر الدنيوي! فبلغوا منه رتبا لم يصل إليها السابقون من الغربيِّين، وفي كلٍّ ذلك لم يتنازلوا عن عقائدهم وعاداتهم على سوئها وفسادها.
يقول من تبصَّر بحال العالم اليوم؛ أنَّ أهل الكتابين كانت تحكمهم عقائد فاسدة وتسوقهم كنائس متعسِّفة، ويتسلَّط عليهم أحبار ورهبان يأكلون أموالهم بالباطل، فثاروا عليها وتخلَّصوا من هذا الرقِّ، وساروا على ما تقدَّم، أمَّا المسلمون فإنه في دينهم العقائد الصحيحة والشريعة الكاملة العادلة، فمهما ابتغوا العزَّ في غيره أذلَّهم الله، وليعتبروا بأسلافهم، الذين دانت لهم الدنيا يوم أن كانوا قائمين بأمر الله، وليسلكوا لكل غاية مسلكها الذي يبلٍّغ إليها، والطريق الصحيحة الموصلة لا المنحرفة المقطوعة!
هذا ما آخر ما يسَّر الله كتابته، والله يهدي السبيل، والحمد لله ربِّ العالمين.
- التصفية والتربية الجزائرية -
بسم الله الرحمن الرحيم
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
[size=32]تهافـت اللَّادينيَّـة[/size]
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده، وعلى آله وصحبه وسلَّم، أمَّا بعد:
فلا نزال نسمع بين الفينة والأخرى عن أقوام ضلَّ سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، ويقدُم هؤلاء في هذا العصر أناس قد امتلأت قلوبهم حقدا على دين ربِّ العالمين، وأشربوا في قلوبهم حبَّ التفسُّخ والانحلال، وشاع فيهم الإسفاف والابتذال، تحت دعوى الحريَّة والتحضُّر وغير ذلك من المسالك العِلال.
وأن يأتيك ذلك ممن نشأ نشأة الدين المحرَّف من يهود ونصارى، أو الدِّين المختلق من الهندوس والبوذيَّة وما شاكلها، لأخفُّ مضاضةً، وأقلُّ ألما من أن يأتيك من قوم نشؤوا في ديار الإسلام، وفي أكناف الدِّين الحنيف؛ وجَدوا على هذا آباءهم وأجدادهم، وآثارهم ومآثرهم لا تزال شاهدة ! ثمَّ يتنكرون ويجحدون.
انتشر دين ربِّ العاملين الحنيف، وانتشرت سنَّة نبيٍّه الأمين في هذه الأزمنة القريبة انتشارا كبيرا، وآب النَّاس إلى إلههم الحقٍّ أوبة عميمة، وصاحب ذلك تديُّن صادق، وبحث عن الحقائق، وابتعاد عن البوائق، فلم يرق ذلك لمن عَظُم تعظيمه للكفَّار والملحدين من الشَّرقيين والغربيِّين، ولمن تمكَّن من قلوبهم الانبهار بهم إلى حدٍّ حيَّر العقول، مع احتقار وازدراء لبني أبيهم أشد تحييرا !
من القوم من جحد الحقَّ واستيقنت به أنفسهم، ومنهم من استحكمت فيهم الشهوات، وتجارت بهم الشبهات، فصاروا لا يعرفون معروفا ولا ينكرون منكرا إلا ما أشربوا من أهوائهم، ومنهم المغرَّر بهم المنخدعون بالبريق والزخارف، واتفقت حالهم على معرفة ظاهر من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون.
وتعدَّدت الأسباب واتفقت النتائج، ومن أعظم ذلك الجهل بحقيقة دين الله جلَّ وعلا، وما صحب ذلك من تشويه وتهجين من طرف إعلام فاشل، ذي رغبة ورهبة، ليست رغبة في رضا ربِّه وجنَّة نعيمه، ولا رهبة من سخطه وناره، لكنَّها رغبة في متاع الدنيا، ورغبة في مدح أسيادهم الذين تربَّوا على الخضوع لهم، لعلهم يقولون: متحضِّر متنوِّر، ومتفتِّح متمدِّن، نعم صار الإعلاميُّ من قومنا-إلا ما رحم ربِّي- لعبة في يد سيِّده الغربيٍّ، وعبدا له يخضع و منه يطلب الرضا، وكذا رهبة من أن يوصف بالتخلُّف أو يوسم بالرجعية، أو تنشف الموارد ويقلَّ فتات الموائد!
ضعفت حال المسلمين في زماننا لحبٍّ الدنيا وكراهية الموت؛ اتَّبعوا أذناب البقر ورضوا بالزرع، فأصيبت القلوب بالوهن، وتهاونت الجوارح في العمل، قدَّر ذلك العزيز الحكيم، وله في ذلك الحكمة البالغة، سارع الناصحون وسعى المصلحون، فأيَّد الله صادقهم، وبلَّغ مخلصهم، تطفَّل على عملهم مخذُولون ومخذِّلون، لبسوا لباس الناصحين، وغفلوا عن لباس التقوى، وأرادوا خيرا –زعموا- فلم يبلغوه، فأرْدَوا من تبعهم في حضيض يجيء بعده حضيض، زعم منهم زاعمون أن لا رفع للهوان إلى بنكران الأديان، والسير وراء بني علمان، وجهلوا قول النبيِّ العدنان (حتَّى ترجعوا إلى دينكم).
إنَّ ربَّ هذا الكون قد جعل لكل شيء مقادير، وأحكم فيه سننا لا تحابي أحدا، وكذا شرع شرائع تهدي الخلق إلى صراط مستقيم، وتكفُل الخير العميم في الدنيا والدين، وتجنٍّب طريق الشرِّ وولوج الجحيم، من سار على وفق ما قضى الربُّ كونا، وشرع شرعا؛ أوشك أن يبلغ المراد، ومن حاد عن الطريق، لم يبلغه ولو سلك كلَّ طريق.
إنَّ دين الإسلام دين الحقِّ، حنيفية سمحة، أراد الله جلَّ وعلا به لعباده اليسر، ورفع عنهم الحرج والإصر، أمر فيه بصلة الأرحام، وإطعام الأنام، ورحمة الأيتام، حضَّ فيه على كلٍّ الأفعال الحِسان، وحذَّر من التصرفَّات الهجان.
زرع به في القلوب شجرة الإيمان، وقلع عروق الكفر والطُّغيان، فآتت أكلها طيبا في كلِّ الأحيان.
أقام قيه شعائر الإسلام وأمر بعباداته العظام، صلة بين العبد وربٍّه، وتزكية لنفسه وتطهيرا من الأدران.
أعطى الفقراء حقَّهم ونصيبهم، وأمر بمواساتهم والرفق بهم، وجعل ذلك برهان الإيمان.
قرن فيه حقَّه العظيم بحق الوالدين، وأمر ببرِّهم وما أدراك ما برُّ الوالدين.
جعل للنَّاس ولاة وأمراء يحفظون الدين ويقيمون دنيا الإنسان، ويجمعون النَّاس على السنَّة والقرآن.
حذَّر فيه عن البدع والأهواء حفاظا على الأذهان، وتحصينا للأديان.
أعطى كلَّ ذي حقٍّ حقَّه، أكرم فيه بني الإنسان، ورفع الظلم عن النسوان، وآتاهنَّ حقهنَّ موفورا غير منقوص في سائر التشريعات والأحكام.
حرَّم فيها المسكرات والمخدٍّرات حفظا للعقول وإبعادا عن مشابهة الحيوان.
شرع فيه الجهاد فتحا للقلوب، ودعوة إلى الإيمان، ونشرا للسنَّة للقرآن، وردعا للكفر والطغيان.
قسم الإرث بنفسه سبحانه عدلا منه وقطعا للنزاع والخصام.
حكم بالعدل وأوفى الحقوق، ونصر المظلوم، وردع الظالم، فشرَّع لذلك القضاء يقوم به أهل العلم والعرفان.
شرع الله في دينه الحدود والتعزيرات حفاظا على حسن سير الحياة، وتحصيلا للأمان.
أمر بالآداب، وشرع منها لكلِّ الأحوال والأحيان، وحثَّ على التخلُّق بأخلاق القرآن وشيَم النبيِّ العدنان وفيها
الكفاية والتمام.
لم يقف تشريعه على حسن معاملة الإنسان، حتَّى أمر بالرفق بالحيوان، ونهى عن تحميله فوق الطَّاقة، وتوَّعد من ضيَّعه بالنيران.
هذا إجمال لشيء من محاسن هذه الشريعة وعظمتها، وتذكير لمن يعتبر ويتذكَّر، فالفطر السليمة والعقول الصحيحة قاضية بعظمتها وحسنها، مذعنة لها، منقادة لتعاليمها، فإن أصيب أحد هذين بشهوة أو بشبهة، عسر الأمر، واشتدَّ الحال.
ويقابل هذا في ما يدعوا إليه القوم، من نتاج أفكار، وزبالة أذهان؛ عقائد فاسدة وتصوُّرات خاطئة، وأخلاق سافلة، وظلمات سائدة، وانحلال فاشي، وتفسُّخ مزري، زنا وفاحشة، وكسوة عارية، لؤم وجحود، وتكبُّر وكنود، شرك وطغيان، وكفر ونكران، ماديَّة مستحكمة، ونفعيَّة خالصة، مكر وحيلة، وسوء سريرة، وفساد طويَّة، خيلاء وإسراف، وتبذير وإسفاف، وغير هذا كثير، لكن كلُّه تحت أسماء منمَّقة، وألبسة مزوَّقة؛ من حريَّة، وتفتُّح، وعدالة اجتماعيَّة، ودهاء، وما إلى ذلك من التلبيسات.
نعم؛كلُّ هذا موجود وزيادة، وليس ظلما للقوم، ولا يقولَنَّ قائل إن في ديار الإسلام مثل هذا ونظائره، فلم التعسُّف؟! فإنه مع وقوع ذلك فإنها تبقى منكرات وبوائق، لا محاسن وحقائق، ثمَّ إنَّ كثيرا منها مستورد دخيل، وهي في ديار القوم أشدُّ وأحدُّ! أمَّا القوم فقد استساغوا ذلك، بل جعلوه عين الحضارة والتمدُّن، وكفى بالشرِّ شرًّا أن يقرَّ ويقرَّر.
وكأنِّي بآخر يقول: إن للقوم أخلاق حسنة وحسن سيرة، ولهم انضباط وأمانة! وقد بلغوا من التحضُّر والتطوُّر ما لم يتهيَّأ لغيرهم، أمَّا أن للقوم أخلاق فإنه كما هو متقرِّر أن منها جبليًّا ومكتسبا، وقد يكون لبعضهم شيئا من الجبليِّ، ولذلك فإنَّك ترى في هذه الشعوب نفسها تفاوتا عظيما في ذلك، بل إنَّ في بعض ديار الإسلام من لا يبلغ غيرهم مبلغهم من لين الجانب وحسن المعاشرة، ومن طلبه وجده، هذا شيء؛ والآخر أنَّ كثيرا من هذه الأخلاق مصطنعة ونفعيَّة محدودة الصلاحيَّة، وإن شئت فقل: تجاريَّة، وقد شاهد هذا من شاهده ممَّن نشأ عند القوم أو نزل بهم، لذلك فإنَّه إذا زالت المنفعة وقُضيَ الأرب تغيَّر القوم، وأمَّا الانضباط والأمانة فكما تقدَّم في الجبليِّ، كذلك فإنه تردعهم قوانينهم الصَّارمة، وتحبسهم العقوبات الماليَّة والمعنويَّة، وقد علموا فيما بينهم أنَّه لا يصلحهم غير هذا.
وأمَّا أنَّ القوم لهم حضارة عظيمة، وتطوُّرا دنيويا كبيرا، فأوَّلا؛ هذه دنيا يعطيها ربُّنا من يحبُّ ومن لا يحب، ثمَّ إنهم سلكوا طريقها وابتغوا سبلها فنالوا مرادهم، فلو فعل مثلهم في مثل هذا المسلمون لما بُخسوا من حظِّهم شيئا، وليس هذا لنقص دينهم ولا لفساد معتقدهم، وقد شوهد من الشَّرقيين الكفَّار من سلك الطريق الصحيحة لهذا التطوُّر الدنيوي! فبلغوا منه رتبا لم يصل إليها السابقون من الغربيِّين، وفي كلٍّ ذلك لم يتنازلوا عن عقائدهم وعاداتهم على سوئها وفسادها.
يقول من تبصَّر بحال العالم اليوم؛ أنَّ أهل الكتابين كانت تحكمهم عقائد فاسدة وتسوقهم كنائس متعسِّفة، ويتسلَّط عليهم أحبار ورهبان يأكلون أموالهم بالباطل، فثاروا عليها وتخلَّصوا من هذا الرقِّ، وساروا على ما تقدَّم، أمَّا المسلمون فإنه في دينهم العقائد الصحيحة والشريعة الكاملة العادلة، فمهما ابتغوا العزَّ في غيره أذلَّهم الله، وليعتبروا بأسلافهم، الذين دانت لهم الدنيا يوم أن كانوا قائمين بأمر الله، وليسلكوا لكل غاية مسلكها الذي يبلٍّغ إليها، والطريق الصحيحة الموصلة لا المنحرفة المقطوعة!
هذا ما آخر ما يسَّر الله كتابته، والله يهدي السبيل، والحمد لله ربِّ العالمين.
- التصفية والتربية الجزائرية -