بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

أيها الإخوة ، آية في سورة الطور ، الحقيقة هي مسعدة ، والحقيقة هذه الآية تؤكد أن طريق الجنة يبدأ وينتهي في البيت ، في البيت فقط ، قال تعالى :



( سورة الطور )

أنت متزوج وعندك أولاد ، من يصدق أن هؤلاء الأولاد ذكوراً وإناثاً إذا اعتنيت بهم أشد العناية ، اعتنيت بإيمانهم ، اعتنيت بعبادتهم ، اعتنيت بتحصينهم ، اعتنيت بصحتهم ، اعتنيت بأخلاقهم حتى كانوا شبابًا مؤمنين صادقين مخلصين ، هذا العمل وحده يكفي لدخول الجنة ، بل إن كل أعمالهم الصالحة هم وذريتهم من بعدهم ، قد لا تصدقون إنسانًا تزوج وأنجب خمسة أولاد ، والأولاد تزوجوا ، وأنجبوا أولادًا إلى يوم القيامة ، كم يكون من ذرية هذا الإنسان ؟ قد يكون الملايين ، قد يكون مئات الملايين ، قد يكون آلاف الملايين إن كان هؤلاء الذين أنجبهم وعرفهم بربهم وعلمهم ، واعتنى بإيمانهم واستقامتهم وعبادتهم بجهد واضح ، كل أعمال ذريتهم إلى يوم القيامة في صحيفة هذا الإنسان .

مرة كنت في بلد عربي مجاور ، صليت في المسجد ، صدقوا لم تقع عيني على مسجد في أناقته وجماله ، والعناية الفائقة به ، سمعت أن هذا المسجد بناه مهندسان وفاء لوالدهما الذي علمهما القرآن حينما كانا صغيرين ، أصبحا مهندسين كبيرين ، ووفاء مع الأب الذي اعتنى بتربية أولاده وبدينهم ، وبعبادتهم ، وفاء مع أبيهم أنشآ هذا المسجد ، وسمياه مسجد الوفاء .

فيا أيها الإخوة ، هذه الآية تحث كل الآباء والأمهات على أن يعتنوا بأولادهم عناية فائقة ، فإذا أنشأت ابنك على طاعة الله ، وشب على محبة رسول الله ، وكان نظيفاً خلقاً وفكراً ، وديناً واستقامة ، وكان معطاءً فكل أعماله في صحيفتك ، لذلك الإنسان يموت ، ولكن إذا كان له صدقة جارية لا يموت .

(( إذَا مَاتَ الإنْسَانُ انْقَطَعَ عَملُه إلاّ مِنْ ثَلاَثٍ: صَدَقَةٌ جَارِيةٌ. وَعِلْمٌ يُنْتَفِعُ بِهِ)) . وَوَلَدٌ صَالِحٌ يدْعُو لَهُ " .

[ متفق عليه ] .

﴿ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ﴾ ، يعني ألحقنا بهم أعمال ذريتهم .

أيها الإخوة ، أكاد أقول : إن أكبر أنواع النجاح أن تنجح في بيتك ، لأن الزوجة والأولاد زادك إلى الآخرة ، الذي يستطيع أن يتقي الله في أهله لقوله تعالى :



( سورة التحريم الآية : 6 )

أنت مسؤول عن زوجتك وأولادك ، ﴿ قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا ﴾ ، إذاً في شيئين في هذه الآية ، الشيء الأول : أن تتقي أن تكون سبباً في معصية الله عز وجل لمن حولك ، طبعاً إهمال الأب ، عدم التدقيق ، عدم المتابعة ، البعد عن أسرته لفترة طويلة جداً ، الغياب المديد عن البيت ، هذا يجعل الأهل في حالة فوضى ، وحالة عدم ضبط ، لأن الأب هو الذي يربي فالبعد ، والإهمال ، وعدم المتابعة ، وعدم الملاحظة ، هذه تسبب تفلت من قبل الأولاد ومن قبل البنات والزوجة ، لذلك يأتي قول الله تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ﴾ ، هذا الشيء السري ، فأنت مكلف أن تمنع كل مخالفة في بيتك ، وأن تمنع كل معصية في بيتك ، وأن تكون فوق رأس أهلك ، وأن تكون المرأة فوق رأس أولادها من أجل أن تضبطهم ، وأن تحملهم على طاعة الله ، وعلى السير وفق قواعد الشرع .

ومع أن الصوارف عن الدين كثيرة ، والعقبات كثيرة ، لكن البطولة أن تستطيع وسط هذه الصوارف وتلك العقبات أن تحمي أهلك من معصية الله ، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا ﴾ ، هذا المعنى الأول .

أما المعنى الثاني الإيجابي : أن هؤلاء الذين ربيتهم وأولادهم من بعدهم ، وأولاد أولادهم إلى يوم القيامة كل أعمالهم الصالحة في صحيفة الأب الأول الذي رباهم .

لذلك هذه الآية أيها الإخوة ، ينبغي أن تكون باعثاً لنا جميعاً على مضاعفة العناية بالأولاد ، ﴿ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ ﴾ .

من خلال ما أتلقى من مشكلات عبر الهاتف أو عبر رسالة أجد أن آباء كثيرين عندهم خلل في بيوتهم خطير ، انحراف خطير ، وهم لا يعلمون ، وهم لا يسمعون ، ولا يدققون ، ولا يسألون ، هؤلاء يحاسبون عند الله أشد الحساب ، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ﴾ .

أما الشيء الإيجابي أنك إن استطعت أن تربي ابنك تربية إيمانية عالية ، ربيته على طاعة الله ، وعلى محبة الله ، وعلى محبة أهل بيت رسول الله ، ربيته على الاستقامة والعمل الصالح ، وحب الخير ، فكل أعمال هؤلاء الأولاد وذريتهم إلى يوم القيامة في صحيفتك من دون أن ينقص من أعمالهم من شيء .

هذه الآية أيها الإخوة كافية لتكون باعثاً لنا جميعاً على العناية بالأولاد .

والحمد لله رب العالمين