بسم الله الرحمن الرحيم
)يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ(الحجرات:6
أيها المسلمون : نقل الأخبار الكاذبة بين الناس هو سبب من أسباب الخلافات ونشر الأحقاد والعداوات لذلك امرنا الله سبحانه وتعالى بالتأكد من صحة الأخبار التي تصل إلينا لكي لا نظلم ولا نحقد على أحد بدون وجه حق .
لذلك قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم
من تأنى أصاب أو كاد ، ومن عجل أخطأ أو كاد .
أما الذي ينقل لنا الأخبار الكاذبة فهو فاسق أي خارج عن تعاليم الشرع وأحكامه .
لقوله تعالى :)يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا (
روى عن عمر بن عبد العزيز أنه دخل عليه رجل فذكر عنده رجلاً فقال له عمر إن شئت نظرنا في أمرك إن كنت كاذباً فأنت من أهل هذه الآية : ) إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا (
وإن كنت صادقاً فأنت من أهل هذه الآية : ) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (القلم:11
وإن شئت عفونا عنك . فقال العفو يا أمير المؤمنين ، لا أعود إلى مثل ذلك .
إذاً من ينقل الأخبار بين الناس إما أن يكون فاسقاً أو أن يكون نماماً .
روى البخاري أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم
يقول : لا يدخل الجنة نمام .
والنميمة سبب من أسباب عذاب القبر .
روى البخاري عن ابن عباس قال : مرّ النبي
صلى الله عليه وسلم
بقبرين فقال : إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير ، أما أحدهما فكان لا يستتر من البول وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة . ((إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ)) ، قال : ((وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ)) ، في نظر الناس ! ((وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ ! أَمَّا أَحَدُهُمَا : فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ)) ، والنمام لا يدخل الجنة ! يكفي أن تقول لزيد : فلان تحدث عنك ، وقال : إنك لست أميناً ! أحدثتَ شرخًا ! فقبل أن تقول كلمة عدَّ للمليون ، لعل هذه الكلمة من سخط الله ، ولعلها تهوي في جهنم سبعين خريفاً ،
((وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لا يُلْقِي لَهَا بَالا يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ))
والنميمة هي نقل الأخبار بين الناس بقصد الفتنة بينهم .
روي عن حماد بن سلمة أنه قال : باع رجل غلاماً فقال للمشتري ليس فيه عيب إلاّ أنه نمام ، فاستخفه المشتري فاشتراه على ذلك العيب ، فمكث الغلام عنده أياماً ثم قال لزوجة مولاه إن زوجك لا يحبك أتريدين أن يعطف عليك ؟ قالت نعم ، قال لها خذي موساً واحلقي شعرات من لحيته إذا نام .
ثم جاء الزوج وقال إن امرأتك اتخذت خليلاً وهي قاتلتك ، أتريد أن تتأكد من ذلك ؟ قال نعم . قال له تظاهر بأنك نائم وسترى . فجاءت امرأته بموس لتحلق الشعرات ، فظن الزوج أنها تريد قتله فأخذ منها الموس فقتلها ، فجاء أهلها فقتلوه فوقع قتال بين الفريقين . هذه نتيجة نقل الأخبار الكاذبة لذلك قال يحيى بن أكثم : النمام شرٌّ من الساحر ويعمل النمام في ساعة ما لا يعمل الساحر في شهر .
والنمام هو من ابغض الناس إلى الله سبحانه وتعالى .
قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم
: أحبكم إلى الله أحاسنكم أخلاقاً الذين يألفون ويؤلفون . وإن أبغضكم إلى الله المشاؤون بالنميمة ، المفرقون بين الإخوان الملتمسون للبرآء العثرات .
أي الذين يبحثون عن أخطاء الناس لنشرها ومن يفعل ذلك فقد توعده الله بالفضيحة في أهل بيته قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم
الله صلى الله عليه وسلم يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان في قلبه لا تتبعوا عورات المسلمين فإن من تتبع عورات المسلمين فضحه الله تعالى في قعر بيته .
ومن يسعى لتشويه سمعة إنسان بدون وجه حق فإن موعده نار جهنم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم من أشاع على مسلم كلمة ليشينه بها بغير حق شانه الله بها في النار يوم القيامة .
وفي رواية أخرى قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم
أيما رجل أشاع على رجل كلمة وهو منها بريء ليشينه بها في الدنيا أي ليعيبه وينقص من قدره كان على الله أن يشينه بها يوم القيامة في النار .
وعلينا أن نميز بين النميمة والنصيحة فعندما نحذر الناس من إنسان كذاب في أقواله أو مماطل في معاملته أو غاش في أمانته أو غشاش في تجارته فهذه ليست نميمة وإنما هي نصيحة للمسلمين لكي يجتنبوا التعامل مع أصحاب هذه الصفات ولأخلاق السيئة . ومن أكبر الكبائر إذا استنصحك رجل أن تبلغ الشخص ماذا قال عنه فلان
إذا سألك إنسان ، واستنصحك في موضوع زواج ، أنت سألت ، وأخذت جوابًا ، وانتهى الأمر ، أما أنا أقول من الذي بلغني فلا .
عَنْ هَمَّامِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ : مَرَّ رَجُلٌ عَلَى حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ فَقِيلَ لَهُ إِنَّ هَذَا يُبَلِّغُ الأمَرَاءَ الْحَدِيثَ عَنِ النَّاسِ ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ((لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَتَّاتٌ )) ، قَالَ سُفْيَانُ وَالْقَتَّاتُ النَّمَّامُ .
أيها المسلمون : معظم الخلافات البسيطة تتطور وتكبر بسبب نقل الأخبار بين المتخاصمين لذلك علينا ألا نصدق كل ما يقال لنا فهناك الحاقد وهناك الحاسد وهناك الكاذب وهناك النمام وهناك المفتن فلا نفسح المجال لهؤلاء بممارسة هواياتهم بنشر الفتن ولأحقاد بيننا . قال بعض الحكماء : من أخبرك عن شتم عن أخ فهو الشاتم لامن شتمك .
وقال وهب بن منبه من مدحك بما ليس فيك فلا تأمن أن يذمك بما ليس فيك .
وقال أحد الفقهاء : وإذا أتاك إنسان فأخبرك أن فلانا قد فعل بك كذا وكذا وقال فيك كذا وكذا فإنه يجب عليك :
أولاًـ ألا تصدقه لأن النمام مردود الشهادة عند أهل الإسلام .
وثانياًـ تنهاه عن ذلك لأن النهي عن المنكر واجب .
وثالثاً ـ أن تبغضه في الله أي تبغضه لأنه نمام عاصٍ لله وبغض العاصي واجب
ورابعاً ـ أن لاتظن بأخيك الغائب الطن بالسوء فإن إساءة الظن بالمسلم حرام لقوله تعالى :
)يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ(الحجرات: من الآية12
اللهم إنا نعوذ بك من الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق