الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد : -

قال الله - تعالى - : {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} [سورة الحج 18].

السجود لغة : الخضوع والتطامن. انظر : [المعجم الوسيط 1/ 416].
واصطلاحا : الإنحناء مع تمام الذل والخضوع لله – سبحانه، وطاعة لأمره – جلّ في عُلاه -.

السجود : لا يصلحُ السجودُ ولا ينبغي إلا لله – تعالى - العليّ الأعلى، المنزّه عن كل عيب ونقص : فعن أنس - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لا يصلح لبشر أن يسجد لبشر، ولو صلح لبشر أن يسجد لبشر، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها). [إرواء الغليل 7/ 54 رقم 1998].

السجود : تعويد النفس على التواضع وعدم الكبر.

السجود : تذكير للنفس بأننا خُلقنا من تراب، وإليه نعود.

ويطلق السجود على الركوع أيضا، وذلك لقوله – تعالى - : {وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ} [سورة البقرة 58].

وقوله - تعالى - : {وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} [سورة النساء 154].
وقوله - تعالى - : {وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ} [سورة الأعراف 161].

وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم – : (قيل لبني إسرائيل : {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ} فبدلوا فدخلوا يزحفون على أستاههم، وقالوا حبة في شعيرة). ‌(متفق عليه).

المسجد : مصلى الجماعـــة، والجمع مساجد، وهي أحب البلاد إلى الله – تعالى - : عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : (أحب البلاد إلى الله تعالى مساجدها، وأبغض البلاد إلى الله أسواقها) (صحيح) رواه (مسلم).


السجود على الأرض
[color=navy]
فعن سلمان – رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (تمسحوا بالأرض، فإنها بكم برة). (صحيح). انظر : [صحيح الجامع 2998] و [الصحيحة 1792].

تمسَحوا : أي : باشروها بالصلاة بلا حائل بينكم وبينها.
بكم برة : أي : [مشفقةً كالوالدة البارّة بأولادها‌، يعني : أن منها خلقكم، وفيها معاشكم، وإليها بعد الموت معادكم، فهي أصلكم الذي منه تفرعتم، وأمــّــكم التي منها خُلقتم، ثمّ هي كفاتكم إذا متم] انظر التعليق على الحديث [الصحيحة رقم 1792].

وكا ن - صلى الله عليه وسلم – يقول (... وجعلت الأرض لي مسجدًا وطهورا، فأينما ادركت رجلاً من امتي الصلاة فعنده مسجده وعنده طهوره، وكان مَن قبلي يُعظمون ذلك، إنما كانوا يُصلون في كنائسهم وبيَعِهم) رواه (أحمد والسراج بسندٍ صحيح).

(وكان ربما سجد في طين وماء، وقد وقع له ذلك في صبح ليلة إحدى وعشرين من رمضان، حين أمطرت السماء، وسال سقف المسجد، وكان من جريد النخل، فسجد النبي - صلى الله عليه وسلم – في الماء والطين، قال أبو سعيد الخدري : فأبصرت عيناي رسول الله - صلى الله عليه وسلم – وعلى جبهته وأنفه أثر الماء والطين) (متفق عليه).

وعن أنس- رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم – : (جعلت لي كل أرضٍ طيبةٍ مسجدًا وطهورا). ‌(صحيح) انظر: [صحيح الجامع رقم 3100].

قال شيخنا الألباني رحمه الله - تعالى – في التعليق على الحديث : [وهذا يعني مطلق الصعيد الطيب الطاهر، لا يفضل فيها تربة مكة على المدينة، على بيت المقدس، فضلا عن كربلاء، فالسجود على تربة كربلاء ويسمونها التربة الحسينية، بدعة ظهرت في العصر الثاني من الشيعة والتشيّع ...].

وقال رحمه الله - تعالى – في التعليق على حديث : (قام من عندي جبريل قبل، فحدّثني أن الحسن يُقتلُ بشطّ العرب).

[فائدة : ولا يوجد في شيئ من الأحاديث، الصحيحة الواردة، ما يدل على قداسة تربة كربلاء، وفضل السجود على أرضها، واستحباب اتخاذ قرص منها للسجود عليه عند الصلاة، كما عليه الشيعة اليوم.

ولو كان ذلك مُستحبًا لكان أحرى به أن يُتّخَذَ من أرض المسجدين الشريفين المكي والمدني، ولكنه من بدع الشيعة وغلوّهم في تعظيم أهل البيت وآثارهم ...]. انظر : [السلسلة الصحيحة 3/ 162 – 167 رقم 1171].

(وكان يسجد على الحصير كثيرا)، لأن مسجده - صلى الله عليه وسلم – لم يكن مفروشًا بالحصير ونحوه.
(وكان أصحابه يصلون معه في شدة الحرّ، فإذا لم يستطع أحدهم أن يُمكّنَ جبهته من الأرض، بسط ثوبه فسجد عليه) رواه (مسلم).

(وكان يصلى على الخمرة) أحيانًا، و(على الحصير) أحيانا، و (صلى عليه مرة وقد اسودّ من طول ما لبس). (متفق عليه).

والخمرة : مقدار ما يضع الرجل عليه وجهه في سجوده من حصير أو نسيجة خوص ونحوه من النبات، ولا يكون خمرة إلا في هذا المقدار. "نهاية".

قال شيخنا الألباني رحمه الله – تعالى – في التعليق على الحديث بالحاشية :