السؤال :
أخبركم أنّي أحبكم في الله وأسأل الله أن ينفع بكم الإسلام والمسلمين . ولدي بعض الأسئلة التي أرغب من فضيلتكم الجواب عليها
السؤال الأول: ما الواجب على المسلم في المسائل الخلافية التي لا يستطيع أن يرجح بينها من حيث الدليل إما بالدليل أو لجهله بأدوات الترجيح هل يتبع الأشد احتياطا أم يتبع الأيسر باعتبار أن الدين جاء بالتيسير على المكلفين ؟
وما رأيكم فيمن يقول في مثل هذه المسائل التزم دائما قول شيخ واحد تثق بعلمه ودينه وذلك أبعد من اتباع الهوى للتخيير بين الأقوال؟
الجواب
الواجب على المسلم في مسائل الخلاف إن كان عنده أهلية النظر في النصوص فإنّه يعمل بما ترجح عنده بالدليل
وإن لم يكن له أهلية النّظر فإنّه يسأل من يثق بدينه وعلمه وأمانته فإذا أفتاه عمل بفتواه
لقول الله تعالى: "وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ" .
فتاوى أصول الفقه من موقع فضيلة الشيخ عبد العزيز بن عبدالله الراجحي حفظه الله
*************************
تكاثرت الظباء على خراش فما يدري خراش ما يصيد وحينئذٍ نقول: موقفنا من هذا الخلاف، وأعني به خلاف العلماء الذين نعلم أنّهم موثوقون علماً وديانة، لا مَن هم محسوبون على العلم وليسوا من أهله، لأننا لا نعتبر هؤلاء علماء، ولا نعتبر أقوالهم مما يحفظ من أقوال أهل العلم..
ولكننا نعني به العلماء المعروفين بالنّصح للأمة والإسلام والعلم، موقفنا من هؤلاء يكون على وجهين:
1 ـ كيف خالف هؤلاء الأئمة لما يقتضيه كتاب الله وسنة رسوله؟ وهذا يمكن أن يعرف الجواب عنه بما ذكرنا من أسباب الخلاف، وبما لم نذكره، وهو كثير يظهر لطالب العلم حتى وإن لم يكن متبحِّراً في العلم.
2 ـ ما موقفنا من اتباعهم؟ ومن نتبع من هؤلاء العلماء؟ أيتبع الإنسان إماماً لا يخرج عن قوله، ولو كان الصواب مع غيره كعادة المتعصبين للمذاهب، أم يتبع ما ترجَّح عنده من دليل ولو كان مخالفاً لِمَا ينتسب إليه من هؤلاء الأئمة؟
الجواب هو الثاني، فالواجب على مَن علِم بالدليل أن يتبع الدليل ولو خالف مَن خالف من الأئمة. إذا لم يخالف إجماع الأمة،
ومن اعتقد أن أحداً غير رسول الله صلى الله عليه وسلّم يجب أن يؤخذ بقوله فعلاً وتركاً بكل حال وزمان، فقد شهد لغير الرسول صلى الله عليه وسلم بخصائص الرسالة،
لأنه لا يمكن أحد أن يكون هذا حكم قوله إلا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، ولا أحد إلا يؤخذ من قوله ويُترَك سوى رسول الله صلى الله عليه وسلّم.
ولكن يبقى الأمر فيه نظر، لأننا لا نزال في دوامة مَن الذي يستطيع أن يستنبط الأحكام من الأدلة؟ هذه مشكلة،
لأن كل واحد صار يقول: أنا صاحبها.
وهذا في الحقيقة ليس بجيد، نعم من حيث الهدف والأصل هو جيد؛ أن يكون رائد الإنسان كتاب الله وسُنَّة رسوله عليه الصلاة والسلام ،
لكن كوننا نفتح الباب لكل مَن عرف أن ينطق بالدليل، وإن لم يعرف معناه وفحواه، فنقول: أنت مجتهد تقول ما شئت، هذا يحصل فيه فساد الشريعة وفساد الخلق والمجتمع.
والناس ينقسمون في هذا الباب إلى ثلاثة أقسام:
1 ـ عالِم رزقه الله عِلماً وفهماً.
2 ـ طالب علم عنده من العلم، لكن لم يبلغ درجة ذلك المتبحِّر.
3 ـ عامي لا يدري شيئاً.
أما الأول: فإن له الحق أن يجتهد وأن يقول، بل يجب عليه أن يقول ما كان مقتضى الدليل عنده مهما خالفه مَن خالفه من الناس، لأنه مأمور بذلك. قال تعالى: {لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ}(36) وهذا من أهل الاستنباط الذين يعرفون ما يدل عليه كلام الله وكلام رسوله.
أما الثاني: الذي رزقه الله علماً ولكنه لم يبلغ درجة الأول، فلا حرج عليه إذا أخذ بالعموميات والإطلاقات وبما بلغه، ولكن يجب عليه أن يكون محترزاً في ذلك، وألا يقصِّر عن سؤال مَن هو أعلى منه من أهل العلم؛ لأنه قد يخطئ، وقد لا يصل علمه إلى شيء خصَّص ما كان عامًّا، أو قيَّد ما كان مطلقاً، أو نَسَخَ ما يراه محكماً. وهو لا يدري بذلك.
أما الثالث: وهو مَن ليس عنده علم، فهذا يجب عليه أن يسأل أهل العلم لقوله تعالى: {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ }(37)، وفي آية أخرى: {إِن كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ * بِالْبَيِّنَـتِ وَالزُّبُرِ}(35). فوظيفة هذا أن يسأل، ولكن مَن يسأل؟ في البلد علماء كثيرون، وكلٌّ يقول: إنه عالم، أو كلٌّ يقال عنه: إنه عالم، فمن الذي يسأل؟ هل نقول: يجب عليك أن تتحرى مَن هو أقرب إلى الصواب فتسأله ثم تأخذ بقوله، أو نقول: اسأل مَن شئت ممَّن تراه من أهل العلم،
والمفضول قد يوفَّق للعلم في مسألة معيَّنة، ولا يوفَّق مَن هو أفضل منه وأعلم ـ اختلف في هذا أهل العلم؟
فمنهم مَن يرى: أنه يجب على العامي أن يسأل مَن يراه أوثق في علمه من علماء بلده، لأنه كما أن الإنسان الذي أصيب بمرض في جسمه فإنه يطلب لمرضه مَن يراه أقوى معرفة في أمور الطب فكذلك هنا؛ لأن العلم دواء القلوب، فكما أنك تختار لمرضك مَن تراه أقوى فكذلك هنا يجب أن تختار مَن تراه أقوى علماً إذ لا فرق.
ومنهم مَن يرى: أن ذلك ليس بواجب؛ لأن مَن هو أقوى عِلماً قد لا يكون أعلم في كل مسألة بعينها، ويرشح هذا القول أن الناس في عهد الصحابة رضي الله عنهم كانوا يسألون المفضول مع وجود الفاضل.
والذي أرى في هذه المسألة أنه يسأل مَن يراه أفضل في دينه وعلمه لا على سبيل الوجوب، لأن من هو أفضل قد يخطئ في هذه المسألة المعينة، ومن هو مفضول قد يصيب فيها الصواب، فهو على سبيل الأولوية، والأرجح: أن يسأل من هو أقرب إلى الصواب لعلمه وورعه ودينه.
وأخيراً أنصح نفسي أولاً وإخواني المسلمين، ولاسيما طلبة العلم إذا نزلت بإنسان نازلة من مسائل العلم ألا يتعجَّل ويتسرَّع حتى يتثبَّت ويعلم فيقول لئلا يقول على الله بلا علم.
فإن الإنسان المفتي واسطة بين الناس وبين الله، يبلِّغ شريعة الله كما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم «العلماء ورثة الأنبياء»(38).
وأخبر النبي صلى الله عليه وسلّم «أن القضاة ثلاثة: قاض واحد في الجنة وهو مَن عَلِمَ الحق فحكم به»(39) كذلك أيضاً من المهم إذا نزلت فيك نازلة أن تشد قلبك إلى الله وتفتقر إليه أن يفهمك ويعلِّمك لاسيما في الأمور العظام الكبيرة التي تخفى على كثير من الناس.
وقد ذكر لي بعض مشائخنا أنه ينبغي لمَن سئل عن مسألة أن يُكْثِر من الاستغفار، مستنبطاً من قوله تعالى: {إِنَّآ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَـبَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَآ أَرَاكَ اللَّهُ وَلاَ تَكُنْ لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً * وَاسْتَغْفِرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً }(40)، لأن الإكثار من الاستغفار يوجب زوال أثر الذنوب التي هي سبب في نسيان العلم والجهل كما قال تعالى: {فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَـقَهُمْ لَعنَّـهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَضِعِهِ وَنَسُواْ حَظَّا مِّمَّا ذُكِرُواْ بِهِ}(41)،
وقد ذُكِرَ عن الشافعي رحمه الله أنّه قال:
شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي وقال اعلم بأن العلم نور ونور الله لا يؤتاه عاصي ؛
فلا جرم حينئذٍ أن يكون الاستغفار سبباً لفتح الله على المرء.
وأسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد، وأن يثبِّتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وألا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، وأن يهب لنا منه رحمة إنه هو الوهَّاب.
والحمد لله رب ّالعالمين أولاً وأخيراً...
وصلى الله على نبينا محمّد وآله وصحبه وسلم.
---------------------
(36) سورة النساء الآية (83)
(37) سورة الأنبياء الآية (7)
(38) سورة النحل الآيات (43-44)
(39) ذكره البخاري في ترجمة باب (10) من كتاب العلم وأخرجه أبو داوود كتاب العلم (3641)وابن ماجه المقدمة (223)
(40) أخرجه أبو داوود كتاب الأقضية (3573) وابن ماجه كتاب الأحكام (2315)
(41) سورة النساء الآيتان (105،106)
(42) سورة المائدة الآية (13)
من كتاب: الخلاف بين العلماء أسبابه وموقفنا منه للعلامة ابن عثيمين رحمه الله
*************************
إذا اختلفت عليك الفتوى
فإنه عليك أن تتبع من تراه أقرب للحق لغزارة علمه وقوة إيمانه.
وإذا تساوى عندك الأمران أي لم ترجح أحد العالمين المختلفين ،
فقال بعض العلماء أنك تتبع القول:
"الأشد لأنه أحوط"
وقال بعض العلماء
"تتبع الأيسر لأنه الأصل في الشريعة الاسلامية"
وقيل يخير بين هذا وهذا
والـــــــراجــــــح:
أن تتبع الأيسر لأن هذا موافق ليسر الدين الاسلامي
ولأن الأصل براءة الذمة حتى يثبت ما يرفع الأصل.
وهذه القاعدة لمن لا يستطيع أن يتوصل إلى معرفة الحق بنفسه.
فإن كان يستطيع ذلك كطالب العلم الذي يستطيع أن يقرأ ما قيل في هذه المسألة فيرجح ما يراه راجحا بالأدلة الشرعية
فإنه في هذه الحالة لا بد أن يبحث ويقرأ ليعرف ما هو أصّح من هذه الأقوال التي اختلف فيها العلماء.
** من كتاب: فتاوى الحرمين
-------------------------
جزاكم الله خيرًا فضيلة شيخنا مقولة لا إنكار في مسائل الخلاف ما الضابط في هذه المسائل الخلافية التي لا إنكار فيها؟
هذه المسائل الفقهية التي اجتهد فيها المجتهدون أهل الاجتهاد وأهل العلم اجتهدوا فيها وكل قال بما توصل إليه فهمه وإدراكه ولم يظهر خطأه،
أقوال كلها مستنبطة من دليل ولم يظهر رجحان هذا على هذا ولا خطأ هذا
وصواب هذا هذه هي التي لا إنكار فيها
المسائل التي لم يتبين فيها رجحان قول على قول أو يتبين فيها خطأ قول وصواب قول هذه هي التي لا إنكار فيها،
أما المسائل التي فيها رجحان بعض الأقوال بالدليل
أو ظهر فيها خطأ بعض الأقوال وإصابة بعضها -لا- هذه فيها إنكار
ننكر على من أخطأ في الدليل على من خالف الراجح من الأقوال،
ولكن هذا ما كله يتكلم فيه، ما يتكلم فيه إلا أهل العلم وأهل البصيرة الذين يعرفون الخلاف السائغ والخلاف الغير سائغ.