المجلس الثامن عشر
16 جمادى الآخر 1436ه
الباب العاشر
بَاب مَا يُتَّقَى مِنْ فِتْنَةِ الْمَالِ
وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ)
سورة التغابن 15.
قال البخاري رحمه الله
6071 حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ عَنْ أَبِي حَصِينٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ وَالْقَطِيفَةِ وَالْخَمِيصَةِ إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ وَإِنْ لَمْ يُعْطَ لَمْ يَرْضَ.
الشرح
قَوْلُهُ مِنْ فِتْنَةِ الْمَالِ أَيْ الِالْتِهَاءِ بِهِ
قَوْلُهُ ( وَقَوْلُ اللَّهِ - تَعَالَى - : إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ أَيْ تَشْغَلُ الْبَالَ عَنِ الْقِيَامِ بِالطَّاعَةِ وَكَأَنَّهُ أَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحُوهُ مِنْ حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ عِيَاضٍ " سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ : إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ فِتْنَةٌ وَفِتْنَةُ أُمَّتِي الْمَالُ (1)
وَلَهُ شَاهِدٌ مُرْسَلٌ عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ مِثْلُهُ وَزَادَ وَلَوْ سِيلَ لِابْنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِنْ مَالٍ لَتَمَنَّى إِلَيْهِ ثَالِثًا الْحَدِيثَ وَبِهَا تَظْهَرُ الْمُنَاسَبَةُ جِدًّا وَقَوْلُهُ سِيلَ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا تَحْتَانِيَّةٌ سَاكِنَةٌ ثُمَّ لَامٌ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ يُقَالُ سَالَ الْوَادِي إِذَا جَرَى مَاؤُهُ وَأَمَّا الْفِتْنَةُ بِالْوَلَدِ فَوَرَدَ فِيهِ مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ صَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْطُبُ فَجَاءَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ عَلَيْهِمَا قَمِيصَانِ أَحْمَرَانِ يَعْثُرَانِ فَنَزَلَ عَنِ الْمِنْبَرِ فَحَمَلَهُمَا فَوَضَعَهُمَا بَيْنَ يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ صَدَقَ اللَّهُ
وَرَسُولُهُ إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوَّلَاكُمْ فِتْنَةٌ (2)
الْحَدِيثَ وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّ قَطْعَ الْخُطْبَةِ وَالنُّزُولَ لَهُمَا فِتْنَةٌ دَعَا إِلَيْهَا مَحَبَّةُ الْوَلَدِ فَيَكُونُ مَرْجُوحًا وَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ وَأَمَّا فِعْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ فَهُوَ لِبَيَانِ الْجَوَازِ فَيَكُونُ فِي حَقِّهِ رَاجِحًا وَلَا يَلْزَمُ مِنْ فِعْلِ الشَّيْءِ لِبَيَانِ الْجَوَازِ أَنْ لَا يَكُونَ الْأَوْلَى تَرْكُ فِعْلِهِ فَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ الْفِتْنَةَ بِالْوَلَدِ مَرَاتِبُ وَإِنَّ هَذَا مِنْ أَدْنَاهَا وَقَدْ يَجُرُّ إِلَى مَا فَوْقَهُ فَيُحْذَرُ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ أَحَادِيثَ الْأَوَّلُ
قَوْلُهُ ( تَعِسَ ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَيَجُوزُ الْفَتْحُ أَيْ سَقَطَ وَالْمُرَادُ هُنَا هَلَكَ وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ : التَّعْسُ الشَّرُّ قَالَ - تَعَالَى - فَتَعْسًا لَهُمْ أَرَادَ أَلْزَمَهُمُ الشَّرَّ وَقِيلَ التَّعْسُ الْبُعْدُ أَيْ بُعْدًا لَهُمْ وَقَالَ غَيْرُهُ قَوْلُهُمْ تَعْسًا لِفُلَانٍ نَقِيضُ قَوْلِهِمْ لَعًا لَهُ فَتَعْسًا دُعَاءٌ عَلَيْهِ بِالْعَثْرَةِ وَلَعًا دُعَاءٌ لَهُ بِالِانْتِقَاشِ
قَوْلُهُ عَبْدُ الدِّينَارِ ) أَيْ طَالِبُهُ الْحَرِيصُ عَلَى جَمْعِهِ الْقَائِمُ عَلَى حِفْظِهِ فَكَأَنَّهُ لِذَلِكَ خَادِمُهُ وَعَبْدُهُ قَالَ الطِّيبِيُّ : قِيلَ خُصَّ الْعَبْدُ بِالذِّكْرِ لِيُؤْذَنَ بِانْغِمَاسِهِ فِي مَحَبَّةِ الدُّنْيَا وَشَهَوَاتِهَا كَالْأَسِيرِ الَّذِي لَا يَجِدُ خَلَاصًا وَلَمْ يَقُلْ مَالِكُ الدِّينَارِ وَلَا جَامِعُ الدِّينَارِ لِأَنَّ الْمَذْمُومَ مِنَ الْمِلْكِ وَالْجَمْعِ الزِّيَادَةُ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ وَقَوْلُهُ " إِنْ أُعْطِيَ إِلَخْ " يُؤْذِنُ بِشِدَّةِ الْحِرْصِ عَلَى ذَلِكَ وَقَالَ غَيْرُهُ جَعَلَهُ عَبْدًا لَهُمَا لِشَغَفِهِ وَحِرْصِهِ فَمَنْ كَانَ عَبْدًا لِهَوَاهُ لَمْ يَصْدُقْ فِي حَقِّهِ إِيَّاكَ نَعْبُدُ فَلَا يَكُونُ مَنِ اتَّصَفَ بِذَلِكَ صِدِّيقًا
قَوْلُهُ ( وَالْقَطِيفَة ) هِيَ الثَّوْبُ الَّذِي لَهُ خَمْلٌ " وَالْخَمِيصَةُ الْكِسَاءُ الْمُرَبَّعُ " وَقَدْ تَقَدَّمَ الْحَدِيثُ ، فِي كِتَابِ الْجِهَادِ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ بِلَفْظِ تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ وَعَبْدُ الْخَمِيصَةِ تَعِسَ وَانْتَكَسَ وَإِذَا شِيكَ فَلَا انْتَقَشَ " وَقَوْلُهُ وَانْتَكَسَ أَيْ عَاوَدَهُ الْمَرَضُ فَعَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ تَفْسِيرِ التَّعْسِ بِالسُّقُوطِ يَكُونُ الْمُرَادُ أَنَّهُ إِذَا قَامَ مِنْ سَقْطَتِهِ عَاوَدَهُ السُّقُوطُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى بِانْتَكَسَ بَعْدَ تَعِسَ انْقَلَبَ عَلَى رَأْسِهِ بَعْدَ أَنْ سَقَطَ ثُمَّ وَجَدْتُهُ فِي شَرْحِ الطِّيبِيِّ قَالَ فِي قَوْلِهِ " تَعِسَ وَانْتَكَسَ " فِيهِ التَّرَقِّي فِي الدُّعَاءِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ إِذَا تَعِسَ انْكَبَّ عَلَى وَجْهِهِ فَإِذَا انْتَكَسَ انْقَلَبَ عَلَى رَأْسِهِ وَقِيلَ التَّعْسُ الْخَرُّ عَلَى الْوَجْهِ وَالنَّكْسُ الْخَرُّ عَلَى الرَّأْسِ وَقَوْلُهُ : فِي الرِّوَايَةِ الْمَذْكُورَةِ " وَإِذَا شِيكَ " بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ بَعْدِهَا تَحْتَانِيَّةٌ سَاكِنَةٌ ثُمَّ كَافٌ أَيْ إِذَا دَخَلَتْ فِيهِ شَوْكَةٌ لَمْ يَجِدْ مَنْ يُخْرِجُهَا بِالْمِنْقَاشِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ فَلَا انْتَقَشَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ لَمْ يَقْدِرِ الطَّبِيبُ أَنْ يُخْرِجَهَا وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى الدُّعَاءِ عَلَيْهِ بِمَا يُثَبِّطُهُ عَنِ السَّعْيِ وَالْحَرَكَةِ وَسَوَّغَ الدُّعَاءَ عَلَيْهِ كَوْنُهُ قَصَرَ عَمَلُهُ عَلَى جَمْعِ الدُّنْيَا وَاشْتَغَلَ بِهَا عَنِ الَّذِي أُمِرَ بِهِ مِنَ التَّشَاغُلِ بِالْوَاجِبَاتِ وَالْمَنْدُوبَاتِ قَالَ الطِّيبِيُّ : وَإِنَّمَا خُصَّ انْتِقَاشُ الشَّوْكَةِ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُ أَسْهَلُ مَا يُتَصَوَّرُ مِنَ الْمُعَاوَنَةِ فَإِذَا انْتَفَى ذَلِكَ الْأَسْهَلُ انْتَفَى مَا فَوْقَهُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى
قَوْلُهُ إِنْ أُعْطِيَ بِضَمِّ أَوَّلِهِ
قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يُعْطَ لَمْ يَرْضَ ) وَقَعَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ وَالْإِسْمَاعِيلِيِّ بِلَفْظِ الْوَفَاءِ عِوَضَ الرِّضَا وَأَحَدُهُمَا مَلْزُومٌ لِلْآخَرِ غَالِبًا
المصدر
شرح الشيخ بن عثيمين رحمه الله
قوله: ( إنما ) للحصر ، أي ما أموالكم ، ولا أولادكم إلا فتنة ، لكن هل هي فتنة خير أو فتنة شر؟ قال تعالى: { ونبلوكم بالخير والشر فتنة } فقد تكون فتنة بخير ، وقد تكون فتنة بشر ، وكذلك الأموال والأولاد قد يكون الولد صالحاً فيكون عوناً لأبيه في حياته على طاعة الله ، وينفعه بعد مماته في دعائه ، وكذلك المال ( نعم المال الصالح عند الرجل الصالح ) فالفتنة هنا تشمل هذا وهذا ولهذا قال الله تعالى بعده: { والله عنده أجر عظيم } أي فاجعلوا هذا فتنة في الخير ، لتنالوا الأجر.
قوله: ( عبد الدينار والدرهم والقطيفة والخميصة ) الدينار والدرهم معروفان ، وأما القطيفة: فهي ما يُجلس ، والخميصة: ما يُلبس.
فالإنسان يعتني بدرهمه وديناره ، ويعتني بملبسه ومجلسه فمن الناس من يعتني بهذه الأشياء لتكون عوناً له على طاعة الله ، ويظهر بها نعمة الله عليه ، ومن الناس من يشتغل بها عن طاعة الله حتى يكون عبداً لها كأنما خُلق لها ، ليس له هم إلا تحصيل الدينار والدرهم والخميصة والقطيفة ، وليس المراد أن الإنسان يسجد لهذه الأشياء ، لأن لا أحد يسجد للدراهم والدنانير والقطائف والخمائص ، ولكن المعنى أنه يشتغل بها عن طاعة الله.
قوله: ( إن أعطي رضي ، وإن لم يُعط لم يرض ) رضي على المعطي حتى لو كان الله رضي عن الله وإن لم يعط سخط حتى عن الله ، { ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا إذا هم يسخطون }إذاً: فيه التحذير من هذه الأمور أن تكون عبداً لها ، بل كن عبداً لله واستعن بهذه الأمور على عبادة الله.
س: ما العلاقة بين أول الحديث وآخره ؟
ج: هي تفسير لها أو من صفاته أنه إذا أعطي رضي وإن لم يعط سخط.
س: بعض الشباب يعطل أمر الزواج خشية الافتتان عن طلب العلم ؟
ج: هذا خطأ ، فالزواج لا يحول بين الشاب وطلب العلم بل ربما يكون عوناً له على طلب العلم ، يتفرغ كثيراً ، صحيح أنه ربما أنه ربما يترتب عليه مسائل أخرى كالنفقات لكنه يتفرغ لمسائل كثيرة ، وهو أيضاً إذا تزوج متكلاً على الله ، معتمداً عليه آخذاً بقوله تعالى: { وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها } يحصل له خير كثير.
س: تمني الموت ، فقد ثبت عن السلف والصحابة أنهم يتمنون الموت قبل الدخول للجهاد..
ج: هم لا يتمنون الموت ، إنما يتمنون الشهادة ، ففرق بين هذا وهذا ، فربما لو فات هذا المكان أو المعركة فاتته الشهادة فيما بعد ومات فراشه ، ويجوز أن يقول: لا تمتني حتى أنفع المسلمين وأجاهد ، وغيرها ، كما قال سعد بن معاذ عندما أصيب في أكحله: اللهم لا تمتني حتى تقر عيني بهؤلاء ـ أي حلفاءه من بني قريظة ـ.
المصدر
قال الإمام البخاري في صحيحه
6072 حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَوْ كَانَ لِابْنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِنْ مَالٍ لَابْتَغَى ثَالِثًا وَلَا يَمْلَأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلَّا التُّرَابُ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ تَابَ .
الشرح
قَوْلُهُ عَنْ عَطَاءٍ هُوَ ابْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَصَرَّحَ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ بِسَمَاعِ ابْنِ جُرَيْجٍ لَهُ مِنْ عَطَاءٍ وَهَذَا هُوَ [ ص: 260 ] الْحِكْمَةُ فِي إِيرَادِ الْإِسْنَادِ النَّازِلِ عَقِبَ الْعَالِي إِذْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ابْنِ جَرِيجٍ فِي الْأَوَّلِ وَاحِدٌ وَفِي الثَّانِي اثْنَانِ وَفِي السَّنَدِ الثَّانِي أَيْضًا فَائِدَةٌ أُخْرَى وَهِيَ الزِّيَادَةُ فِي آخِرِهِ وَمُحَمَّدٌ فِي الثَّانِي هُوَ ابْنُ سَلَامٍ وَقَدْ نُسِبَ فِي رِوَايَةِ أَبِي زَيْدٍ الْمَرْوَزِيِّ كَذَلِكَ وَمَخْلَدٌ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَاللَّامِ بَيْنَهُمَا خَاءٌ مُعْجَمَةٌ
قَوْلُهُ سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ) هَذَا مِنَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي صَرَّحَ فِيهَا ابْنُ عَبَّاسٍ بِسَمَاعِهِ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهِيَ قَلِيلَةٌ بِالنِّسْبَةِ لِمَرْوِيِّهِ عَنْهُ فَإِنَّهُ أَحَدُ الْمُكْثِرِينَ وَمَعَ ذَلِكَ فَتَحَمُّلُهُ كَانَ أَكْثَرُهُ عَنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ
قَوْلُهُ ( لَوْ كَانَ لِابْنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِنْ مَالٍ لَابْتَغَى ثَالِثًا ) فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ لَوْ أَنَّ لِابْنِ آدَمَ وَادِيًا مَالًا لَأَحَبَّ أَنَّ لَهُ إِلَيْهِ مِثْلَهُ وَنَحْوُهُ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ فِي الْبَابِ وَجَمَعَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ فِي الْبَابِ أَيْضًا وَمِثْلُهُ فِي مُرْسَلِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ الَّذِي قَدَّمْتُهُ وَفِي حَدِيثِ أَبِي الَّذِي سَأَذْكُرُهُ وَقَوْلُهُ " مِنْ مَالٍ " فَسَّرَهُ فِي حَدِيثِ ابْنِ الزُّبَيْرِ بِقَوْلِهِ " مِنْ ذَهَبٍ " وَمِثْلُهُ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ فِي الْبَابِ وَفِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَزَادَ " وَفِضَّةٍ " وَأَوَّلُهُ مِثْلُ لَفْظِ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْأُولَى وَلَفْظُهُ عِنْدَ أَبِي عُبَيْدَةَ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ " كُنَّا نَقْرَأُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : لَوْ كَانَ لِابْنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ لَابْتَغَى الثَّالِثَ وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ بِلَفْظِ " لَوْ كَانَ لِابْنِ آدَمَ وَادِي نَخْلٍ " وَقَوْلُهُ : لَابْتَغَى " بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ افْتَعَلَ بِمَعْنَى الطَّلَبِ وَمِثْلُهُ فِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وَفِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ " أَحَبَّ " وَكَذَا فِي حَدِيثِ أَنَسٍ وَقَالَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ لَتَمَنَّى مِثْلَهُ ثُمَّ تَمَنَّى مِثْلَهُ حَتَّى يَتَمَنَّى أَوْدِيَةً .
قَوْلُهُ وَلَا يَمْلَأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ فِي رِوَايَةِ حَجَّاجِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ " نَفْسَ " بَدَلَ " جَوْفَ " وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ كَالْأَوَّلِ وَفِي مُرْسَلِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ " وَلَا يُشْبِعُ " بِضَمِّ أَوَّلِهِ " جَوْفَ " وَفِي حَدِيثِ ابْنِ الزُّبَيْرِ " وَلَا يَسُدُّ جَوْفَ " وَفِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ فِي الْبَابِ " وَلَا يَمْلَأُ عَيْنَ " وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ فِيهِ " وَلَا يَمْلَأُ فَاهُ " وَمِثْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي وَاقِدٍ عِنْدَ أَحْمَدَ وَلَهُ فِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ " وَلَا يَمْلَأُ بَطْنَ " قَالَ الْكِرْمَانِيُّ : لَيْسَ الْمُرَادُ الْحَقِيقَةَ فِي عُضْوٍ بِعَيْنِهِ بِقَرِينَةِ عَدَمِ الِانْحِصَارِ فِي التُّرَابِ إِذْ غَيْرُهُ يَمْلَؤُهُ أَيْضًا بَلْ هُوَ كِنَايَةٌ عَنَ الْمَوْتِ لِأَنَّهُ مُسْتَلْزِمٌ لِلِامْتِلَاءِ فَكَأَنَّهُ قَالَ لَا يَشْبَعُ مِنَ الدُّنْيَا حَتَّى يَمُوتَ فَالْغَرَضُ مِنَ الْعِبَارَاتِ كُلِّهَا وَاحِدٌ وَهِيَ مِنَ التَّفَنُّنِ فِي الْعِبَارَةِ قُلْتُ وَهَذَا يَحْسُنُ فِيمَا إِذَا اخْتَلَفَتْ مَخَارِجُ الْحَدِيثِ وَأَمَّا إِذَا اتَّحَدَتْ فَهُوَ مِنْ تَصَرُّفِ الرُّوَاةِ ثُمَّ نِسْبَةُ الِامْتِلَاءِ لِلْجَوْفِ وَاضِحَةٌ وَالْبَطْنُ بِمَعْنَاهُ وَأَمَّا النَّفْسُ فَعَبَّرَ بِهَا عَنِ الذَّاتِ وَأَطْلَقَ الذَّاتَ وَأَرَادَ الْبَطْنَ مِنْ إِطْلَاقِ الْكُلِّ وَإِرَادَةِ الْبَعْضِ وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْفَمِ فَلِكَوْنِهِ الطَّرِيقَ إِلَى الْوُصُولِ لِلْجَوْفِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالنَّفْسِ الْعَيْنَ وَأَمَّا الْعَيْنُ فَلِأَنَّهَا الْأَصْلُ فِي الطَّلَبِ لِأَنَّهُ يَرَى مَا يُعْجِبُهُ فَيَطْلُبُهُ لِيَحُوزَهُ إِلَيْهِ وَخَصَّ الْبَطْنَ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا يُطْلَبُ الْمَالُ لِتَحْصِيلِ الْمُسْتَلَذَّاتِ وَأَكْثَرُهَا يَكُونُ لِلْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَقَالَ الطِّيبِيُّ : وَقَعَ قَوْلُهُ : وَلَا يَمْلَأُ إِلَخْ " مَوْقِعَ التَّذْيِيلِ وَالتَّقْرِيرِ لِلْكَلَامِ السَّابِقِ كَأَنَّهُ قِيلَ وَلَا يَشْبَعُ مَنْ خُلِقَ مِنَ التُّرَابِ إِلَّا بِالتُّرَابِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ الْحِكْمَةُ فِي ذِكْرِ التُّرَابِ دُونَ غَيْرِهِ أَنَّ الْمَرْءَ لَا يَنْقَضِي طَمَعُهُ حَتَّى يَمُوتَ فَإِذَا مَاتَ كَانَ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُدْفَنَ فَإِذَا دُفِنَ صُبَّ عَلَيْهِ التُّرَابُ فَمَلَأَ جَوْفَهُ وَفَاهُ وَعَيْنَيْهِ وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُ مَوْضِعٌ يَحْتَاجُ إِلَى تُرَابٍ غَيْرُهُ وَأَمَّا النِّسْبَةُ إِلَى الْفَمِ فَلِكَوْنِهِ الطَّرِيقَ إِلَى الْوُصُولِ لِلْجَوْفِ
المصدر
هذه الأحاديث كلها معناها واحد وهو: أن الإنسان لا ينتهي له طمعاً في المال ، فلو كان له واديان من ذهب لابتغى ثالثاً ، ولو كان عنده ثلاثة لابتغى رابعاً ، وهكذا ، ولا يملأ بطن ابن آدم إلا التراب..
أي: إلا أن يموت فيدفن في التراب ، وليس المعنى بملء بطنه التراب أن يأكل التراب حتى يشبع ، ولكن المعنى: أنه لا يملأ بطنه إلا أن يموت فيُدفن في التراب.
( ويتوب الله على من تاب ) هذا ترشيح لما سبق ، أي: أن الإنسان وإن كان عنده جشع وطمع فإنه إن أخطأ في ذلك وتاب تاب الله عليه. أما قوله: ( كنا نرى هذا من القرآن حتى نزلت ألهاكم التكاثر ) فهذا ظن من الصحابة الذين سمعوا هذا القول أنه من القرآن ولكنه ليس من القرآن فلو كان من القرآن لبقي لقوله تعالى: { إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون }.
*~*~*~*~*~*~*~*~*~*~*
(1)الراوي : كعب بن عياض المحدث : الألباني
المصدر : صحيح الترمذي الصفحة
أو الرقم: 2336 خلاصة حكم المحدث : صحيح.
(2) كانَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ يخطُبُ، فجاءَ الحسنُ والحُسَيْنُ رضيَ اللَّهُ عنهما، وعليهما قميصانِ أحمرانِ يعثُرانِ فيهما، فنزلَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ، فقَطعَ كلامَهُ، فحملَهُما ثمَّ عادَ إلى المنبرِ، ثمَّ قالَ: صدقَ اللَّهُ: إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ رأيتُ هذينِ يعثرانِ في قميصَيهما، فلم أصبِرْ حتَّى قَطعتُ كَلامي فحَملتُهُما
الراوي : بريدة بن الحصيب الأسلمي المحدث : الألباني
المصدر :
صحيح النسائي الصفحة أو الرقم: 1412 خلاصة حكم المحدث : صحيح
16 جمادى الآخر 1436ه
الباب العاشر
بَاب مَا يُتَّقَى مِنْ فِتْنَةِ الْمَالِ
وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ)
سورة التغابن 15.
قال البخاري رحمه الله
6071 حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ عَنْ أَبِي حَصِينٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ وَالْقَطِيفَةِ وَالْخَمِيصَةِ إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ وَإِنْ لَمْ يُعْطَ لَمْ يَرْضَ.
الشرح
قَوْلُهُ مِنْ فِتْنَةِ الْمَالِ أَيْ الِالْتِهَاءِ بِهِ
قَوْلُهُ ( وَقَوْلُ اللَّهِ - تَعَالَى - : إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ أَيْ تَشْغَلُ الْبَالَ عَنِ الْقِيَامِ بِالطَّاعَةِ وَكَأَنَّهُ أَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحُوهُ مِنْ حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ عِيَاضٍ " سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ : إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ فِتْنَةٌ وَفِتْنَةُ أُمَّتِي الْمَالُ (1)
وَلَهُ شَاهِدٌ مُرْسَلٌ عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ مِثْلُهُ وَزَادَ وَلَوْ سِيلَ لِابْنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِنْ مَالٍ لَتَمَنَّى إِلَيْهِ ثَالِثًا الْحَدِيثَ وَبِهَا تَظْهَرُ الْمُنَاسَبَةُ جِدًّا وَقَوْلُهُ سِيلَ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا تَحْتَانِيَّةٌ سَاكِنَةٌ ثُمَّ لَامٌ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ يُقَالُ سَالَ الْوَادِي إِذَا جَرَى مَاؤُهُ وَأَمَّا الْفِتْنَةُ بِالْوَلَدِ فَوَرَدَ فِيهِ مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ صَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْطُبُ فَجَاءَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ عَلَيْهِمَا قَمِيصَانِ أَحْمَرَانِ يَعْثُرَانِ فَنَزَلَ عَنِ الْمِنْبَرِ فَحَمَلَهُمَا فَوَضَعَهُمَا بَيْنَ يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ صَدَقَ اللَّهُ
وَرَسُولُهُ إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوَّلَاكُمْ فِتْنَةٌ (2)
الْحَدِيثَ وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّ قَطْعَ الْخُطْبَةِ وَالنُّزُولَ لَهُمَا فِتْنَةٌ دَعَا إِلَيْهَا مَحَبَّةُ الْوَلَدِ فَيَكُونُ مَرْجُوحًا وَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ وَأَمَّا فِعْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ فَهُوَ لِبَيَانِ الْجَوَازِ فَيَكُونُ فِي حَقِّهِ رَاجِحًا وَلَا يَلْزَمُ مِنْ فِعْلِ الشَّيْءِ لِبَيَانِ الْجَوَازِ أَنْ لَا يَكُونَ الْأَوْلَى تَرْكُ فِعْلِهِ فَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ الْفِتْنَةَ بِالْوَلَدِ مَرَاتِبُ وَإِنَّ هَذَا مِنْ أَدْنَاهَا وَقَدْ يَجُرُّ إِلَى مَا فَوْقَهُ فَيُحْذَرُ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ أَحَادِيثَ الْأَوَّلُ
قَوْلُهُ ( تَعِسَ ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَيَجُوزُ الْفَتْحُ أَيْ سَقَطَ وَالْمُرَادُ هُنَا هَلَكَ وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ : التَّعْسُ الشَّرُّ قَالَ - تَعَالَى - فَتَعْسًا لَهُمْ أَرَادَ أَلْزَمَهُمُ الشَّرَّ وَقِيلَ التَّعْسُ الْبُعْدُ أَيْ بُعْدًا لَهُمْ وَقَالَ غَيْرُهُ قَوْلُهُمْ تَعْسًا لِفُلَانٍ نَقِيضُ قَوْلِهِمْ لَعًا لَهُ فَتَعْسًا دُعَاءٌ عَلَيْهِ بِالْعَثْرَةِ وَلَعًا دُعَاءٌ لَهُ بِالِانْتِقَاشِ
قَوْلُهُ عَبْدُ الدِّينَارِ ) أَيْ طَالِبُهُ الْحَرِيصُ عَلَى جَمْعِهِ الْقَائِمُ عَلَى حِفْظِهِ فَكَأَنَّهُ لِذَلِكَ خَادِمُهُ وَعَبْدُهُ قَالَ الطِّيبِيُّ : قِيلَ خُصَّ الْعَبْدُ بِالذِّكْرِ لِيُؤْذَنَ بِانْغِمَاسِهِ فِي مَحَبَّةِ الدُّنْيَا وَشَهَوَاتِهَا كَالْأَسِيرِ الَّذِي لَا يَجِدُ خَلَاصًا وَلَمْ يَقُلْ مَالِكُ الدِّينَارِ وَلَا جَامِعُ الدِّينَارِ لِأَنَّ الْمَذْمُومَ مِنَ الْمِلْكِ وَالْجَمْعِ الزِّيَادَةُ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ وَقَوْلُهُ " إِنْ أُعْطِيَ إِلَخْ " يُؤْذِنُ بِشِدَّةِ الْحِرْصِ عَلَى ذَلِكَ وَقَالَ غَيْرُهُ جَعَلَهُ عَبْدًا لَهُمَا لِشَغَفِهِ وَحِرْصِهِ فَمَنْ كَانَ عَبْدًا لِهَوَاهُ لَمْ يَصْدُقْ فِي حَقِّهِ إِيَّاكَ نَعْبُدُ فَلَا يَكُونُ مَنِ اتَّصَفَ بِذَلِكَ صِدِّيقًا
قَوْلُهُ ( وَالْقَطِيفَة ) هِيَ الثَّوْبُ الَّذِي لَهُ خَمْلٌ " وَالْخَمِيصَةُ الْكِسَاءُ الْمُرَبَّعُ " وَقَدْ تَقَدَّمَ الْحَدِيثُ ، فِي كِتَابِ الْجِهَادِ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ بِلَفْظِ تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ وَعَبْدُ الْخَمِيصَةِ تَعِسَ وَانْتَكَسَ وَإِذَا شِيكَ فَلَا انْتَقَشَ " وَقَوْلُهُ وَانْتَكَسَ أَيْ عَاوَدَهُ الْمَرَضُ فَعَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ تَفْسِيرِ التَّعْسِ بِالسُّقُوطِ يَكُونُ الْمُرَادُ أَنَّهُ إِذَا قَامَ مِنْ سَقْطَتِهِ عَاوَدَهُ السُّقُوطُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى بِانْتَكَسَ بَعْدَ تَعِسَ انْقَلَبَ عَلَى رَأْسِهِ بَعْدَ أَنْ سَقَطَ ثُمَّ وَجَدْتُهُ فِي شَرْحِ الطِّيبِيِّ قَالَ فِي قَوْلِهِ " تَعِسَ وَانْتَكَسَ " فِيهِ التَّرَقِّي فِي الدُّعَاءِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ إِذَا تَعِسَ انْكَبَّ عَلَى وَجْهِهِ فَإِذَا انْتَكَسَ انْقَلَبَ عَلَى رَأْسِهِ وَقِيلَ التَّعْسُ الْخَرُّ عَلَى الْوَجْهِ وَالنَّكْسُ الْخَرُّ عَلَى الرَّأْسِ وَقَوْلُهُ : فِي الرِّوَايَةِ الْمَذْكُورَةِ " وَإِذَا شِيكَ " بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ بَعْدِهَا تَحْتَانِيَّةٌ سَاكِنَةٌ ثُمَّ كَافٌ أَيْ إِذَا دَخَلَتْ فِيهِ شَوْكَةٌ لَمْ يَجِدْ مَنْ يُخْرِجُهَا بِالْمِنْقَاشِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ فَلَا انْتَقَشَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ لَمْ يَقْدِرِ الطَّبِيبُ أَنْ يُخْرِجَهَا وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى الدُّعَاءِ عَلَيْهِ بِمَا يُثَبِّطُهُ عَنِ السَّعْيِ وَالْحَرَكَةِ وَسَوَّغَ الدُّعَاءَ عَلَيْهِ كَوْنُهُ قَصَرَ عَمَلُهُ عَلَى جَمْعِ الدُّنْيَا وَاشْتَغَلَ بِهَا عَنِ الَّذِي أُمِرَ بِهِ مِنَ التَّشَاغُلِ بِالْوَاجِبَاتِ وَالْمَنْدُوبَاتِ قَالَ الطِّيبِيُّ : وَإِنَّمَا خُصَّ انْتِقَاشُ الشَّوْكَةِ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُ أَسْهَلُ مَا يُتَصَوَّرُ مِنَ الْمُعَاوَنَةِ فَإِذَا انْتَفَى ذَلِكَ الْأَسْهَلُ انْتَفَى مَا فَوْقَهُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى
قَوْلُهُ إِنْ أُعْطِيَ بِضَمِّ أَوَّلِهِ
قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يُعْطَ لَمْ يَرْضَ ) وَقَعَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ وَالْإِسْمَاعِيلِيِّ بِلَفْظِ الْوَفَاءِ عِوَضَ الرِّضَا وَأَحَدُهُمَا مَلْزُومٌ لِلْآخَرِ غَالِبًا
المصدر
شرح الشيخ بن عثيمين رحمه الله
قوله: ( إنما ) للحصر ، أي ما أموالكم ، ولا أولادكم إلا فتنة ، لكن هل هي فتنة خير أو فتنة شر؟ قال تعالى: { ونبلوكم بالخير والشر فتنة } فقد تكون فتنة بخير ، وقد تكون فتنة بشر ، وكذلك الأموال والأولاد قد يكون الولد صالحاً فيكون عوناً لأبيه في حياته على طاعة الله ، وينفعه بعد مماته في دعائه ، وكذلك المال ( نعم المال الصالح عند الرجل الصالح ) فالفتنة هنا تشمل هذا وهذا ولهذا قال الله تعالى بعده: { والله عنده أجر عظيم } أي فاجعلوا هذا فتنة في الخير ، لتنالوا الأجر.
قوله: ( عبد الدينار والدرهم والقطيفة والخميصة ) الدينار والدرهم معروفان ، وأما القطيفة: فهي ما يُجلس ، والخميصة: ما يُلبس.
فالإنسان يعتني بدرهمه وديناره ، ويعتني بملبسه ومجلسه فمن الناس من يعتني بهذه الأشياء لتكون عوناً له على طاعة الله ، ويظهر بها نعمة الله عليه ، ومن الناس من يشتغل بها عن طاعة الله حتى يكون عبداً لها كأنما خُلق لها ، ليس له هم إلا تحصيل الدينار والدرهم والخميصة والقطيفة ، وليس المراد أن الإنسان يسجد لهذه الأشياء ، لأن لا أحد يسجد للدراهم والدنانير والقطائف والخمائص ، ولكن المعنى أنه يشتغل بها عن طاعة الله.
قوله: ( إن أعطي رضي ، وإن لم يُعط لم يرض ) رضي على المعطي حتى لو كان الله رضي عن الله وإن لم يعط سخط حتى عن الله ، { ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا إذا هم يسخطون }إذاً: فيه التحذير من هذه الأمور أن تكون عبداً لها ، بل كن عبداً لله واستعن بهذه الأمور على عبادة الله.
س: ما العلاقة بين أول الحديث وآخره ؟
ج: هي تفسير لها أو من صفاته أنه إذا أعطي رضي وإن لم يعط سخط.
س: بعض الشباب يعطل أمر الزواج خشية الافتتان عن طلب العلم ؟
ج: هذا خطأ ، فالزواج لا يحول بين الشاب وطلب العلم بل ربما يكون عوناً له على طلب العلم ، يتفرغ كثيراً ، صحيح أنه ربما أنه ربما يترتب عليه مسائل أخرى كالنفقات لكنه يتفرغ لمسائل كثيرة ، وهو أيضاً إذا تزوج متكلاً على الله ، معتمداً عليه آخذاً بقوله تعالى: { وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها } يحصل له خير كثير.
س: تمني الموت ، فقد ثبت عن السلف والصحابة أنهم يتمنون الموت قبل الدخول للجهاد..
ج: هم لا يتمنون الموت ، إنما يتمنون الشهادة ، ففرق بين هذا وهذا ، فربما لو فات هذا المكان أو المعركة فاتته الشهادة فيما بعد ومات فراشه ، ويجوز أن يقول: لا تمتني حتى أنفع المسلمين وأجاهد ، وغيرها ، كما قال سعد بن معاذ عندما أصيب في أكحله: اللهم لا تمتني حتى تقر عيني بهؤلاء ـ أي حلفاءه من بني قريظة ـ.
المصدر
قال الإمام البخاري في صحيحه
6072 حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَوْ كَانَ لِابْنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِنْ مَالٍ لَابْتَغَى ثَالِثًا وَلَا يَمْلَأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلَّا التُّرَابُ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ تَابَ .
الشرح
قَوْلُهُ عَنْ عَطَاءٍ هُوَ ابْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَصَرَّحَ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ بِسَمَاعِ ابْنِ جُرَيْجٍ لَهُ مِنْ عَطَاءٍ وَهَذَا هُوَ [ ص: 260 ] الْحِكْمَةُ فِي إِيرَادِ الْإِسْنَادِ النَّازِلِ عَقِبَ الْعَالِي إِذْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ابْنِ جَرِيجٍ فِي الْأَوَّلِ وَاحِدٌ وَفِي الثَّانِي اثْنَانِ وَفِي السَّنَدِ الثَّانِي أَيْضًا فَائِدَةٌ أُخْرَى وَهِيَ الزِّيَادَةُ فِي آخِرِهِ وَمُحَمَّدٌ فِي الثَّانِي هُوَ ابْنُ سَلَامٍ وَقَدْ نُسِبَ فِي رِوَايَةِ أَبِي زَيْدٍ الْمَرْوَزِيِّ كَذَلِكَ وَمَخْلَدٌ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَاللَّامِ بَيْنَهُمَا خَاءٌ مُعْجَمَةٌ
قَوْلُهُ سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ) هَذَا مِنَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي صَرَّحَ فِيهَا ابْنُ عَبَّاسٍ بِسَمَاعِهِ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهِيَ قَلِيلَةٌ بِالنِّسْبَةِ لِمَرْوِيِّهِ عَنْهُ فَإِنَّهُ أَحَدُ الْمُكْثِرِينَ وَمَعَ ذَلِكَ فَتَحَمُّلُهُ كَانَ أَكْثَرُهُ عَنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ
قَوْلُهُ ( لَوْ كَانَ لِابْنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِنْ مَالٍ لَابْتَغَى ثَالِثًا ) فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ لَوْ أَنَّ لِابْنِ آدَمَ وَادِيًا مَالًا لَأَحَبَّ أَنَّ لَهُ إِلَيْهِ مِثْلَهُ وَنَحْوُهُ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ فِي الْبَابِ وَجَمَعَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ فِي الْبَابِ أَيْضًا وَمِثْلُهُ فِي مُرْسَلِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ الَّذِي قَدَّمْتُهُ وَفِي حَدِيثِ أَبِي الَّذِي سَأَذْكُرُهُ وَقَوْلُهُ " مِنْ مَالٍ " فَسَّرَهُ فِي حَدِيثِ ابْنِ الزُّبَيْرِ بِقَوْلِهِ " مِنْ ذَهَبٍ " وَمِثْلُهُ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ فِي الْبَابِ وَفِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَزَادَ " وَفِضَّةٍ " وَأَوَّلُهُ مِثْلُ لَفْظِ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْأُولَى وَلَفْظُهُ عِنْدَ أَبِي عُبَيْدَةَ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ " كُنَّا نَقْرَأُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : لَوْ كَانَ لِابْنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ لَابْتَغَى الثَّالِثَ وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ بِلَفْظِ " لَوْ كَانَ لِابْنِ آدَمَ وَادِي نَخْلٍ " وَقَوْلُهُ : لَابْتَغَى " بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ افْتَعَلَ بِمَعْنَى الطَّلَبِ وَمِثْلُهُ فِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وَفِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ " أَحَبَّ " وَكَذَا فِي حَدِيثِ أَنَسٍ وَقَالَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ لَتَمَنَّى مِثْلَهُ ثُمَّ تَمَنَّى مِثْلَهُ حَتَّى يَتَمَنَّى أَوْدِيَةً .
قَوْلُهُ وَلَا يَمْلَأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ فِي رِوَايَةِ حَجَّاجِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ " نَفْسَ " بَدَلَ " جَوْفَ " وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ كَالْأَوَّلِ وَفِي مُرْسَلِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ " وَلَا يُشْبِعُ " بِضَمِّ أَوَّلِهِ " جَوْفَ " وَفِي حَدِيثِ ابْنِ الزُّبَيْرِ " وَلَا يَسُدُّ جَوْفَ " وَفِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ فِي الْبَابِ " وَلَا يَمْلَأُ عَيْنَ " وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ فِيهِ " وَلَا يَمْلَأُ فَاهُ " وَمِثْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي وَاقِدٍ عِنْدَ أَحْمَدَ وَلَهُ فِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ " وَلَا يَمْلَأُ بَطْنَ " قَالَ الْكِرْمَانِيُّ : لَيْسَ الْمُرَادُ الْحَقِيقَةَ فِي عُضْوٍ بِعَيْنِهِ بِقَرِينَةِ عَدَمِ الِانْحِصَارِ فِي التُّرَابِ إِذْ غَيْرُهُ يَمْلَؤُهُ أَيْضًا بَلْ هُوَ كِنَايَةٌ عَنَ الْمَوْتِ لِأَنَّهُ مُسْتَلْزِمٌ لِلِامْتِلَاءِ فَكَأَنَّهُ قَالَ لَا يَشْبَعُ مِنَ الدُّنْيَا حَتَّى يَمُوتَ فَالْغَرَضُ مِنَ الْعِبَارَاتِ كُلِّهَا وَاحِدٌ وَهِيَ مِنَ التَّفَنُّنِ فِي الْعِبَارَةِ قُلْتُ وَهَذَا يَحْسُنُ فِيمَا إِذَا اخْتَلَفَتْ مَخَارِجُ الْحَدِيثِ وَأَمَّا إِذَا اتَّحَدَتْ فَهُوَ مِنْ تَصَرُّفِ الرُّوَاةِ ثُمَّ نِسْبَةُ الِامْتِلَاءِ لِلْجَوْفِ وَاضِحَةٌ وَالْبَطْنُ بِمَعْنَاهُ وَأَمَّا النَّفْسُ فَعَبَّرَ بِهَا عَنِ الذَّاتِ وَأَطْلَقَ الذَّاتَ وَأَرَادَ الْبَطْنَ مِنْ إِطْلَاقِ الْكُلِّ وَإِرَادَةِ الْبَعْضِ وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْفَمِ فَلِكَوْنِهِ الطَّرِيقَ إِلَى الْوُصُولِ لِلْجَوْفِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالنَّفْسِ الْعَيْنَ وَأَمَّا الْعَيْنُ فَلِأَنَّهَا الْأَصْلُ فِي الطَّلَبِ لِأَنَّهُ يَرَى مَا يُعْجِبُهُ فَيَطْلُبُهُ لِيَحُوزَهُ إِلَيْهِ وَخَصَّ الْبَطْنَ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا يُطْلَبُ الْمَالُ لِتَحْصِيلِ الْمُسْتَلَذَّاتِ وَأَكْثَرُهَا يَكُونُ لِلْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَقَالَ الطِّيبِيُّ : وَقَعَ قَوْلُهُ : وَلَا يَمْلَأُ إِلَخْ " مَوْقِعَ التَّذْيِيلِ وَالتَّقْرِيرِ لِلْكَلَامِ السَّابِقِ كَأَنَّهُ قِيلَ وَلَا يَشْبَعُ مَنْ خُلِقَ مِنَ التُّرَابِ إِلَّا بِالتُّرَابِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ الْحِكْمَةُ فِي ذِكْرِ التُّرَابِ دُونَ غَيْرِهِ أَنَّ الْمَرْءَ لَا يَنْقَضِي طَمَعُهُ حَتَّى يَمُوتَ فَإِذَا مَاتَ كَانَ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُدْفَنَ فَإِذَا دُفِنَ صُبَّ عَلَيْهِ التُّرَابُ فَمَلَأَ جَوْفَهُ وَفَاهُ وَعَيْنَيْهِ وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُ مَوْضِعٌ يَحْتَاجُ إِلَى تُرَابٍ غَيْرُهُ وَأَمَّا النِّسْبَةُ إِلَى الْفَمِ فَلِكَوْنِهِ الطَّرِيقَ إِلَى الْوُصُولِ لِلْجَوْفِ
المصدر
هذه الأحاديث كلها معناها واحد وهو: أن الإنسان لا ينتهي له طمعاً في المال ، فلو كان له واديان من ذهب لابتغى ثالثاً ، ولو كان عنده ثلاثة لابتغى رابعاً ، وهكذا ، ولا يملأ بطن ابن آدم إلا التراب..
أي: إلا أن يموت فيدفن في التراب ، وليس المعنى بملء بطنه التراب أن يأكل التراب حتى يشبع ، ولكن المعنى: أنه لا يملأ بطنه إلا أن يموت فيُدفن في التراب.
( ويتوب الله على من تاب ) هذا ترشيح لما سبق ، أي: أن الإنسان وإن كان عنده جشع وطمع فإنه إن أخطأ في ذلك وتاب تاب الله عليه. أما قوله: ( كنا نرى هذا من القرآن حتى نزلت ألهاكم التكاثر ) فهذا ظن من الصحابة الذين سمعوا هذا القول أنه من القرآن ولكنه ليس من القرآن فلو كان من القرآن لبقي لقوله تعالى: { إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون }.
*~*~*~*~*~*~*~*~*~*~*
(1)الراوي : كعب بن عياض المحدث : الألباني
المصدر : صحيح الترمذي الصفحة
أو الرقم: 2336 خلاصة حكم المحدث : صحيح.
(2) كانَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ يخطُبُ، فجاءَ الحسنُ والحُسَيْنُ رضيَ اللَّهُ عنهما، وعليهما قميصانِ أحمرانِ يعثُرانِ فيهما، فنزلَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ، فقَطعَ كلامَهُ، فحملَهُما ثمَّ عادَ إلى المنبرِ، ثمَّ قالَ: صدقَ اللَّهُ: إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ رأيتُ هذينِ يعثرانِ في قميصَيهما، فلم أصبِرْ حتَّى قَطعتُ كَلامي فحَملتُهُما
الراوي : بريدة بن الحصيب الأسلمي المحدث : الألباني
المصدر :
صحيح النسائي الصفحة أو الرقم: 1412 خلاصة حكم المحدث : صحيح