المجلس السادس عشر
2 جمادى الأخرة 1436 هـــ
الباب الثامن
بَاب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا
بَاب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ ) جَمْعُهُ سُعُرٌ قَالَ مُجَاهِدٌ الْغَرُورُ الشَّيْطَانُ .
الشرح
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ) هذا التوجيه لعموم الناس حتى الكافر يدخل في
هذا التوجيه من الله لأن الدنيا تغر الكافر وتغر المؤمن.
قوله: (إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ) يشمل وعده ووعيده ، وعده لأهل
العمل الصالح بالثواب الجزيل وبالجنة ووعيده لأهل العمل السيئ بالعقوبة والنار.
وقوله: ( حق ) يعني: ثابتاً واقعاً لا بد منه .
قوله: (فَلَا تَغُرَّنَّكُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا) هذا هو الشاهد ، فلا تخدعنكم الحياة الدنيا ، فهي خداعة غرارة تغر الإنسان ، والدنيا: ما أشار الله إليه في قوله: { زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } كل ما في الدنيا أجمله الله في هذه الآية ، والإنسان قد يغره المال ، وقد تغره النساء ، وقد يغره الجاه ، المهم أن الجوانب كثيرة في الدنيا ، والآية عامة ( ولا تغرنكم الحياة الدنيا ).
قوله: ( وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ) والغرور هو الشيطان بدليل قوله بعدها: { إن الشيطان لكم عدو } فالغرور أيضاً الذي يغر ويخدع ، ولعله يشمل شيطان الإنس ، وشيطان الجن ، فشيطان الجن هو ذلك العالم الغيبي الذي لا نشاهده ، لكن نعرفه بآثاره ، وشيطان الإنس ظاهر.
دعاة على أبواب جهنم من أجابهم قذفوه فيها ،
وما أكثر دعاة جهنم لا سيما في زماننا هذا !
وقوله: { إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا } في الآية خبر ، وأمر ن أما الخبر فقوله: إن الشيطان لكم عدو ، والأمر: فاتخذوه عدوا ، أي اجعلوه عدواً حقيقياً ، وإذا اتخذناه عدواً حقيقياً فلن ننخدع به ، إذا أمرنا عصيناه ، وإذا نهانا خالفناه فهذا عدوك لا يمكن أن يأمرك بما فيه مصلحتك أبداً ، ولا ينهاك عما فيه مضرتك ، إنما ينهاك عما فيه مصلحتك. لهذا قال: { إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ } يدعوهم لهذا ليكونوا من أصحاب النار ، وبهذا التحديد يمكننا أن نعرف أوامر الشيطان ، فكل ما يوجب الدنس والعقربة فهو من أوامر الشيطان لأنه يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير ، إذاً ، فكل دعوة تحس بها في نفسك لترك واجب أو فعل محرم فاعلم أنها من الشيطان فتجنبها ، لأن الله يقول:{ إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا } وهذه قاعدة ، أظنها لا تخفى على أحد ، فلو قال قائل: أنا لا أشاهد الشيطان ، قلنا: هذا هو الميزان ، بينه الله في كتابه أنه متى أحسست من نفسك ميلاً إلى معصية فاعلم أن هذا من الشيطان فخالفه.
س: ما الفرق بين النفس الأمارة بالسوء ، وبين أمر الشيطان ؟
ج: النفس الأمارة بالسوء هي مؤتمرة بأمر الشيطان ، لأنها تأمر بما يأمر به الشيطان.
س: الآ ية: { إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير }
والمؤمن ليس من أصحاب السعير ؟
هذا التوجيه من الله لأن الدنيا تغر الكافر وتغر المؤمن.
قوله: (إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ) يشمل وعده ووعيده ، وعده لأهل
العمل الصالح بالثواب الجزيل وبالجنة ووعيده لأهل العمل السيئ بالعقوبة والنار.
وقوله: ( حق ) يعني: ثابتاً واقعاً لا بد منه .
قوله: (فَلَا تَغُرَّنَّكُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا) هذا هو الشاهد ، فلا تخدعنكم الحياة الدنيا ، فهي خداعة غرارة تغر الإنسان ، والدنيا: ما أشار الله إليه في قوله: { زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } كل ما في الدنيا أجمله الله في هذه الآية ، والإنسان قد يغره المال ، وقد تغره النساء ، وقد يغره الجاه ، المهم أن الجوانب كثيرة في الدنيا ، والآية عامة ( ولا تغرنكم الحياة الدنيا ).
قوله: ( وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ) والغرور هو الشيطان بدليل قوله بعدها: { إن الشيطان لكم عدو } فالغرور أيضاً الذي يغر ويخدع ، ولعله يشمل شيطان الإنس ، وشيطان الجن ، فشيطان الجن هو ذلك العالم الغيبي الذي لا نشاهده ، لكن نعرفه بآثاره ، وشيطان الإنس ظاهر.
دعاة على أبواب جهنم من أجابهم قذفوه فيها ،
وما أكثر دعاة جهنم لا سيما في زماننا هذا !
وقوله: { إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا } في الآية خبر ، وأمر ن أما الخبر فقوله: إن الشيطان لكم عدو ، والأمر: فاتخذوه عدوا ، أي اجعلوه عدواً حقيقياً ، وإذا اتخذناه عدواً حقيقياً فلن ننخدع به ، إذا أمرنا عصيناه ، وإذا نهانا خالفناه فهذا عدوك لا يمكن أن يأمرك بما فيه مصلحتك أبداً ، ولا ينهاك عما فيه مضرتك ، إنما ينهاك عما فيه مصلحتك. لهذا قال: { إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ } يدعوهم لهذا ليكونوا من أصحاب النار ، وبهذا التحديد يمكننا أن نعرف أوامر الشيطان ، فكل ما يوجب الدنس والعقربة فهو من أوامر الشيطان لأنه يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير ، إذاً ، فكل دعوة تحس بها في نفسك لترك واجب أو فعل محرم فاعلم أنها من الشيطان فتجنبها ، لأن الله يقول:{ إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا } وهذه قاعدة ، أظنها لا تخفى على أحد ، فلو قال قائل: أنا لا أشاهد الشيطان ، قلنا: هذا هو الميزان ، بينه الله في كتابه أنه متى أحسست من نفسك ميلاً إلى معصية فاعلم أن هذا من الشيطان فخالفه.
س: ما الفرق بين النفس الأمارة بالسوء ، وبين أمر الشيطان ؟
ج: النفس الأمارة بالسوء هي مؤتمرة بأمر الشيطان ، لأنها تأمر بما يأمر به الشيطان.
س: الآ ية: { إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير }
والمؤمن ليس من أصحاب السعير ؟
ج: إذا كان هو يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير
فمعناه كل دعوة توجب العقاب هي من دعوة الشيطان لأننا نعلم أنه لا يدعو إلا لهذا الشيء ، ولكن ذكر حزبه لأنهم هم الذين يتقبلون كل ما أمر به ، أما غير حزبه فقد يقبلون ، وقد لا يقبلون ، ولهذا جاءت اللام الدالة على العاقبة فهي للعاقبة وللتعليل .. كما إن الحزب قد يكون حزباً تاماً ، وقد يكون حزباً باعتبار موافقته في بعض الشيء ، فتكون مثلاً إذا ساعدت رجلاً في مسألة من المسائل ، وإن لم تساعده في كل أمره فأنت حزب له في هذه المسألة.
(أ.هـ) شرح الشيخ بن عثيمين رحمه الله لكتاب الرقاق من صحيح البخاري
المصدر
فمعناه كل دعوة توجب العقاب هي من دعوة الشيطان لأننا نعلم أنه لا يدعو إلا لهذا الشيء ، ولكن ذكر حزبه لأنهم هم الذين يتقبلون كل ما أمر به ، أما غير حزبه فقد يقبلون ، وقد لا يقبلون ، ولهذا جاءت اللام الدالة على العاقبة فهي للعاقبة وللتعليل .. كما إن الحزب قد يكون حزباً تاماً ، وقد يكون حزباً باعتبار موافقته في بعض الشيء ، فتكون مثلاً إذا ساعدت رجلاً في مسألة من المسائل ، وإن لم تساعده في كل أمره فأنت حزب له في هذه المسألة.
(أ.هـ) شرح الشيخ بن عثيمين رحمه الله لكتاب الرقاق من صحيح البخاري
المصدر
قَوْلُهُ بَابُ قَوْلِ اللَّهِ - تَعَالَى - يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ الْآيَةَ إِلَى قَوْلِهِ السَّعِيرِ كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ ، وَسَاقَ فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ الْآيَتَيْنِ
قَوْلُهُ جَمْعُهُ سُعُرٌ بِضَمَّتَيْنِ يَعْنِي السَّعِيرَ وَهُوَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ مِنَ السَّعْرِ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ ثَانِيهِ وَهُوَ الشِّهَابُ مِنَ النَّارِ
قَوْلُهُ وَقَالَ مُجَاهِدٌ : الْغَرُورُ الشَّيْطَانُ ثَبَتَ هَذَا الْأَثَرُ هُنَا فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَحْدَهُ وَوَصَلَهُ الْفِرْيَابِيُّ فِي [ ص: 255 ] تَفْسِيرِهِ عَنْ وَرْقَاءَ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ ، وَهُوَ تَفْسِيرُ قَوْلِهِ - تَعَالَى - وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ وَهُوَ فَعُولٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ تَقُولُ غَرَرْتُ فُلَانًا أَصَبْتُ غُرَّتَهُ وَنِلْتُ مَا أَرَدْتُ مِنْهُ " وَالْغِرَّةُ " بِالْكَسْرِ غَفْلَةٌ فِي الْيَقَظَةِ وَالْغَرُورُ كُلُّ مَا يَغُرُّ الْإِنْسَانَ وَإِنَّمَا فُسِّرَ بِالشَّيْطَانِ لِأَنَّهُ رَأْسٌ فِي ذَلِكَ (أ.هـ)
فتح الباري شرح صحيح البخاري .
فتح الباري شرح صحيح البخاري .
قال الإمام البخاري رحمه الله
6069 حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْقُرَشِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي مُعَاذُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ حُمْرَانَ بْنَ أَبَانَ أَخْبَرَهُ قَالَ أَتَيْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ بِطَهُورٍ وَهُوَ جَالِسٌ عَلَى الْمَقَاعِدِ فَتَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ قَالَ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ وَهُوَ فِي هَذَا الْمَجْلِسِ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ قَالَ مَنْ تَوَضَّأَ مِثْلَ هَذَا الْوُضُوءِ ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِدَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ جَلَسَ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ قَالَ وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَغْتَرُّوا .
الشرح
الشاهد في قوله: (لا تغترُّروا ) أي لا تغترُّروا بالشيطان وبالحياة الدنيا ، وغير ذلك ، وهذا كله مفتوحة مرة ومضمومة مرة ، وهي: ( الوَضوء ، والوُضوء ) وكلمة ( طَهور وطُهور ) و ( الوُضوء والطُهور ، بالضم ) هو الفعل كما قال عليه الصلاة والسلام ، الظُهور شطر الإيمان ، والوُضوء كذلك المقصود به الفعل أيضاً كغسل يديك والوجه ، وما أشبه ذلك0 ( أما الطَهور ـ الوَضوء ) فهو ما يتطهر به ، قال تعالى: { وأنزلنا من السماء ماءً طهوراً } أي مطهراً ، وقال عليه الصلاة والسلام: ( جُعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً ).
س: ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن من توضأ ثم أتى المسجد فركع ركعتين ثم جلس غُفر له ما تقدم من ذنبه ، ثم قال: لا تغتروا فهل معناه لا تغتروا بهذه المغفرة ؟
ج: نعم ، يُحتمل هذا المعنى ، والاغترار بالغفران معناه الأمن من مكر الله فيدخل في أمر الشيطان.
س: قلنا في الحديث ثم أتى المسجد فصلى ، فماذا لو صلى في بيته ؟
ج: الحديث الآخر عام ، من توضأ نحو وضوئي هذا ثم صلى
ركعتين لا يحدث فيهما نفسه.
ركعتين لا يحدث فيهما نفسه.
س: في الحديث السابق قوله: ( لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به ، فإن كان لا محالة ـ أو لا بد ـ فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خير لي ...).
هل ورد هذا الدعاء في غير هذه الحالة أي في غير حالة ضر نزل ؟
هل ورد هذا الدعاء في غير هذه الحالة أي في غير حالة ضر نزل ؟
ج: نعم ، ورد أنه صلى الله عليه وسلم كان يدعوه في غير الحالة. انتهى كلام الشيخ.
والحديث هو: قال صلى الله عليه وسلم: ( لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به ، فإن كان لا بد متمنياً ، فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي ، وتوفني ما كانت الوفاة خيراً لي )
[صحيح الجامع الصغير وزيادته للألباني ج2 رقم 7611 ]0 (أ.هـ)
[صحيح الجامع الصغير وزيادته للألباني ج2 رقم 7611 ]0 (أ.هـ)
شرح الشيخ بن عثيمين رحمه الله لكتاب الرقاق من صحيح البخاري
قَوْلُهُ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ) فِي رِوَايَةِ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ حُمْرَانَ " فَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ " وَتَقَدَّمَ فِي الطَّهَارَةِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ حُمْرَانَ بَيَانُ صِفَةِ الْإِسْبَاغِ الْمَذْكُورِ وَالتَّثْلِيثِ فِيهِ وَقَوْلُ عُرْوَةَ " إِنَّ هَذَا أَسْبَغَ الْوُضُوءَ "
قَوْلُهُ ثُمَّ قَالَ مَنْ تَوَضَّأَ مِثْلَ هَذَا الْوُضُوءِ تَقَدَّمَ هُنَاكَ تَوْجِيهُهُ وَتُعُقِّبَ مَنْ نَفَى وُرُودَ الرِّوَايَةِ بِلَفْظِ " مِثْلَ " وَأَنَّ الْحِكْمَةَ فِي وُرُودِهَا بِلَفْظِ " نَحْوَ " التَّعَذُّرُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَأْتِيَ بِمِثْلِ وُضُوءِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
قَوْلُهُ ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِدَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ جَلَسَ هَكَذَا أَطْلَقَ صَلَاةَ رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ نَحْوُ رِوَايَةِ ابْنِ شِهَابٍ الْمَاضِيَةِ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ وَقَيَّدَهُ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَتِهِ مِنْ طَرِيقِ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ حُمْرَانَ بِلَفْظِ " ثُمَّ مَشَى إِلَى الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ فَصَلَّاهَا مَعَ النَّاسِ أَوْ فِي الْمَسْجِدِ " وَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حُمْرَانَ عِنْدَهُ " فَيُصَلِّي صَلَاةً " وَفِي أُخْرَى لَهُ عَنْهُ " فَيُصَلِّي الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ " وَزَادَ " إِلَّا غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الصَّلَاةِ الَّتِي تَلِيهَا " أَيِ الَّتِي سَبَقَتْهَا وَفِيهِ تَقْيِيدٌ لِمَا أَطْلَقَ فِي قَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى " غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ " وَإِنَّ التَّقَدُّمَ خَاصٌّ بِالزَّمَانِ الَّذِي بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ وَأَصْرَحُ مِنْهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي صَخْرَةَ عَنْ حُمْرَانَ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَيْضًا مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَتَطَهَّرُ فَيُتِمُّ الطَّهُورَ الَّذِي كُتِبَ عَلَيْهِ فَيُصَلِّي هَذِهِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ إِلَّا كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا بَيْنَهُنَّ، وَتَقَدَّمَ مِنْ طَرِيقِ عُرْوَةَ عَنْ حُمْرَانَ " إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّلَاةِ حَتَّى يُصَلِّيَهَا " وَلَهُ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ عَنْ عُثْمَانَ بِنَحْوِهِ وَفِيهِ تَقْيِيدُهُ بِمَنْ لَمْ يَغْشَ الْكَبِيرَةَ وَقَدْ بَيَّنْتُ تَوْجِيهَ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ وَاضِحًا وَالْحَاصِلُ أَنَّ لِحُمْرَانَ [ ص: 256 ] عَنْ عُثْمَانَ حَدِيثَيْنِ فِي هَذَا أَحَدُهُمَا مُقَيَّدٌ بِتَرْكِ حَدِيثِ النَّفْسِ وَذَلِكَ فِي صَلَاةِ رَكْعَتَيْنِ مُطْلَقًا غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِالْمَكْتُوبَةِ وَالْآخَرُ فِي الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ فِي الْجَمَاعَةِ أَوْ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِتَرْكِ حَدِيثِ النَّفْسِ
قَوْلُهُ قَالَ وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا تَغْتَرُّوا قَدَّمْتُ شَرْحَهُ فِي الطَّهَارَةِ وَحَاصِلُهُ لَا تَحْمِلُوا الْغُفْرَانَ عَلَى عُمُومِهِ فِي جَمِيعِ الذُّنُوبِ فَتَسْتَرْسِلُوا فِي الذُّنُوبِ اتِّكَالًا عَلَى غُفْرَانِهَا بِالصَّلَاةِ فَإِنَّ الصَّلَاةَ الَّتِي تُكَفِّرُ الذُّنُوبَ هِيَ الْمَقْبُولَةُ وَلَا اطِّلَاعَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ ظَهَرَ لِي جَوَابٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ الْمُكَفَّرَ بِالصَّلَاةِ هِيَ الصَّغَائِرُ فَلَا تَغْتَرُّوا فَتَعْمَلُوا الْكَبِيرَةَ بِنَاءً عَلَى تَكْفِيرِ الذُّنُوبِ بِالصَّلَاةِ فَإِنَّهُ خَاصٌّ بِالصَّغَائِرِ أَوْ لَا تَسْتَكْثِرُوا مِنَ الصَّغَائِرِ فَإِنَّهَا بِالْإِصْرَارِ تُعْطَى حُكْمَ الْكَبِيرَةِ فَلَا يُكَفِّرُهَا مَا يُكَفِّرُ الصَّغِيرَةَ أَوْ أَنَّ ذَلِكَ خَاصٌّ بِأَهْلِ الطَّاعَةِ فَلَا يَنَالُهُ مَنْ هُوَ مُرْتَبِكٌ فِي الْمَعْصِيَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
فتح الباري شرح صحيح البخاري .