كم مرة ظننا أن العيب فيمن حولنا ولم نفكر مرة أن ننسب الخطأ لأنفسنا..
أطرق الزوج يفكر في حال زوجته التي يحبها، كيف له أن يصارحها بما علم عنها؟ بل كيف يمكنه مساعدتها دون أن يجرحها بأن سمعها بدء يضعف يومًا بعد الآخر..
لقد لفت نظر الزوج في أحد الأيام أنه كان ينادي زوجته من الغرفة الأخرى، لكنها لم تسمعه بالرغم من أنه رفع صوته كثيرًا.. وتعجّب الزوج ساعتها؛ فقد كانت تسمع صوته حتى لو كان خافتًا.
وهنا بدأ بعمل اختبارات السمع لها على فترات متقاربة دون أن تدري؛ فأخذ يقف ويناديها من خلفها وهي مشغولة فلا تجيبه ولا تسمعه، ثمّ يجلس مع نفسه حزينا على حال زوجته الحبيبة.
وفي إحدى المرات دخل البيت ووجد الزوجة منهمكة في إعداد الطعام فوقف بعيدًا وقال لها: هل تحبينني؟ فلم تجبه؛ فاقترب قليلا، ثمّ أعاد السؤال؛ فلم يتلقّ إجابة؛ فاقترب أكثر وكرّر سؤاله.. وهنا سمع إجابتها عندما التفتت إليه وقالت: قلت لك يا حبيبي للمرة الثالثة إنني أعشقك!!
كم مرة ظننا أن العيب فيمن حولنا ولم نفكر مرة أن ننسب الخطأ لأنفسنا.. لقد ظل الزوج مدة من الزمن يحزن على حال زوجته، ويفكر في الجهة الخطأ لعلاج المشكلة بعلاج زوجته، ولم يفكر مرة أن المشكلة لديه هو.
كم مرة حنقت على والديك؛ لأنهما يرفضان خروجك في رحلة ما أو لأنهما يرفضان نوعا معينا من الملابس تريدين ارتداءه؟ أو أحد أصدقائك؟ لماذا يكون كل توجهك في النقد إلى أن رأيك فقط هو الصواب.
هناك من المثقفين والعقلاء الذين يقتنعون بالحق إذا ما ظهر لهم الحق، وهناك من يتقبل النقد إذا رآه بالفعل في محله؛ لكن الحاجز الذي يفصل بين من يقبل النقد ومن يرفضه، ومن يستمع لرأي الآخر، ومن لا يستمع هو أن من يستمع ويتقبل يضع في حسبانه فكرة احتمال الخطأ في نفسه..
ولنتذكر أن سبب هلاك بعض الطغاة أنهم غابوا عن هذا المفهوم؛ فقد قال الله تعالى واصفًا قوم نوح مع نبيهم: {وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا}.. لقد كانوا يمنعون أنفسهم عن سماع الدعوة حتى لا يتأثروا بها؛ فهم يرون أنهم هم الحق، ويخافون أن يكون الحق مع غيرهم.
وسواء في ذلك من خاف أن يكون الحق مع غيره أو من لم يضع في منظومته المجتمعية والفكرية أن هناك نسبة في رأيه وفكرته وتصوره تحتمل الخطأ وتحتمل الصواب بنسبة أخرى.. وليس أنسب من مقولة الإمام الشافعي للتدليل على ذلك: “رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب”.. فهو يعلم في وجهة نظره أن رأيه صواب ورأي مخالفه خطأ؛ لكنه لا يستطيع أن يقطع بذلك بنسبة مائة بالمائة، بل لا بد من نسبة للخطأ يعزوها الإنسان لنفسه؛ فهذا أدعى لاكتشاف الخطأ والحقيقة سريعًا.
فهل لا تزال يا صديقي تصرّ على أن رأيك صواب لا يحتمل الخطأ، ورأي غيرك خطأ لا يحتمل الصواب.. أم أصبحت أكثر مرونة لفهم الحقيقة؟