بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله على نعمته علينا بتوفيقه إيانا للحق الذي أكثر الخلق عنه عمون ،
وكفى بشريعته الكاملة التامة التى ارتضاها لنا نعمة ، كفانا وأغنانا بها
عن تشريعات الجاهلين ، وأهواء الضالين المضلين ، و ظلم المفسدين ، قال
تعالى : " ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا
يعلمون " الجاثية : 18 ، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له غافر
الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذى الطول ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .
أرسله بالهدى ودين الحق ، فهدى به من الضلالة ، وبصر به من العمى ، وأرشد
به من الغى ، وفتح به أعينا عميا و آذانا صما و قلوبا غلفا ، وكان أنصح
الخلق لعباد الله ، فقد بلغ أبين البلاغ وأتمه وأكمله .
فليس لأحد من الناس أن يشرع فى دين الله ما لم يأذن به الله ، ولا أن
يزيد فيه بعد أن أكمله الله ، قال تعالى : اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت
عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام دينا ....." المائدة : 3 ،
و فى مسند أحمد 17142 : عن عبد الرحمن بن عمرو السلمي أنه سمع العرباض بن
سارية قال : وَعَظَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مَوْعِظَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا
الْقُلُوبُ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ هَذِهِ لَمَوْعِظَةُ
مُوَدِّعٍ فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا ؟ قَالَ : " قَدْ تَرَكْتُكُمْ
عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي
إِلَّا هَالِكٌ وَمَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا
فَعَلَيْكُمْ بِمَا عَرَفْتُمْ مِنْ سُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ
الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ " .
فإذا تحققت هذا وعلمته فالواجب علينا أن نعتصم بكتاب الله وسنة رسوله ، وأن نتبع ولا نبتدع .
أما بعد ،
تتنوع أسباب انحراف
الاستدلال الذى هو سبب فى الإضلال بتنوع المسائل المنظور فيها و العقل
الناظر لها ، فمعلوم أن السبب ينتج عنه المسبَب ، وكيف لا وهو المقدم عليه
فى الوجود ، و هو المؤثر لا المتأثر ، وإن لم يكن مستقلا بالتأثير وحده .
ومن ثم فإلاهتمام بالسبب أى الوقوف على أسباب انحراف
الإستدلال ينبغى أن يقدم على المسبَب وهو ما نتج عنه من إستدلالات خاطئة
وأحكام باطلة ؛ إذ ما يستقر فى العقول من مبادئ وقواعد سواء كانت صحيحة أو
خاطئة هى التى يسلطها العقل على النصوص ليفهم ويبصر بها ما فى تلك النصوص
من معانى وأحكام ؛ فبمعرفة منشأ الاشتباه تُستأصل الشبه من منبتها وأصلها
فتضحى زبدًا رابيا بعد انقشاع عنها غيامة الإشتباه وبزوغ شمس الحق ونوره .
ثم تأتى مرحلة مناقشة الاستدلالات وبيان أوجه بطلانها وبيان المقصود
الصحيح منها ، لينتهى بنا الأمر إلى الدخول فى مرحلة البناء ؛ لأن من
المعلوم أيضا أن الهدم سابق للبناء ، والهدم النافع هنا إنما هو ما اقتلع
الجذور وخلَّى المحل من الشوائب والمخلفات ليأتى بعده دور بناء صرح
استدلالى منضبط كجبال راسيات تكون فى مواجهة ما يورده المبطلون .
ويظهر مما ذكرت أن رحلة الإستدلال إنما هى بمثابة الجهاد فى سبيل الله
لنصرة الحق وإعلاء كلمته ، فهى تحتاج إلى بذل الكثير من الجهد والفكر
والتأمل ، وإنما البذل والعطاء يكون بعد الأخذ والطلب أى اكتساب العلم الجاد البنّاء لا الثقافى السطحى وكذلك تعلم صحة تطبيقه
، والتأنى والإتقان فى الأخذ والعطاء
مطلبان أساسيان لإتمام ذلك كله ، كما أن الحماس والهمة العالية وسرعة
الإنجاز مطالب هامة أيضا وإنما هى أحد طرفى المعادلة لا كلها ،
وذلك حتى لا يضحى الحماس تهور والسرعة مخاطرة يغلب فسادها على نفعها ،
وحتى نسمع بجوار : ( أنتجت كذا وكذا من الأبحاث والمقالات وأقمت مع فلان
وفلان العديد من المناظرات ) ، ( ذاكرت وحصّلت وتعلمت وقرأت وتدبرت وتأملت
وتفكرت وتذكرت واستغرق هذا العمل منى الكثير من الوقت والإعداد وانشغلت
به لا عنه ) .
فإذا نحن عملنا بمجموع ما ذكرت نكون قد أحسنّا إلى ديننا ، وأنفسنا ، بل
وإلى المخالف أيضا - سواء كان الخلاف واقع فيما هو مكفر أو غير مكفر -
فإنما الشبهات أمراض تتطلب تشخيصا صحيحا دقيقا ، وعلاجا شافيا نافعا
مقنعا ، خالصا لا يشوبه شائبة .
والمقصود هنا بيان أسباب انحراف الإستدلالات ومنشأ الإشتباهات
، لا استيفاء الرد على قضية قضية من القضايا المتنازع حولها ، فإذا أنا
ذكرت قضية منها فإنما هى مثلا أضربه على ما أريد إثباته وبيانه فى الأصل .
منتديات عرب مسلم | منتديات العرب | منتديات مثقف دوت كوم | منتدى برامج نت | منتدى فتكات | منتدى عرب مسلم | منتديات برامج نت | منتدى المشاغب | إعلانات مبوبة مجانية | اعلانات مبوبة مجانية | إعلانات مجانية |اعلانات مجانية | القرآن الكريم | القرآن الكريم | المكتبة الصوتية للقرآن الكريم | القرآن الكريم Mp3 | موسوعة القرآن الكريم | الموسوعة القرآنية | ترجمة معاني القرآن الكريم | تبادل إعلاني مجاني