إنّ الحمد لله نحمدُه ونستعينه ونستهديه ونشكرُه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهدِ الله فلا مضلَّ له ومن يُضلل فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له ولا مثيلَ له، ولا ضِدَّ ولا نِدّ له، وأشهد أنّ سيّدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وقرّةَ أعينِنَا محمّدًا عبدُه ورسوله وصفيّه وحبيبه، صلى الله عليه وعلى كلِّ رسولٍ أرسَلَه، الصلاةُ والسلامُ عليك يا سيِّدي يا رسول الله، الصلاةُ والسلام عليكَ يا سيِّدي يا حبيبَ الله، أنت طِبُّ القلوبِ ودواؤُها، وعافيةُ الأبدانِ وشفاؤُها، ونورُ الأبصارِ وضياؤُها، الصلاةُ والسلام عليك يا سيّدي يا علَمَ الهدى، ضاقتْ حيلتُنا وأنتَ وسيلتُنا أدرِكْنَا بإذنِ الله.
أما بعد فيا عُشّاقَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، أوصي نفسي وإياكم بتقوى اللهِ العليِّ العظيم، يقول الله تعالى في القرءان الكريم:" وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآءُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا".
إخوةَ الإيمان، إنَّ زيارةَ قبرِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ أعظَمِ القُرَبِ إلى اللهِ تعالى، ولا يُنكِرُ ذلك إلا محرومٌ بعيدٌ عنِ الخير، وقد قال عليه الصلاة والسلام:" مَن زارَ قَبْرِي وَجَبَتْ لهُ شفَاعَتِي".
لِطَيبـَةَ عَرِّج إنَّ بَينَ قِبَابِهــا حبيبًا لأدواءِ القُلوبِ طَبِيب
إذا لم تَطِبْ في طيبةٍ عندَ طَيِّبٍ بِهِ طابَتِ الدُّنيا فأينَ تَطِيبُ
إنّ الأمةَ المحمديّةَ أجمعتْ على جوازِ زيارةِ قبرِهِ عليه الصلاةُ والسلام، واعتبروها قربةً إلى اللهِ وفضيلةً مُرَغَّبا فيها، وهذا الإمامُ المجتهدُ المُطْلَقُ تقيُّ الدِّينِ السُّبكيُّ ينقُلُ الإجماعَ على ذلك في كتابِ " شِفاءُ السَّقام"، وقد روى الطبرانيُّ والبيهقيُّ وغيرُهما أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:" مَنْ حَجَّ فزارَ قبري بعدَ وفاتي فكأنَّما زارَنِي في حياتي"، وروى البيهقيُّ بإسنادٍ صحيحٍ عن مالِكِ الدَّارِ وكانَ خازنَ عُمَرَ قال: أصابَ الناسَ قحطٌ في زمانِ عمرَ فجاءَ رجلٌ إلى قبرِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسولَ اللهِ اسْتَسْقِ لأُمَّتِكَ ( أيِ اطلُب مِنَ اللهِ أن يُنزِلَ المطر) فإنَّهم قد هَلَكُوا ( معناه قاربُوا الهلاك) فأُتيَ الرجُلُ في المنام ( أي رأى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم في منامِه ) فقيل له أَقْرِئ عمَرَ السَّلامَ وأخبِرْه أنهم يُسقَونَ وقُل لهُ عليكَ الكَيْسَ الكيس ( معناه اجتَهد في أمرِ الأُمّة ) فأَتى الرَّجُلُ عُمَرَ فأخبَرَه، وهنا انتَبِهُوا جيِّدا إخوةَ الإيمان، فهذا الرَّجُلَ فُسِّرَ ببلالِ بنِ الحارثِ المُزَنِيِّ وهو مِنَ الصحابة، يُخبِرُ مَن؟ يخبِرُ الفاروقَ عمَرَ الذي كان معروفًا عَنهُ أنَّهُ كانَ شديدَ الإنكارِ للباطِل، أخبَرَه أنَّه ذهبَ إلى قبرِ الرسولِ عليه الصلاة والسلام وقالَ يا رسولَ اللهِ اسْتَسْقِ لأُمَّتِكَ فإنهم قد هلَكوا، وأخبَرَه ( أي أخبرَ عمرَ ) أنَّه رأى رسولَ اللهِ في المنام، وقالَ لهُ: أقِْرئ عمرَ السّلام، وأخبِرْه أنهم يُسْقَوْنَ، وقُل له عليك الكيس الكيس، فبكَى عمرُ، بَكى أميرُ المؤمنينَ عمرُ الفاروق، ولم يُنْكِرْ عليه، وقال: يا رَبِّ ما ءَالُو إلا مَا عجَزْتُ، أي لا أُقصِّرُ معَ الاستِطَاعَة.
وهذا بلالٌ مُؤذِّنُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم الذي سكنَ بلادَ الشامِ بعدَ وفاةِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، رأى في المنامِ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ له: يا بلالُ ما هذهِ الجَفْوَةُ، مَضَى زمانٌ ولم نَرَكَ، فلمَّا استيقظَ مِنْ منامِه غلَبَهُ الشَّوقُ، الشّوقُ يغلِبُ بِلالا، وكمْ مِنَ الأُمّةِ اليومَ يغلِبُهُمُ الشَّوقُ لزيارةِ قبرِ رسولِ اللهِ محمّدٍ صلى الله عليه وسلم.
واشَوْقَاهُ إليكَ يا رسولَ الله، واشَوْقَاهُ إليك يا حبيبَ الله، واشَوْقَاهُ للوقوفِ أمامَ الحجرةِ المحمّديةِ الشّريفة، واشَوْقَاهُ لِشَمِّ الرَّوائحِ العَطِرَةِ الزَّكيّةِ الطَّيّبةِ التي تفوحُ منْ ذاكَ القبرِ الشَّريف. الشّوقُ يغلِبُ بلالا فشَدَّ رِحالَهُ وقصَدَ قبرَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ولما وصَلَ صارَ يُمَرِّغُ نَفْسَهُ بترابِ القَبرِ تبرُّكًا وكانَ ذلكَ في خلافةِ عمر، فلم يُنكرْ عليه عمرُ ولا غيرُه، فرُوِيَ أنَّه جاءَ إليه الحسَنُ والحُسينُ عليهما السلامُ فقالا له نَشْتَهِي أنْ نسمعَ أذانَك يا بلالُ فصعِدَ إلى المكانِ الذي كان يؤذنُ فيهِ في زمنِ رسولِ اللهِ وبدأَ بالأذان، فقال: الله أكبرُ الله أكبر، فارتَجَّتِ المدينة، فلما قال أشهدُ أن لا إله إلا الله، زادتْ رجّتُها، ولما قالَ أشهدُ أنَّ محمّدا رسولُ اللهِ، خرجَ الناسُ مِنْ بيوتِهم يَبْكُونَ، حتى النِّسوةُ خَرَجْنَ مِنْ بيوتهنّ، ولم يُرَ أشدُّ باكيا وباكيةً مِن ذلك اليوم، إلا اليومُ الذي ماتَ فيه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم.
إخوة الإيمان، إنَّ مما يُستحبُّ للزائرِ أنْ ينويَ معَ زيارتِه صلى الله عليه وسلم التقربَ إلى الله تعالى بالمسافرةِ إلى مسجِدِهِ صلى الله عليه وسلم والصلاةِ فيه، ويُستحبُّ أن يغتسلَ قبلَ دخولِه ويلبَسَ أنظفَ ثيابِه، ويُصلِّيَ التَّحيّةَ في الرَّوضةِ أو غيرِها منَ المسجِدِ شُكْرًا للهِ تعالى على هذه النعمةِ العظيمةِ ويسألَه إتمامَ ما قصدَه وقَبولَ زيارتِه، ثم يأتي القبرَ الكريم ويستقبلُ جدارَ القبرِ ويقِفُ ناظرًا إلى أسفَلِ ما يَستقبِلُه مِنْ جدارِ القبرِ غاضَّ الطَرْفِ في مقامِ الهيبةِ والإجْلالِ فارغَ القلبِ منْ علائِقِ الدُّنيا مُستحضِرًا في قلبِه جلالةَ موقِفِه، ثم يُسَلِّمُ ولا يرفعُ صوتَه بل يقتصِدُ ويقولُ: السلامُ عليكَ يا رسولَ الله، ومِنْ أحسنِ ما يَقولُ ما رواه كثيرٌ منَ العلماءِ عنِ العُتْبِيِّ مُستَحْسِنِينَ له قال: كنتُ جالسًا عندَ قبرِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فجاءَ أعرابيٌّ فقالَ السلامُ عليكَ يا رسولَ الله، سمعتُ أنَّ اللهَ يقول:" وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآءُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا". وقد جئتُكَ مُستَغْفِرًا مِنْ ذَنْبِي مُستشفِعًا بكَ إلى ربي، ثم أنشأَ يقول:
يا خيرَ مَنْ دُفِنتْ بالقـاعِ أعظُمُـهُ فطابَ مِنْ طِيبِهِنَّ القاعُ والأَكَــمُ
نَفسِـي الفِداءُ لقبرٍ أنتَ ساكِنُــهُ فيه العفافُ وفيه الجودُ والكــرمُ
أنتَ الشفيـعُ الذي تُرجَى شفاعَتُـهُ عندَ الصراطِ إذا ما زلَّتِ القَــدَمُ
وصـاحبـاكَ فلا أنساهمـا أبـدا مِنِّي السلامُ عليكُم ما جَرى القَلَـمُ
قال ثم انصرفَ، فغلَبَتْنِي عينَايَ فرأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم في النوم، فقال يا عُتبيُّ الْحَقِ الأعرابيَّ وبَشِّرهُ أنّ اللهَ تعالى قد غَفَرَ له.
أيها الإخوة، إنّنا نقولُ للمسلمينَ عُمومًا ولحجَّاجِ بيتِ اللهِ خُصوصًا، عليكُم بزيارةِ قبرِه عليه الصلاةُ والسلام، والتوسُّلِ بهِ فهو وسيلتُكُم ووسيلَةُ أبيكُم ءادمَ عليه السلام إلى اللهِ تعالى، يقول الله تعالى:" يَا أيُّهَا الذِيْنَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللهَ وابْتَغُوا إِلَيْهِ الوَسِيْلَةَ".
اللهمّ ارزُقْنَا زيارتَهُ وشفاعَتَهُ ورُؤيتَهُ في المنامِ وعندَ الممَاتِ يا ربَّ العالمين.
هذا وأَستغفِرُ اللهَ لي ولكم