عذاب القبر ونعيمه
القبر هو أول منازل الآخرة، وهو البداية الحقيقية لرحلة الدار الآخرة، فإن كانت سهلة وهيّنة هان وسهل ما بعدها، وفيه يسأل العبد عن ربه ودينه ونبيه، فإن أحسن الإجابة أنعم الله عليه في قبره، وإن أخفق أتاه العذاب الشديد والعياذ بالله. والنعيم والعذاب في القبر يكون على الروح وأيضاً على البدن أحياناً، والله على كل شيء قادر.
الموت أول منازل الآخرة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ )) [آل عمران:102]. ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ))[النساء:1]. ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ))[الأحزاب:70-71]. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. الحمد لله الذي هز بالموت عروش القياصرة، وقصم ظهور الجبابرة، وأرغم أنوف المتجبرة، فالموت أول منازل الآخرة. سياق ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في أن المسلمين إذا نزلوا في حفرتهم يسألهم منكر ونكير، وأن عذاب القبر حق، والإيمان به واجب. روى اللالكائي في هذا الكتاب العظيم شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة بسنده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن المسلم إذا سئل في القبر شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فذلك قوله: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ )[إبراهيم:27]). وروى أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا فرغ من دفن الرجل وقف على قبره وقال: (استغفروا لأخيكم وسلوا الله له التثبيت فإنه الآن يسأل). وروى بسنده عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن أحدكم يعرض عليه مقعده بالغداة والعشي، إن كان من أهل الجنة أو من أهل النار، يقال له: هذا مكانك إلى يوم القيامة)، وفي رواية: (ما من عبد يموت إلا وعرضت روحه إن كان من أهل الجنة على الجنة، وإن كان من أهل النار على النار) إلى آخر الروايات التي ساقها في مساق الكلام على الإيمان بالغيب. الموت هو أول منازل الآخرة، فالذي يطلب الرضا من ربه جل وعلا والتقرب إليه فلا بد أن يستعد للرحيل.......
مباحث الكلام عن الموت
الكلام على الموت سيكون في أكثر من مبحث. أولها: الكلام على الموت والاستعداد للرحيل. المبحث الثاني: نزول القبر، وما يتعلق به من ضمة القبر، وهل هي عامة أم خاصة؟ وسؤال القبر، وهل سؤال القبر خاص بهذه الأمة أم لغيرها من الأمم؟ وهل يختص أحد بعدم سؤاله في قبره؟ المبحث الثالث: عذاب القبر ونعيمه وإثبات ذلك بالدليل، والرد على المخالفين الذين قالوا: لا عذاب ولا نعيم في القبر، ثم الحديث عن أنواع عذاب القبر. ثم نتكلم: هل العذاب على الروح فقط أم على الاثنين معاً؟ والخلاف في ذلك. ثم نبحث عن مسألة تزاور الأموات بعد الموت. ثم بعد ذلك نختم بأمرين: الأمر الأول: سماع الموتى: فهل يسمعون كل أحد أم سماعهم خاص أم أنهم لا يسمعون أبداً؟ الأمر الثاني: ما الذي يبلى في القبر؟ هل كل إنسان يبلى في القبر؟ فهل يبقى منه شيء؟ وهل بعض الناس لا تبلى أجسادهم في القبر؟ ......
لكل إنسان أجل محدد معلوم عند الله
الموت هو أول منازل الآخرة: فما من أحد إلا وسيموت وسيقبض وسيأتيه أجله، قال الله تعالى: ((كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ))[آل عمران:185]، وقال جل وعلا: ((كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ ))[الرحمن:26-27] فهذا تنصيص على أن الموت لا يفوت أحداً، وأن هذا الكأس كل منا سيشربه، وإذا كان كل واحد منا سيموت وسيقبض فله أجل مضروب ومعلوم، ومقدر ومكتوب في اللوح المحفوظ. صح عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه سمع أم حبيبة بنت أبي سفيان رضي الله عنها تقول: اللهم! متعني بزوجي: رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومتعني بأبي: أبي سفيان ، ومتعني بأخي: معاوية بن أبي سفيان ، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: قد سألت الله جل وعلا آجالاً مضروبة وأرزاقاً مقسومة، وآثاراً موطوءة لا يتقدم منها شيء ولا يتأخر، ولو أنك سألت الله جل وعلا أن يعافيك من عذاب الآخرة وعذاب القبر لكان خيراً لك). وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ليبين أن لكل أجل كتاب، وأن كل إنسان لا بد أن يموت في وقته، قال الله تعالى: ((لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ ))[الرعد:38]، وقال: ((لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ ))[يونس:49]، فالأجل مضروب ومكتوب ومعلوم، والمرء لا يتقدم ولا يتأخر عما كتب من أجله كما في الحديث أن الملك يقول: (أي رب! ذكر أم أنثى؟ أي رب! كم عمره؟) فيكتب العمر، وصحائف الملائكة يمكن أن تتغير فيها هذه الثوابت، لكنها في اللوح المحفوظ قد كتبت، وعلم عمر المرء ومدة حياته، لكن الله جل وعلا بحكمته لم يبين للناس متى سيموتون، فما اطلع أحدنا على الغيب، ولا علم متى سيموت، والحكمة في ذلك: أن يجتهد المرء؛ ليصل إلى ربه وإلى طاعة ربه وإلى رضا ربه باجتهاد عالٍ، قال الله تعالى: ((وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ))[لقمان:34]؛ لأنه إذا جهل أجله فإن الله جل وعلا مد له حتى يجتهد في عبادته. قال ابن عيينة مترجماً لبعض رواة الحديث: هذا الراوي لو قيل له: ستموت غداً ما زاد في عبادته شيئاً؛ لأنه كان يجتهد اجتهاداً عالياً، حتى يصل إلى ربه جل وعلا وهو مجتهد في عبادته، طائع لربه متذلل متمسكن لله جل وعلا. وكان عمر بن الخطاب ينصح الأمة، ينصح الصحابة الكرام، وينصح التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين بأن يجتهدوا في العبادة، فإنهم حتماً راجعون إلى الله جل وعلا، فقال: قد ارتحلت الدنيا مدبرة، وقد ارتحلت الآخرة مقبلة، ولكل منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فاليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل. وكان يقول رضي الله عنه وأرضاه: إن الدنيا تطلعت مدبرة، وتطلعت الآخرة مقبلة، فعليكم بالجد والسعي. وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقبض على لحيته ويقول: يا دنيا! غري غيري طلقتك ثلاثاً. وكان بعضهم ينشد ويقول: إن لله عباداً فطنا طلقوا الدنيا وخافوا الفتنا نظروا فيها فلما علموا أنها ليست لحي وطنا جعلوها لجة واتخذوا صالح الأعمال فيها سفنا والموت هو من أقوى دواعي استكمال إيمان العبد، إذ إن الله جل وعلا قد علق الفلاح والهدى بالإيمان بالغيب، فقال الله تعالى: ((الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ))[البقرة:4-5]، فربط الفلاح والهدى بالإيمان بالغيب. أول المباحث: بعدما يموت المرء، ويأتي الملكان فيسحبان روحه، فإن كان من المؤمنين جاء الملك بكفن وحنوط من الجنة، وطيب من الجنة، فأخرج روحه بسهولة، فتخرج فيرتقي بها الملك إلى السماء فتقول الملائكة: روح من هذه الطيبة؟ أو يمدحون هذه الروح ويسألون عنها، فيقال: فلان بن فلان بأحلى وأجمل أسمائه التي كان يحبها في الدنيا، ثم يصعد إلى السماء السابعة فيقال: (صدق عبدي فاكتبوا كتاب عبدي في عليين). أما إن كانت الأخرى والعياذ بالله فيكون حنوط من النار وكفن من النار، فيأخذها الملك ويصعد بها إلى السماء بأنتن ريح فتقول الملائكة: ما هذه الريح النتنة؟ فيقال: فلان بن فلان بأبغض أسمائه، ثم يصعد إلى السماء السابعة فيقال: (قد كذب عبدي فاكتبوا كتاب عبدي في سجين) فبعد أن يموت المرء ويكفن ثم ينقل إلى القبر، وتبقى روحه فيبشر فإن كان من أهل الإيمان كأنه ينادي ويقول: قدموني قدموني، وإن كان من أهل الكفر والعصيان والعياذ بالله فيقال: (يا ويليها إلى أين تذهبون بها؟) فالأحاديث أثبتت أن كل الخلائق تسمع هذا، كل الخلائق من شجر وحجر وثمر وطير إلا الثقلين: الجن والإنس، وإلا لما كان للغيب فائدة، ولذلك نصح النبي صلى الله عليه وسلم أمته فقال: (أسرعوا بالجنازة) وبين العلة في ذلك: (إن كان خيراً قدمتموها إليه، وإن كان غير ذلك فشر تضعونه عن أكتافكم).
ضمة القبر
نأتي إلى المبحث المهم وهو: أول شيء القبر الميت هو القبضة التي تختلف منها الأضلاع ولا يستثنى من ذلك أحد، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم بين وأشفق على عبد صالح اهتز عرش الرحمن لموته وهو سعد بن معاذ كما ورد في بعض الأحاديث وصححه بعض العلماء: (إن العرش اهتز فرحاً بقدوم سعد بن معاذ) فعن عائشة رضي الله عنها وأرضاها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن للقبر ضمة إذا نجا منها أحد نجا سعد بن معاذ) رواه أحمد في مسنده، وصححه بعض العلماء، يعني: هذه الضمة لا ينجو منها أحد، ولو نجا منها أحد لنجا منها سعد بن معاذ ، وفي حديث آخر فيه ضعف (أن النبي صلى الله عليه وسلم شاهد طفلاً يقبر فأشفق عليه من ضمة القبر). قال بعض العلماء الأفاضل: إن هذه الضمة بالنسبة للمؤمن كضمة الأم الحنون لابنها عطفاً عليه، وهذا بعيد، إذ إن النبي صلى الله عليه وسلم أشفق على سعد وقال: (لو نجا منها أحد -أي الضمة التي تختلف منها الأضلاع- لنجا سعد بن معاذ) رضي الله عنه وأرضاه، وما الذي يجعل النبي صلى الله عليه وسلم يشفق على طفل كما روي ما دامت ضمة الأرض له كضمة الأم الحنون؟! بل هي ضمة فيها آلام لكنها تتفاوت في القوة بين المؤمن الخالص وبين الفاسق وبين المسلم وبين الكافر، فالكافر تتمزق وتختلف أضلاعه، فأول ما يحدث له عند نزول القبر هو هذه الضمة.
أحاديث في ذكر فتنة القبر
بعد الضمة يأتي إليه ملكان يسألانه: من ربك؟ وما دينك؟ وماذا تقول في الرجل الذي بعث فيكم؟ وورد في ذكر فتنة القبر أحاديث كثيرة بلغت حد التواتر، وأنكرها كثير من المعتزلة وأهل الكلام كما سنبين. من هذه الأحاديث: حديث البراء الطويل: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا دخل المرء إلى قبره جاءه ملكان فيقعدانه فيسألانه: من ربك؟ وما دينك؟ وماذا تقول في الرجل الذي بعث فيك؟ فإن كان من المؤمنين قال: ربي الله، وديني الإسلام، وعن الرجل يقول: هو محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقال: صدقت، أما إن كان من الآخرين فيقول: ها، ها، لا أدري، فيضرب ضربة يصعق منها كل الخلائق إلا الثقلين، فيقال له: لا دريت ولا تليت) وهذا الحديث يثبت سؤال الملكين. ووصف النبي صلى الله عليه وسلم الملكين بأنهما أسودان أزرقان، تتصدع القلوب وترتجف من هول الموقف، لا يستطيع أن يثبت في هذه الفتنة إلا من ثبته الله؛ ولذلك ارتجفت قلوب الصحابة لما علمت بمنكر ونكير وعندما علمت بسؤال الملكين، فالله جل وعلا طمأن قلوبهم بهذه الآية العظيمة: ((يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ ))[إبراهيم:27] فأول منازل الآخرة القبر، فإن الله يثبت ويلهم الحجة المؤمن الخالص الذي تعبد لله في الدنيا، وتعرف إلى الله في الرخاء فعرفه الله في الشدة. ومن الأحاديث التي تثبت سؤال الملكين حديث النبي صلى الله عليه وسلم: أنه ما أُدخل أحد القبر إلا وقال: (سلوا لأخيكم التثبيت فإنه الآن يسأل) فهذا نص يبين سؤال الميت في قبره. وورد حديث عام في الصحيحن عن عائشة رضي الله عنها وأرضاها لما دخلت عليها اليهودية تبين لها فتنة القبر فاستنكرت ذلك فقال النبي صلى الله عليه وسلم بعدما دخل عليها وعرضت عليه كلام اليهودية (إنكم تفتنون في قبوركم) والفتنة عامة من سؤال ومن عذاب، وهذا يدل على أن الملائكة تسأل العبد في قبره. وقد أنكر بعض المبتدعة سؤال الملكين في القبر، وأنكروا عذاب القبر، وسنبين الشبه التي احتجوا بها، لكن الخلاف بين أهل السنة والجماعة: هل سؤال الملكين على الروح أم على البدن أم على الروح والبدن؟ القول الأول لجمهور أهل السنة والجماعة: أن سؤال الملكين للميت يكون على الروح وعلى البدن؛ لأن الأحاديث صرحت أن روح المرء ترجع إلى جسده عندما يقبض، فيأتي الملك فيجلسه بروحه وجسده ويسأله فيجيب بروحه وجسده، والأحاديث في ذلك كثيرة. أما ابن حزم فقال: السؤال لا يكون إلا على الروح، وفي قول للإمام أحمد بن حنبل ، أن السؤال لا يكون على الروح بل يكون على البدن. قال ابن حزم : الأحاديث التي أثبتت نعيم أو عذاب تثبت أن ذلك على الروح، وأن أرواح الشهداء كحواصل طير خضر تعلق من أشجار الجنة، وقال النبي صلى الله عليه وسلم في روح المؤمن: (نسمة كطائر تسرح في رياض الجنة)، فكل الأحاديث جاءت على الروح ولم تأت على البدن، وخالف ذلك أحمد بن حنبل وقال: السؤال لا يكون إلا على الجسد، واستدل على ذلك أن الضرب والعذاب يكون على الجسد، والله قادر أن يجعل الجسد ينطق كما قال الله تعالى: ((الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ ))[يس:65] وبين الله جل وعلا في أكثر من آية أن الأيدي تتكلم وأن الأرجل تتكلم وأن الله يختم على الأفواه، فالله قادر على أن يجعل السؤال للجسد والجسد هو الذي يجيب. والصحيح الراجح في ذلك: أن السؤال على البدن وعلى الروح، وأن الروح ترجع إلى الجسد كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الروح ترجع إلى الجسد، ثم يجلس فيسأله الملك فيجيب.
الأصناف المستثنون من فتنة القبر
هل سؤال الملكين عام أم خاص؟ يعني هل يشمل كل الناس أم يستثنى منه أناس؟ نقول: هذا السؤال عام في كل الأمم، في أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وفي اليهود من باب أولى أما في اليهود فبالنص؛ لأن يهودية قالت لـعائشة : ((تفتنون في قبوركم)) فهذه اعتقدت أنهم سيفتنون في القبور، والأمم السابقة أيضاً تفتن بقياس الأولى، إذ إن الله جل وعلا رفع الأغلال ورفع الآصار عن هذه الأمة، وهذه الأمة مرحومة تعمل عملاً قليلاً وتأخذ أجراً كبيراً، فإن كانت ستفتن في قبرها فمن باب أولى الأمم الأخرى. والمستثنى من السؤال أو من فتنة القبر أصناف من الناس: الصنف الأول: الشهداء -جعلنا الله وإياكم منهم- فالشهداء يقيهم الله جل وعلا فتنة القبر العظيمة الشديدة، فالملكان الأسودان الأزرقان، اللذان ترتجف وتتصدع القلوب والأفئدة من هول ذلك الموقف، ينجي الله جل وعلا الشهيد من هذه الفتنة ولا يسأل في القبر كما قال النبي صلى الله عليه وسلم عندما سألوه: (يا رسول الله! ما بال الناس يفتنون في قبورهم ما عدا الشهداء؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: كفى ببوارق السيوف فتنة) والعلة في ذلك: أن سؤال الملكين في القبر هو اختبار لصدق المرء، هل آمن بصدق أم كان من المرتابين أم كان من المنافقين؟ والشهيد قد بين وأظهر صدقه بأنه بذل روحه فداء لهذا الدين، وإرضاءً لله جل وعلا، ولذلك ألحق بعض العلماء الصديقين مع الشهداء، وقالوا: إن هذا من باب أولى، وفيه نظر؛ لأن القياس في الغيبيات لا يصح، فالغيبيات لا يصح فيها إلا النقل لا العقل، لكن بدقة النظر للعلة نجد أن السؤال هو اختبار للصدق، والصديق قد ظهر صدقه من أول إيمانه فهذا لا يسأل في القبر وإن كان في الأمر نظر. الصنف الثاني: المرابطون على ثغور الإسلام. فهؤلاء نجاهم الله من فتنة القبر كما في حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (رباط يوم وليلة خير من صيام شهر ومن قيامه، فإن مات أجري عليه عمله ورزقه وأمن الفتان) أي: أمن فتنة سؤال القبر، فهنيئاً لمن يرابط على ثغور المسلمين فهو يؤمَّن من فتنة القبر أيضاً. الصنف الثالث: الأطفال؛ لأن السؤال في القبر من أجل التكليف والاختبار والصبي ليس بمكلف فلا سؤال للصبي. الصنف الرابع: المبطون، فإن المبطون شهيد، وهو يلحق بالشهيد، وقد وردت الآثار بأن الذي مات بداء البطن يؤمَّن من فتنة القبر. الصنف الخامس: الذين يقرءون سورة تبارك كل ليلة، وهذا يكون على حسب الديمومة. وكذلك الذي يستديم قراءة سورة البقرة كل يوم وليلة يؤمَّن من فتنة القبر أيضاً؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم عن سورة الملك: (هي المنجية هي المانعة) أو قال: (سورة ثلاثون آية شفعت لصاحبها من عذاب القبر) أو كما قال صلى الله عليه وسلم.الصنف السادس: من مات ليلة الجمعة أو يوم الجمعة، فهذا من الذين يؤمنهم الله جل وعلا من فتنة القبر.
عذاب القبر ونعيمه
ثبت عذاب القبر بالكتاب والسنة، ويصح أن نقول: وبالنظر أيضاً. أما الكتاب فقد قال الله تعالى: ((النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ))[غافر:46]، والشاهد هو (( وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ )) إذاً النار التي يعرضون عليها غدواً وعشياً هي قبل يوم القيامة. الدليل الثاني: قول الله تعالى: ((وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ))[السجدة:21]، فسر ابن مسعود وغيره من الصحابة العذاب الأدنى: أنه عذاب القبر. وقول الله تعالى: ((مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا )) [نوح:25] الفاء هنا للتعقيب والسرعة، والتعقيب والسرعة لا يناسبها يوم القيامة بل يناسبها بعد الموت، فقد أغرقوا فماتوا فأدخلوا النار، وهذا يدل على أنه في البرزخ. ومن الأدلة على عذاب القبر ونعيمه من السنة عموم حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (تفتنون في قبوركم) كما في الصحيحين. والحديث الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من رجل منكم إلا ويعرض له مقعده: إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، يعرض له مقعد من أهل الجنة يأتيه من طيبها وريحها وإن كان من أهل النار يأتيه من أهل النار حتى يبعث يوم القيامة). وحديث النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين عن ابن عباس : (أنه مر بقبرين، فقال: إنهما يعذبان وما يعذبان بكبير، بل هو كبير، أما الأول: فكان لا يستتر -أو لا يستنزه- من بوله، وأما الثاني: فكان يمشي بين الناس بالنميمة) فسمع النبي صلى الله عليه وسلم عذابهما في القبر. وفي الحديث أن الملك يأتي بمطرقة يضرب بها بين عيني المرء فيهوي به إلى سبع أرضين، فيه دلالة على عذاب القبر. وأما نعيم القبر، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن كان من أهل الجنة فيفتح له باب من الجنة) فيشم رائحة طيب أهل الجنة ويرى فيها نعيم أهل الجنة. وبهذا يكون قد ثبت عذاب القبر ونعيمه من الكتاب ومن السنة.
الرد على من ينكر نعيم القبر وعذابه
خالف في عذاب القبر ونعيمه المعتزلة وكثير من الناس في هذه العصور الذين يقولون: إنك ترى النبي صلى الله عليه وسلم في وقتك الحاضر يقظة، ومن أهل الاعتزال الذين يقدمون العقل على النقل الذين قالوا: لا عذاب في القبر ولا نعيم، وعندنا من الأدلة من الأثر ومن النظر. أما من الأثر: فيستدلون بقول الله تعالى: ((لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الأُولَى ))[الدخان:56] ويقولون: إن المقبور لا يعذب ولا ينعم؛ لأن الله جل وعلا قال: ((لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الأُولَى ))[الدخان:56]. ووجه الدلالة: أنهم يقولون: إن الآية فيها نص صريح: أنه لا يموت إلا موتة واحدة فإذا نزل قبراً فعادت روحه إلى جسده فسئل فبعدما سئل عذب أو نعم ثم مات مرة ثانية، فهذه موتتان، وهذا يعارض هذه الآية. الأثر الثاني الذي استدلوا به على أنه لا عذاب ولا نعيم في القبر قول الله تعالى: ((وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ ))[فاطر:22]، وقال الله تعالى: ((فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى ))[الروم:52] فقد ثبت بالدليل الصحيح أن الميت لا يسمع، فكيف نقول: إنه لا يسمع، ثم يجيب، فهو لا يسمع السؤال أصالة فلا يصح أن يجيب الإجابة. هذا ما استدلوا به من الأثر، أما من النظر فقالوا: نحن نرى المصلوب أمامنا شهوراً ولا نرى عذاباً ولا نرى نعيماً ولا نرى عليه أثر من سؤال الملكين، ولا شيء مما تقولون، فهذه أدلة من الأثر ومن النظر ترد على من قال بأن في القبر عذاباً وأن في القبر نعيماً. وقد أثبتنا بأن في القبر عذاباً وفي القبر نعيم، وإذا وافقتم على هذا واعتقدتم هذا وجب عليكم الرد على المخالف، والمخالفون اليوم كثر، والمعتزلة صورها كثيرة في هذه العصور، ويظهرون على شاشات التلفاز، فكثير من الناس ينكرون عذاب القبر وسؤال الملكين علناً أمام الناس، فكيف يكون الرد على هذه البدعة المميتة؟ فهم ينكرون حتى الدجال لكن الكلام هنا على أمر ثابت وراسخ في العقيدة وهم ينكرونه، فما من صاحب بدعة إلا وله دليل من الكتاب أو من السنة كما بينا ذلك كيف نرد عليهم؟ نحن الآن أثبتنا أنه ثمة عذاب وثمة نعيم في القبر؛ لأنه أول منازل الآخرة، وهم ردوا علينا وقالوا: لا عذاب ولا نعيم، والدليل على ذلك قول الله تعالى: ((لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الأُولَى ))[الدخان:56] فإن قلتم بعذاب أو نعيم في القبر ففيها حياة ثم موت ثم بعد ذلك حياة ثم موت، وبذلك تكون موتتان والله نصَّ على موتة واحدة، ((لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ ))[الدخان:56]. والجواب على هذه الشبهة من وجهين: الوجه الأول: نقول لهم: نحن نوافقكم على هذه الآية وأن ما يحدث في القبر ليس بموت، بل هو نوم، والنوم يسمى موتاً مجازاً كما قال الله تعالى: ((اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا ))[الزمر:42] والحديث صريح: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن المستبشر بالخير: (فيقول: رب! أقم الساعة، رب! أقم الساعة فيقال له: نم -لم يقل له مت- كنوم العروس) فهذه نومة وليست موتة وتسمى موتة مجازاً، فتبقى الآية على صريحها أنها ليست إلا موتة واحدة التي هي موتة الدنيا ونحن نوافق على ذلك. ويبين لنا ذلك أيضاً حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عندما يستقيظ من نومه يقول: (الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا) فسماها موتة مع أنها نومة، فأصبح النوم هنا بمعنى الموت مجازاً، فالذي يحدث في القبر ليس بموت، ونحن نوافق على هذه الآية، ((لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الأُولَى ))[الدخان:56] التي هي موتة الدنيا، وهذه ليست بموتة ولكنها نوم. الوجه الثاني: أن الاستثناء في هذه الآية استثناء منقطع ((لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الأُولَى ))[الدخان:56] وهذا كلام عن أهل الجنة، فإذا دخلوا الجنة لا يموتون، ولا يكون لهم موت، وإلا فقد وردت الأدلة على أن أهل الكبائر إذا دخلوا النار صاروا حمماً فماتوا، فتكون الآية خاصة بمن دخل الجنة وأنه يتنعم ويتلذذ فلا يموت بعد ذلك، فإذا دخل الجنة فلا موت له، بل يعيش في نعيم وخلود أبدي، فإنه يذبح الموت على عرصات يوم القيامة، ثم يقال: (يا أهل النار! خلود بلا موت، يا أهل الجنة! خلود بلا موت) هذا الوجه الثاني في الرد عليهم. أما الدليل الثاني الذي استدلوا به علينا وقالوا لا عذاب ولا نعيم في القبر فهو قول الله تعالى: ((وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ ))[فاطر:22]، وقول الله تعالى: ((فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى ))[الروم:52] فكيف يجيب وهو لا يسمع؟ وقالوا: أنتم زعمتم أنه يأتيه ملكان فيقعدانه ويسألانه وهو لا يسمع فكيف سيجيب؟ فنرد عليهم ونقول: قال الله تعالى: ((فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى ))[الروم:52] فإذا كان الرسول لا يُسمِعُ الموتى، فإن المَلَك سيُسمعه، فنفي السماع عن النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ((وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ ))[فاطر:22] نفى الله جل وعلا قدرة النبي صلى الله عليه وسلم على إسماع الميت، ولكن الله قادر على أن يجعل الملك يسمع هذا المقبور. الأمر الثاني: السماع سماعان: سماع إجابة وسماع على الإطلاق بالآلة، فسماع الإجابة: أن يسمع فيجيب، وهذه منفية عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم يسمعون ولا يجيبون، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في أهل قليب بدر: (هل وجدتم ما وعد ربكم حقاً؟ فقال عمر : يا رسول الله! تكلم الأموات؟) يعني: كيف يسمعونك؟ فقال: (ما أنتم بأسمع منهم الآن) يعني: إنهم يسمعونني أشد مما تسمعون أنتم، لكنهم لا يجيبون وليس لهم القدرة على الإجابة، فإذاً: النفي هنا نفي سماع الإجابة ولا إشكال فيه. السماع الثاني: إذا قلنا: نفي السماع الكلي المطلق فهو نفي عن قدرة النبي أن يسمعهم ولا تستلزم نفي أن الملائكة يعطيهم الله قدرة فيُسمعوا الميت المقبور فيسألانه حتى يجيب، وهذا الرد على الدليل الثاني من الأثر. أما دليلهم الثالث والذي هو من النظر: فقالوا: وجدنا المصلوب أمامنا ميتاً وهو لا يسأل ولا يضرب ولا يعذب ولا ينعم، تأتي إلى من يصلب أمامك فهل ترى فيه تغييراً؟ وهل ترى فيه عذاباً؟ وهل ينزل إلى سابع أرض؟ وهل تأتيه الحيات فتعذبه؟ لا ترى ذلك، والذين قتلتهم الكلاب والسباع والحيتان أين عذابهم؟ وكيف سؤالهم؟ حتى قال بعضهم من المتأخرين: وضعنا السماعات في القبر فما سمعنا أسئلة، وما سمعنا أجوبة، وما سمعنا عذاباً، فكيف تقنعوننا بهذا العذاب؟! فهذا هو نظرهم فكيف نرد عليهم؟ سأؤصل لكم أصلاً مهماً جداً لطالب العلم وهو أن الدور ثلاثة كل دار لها حكم يختص بها وهي: دار الدنيا، ودار البرزخ، ودار الآخرة، فدار الدنيا لها أحكام، وأحكامها تقع على البدن والروح تكون تابعة، كالسارق الذي تقطع يده، فهذه على البدن وهو يتألم معنوياً، فالروح تابعة. ودار البرزخ تقع أحكامها على الروح والجسد يكون تابعاً، ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أرواح الشهداء في حواصل طير خضر تعلق من شجر الجنة). الدار الثالثة التي لها حكم خاص هي: دار الآخرة، ودار الآخرة تجمع الشمل، فدار الآخرة تقع أحكامها على البدن وعلى الروح خلافاً للنصارى الذين يعتقدون أن المتعة في الآخرة لا تكون إلا معنوية، وأن العذاب لا يكون إلا معنوياً، وهذه عقيدة الشيخ أحمد ديدات غفر الله له ذلك، فهو يعتقد هذه العقيدة، ولذلك ننصح من يناظر النصارى أو يحاول أن يدعو الكفار أن يكون متقناً لشريعته أولاً ثم يتطلع بعد ذلك لأصحاب الأديان الأخرى، قال شيخ الإسلام ابن تيمية : من تعمق في دينه فليناظر أهل الأديان الأخر، فهو يعتقد هذه العقيدة: أن النعيم الأخروي نعيم معنوي، وأن العذاب الأخروي عذاب معنوي، والصحيح الراجح: أن النعيم والعذاب يقع على البدن ويقع على الروح. هذا التأصيل مهم جداً يصاحبنا في الرد عليهم، فنقول: إن هناك اختلافاً في الحياتين، فلا يقاس أمر الدنيا على أمر البرزخ؛ لأن هذه حياة لها أحكام خاصة بها، وهذه حياة لها أحكام خاصة ومثال ذلك: إذا دخلت على رجلين نائمين: الأول: يرى رؤيا أنه في جهنم يأخذ من صديدها، ويشرب من حميمها - والعياذ بالله- ويعذب في نار جهنم وتراه يتحرك كأنه يتعذب في نار جهنم، والآخر: يرى أنه في رياض الجنة يسرح، ويعانق حور العين، ويتمتع بالثمار والأنهار، ويشرب من اللبن ومن الخمر، وأنت واقف بينهما لا تعرف ماذا يحدث لهذا وماذا يحدث لهذا؟ وكذلك عندما تقف أمام المصلوب فهو يعذب وينعم وأنت لا تدري. وكذلك في الدنيا -من باب قياس الأولى- فعند خروج الروح يأتي الملك فيضربه، يقول الله تعالى: ((يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ ))[الأنفال:50] وأنت لا ترى ذلك، وقوله تعالى: ((وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ * فَلَوْلا إِنْ كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ * تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ ))[الواقعة:85-87] هذا في الدنيا وليس في البرزخ فقبل أن يموت تأتي الملائكة إلى الميت لتسحب روحه وأنت لا ترى ذلك، أما الفاسق أو الكافر فيضرب على وجهه وعلى ظهره قال تعالى: ((يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ ))[الأنفال:50]، وأنت لا ترى ولا تسمع ذلك، فهذا من ناحية النظر والقياس، وهذا قياس مع الفارق، ولا بد في القياس أن يكونا متماثلين، والأصل والفرع هنا غير متماثلين.
أنواع العذاب في القبر
أنواع العذاب متنوع، وعلى الراجح أن العذاب يكون على الروح تارة، وتارة على البدن. النوع الأول: العذاب بالمطرقة فقد دلت الأحاديث على ذلك: أن ملكاً يأتي بمطرقة لو اجتمع الثقلان على حملها لا يستطيعون ذلك، فيضرب ضربة بالمطرقة يصرخ صرخة يسمعها كل الخلائق إلا الجن والإنس. النوع الثاني من أنواع العذاب: الحيات، فيسلط الله عليه حيتين كما في حديث أحمد عن عائشة رضي الله عنها وأرضاها: (إن الرجل إذا أُدخل في قبره وكان من أهل الفسق أتته حيتان: حية عند رأسه وحية عند رجله فيقرصانه وينهشانه حتى يجتمعا عند وسطه). النوع الثالث من العذاب: أن يسبح في نهر من الدم، وهذا يختص بآكل الربا -والعياذ بالله- كما بين النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى رجلاً يسبح في نهر من الدم ويلقم حجراً إذا وصل إلى أول النهر حتى يصل إلى آخره ويرجع ويسبح في نهر من الدم. ومن أنواع العذاب التي تقع في القبر التنور، وهو تنور الزناة والعياذ بالله، كما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ذلك. ......
خلاف العلماء في عذاب الروح أو البدن في البرزخ
هل عذاب البرزخ يكون على الجسد أو البدن؟ فيه أقول: القول الأول: قال به طائفة من أهل العلم ومنهم ابن حزم أن النعيم أو العذاب لا يكون إلا على الروح، ويستدل بأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم: (روح المؤمن طائر يطير في رياض الجنة) وحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (أرواح الشهداء كحواصل طير خضر تعلق من شجر الجنة). وأيضاً ورد في تفسير قول الله تعالى: ((وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ ))[الانفطار:14] قال ابن مسعود : (الفجار) أي الكفار أرواحهم في حواصل طير سود تطير بهم في الجحيم في سابع أرض في سجين، في الأرض السابعة. القول الثاني: أنه على البدن لا على الروح، وهذا لازم قول الإمام أحمد بن حنبل ؛ لأنه قال: لا يسأل إلا البدن، فلازم قوله أنه لا يقع النعيم أو العذاب إلا على البدن، ويستدل لهم أيضاً بحديث المطرقة وحديث الحيات؛ لأن هذا العذاب لا يكون إلا على الجسد فقط. ورجح شيخ الإسلام ابن تيمية القول الثالث وهو الصحيح، وقد جمع شمل الأدلة، قال: يقع العذاب والنعيم تارة على البدن، وتارة على الروح، وتارة على البدن والروح؛ لأن المفارقة لا تكون كلية حتى ولو أن الجسد بلي، فالأجساد إن بليت يشعر بالألم عجب الذنب فقط، وأما الأحاديث التي استدل بها من قال بالروح، والأحاديث التي استدل بها من قال بالبدن فالذي يجمع بينها حديث الإسراء والمعراج، والنبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يسبح في البرزخ، فهذا فيه عذاب البدن والروح، بل ورأى عمرو بن لحي وهو في النار قال: تندلق اأقتابه وهو يدور حول أمعائه؛ لأنه سيب السوائب، فالنبي صلى الله عليه وسلم رآه جسداً وروحاً، ورأى كذلك الزناة والمرأة التي تعلقت من ثديها وتحتها نار،
فهذا إشعار بأن النعيم والعذاب يقعان على البدن والروح. ....
منتديات عرب مسلم | منتدى برامج نت | منتدى عرب مسلم | منتديات برامج نت | منتدى المشاغب | منتدى فتكات | منتديات مثقف دوت كوم | منتديات العرب | إعلانات مبوبة مجانية | إعلانات مجانية | اعلانات مبوبة مجانية | اعلانات مجانية | القرآن الكريم | القرآن الكريم قراءة واستماع | المكتبة الصوتية للقران الكريم mp3 | مكتبة القران الكريم mp3 | ترجمة القرآن | القرآن مع الترجمة | أفضل ترجمة للقرآن الكريم | ترجمة القرآن الكريم | Quran Translation | Quran with Translation | Best Quran Translation | Quran Translation Transliteration | تبادل إعلاني مجاني