بسم الله الرحمن الرحيم
قال
تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا
تَفْعَلُونََ * كبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا
تَفْعَلُونَ)(الصف: من الآية3)) أي : لم تقولون الخير ، وتحثون عليه ،
وربما تمدحتم به ، وأنتم لا تفعلونه . وتنهون عن الشر ، وربما نزهتم أنفسكم
عنه ، وأنتم متلوثون متصفون به . فهل تليق بالمؤمنين . هذه الحالة الذميمة
؟ أم من أكبر المقت عند الله ، أن يقول العبد مالا يفعل ؟ . ولهذا ينبغي
للآمر بالخير أن يكون أول الناس مبادرة إليه ، والناهي عن الشر ، أن يكون
أبعد الناس عن القيام به ، قال تعالى " (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ
وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا
تَعْقِلُونَ)(البقرة:44)) . وقال شعيب عليه السلام : (وَمَا أُرِيدُ أَنْ
أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ )(هود: من الآية88) أ هـ .
ورسولنا صلى الله عليه وسلم كان يأمر الناس بالخير وهو أول من يأتيه ،
وكان ينهاهم عن الشر وهو أول من يجتنبه ويبتعد عنه ، وهذا من كمال خلقه
عليه الصلاة والسلام ، ولا عجب فقد كان خلقه القرآن . ومطابقة القول العمل ،
أسرع في الاستجابة من مجرد القول بمفرده ، يتبين لنا ذلك من خلال عرض هذا
الحديث الذي وقع للنبي صلى الله عليه وسلم ، والمسلمين معه في قصة الحديبية
. فعندما صالح المشركون المسلمين على شروط معينة ومنها أن يرجع المسلمون
من عامهم هذا عن مكة ويحجوا في عامهم المقبل .
قال ابن القيم :
1-
فلما فرغ من قضية الكتاب ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قوموا
فانحروا ، ثم أحلقوا " فوالله ما قام منهم رجل واحد حتى قال وذلك ثلاث مرات
فلما لم يقم منهم أحد ، دخل على أم سلمة ، فذكر لها ما لقي من الناس ،
فقالت أم سلمة : يا رسول الله : أتحب ذلك ؟ أخرج ثم لا تكلم أحداً منهم
كلمة حتى تنحر بدنك ، وتدعو حالقك فيحلقك ، فقام ، فخرج ، فلم يكلم أحداً
منهم حتى فعل ذلك . نحر بدنه ، ودعا حالقه فحلقه ، فلما رأى الناس ذلك ،
قاموا فنحروا ، وجعل بعضهم يحلق بعضاً .البخاري (2581)
وهنا يتضح لنا
جلياً كيف أن الصحابة تأخروا عن تنفيذ قوله صلى الله عليه وسلم ، ولكن لما
رأوا أنه بادر إلى ذلك قبلهم ، تبعوه ولم يتخلف منهم أحد .
والمعلم هو
أحوج الناس إلى التزام ذلك المنهج في واقع حياته ، لانه قدوة يحتذى ،
وطلابه يأخذون عنه الأخلاق ، والأدب ، والعلم ولعمر الله أي فائدة ترجى من
معلم ينقض قوله عمله ! ثم إن التناقض الذي يشاهده الطالب من قبل معلمه
يوقعه في حيرة عظيمة ، وكأني بذلك الطالب المحتار وهو يسأل نفسه : لقد
احترت في أمري . ماذا أفعل ، هل أصدق قوله ، أم فعله الذي يناقض قوله ؟،
فهو يقول لنا : الكذب عادة سيئة مذمومة وعاقبتها إلى الخسران ، ثم نسمعه
بعد ذلك مراراً يكذب علينا ! .
من أجل ذلك كان النهى الشديد في قوله تعالى : (كبُرَ مَقْتاً عِنْدَ
اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ) . فالواجب على المربين
والمعلمين أن يتقوا الله في فلذات الأكباد ، فهم أمانة في أعناقهم ،
فليحصوا على تعليمهم ما ينفعهم ، ومطابقة أقوالهم لأعمالهم ، لأن في ذلك
تسريخاً للعلم الذي تعلموه من معلميهم ومربيهم .
قال الغزالي : الوظيفة
الثامنة : أن يكون المعلم عاملاً بعمله فلا يكذب قوله فعله لأن العلم يدرك
بالبصائر والعمل يدرك بالأبصار وأرباب الأبصار أكثر . فإذا خالف العمل
العلم منع الرشد وكل من تناول شيئاً وقال للناس لا تتناولوه فإنه سم مهلك
سخر الناس به واتهموه وزاد حرصهم على ما نهوا عنه فيقولون لولا أنه أطيب
الأشياء وألذها لما كان يستأثر به . ومثل المعلم المرشد من المسترشدين مثل
النقش من الطين والظل من العود فكيف ينتقش الطين بما لا نقش فيه ومتى استوى
الظل والعود أعوج ؟
قال أبو الأسود الدؤلي
يا أيهــــا الرجل المعلم غيره هلا لنفسك كان ذا التعليم
لا تنه عن خلق وتأتي مثله عار عليك إذا فعلت عظيم
وأبدأ بنفسك فإنهها عن غيها فإذا أنتهت عنه فأنت حكيم
فهناك تقبل إن وعظت ويقتدي بالقول منك وينتفع التعليـم
تصف الدواء لذي السقام من الضنا كيما يصح به وأنت سقيــم
وأراك تلقح بالرشاد عقولنـــا نصحاً وأنت من الرشاد عدبهم
الخلاصة :
1)
الحالة الذميمة التي يتحلى بها من خالف قوله عمله ، وكفى بقوله تعالى :
(كبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ ) فإنه
فيه عظمة وغبره لمن عقل .
2) إن مخالفة القول للعمل توقع الطالب في حيرة ، وتجعله لا يستقر على حال .
3) عظم المهمة الملقاة على المعلمين والمربين .
قال
تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا
تَفْعَلُونََ * كبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا
تَفْعَلُونَ)(الصف: من الآية3)) أي : لم تقولون الخير ، وتحثون عليه ،
وربما تمدحتم به ، وأنتم لا تفعلونه . وتنهون عن الشر ، وربما نزهتم أنفسكم
عنه ، وأنتم متلوثون متصفون به . فهل تليق بالمؤمنين . هذه الحالة الذميمة
؟ أم من أكبر المقت عند الله ، أن يقول العبد مالا يفعل ؟ . ولهذا ينبغي
للآمر بالخير أن يكون أول الناس مبادرة إليه ، والناهي عن الشر ، أن يكون
أبعد الناس عن القيام به ، قال تعالى " (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ
وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا
تَعْقِلُونَ)(البقرة:44)) . وقال شعيب عليه السلام : (وَمَا أُرِيدُ أَنْ
أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ )(هود: من الآية88) أ هـ .
ورسولنا صلى الله عليه وسلم كان يأمر الناس بالخير وهو أول من يأتيه ،
وكان ينهاهم عن الشر وهو أول من يجتنبه ويبتعد عنه ، وهذا من كمال خلقه
عليه الصلاة والسلام ، ولا عجب فقد كان خلقه القرآن . ومطابقة القول العمل ،
أسرع في الاستجابة من مجرد القول بمفرده ، يتبين لنا ذلك من خلال عرض هذا
الحديث الذي وقع للنبي صلى الله عليه وسلم ، والمسلمين معه في قصة الحديبية
. فعندما صالح المشركون المسلمين على شروط معينة ومنها أن يرجع المسلمون
من عامهم هذا عن مكة ويحجوا في عامهم المقبل .
قال ابن القيم :
1-
فلما فرغ من قضية الكتاب ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قوموا
فانحروا ، ثم أحلقوا " فوالله ما قام منهم رجل واحد حتى قال وذلك ثلاث مرات
فلما لم يقم منهم أحد ، دخل على أم سلمة ، فذكر لها ما لقي من الناس ،
فقالت أم سلمة : يا رسول الله : أتحب ذلك ؟ أخرج ثم لا تكلم أحداً منهم
كلمة حتى تنحر بدنك ، وتدعو حالقك فيحلقك ، فقام ، فخرج ، فلم يكلم أحداً
منهم حتى فعل ذلك . نحر بدنه ، ودعا حالقه فحلقه ، فلما رأى الناس ذلك ،
قاموا فنحروا ، وجعل بعضهم يحلق بعضاً .البخاري (2581)
وهنا يتضح لنا
جلياً كيف أن الصحابة تأخروا عن تنفيذ قوله صلى الله عليه وسلم ، ولكن لما
رأوا أنه بادر إلى ذلك قبلهم ، تبعوه ولم يتخلف منهم أحد .
والمعلم هو
أحوج الناس إلى التزام ذلك المنهج في واقع حياته ، لانه قدوة يحتذى ،
وطلابه يأخذون عنه الأخلاق ، والأدب ، والعلم ولعمر الله أي فائدة ترجى من
معلم ينقض قوله عمله ! ثم إن التناقض الذي يشاهده الطالب من قبل معلمه
يوقعه في حيرة عظيمة ، وكأني بذلك الطالب المحتار وهو يسأل نفسه : لقد
احترت في أمري . ماذا أفعل ، هل أصدق قوله ، أم فعله الذي يناقض قوله ؟،
فهو يقول لنا : الكذب عادة سيئة مذمومة وعاقبتها إلى الخسران ، ثم نسمعه
بعد ذلك مراراً يكذب علينا ! .
من أجل ذلك كان النهى الشديد في قوله تعالى : (كبُرَ مَقْتاً عِنْدَ
اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ) . فالواجب على المربين
والمعلمين أن يتقوا الله في فلذات الأكباد ، فهم أمانة في أعناقهم ،
فليحصوا على تعليمهم ما ينفعهم ، ومطابقة أقوالهم لأعمالهم ، لأن في ذلك
تسريخاً للعلم الذي تعلموه من معلميهم ومربيهم .
قال الغزالي : الوظيفة
الثامنة : أن يكون المعلم عاملاً بعمله فلا يكذب قوله فعله لأن العلم يدرك
بالبصائر والعمل يدرك بالأبصار وأرباب الأبصار أكثر . فإذا خالف العمل
العلم منع الرشد وكل من تناول شيئاً وقال للناس لا تتناولوه فإنه سم مهلك
سخر الناس به واتهموه وزاد حرصهم على ما نهوا عنه فيقولون لولا أنه أطيب
الأشياء وألذها لما كان يستأثر به . ومثل المعلم المرشد من المسترشدين مثل
النقش من الطين والظل من العود فكيف ينتقش الطين بما لا نقش فيه ومتى استوى
الظل والعود أعوج ؟
قال أبو الأسود الدؤلي
يا أيهــــا الرجل المعلم غيره هلا لنفسك كان ذا التعليم
لا تنه عن خلق وتأتي مثله عار عليك إذا فعلت عظيم
وأبدأ بنفسك فإنهها عن غيها فإذا أنتهت عنه فأنت حكيم
فهناك تقبل إن وعظت ويقتدي بالقول منك وينتفع التعليـم
تصف الدواء لذي السقام من الضنا كيما يصح به وأنت سقيــم
وأراك تلقح بالرشاد عقولنـــا نصحاً وأنت من الرشاد عدبهم
الخلاصة :
1)
الحالة الذميمة التي يتحلى بها من خالف قوله عمله ، وكفى بقوله تعالى :
(كبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ ) فإنه
فيه عظمة وغبره لمن عقل .
2) إن مخالفة القول للعمل توقع الطالب في حيرة ، وتجعله لا يستقر على حال .
3) عظم المهمة الملقاة على المعلمين والمربين .