د.ياسر بن محمد البحيري
قصة حقيقة لمريضة في الأربعينات من عمرها تعمل في إحدى
المدارس وقد أتت وهي تشتكي من آلام مبرحة في وركها الأيمن من الناحية
الأمامية ازدادت في الفترة الأخيرة وأصبحت تسبب لها صعوبة بالقيام بأعمالها
اليومية.
وقد ذكرت هذه المريضة أن لديها مشكلة في الورك الأيمن
منذ الطفولة وأن ساقها اليمنى أقصر من اليسرى وأنها تمشي بعرج واضح ولكنها
لم تكن تشعر بآلام شديدة مثل التي تعاني منها الآن. وبفحصها وعمل أشعات
تبين أن لديها خلعا وركيا ولاديا مزمنا في الورك الأيمن يسبب لها هذه
الأعراض (congenital dislocation of the hip joint).
الإهمال يؤدي إلى عدم تشخيص هذه الحالة ومن ثم إهمال علاجها
وهذه الحالة منتشرة نوعاً ما في مجتمعنا وهي تكون نتيجة
إهمال أو عدم تدقيق في تشخيص الحالة في مرحلة الطفولة المبكرة في الأشهر
الأولى بعد الولادة. هذ الإهمال يؤدي إلى أن لا يتم تشخيص هذه الحالة ويؤدي
إلى إهمال علاجها وبالتالي إلى معاناة المريض أو المريضة للبقية الباقية
من حياتهم كما سوف نفصل لاحقاً.
خشونة في الورك المخلوع
ماهو الخلع الوركي الولادي
في الواقع ان مفصل الورك يتكون عند التقاء الجزء الأعلى
من عظمة الفخذ والذي يكون على شكل كرة وتسمى رأس عظمة الفخذ (femoral
head) للجزء السفلي من عظمة الحوض والذي يأخذ شكلاً مقعراً ليستقبل الكرة
المكونة لرأس عظمة الفخذ. هذا المفصل يكون عرضة لما يعرف بالخلع الوركي
الولادي (DDH). فالخلع الورك الولادي عادةً مايصيب الإناث أكثر من الذكور
وقد يكون واضحاً بعد الولادة مباشرةً في الرضيعة أو قد يصبح واضحاً بعد
الولادة بفترة أسابيع أو أشهر.
وعادة ً ما يتم التشخيص عن طريق طبيب الأطفال الذي يفحص
الطفلة الرضيعة بعد الولادة مباشرةً ويكون الفحص بسيطاً عن طريق مقارنة
طول عظمتي الفخذ الأيمن والأيسر وأيضاً عن طريق تحريك مفصل الورك الأيمن
والأيسر بطريقة معينة للتأكد من ثبات المفصل وعدم وجود خلخلة (Sublaxation)
أو خلع فيه. ولا يوجد سبب محدد لحدوث الخلع الوركي الولادي ولكن قد تكون
هناك عدة عوامل تزيد من نسبة حدوث هذا المرض مثل الولادة في وضعية المأخرة
(Breach presentation) أو وجود بعض الأمراض الجينية أو وجود بعض أمراض التي
تؤدي إلى ارتخاء العضلات والمفاصل. ونظراً لأهمية تشخيص هذا المرض مبكراً
فإنه أصبح من الروتين ومن البديهي أن أطباء الأطفال يقومون بفحص الأطفال
عند ولادتهم وعند مراجعتهم الروتينية بعد الولادة وعند سن شهر أو شهرين أو
ثلاثة أشهر للتأكد من عدم وجود الخلع الوركي الولادي أو
لالتقاط التشخيص مبكراً في حال حدوثه (Early
diagnosis). وعندما يكون هناك شك في وجود هذا المرض فإنه تبدأ إجراءات
التشخيص الدقيق عن طريق عمل أشعة صوتية للورك (Ultrasound) وبعد ذلك يتم
تحويل الطفل إلى أخصائي العظام لاتخاذ الإجراءات المناسبة لعلاج هذه
الحالة. وعندما يتم التشخيص مبكراً فإن معظم الحالات يكون علاجها سهلاً
بإذن الله وقد يتكون باستخدام حفاظتين (Double diapers) بدلاً من حفاظة
واحدة لفترة ما أو قد يتم استخدام رابط طبي متخصص (Pavlik harness) يساعد
على إعادة الورك إلى الوضعية الطبيعية. وقد يكون التدخل الجراحي ضرورياً
وقد يتكون من عملية تجبير للورك المخلوع في وضعية صحيحة وبعد ذلك يتم وضع
جبارة طبية (Hip spica) لبضعة أسابيع أو قد يتكون من تدخل جراحي عن طريق
فتحة لإعادة المفصل لوضعه الطبيعي. وفي جميع الأحوال فإن التشخيص المبكر
والعلاج المبكر سواء كان علاجاً غير جراحي أو علاجاً جراحياً تكون نتائجه
ممتازة وتعود أجزاء المفصل لوضعه
الطبيعي ويتكون المفصل وينمو بشكل طبيعي بإذن الله ويتم
تفادي العواقب الوخيمة التي قد تحدث في حال إهمال العلاج أو عدم التشخيص
مبكراً لا سمح الله. والواجب على الأهل عدم التراخي والتهاون في أخذ الطفلة
إلى الطبيب للزيارات الروتينية حيث ان جزءا من هذه الزيارة كما ذكرنا
سابقاً هو فحص مفصل الورك. وبعد أن يبدأ الطفل أو الطفلة في المشي يجب على
الأهل التنبه إذا كانت هناك وضعيات غير طبيعية عند المشي كأن تكون إحدى
الساقين أطول من الأخرى أو كأن يكون الطفل يمشي بعرج أو بميلان واضح يميناً
أو يساراً عند المشي. وكل ما يلزم في هذه الحالات هو أخذ الطفل إلى الطبيب
أو الطبيبة لكي يتم التأكد من عدم وجود مشاكل في مفصل الورك.
تجبير للورك المخلوع
آثار إهمال التشخيص والعلاج
في حال تم إهمال العلاج والتشخيص المبكر كما في الحالة
التي ذكرناها سابقاً فإن الأعراض تعتمد على ما إذا كان الخلع في ورك واحد
أو في وركين. فإذا ما كان في وركين (Bilateral) فإن هذا يؤدي إلى صعوبة
بسيطة في المشي وميلان عند المشي (waddling gait) وعرج بسيط ويؤدي إلى قصر
في القوام بحسب شدة الخلع. وقد يؤدي إلى حدوث خشونة ومشاكل عند الكبر. أما
إذا ما كان الخلع في ناحية واحدة (Unilateral) فإن الآثار تكون أكثر وضوحاً
حيث يكون هناك قصر واضح في الساق المصابة بحيث يمشي المريض أو المريضة
بعرج شديد وواضح حسب شدة
القصر الذي قد يصل إلى عشرة أو خمسة عشر سنتيميترا.وقد
يضطر المريض أو المريضة إلى استخدام حذاء خاص (Shoe lift) في الساق القصيرة
أو قد يضطر للمشي على أطراف الأصابع لكي يعوض القصر في هذه الساق.
وبالإضافة إلى العرج الواضح فإنه يكون هناك ضمور في الجزء المصاب لأن عضلات
الفخذ والساق لا يتم استخدامها بالشكل الطبيعي كما في الناحية الأخرى
وبالتالي فإنها تضمر مع مرور الزمن (Muscle atrophy). بالإضافة إلى ذلك فإن
مفصل الركبة في الناحية السليمة يتعرض لضغوط شديدة مما يؤدي إلى ظهور
خشونة مبكرة فيه. كما أن المشي بعرج شديد ولفترات طويلة ولسنين طويلة وبشكل
مائل يؤدي إلى ظهور مشاكل في العمود الفقري وأسفل الظهر تتراوح شدتها من
حدوث جنف وميلان في العمود الفقري (scoliosis) إلى حدوث خشونة مبكرة في
العمود الفقري. وبالإضافة إلى هذه الآثار الصحية فإنه لابد أن نعرف أن هذه
الآثار تؤدي إلى تحدد في نشاط الشخص المصاب وقد تؤدي أيضاً إلى التأثير
سلبياً على حياته وعلى نفسيته.
وعندما يصل المريض أو المريضة إلى العقد الخامس من
العمر فإن المفصل المخلوع قد يبدأ بالتآكل المبكر وحدوث خشونة مبكرة
(Osteoarthritis) مما يؤدي إلى ظهور آلام مبرحة في هذا المفصل تزيد من
متاعب هذا المريض أو المريضة التي هي أصلاً موجودة نتيجة الخلع الوركي
الولادي. وفي هذه المرحلة فإن المريض يكون قد استخدم الأدوية المسكنة
والعلاجات الطبيعية والأدوية المضادة للالتهابات وفي هذه المرحلة أيضاً
تبدأ هذه الأدوية بفقدان مفعولها وعندها يبدأ الحديث عن التدخل الجراحي.
علاج الخلع الوركي الولادي لدى البالغين
في الواقع انه إذا ما تم فقدان المرحلة الذهبية للتشخيص
والعلاج المبكر في مرحلة الطفولة فإنه عندما يصبح المريض بالغاً تصبح
الخيارات المتاحة للعلاج محدودة. فإذا ما كانت الأعراض بسيطة وتتكون من
آلام وعرج فإن الخطة العلاجية تتكون من تناول الأدوية المضادة للالتهابات
والأدوية المسكنة للآلام عند اللزوم وعمل جلسات علاج طبيعي لتقوية العضلات
المحيطة بمفصل الورك. أيضاً يمكن استخدام أحذية طبية مرتفعة لتعويض القصر
في الساق المصابة. ويتم إرشاد المريضة أو المريض على أهمية المحافظة على
الوزن المثالي وعلى أهمية سلامة أسفل الظهر عند الجلوس وعلى أهمية المحافظة
على التغذية السليمة. أما بالنسبة للتدخل الجراحي فإنه وبعكس مرحلة
الطفولة لا توجد هناك عملية يتم إجراؤها لإعادة المفصل إلى وضعه الطبيعي
لإنه لدى البالغين يكون المفصل متشوهاً وغير متطور بشكل سليم ويكون هناك
ضمور في أجزاء العظم التي يتكون منها المفصل الطبيعي.
ولذلك فإن خيار العملية الجراحية لإعادة المفصل لمكانه
الطبيعي هو خيار غير متوفر في الغالبية العظمى من المرضى وإنما يكون التدخل
الجراحي في الحالات الشديدة التي لا تستجيب للأدوية والمسكنات ويكون الألم
مبرحاً ولا يستجيب للخطة العلاجية التحفظية ويكون التدخل الجراحي عن طريق
إجراء عملية تسمى بالمفصل الصناعي للورك (Total hip replacement). وعلى
الرغم من أن عملية المفصل الصناعي للورك هي ذات نسبة عالية من النجاح عند
علاج مرض خشونة الورك بصفة عامة إلا أنه في حالات الخلع الوركي الولادي
الشديدة فإن هذه العملية تكون معقدة نوعاً ما لأنها تتطلب مهارة خاصة
وتتطلب مفصلا صناعيا مصمما بشكل خاص لكي يمكن زرعه في العظام المشوهة
والضامرة الموجودة لدى هؤلاء المرضى. ولذلك فإن عملية زرع المفصل الصناعي
في مرضى الخلع الوركي الولادي الشديد يتم تأجيلها واللجوء إليها فقط في
الحالات الشديدة التي لا تستجيب لجميع أنواع العلاج التحفظي.
النصائح والتوصيات
كما ذكرنا سابقاً فإن إهمال التشخيص والعلاج المبكر
لحالات الخلع الوركي الولادي تكون لها آثار وخيمة عند البالغين. ليس هذا
فقط بل ان علاج بعض الحالات التي تستدعي علاجا جراحياً يكون صعباً ومعقداً
ومكلفاً في الغالبية العظمى. ولذلك فإن أهم جزء من علاج هذه الحالات هو
الوقاية منها عن طريق التشخيص المبكر في مرحلة الطفولة والعلاج المبكر لكي
نمنع حدوث وظهور هذه الحالات لدى البالغين في المستقبل بإذن الله.