ثمــــار المحبة الصادقة لله عز وجل
[size=16]وعندما
يملأ هذا الحب القلب ستكون له بلا شك ثمار عظيمة تظهر في سلوك العبد
وأعماله، هذه الثمار من الصعب الحصول عليها من أي شجرة أخرى غير شجرة الحب،
فالحب يُخرج من القلب معانٍ للعبودية لا يخرجها غيره.
يقول
ابن تيمية:فمن لا يحب الشيء لا يمكن أن يحب التقرب إليه، إذ التقرب إليه
وسيلة، ومحبة الوسيلة تبع لمحبة المقصود(التحفة العراقية /51.).
وإذا كانت المحبة
أصل كل عمل ديني، فالخوف والرجاء وغيرهما يستلزم المحبة ويرجع إليها، فإن
الراجي الطامع إنما يطمع فيما يحبه لا فيما يبغضه، والخائف يفر من المخوف
لينال المحبة]أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى
رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ
وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ[[الإسراء: 57](المصدر السابق).
ولهذا
اتفقت الأُمتان من قبلنا على ما عندهم من مأثور وحكم عن موسى وعيسى أن
أعظم الوصايا: أن تحب الله بقلبك وعقلك وقصدك، وهذه هي حقيقة الحنيفية ملة
إبراهيم التي هي أصل شريعة التوراة والإنجيل والقرآن(المصدر السابق/54).
لذلك
أدعو نفسي، وأدعوك أخي القارئ إلى الاهتمام بغرس بذور محبة الله في
القلب، وتعهدها بالأعمال الصالحة حتى يصير الله عز وجل أحب إلينا من كل
شيء ]وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا للهِ[[البقرة: 165]. عند ذلك سنجد الثمار الحلوة أمامنا دون عناء أو مشقة.
ومن هذه الثمار المتوقعة:
أولاً: الرضا بالقضاء
عندما
يتعرف الواحد منا على مدى حب ربه له وحرصه عليه فإن هذا من شأنه أن يدفعه
دومًا للرضى بقضائه، وكيف لا وقد أيقن أن ربه لا يريد له إلاّ الخير,
وأنه ما خلقه ليعذبه، بل خلقه بيده، وكرمه على سائر خلقه ليدخله الجنة،
دار النعيم الأبدي، ومن ثمَّ فإن كل قضاء يقضيه له ما هو إلا خطوة يمهد له
من خلالها طريقه إلى تلك الدار، فالأقدار المؤلمة والبلايا ما هي إلا
أدوات تذكيريُذكِّر الله بها عباده بحقيقة وجودهم في الدنيا وأنها ليست
دار مقام بل دار امتحان، وأن عليهم الرجوع إليه قبل فوات الأوان ]وَأَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ[[الزخرف: 48]،]وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنَ الْعَذَابِ الأدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ[ [السجدة: 21].
وهي كذلك أدوات تطهير من أثر الذنوب والغفلات التي يقع فيها العبد «ما يصيب المسلم من نصب، ولا وصب، ولا هم، ولا حزن، ولا أذى، ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه»(متفق عليه).
فجميع الأقدار التي يُقدَّرها الله عز وجل لعباده تحمل في طياتها الخير الحقيقي لهم وإن بدت غير ذلك.
فعلى سبيل المثال:الرزق، فالله عز وجل يبسط الرزق للبعض ويضيقه على البعض لعلمه سبحانه بما يصلح عباده, ألم يقل سبحانه ]وَلَوْ
بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ وَلَكِن
يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ[[الشورى: 27].
فمنعه الرزق الوفير عن بعض الناس ما هو إلا صورة من صور رحمته، وشفقته بهم. قال : «إن الله تعالى ليحمي عبده المؤمن من الدنيا، وهو يحبه، كما تحمون مريضكم الطعام والشراب تخافون عليه»(صحيح، أخرجه الإمام في المسند، والحاكم عن أبي سعيد، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1814)).
هذه
المعاني العظيمة لا يمكن تذكرها واستحضارها بصورة دائمة، وممارسة مقتضاها
في الحياة العملية إلا إذا تمكن حب الله من القلب وهيمن عليه، فمفتاح:]رَّضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ[هو:]يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ[[المائدة: 54].
جاء
في الأثر أن الله تعالى يقول: «معشر المتوجهين إليَّ بحبي، ما ضركم ما
فاتكم من الدنيا إذا كنت لكم حظًا، وما ضركم من عاداكم إذا كنت لكم
سلمًا»(المحبة لله سبحانه للإمام الجنيد/60- دار المكتبي).
وكان
عامر بن عبد قيس يقول: أحببت الله حبًا سهل عليَّ كل مصيبة، ورضاني بكل
قضية، فما أبالي مع حبي إياه ما أصبحت عليه وما أمسيت(استنشاق نسيم الأنس
لابن رجب/ 36)نعم، أخي فإننا إن أحببنا الله حبًا صادقًا أحببنا كل ما يرد
علينا منه سبحانه.
لما قدم سعد بن أبي وقاص إلى مكة، وقد كان
كُفَّ بصره، جاءه الناس يهرعون إليه, كل واحد يسأله أن يدعو له، فيدعو
لهذا ولهذا، وكان مجاب الدعوة، فأتاه عبدالله بن أبي السائب فقال له: يا
عم، أنت تدعو للناس فلو دعوت لنفسك، فرد الله عليك بصرك؟ فتبسم وقال: يا
بنيَّ، قضاء الله سبحانه عندي أحسن من بصري.
وكان عمران بن
الحصين قد استسقى بطنه، فبقي ملقى على ظهره ثلاثين سنة لا يقوم ولا يقعد،
قد نقب له في سرير من جريد كان عليه موضع لقضاء حاجته، فدخل عليه مطّرف
وأخوه العلاء، فجعل يبكي لما يراه من حاله، فقال: لم تبكي؟ قال: لأني أراك
على هذه الحالة العظيمة قال: لا تبك، فإن أحَبَّه إلى الله أحبه
إليّ(صلاح الأمة في علو الهمة 4/516.).
ثانيًا:التلذذ بالعبادة وسرعة المبادرة إليها
كلما
ازداد حب العبد لربه ازدادت مبادرته لطاعته واستمتاعه بذكره، وكان هذا
الحب سببًا في استخراج معاني الأنس والشوق إلى محبوبه الأعظم، والتعبير
عنها من خلال ذكره ومناجاته.
هذه
المعاني ما كانت لتخرج إلا إذا فُتح لها باب الحب، فالمحب يقبل على
محبوبه بسعادة، ويطيع أوامره برضى، لا تحركه لتلك الطاعة سياط الخوف من
عقوبة عدم أدائه للعمل، بل يحركه ما حرك موسى عليه السلام عندما قال لربه ]وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى[[طه: 84] وكذلك ما جعل رسولنا يقول لبلال: «أرحنا بها يا بلال».
إن
هناك بالفعل سعادة حقيقية ومتعة وشعور باللذة والنعيم يجدها المحب في
مناجاته وذكره وخلوته بربه، وهذا ما يُطلق عليه: «جنة الدنيا», هذه الجنة
من الصعب علينا أن ندخلها من غير باب المحبة.
قال أحد
الصالحين:مساكين أهل الدنيا، خرجوا منها وما ذاقوا أطيب ما فيها، قيل: وما
أطيب ما فيها؟ قال: محبة الله تعالى ومعرفته وذكره.
وقال آخر:إنه لتمر بي أوقات أقول: إن كان أهل الجنة في مثل هذا إنهم لفي عيش طيب(الوابل الصيب ص97).
ثالثًا:الشوق إلى الله
عندما
يتمكن حب الله من قلب العبد، فإن هذا من شانه أن يجعله دومًا حريصًا على
اغتنام أية فرصة تتاح له فيها الخلوة به سبحانه وبذكره ومناجاته، وجمع
قلبه معه، وشيئًا فشيئًا تستثار كوامن الشوق إليه سبحانه، وتستبد بالقلب،
وتلح عليه في طلب رؤيته، ليأتي العِلم فيخبره بأنه لا رؤية ولا لقاء لله
في الحياة الدنيا، بل بعد الموت، فيزداد الشوق إلى هذا اللقاء، وأي لقاء:
لقاء المحبوب الأعظم الذي ناجاه لسنوات طويلة، وسكب الدمع في محرابه.
لقاءمن دعاه في أوقات عصيبة فوجده منه قريبًا، ولدعائه مجيبًا.
لقاءمن كفاه وحماه وأعانه على نفسه وعدوه.
لقاءمن أعطاه وأكرمه وحفظه ورعاه وبكل بلاء حسن أبلاه.
يقول
الحسن البصري:إن أحباء الله هم الذين ورثوا الحياة الطيبة وذاقوا نعيمها
بما وصلوا إليه من مناجاة حبيبهم، وبما وجدوا من حلاوة في قلوبهم، لاسيما
إذا خطر على بالهم ذكر مشافهته وكشف ستور الحجب عنه في المقام الأمين
والسرور، وأراهم جلاله وأسمعهم لذة كلامه ورد عليهم جواب ما ناجوه به أيام
حياتهم(شرح حديث لبيك اللهم لبيك لابن رجب ص 89 – دار عالم الفوائد).
فالشوق إلى الله – إذن – ثمرة من ثمار تمكن حبه في قلب العبد، ويؤكد ابن رجب على ذلك بقوله:
الشوق إلى الله درجة عالية رفيعة تنشأ من قوة محبة الله عز وجل، وقد كان يسأل الله هذه الدرجة(استنشاق نسيم الأنس /93).
ففي دعائه «اللهم إني أسألك الرضى بعد القضاء، وبرد العيش بعد الموت، ولذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك من غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة»(أخرجه
الطبراني)فهو يسأل ربه الشوق إلى لقائه دون وجود أسباب ضاغطة عليه تدعوه
لذلك مثل: ضراء الدنيا وأقدارها المؤلمة، أو الفتن في الدين المضلة، أو
بمعنى آخر أن يكون الشوق إلى الله ناشئًا عن محض المحبة.
جاء في الأثر أن الله تبارك وتعالى يقول:
ألا
قد طال شوق الأبرار إلى لقائي، وإني إليهم لأشد شوقًا، وما شوق المشتاقين
إليَّ إلا بفضل شوقي إليهم. ألا من طلبني وجدني، ومن طلب غيري لم يجدني، من ذا الذي أقبل عليَّ فلم أقبل عليه؟ ومن ذا الذي دعاني فلم أجبه؟ ومن ذا الذي سألني فلم أعطه(المحبة لله سبحانه للجنيد /111).
رابعًا:التضحية من أجله والجهاد في سبيله
المحبة الصادقة
لله عز وجل تدفع صاحبها لبذل كل ما يملكه من أجل نيل رضا محبوبه، وليس
ذلك فحسب بل إنه يفعل ذلك بسعادة، وكل ما يتمناه أن تحوز هذه التضحية على
رضاه.
تأمل معي ما حدث من عبد الله بن جحش ليلة غزوة أحد عندما
قال لسعد بن أبي وقاص: ألا تأتي ندعو الله تعالى، فَخَلَوا في ناحية،
فدعا سعد، فقال: يا رب إذا لقينا العدو غدًا فَلَقِّني رجلاً شديدًا بأسه،
شديدًا حرده، أقاتله ويقاتلني، ثم ارزقني الظفر عليه حتى أقتله فآخذ سلبه
فأمَّن عبد الله، ثم قال: اللهم ارزقني غدًا رجلاً شديدًا بأسه، شديدًا
حرده، أقاتله ويقاتلني، ثم يأخذني، فيجدع أنفي وأذني، فإذا لقيتك غدًا قلت
لي: يا عبد الله فيم جُدع أنفك وأذنك؟ فأقول: فيك وفي رسولك، فتقول:
صدقت.
قال سعد:كانت دعوته خيرًا من دعوتي، فلقد رأيته آخر النهار، وإن أنفه وأذنه لمعلق في خيط(سير أعلام النبلاء للذهبي 1/112).
بن عمير يمشي وعليه إهاب كبش قد تمنطق به، فقال النبي : «انظروا إلى هذا الرجل الذي قد نور الله قلبه، ولقد رأيته بين أبوين يغذيانه بأطيب الطعام والشراب فدعاه حب الله ورسوله إلى ما ترون»(رواه أبو نعيم في الحلية)
[/size][size=16]وعندما
يملأ هذا الحب القلب ستكون له بلا شك ثمار عظيمة تظهر في سلوك العبد
وأعماله، هذه الثمار من الصعب الحصول عليها من أي شجرة أخرى غير شجرة الحب،
فالحب يُخرج من القلب معانٍ للعبودية لا يخرجها غيره.
يقول
ابن تيمية:فمن لا يحب الشيء لا يمكن أن يحب التقرب إليه، إذ التقرب إليه
وسيلة، ومحبة الوسيلة تبع لمحبة المقصود(التحفة العراقية /51.).
وإذا كانت المحبة
أصل كل عمل ديني، فالخوف والرجاء وغيرهما يستلزم المحبة ويرجع إليها، فإن
الراجي الطامع إنما يطمع فيما يحبه لا فيما يبغضه، والخائف يفر من المخوف
لينال المحبة]أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى
رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ
وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ[[الإسراء: 57](المصدر السابق).
ولهذا
اتفقت الأُمتان من قبلنا على ما عندهم من مأثور وحكم عن موسى وعيسى أن
أعظم الوصايا: أن تحب الله بقلبك وعقلك وقصدك، وهذه هي حقيقة الحنيفية ملة
إبراهيم التي هي أصل شريعة التوراة والإنجيل والقرآن(المصدر السابق/54).
لذلك
أدعو نفسي، وأدعوك أخي القارئ إلى الاهتمام بغرس بذور محبة الله في
القلب، وتعهدها بالأعمال الصالحة حتى يصير الله عز وجل أحب إلينا من كل
شيء ]وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا للهِ[[البقرة: 165]. عند ذلك سنجد الثمار الحلوة أمامنا دون عناء أو مشقة.
ومن هذه الثمار المتوقعة:
أولاً: الرضا بالقضاء
عندما
يتعرف الواحد منا على مدى حب ربه له وحرصه عليه فإن هذا من شأنه أن يدفعه
دومًا للرضى بقضائه، وكيف لا وقد أيقن أن ربه لا يريد له إلاّ الخير,
وأنه ما خلقه ليعذبه، بل خلقه بيده، وكرمه على سائر خلقه ليدخله الجنة،
دار النعيم الأبدي، ومن ثمَّ فإن كل قضاء يقضيه له ما هو إلا خطوة يمهد له
من خلالها طريقه إلى تلك الدار، فالأقدار المؤلمة والبلايا ما هي إلا
أدوات تذكيريُذكِّر الله بها عباده بحقيقة وجودهم في الدنيا وأنها ليست
دار مقام بل دار امتحان، وأن عليهم الرجوع إليه قبل فوات الأوان ]وَأَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ[[الزخرف: 48]،]وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنَ الْعَذَابِ الأدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ[ [السجدة: 21].
وهي كذلك أدوات تطهير من أثر الذنوب والغفلات التي يقع فيها العبد «ما يصيب المسلم من نصب، ولا وصب، ولا هم، ولا حزن، ولا أذى، ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه»(متفق عليه).
فجميع الأقدار التي يُقدَّرها الله عز وجل لعباده تحمل في طياتها الخير الحقيقي لهم وإن بدت غير ذلك.
فعلى سبيل المثال:الرزق، فالله عز وجل يبسط الرزق للبعض ويضيقه على البعض لعلمه سبحانه بما يصلح عباده, ألم يقل سبحانه ]وَلَوْ
بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ وَلَكِن
يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ[[الشورى: 27].
فمنعه الرزق الوفير عن بعض الناس ما هو إلا صورة من صور رحمته، وشفقته بهم. قال : «إن الله تعالى ليحمي عبده المؤمن من الدنيا، وهو يحبه، كما تحمون مريضكم الطعام والشراب تخافون عليه»(صحيح، أخرجه الإمام في المسند، والحاكم عن أبي سعيد، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1814)).
هذه
المعاني العظيمة لا يمكن تذكرها واستحضارها بصورة دائمة، وممارسة مقتضاها
في الحياة العملية إلا إذا تمكن حب الله من القلب وهيمن عليه، فمفتاح:]رَّضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ[هو:]يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ[[المائدة: 54].
جاء
في الأثر أن الله تعالى يقول: «معشر المتوجهين إليَّ بحبي، ما ضركم ما
فاتكم من الدنيا إذا كنت لكم حظًا، وما ضركم من عاداكم إذا كنت لكم
سلمًا»(المحبة لله سبحانه للإمام الجنيد/60- دار المكتبي).
وكان
عامر بن عبد قيس يقول: أحببت الله حبًا سهل عليَّ كل مصيبة، ورضاني بكل
قضية، فما أبالي مع حبي إياه ما أصبحت عليه وما أمسيت(استنشاق نسيم الأنس
لابن رجب/ 36)نعم، أخي فإننا إن أحببنا الله حبًا صادقًا أحببنا كل ما يرد
علينا منه سبحانه.
لما قدم سعد بن أبي وقاص إلى مكة، وقد كان
كُفَّ بصره، جاءه الناس يهرعون إليه, كل واحد يسأله أن يدعو له، فيدعو
لهذا ولهذا، وكان مجاب الدعوة، فأتاه عبدالله بن أبي السائب فقال له: يا
عم، أنت تدعو للناس فلو دعوت لنفسك، فرد الله عليك بصرك؟ فتبسم وقال: يا
بنيَّ، قضاء الله سبحانه عندي أحسن من بصري.
وكان عمران بن
الحصين قد استسقى بطنه، فبقي ملقى على ظهره ثلاثين سنة لا يقوم ولا يقعد،
قد نقب له في سرير من جريد كان عليه موضع لقضاء حاجته، فدخل عليه مطّرف
وأخوه العلاء، فجعل يبكي لما يراه من حاله، فقال: لم تبكي؟ قال: لأني أراك
على هذه الحالة العظيمة قال: لا تبك، فإن أحَبَّه إلى الله أحبه
إليّ(صلاح الأمة في علو الهمة 4/516.).
ثانيًا:التلذذ بالعبادة وسرعة المبادرة إليها
كلما
ازداد حب العبد لربه ازدادت مبادرته لطاعته واستمتاعه بذكره، وكان هذا
الحب سببًا في استخراج معاني الأنس والشوق إلى محبوبه الأعظم، والتعبير
عنها من خلال ذكره ومناجاته.
هذه
المعاني ما كانت لتخرج إلا إذا فُتح لها باب الحب، فالمحب يقبل على
محبوبه بسعادة، ويطيع أوامره برضى، لا تحركه لتلك الطاعة سياط الخوف من
عقوبة عدم أدائه للعمل، بل يحركه ما حرك موسى عليه السلام عندما قال لربه ]وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى[[طه: 84] وكذلك ما جعل رسولنا يقول لبلال: «أرحنا بها يا بلال».
إن
هناك بالفعل سعادة حقيقية ومتعة وشعور باللذة والنعيم يجدها المحب في
مناجاته وذكره وخلوته بربه، وهذا ما يُطلق عليه: «جنة الدنيا», هذه الجنة
من الصعب علينا أن ندخلها من غير باب المحبة.
قال أحد
الصالحين:مساكين أهل الدنيا، خرجوا منها وما ذاقوا أطيب ما فيها، قيل: وما
أطيب ما فيها؟ قال: محبة الله تعالى ومعرفته وذكره.
وقال آخر:إنه لتمر بي أوقات أقول: إن كان أهل الجنة في مثل هذا إنهم لفي عيش طيب(الوابل الصيب ص97).
ثالثًا:الشوق إلى الله
عندما
يتمكن حب الله من قلب العبد، فإن هذا من شانه أن يجعله دومًا حريصًا على
اغتنام أية فرصة تتاح له فيها الخلوة به سبحانه وبذكره ومناجاته، وجمع
قلبه معه، وشيئًا فشيئًا تستثار كوامن الشوق إليه سبحانه، وتستبد بالقلب،
وتلح عليه في طلب رؤيته، ليأتي العِلم فيخبره بأنه لا رؤية ولا لقاء لله
في الحياة الدنيا، بل بعد الموت، فيزداد الشوق إلى هذا اللقاء، وأي لقاء:
لقاء المحبوب الأعظم الذي ناجاه لسنوات طويلة، وسكب الدمع في محرابه.
لقاءمن دعاه في أوقات عصيبة فوجده منه قريبًا، ولدعائه مجيبًا.
لقاءمن كفاه وحماه وأعانه على نفسه وعدوه.
لقاءمن أعطاه وأكرمه وحفظه ورعاه وبكل بلاء حسن أبلاه.
يقول
الحسن البصري:إن أحباء الله هم الذين ورثوا الحياة الطيبة وذاقوا نعيمها
بما وصلوا إليه من مناجاة حبيبهم، وبما وجدوا من حلاوة في قلوبهم، لاسيما
إذا خطر على بالهم ذكر مشافهته وكشف ستور الحجب عنه في المقام الأمين
والسرور، وأراهم جلاله وأسمعهم لذة كلامه ورد عليهم جواب ما ناجوه به أيام
حياتهم(شرح حديث لبيك اللهم لبيك لابن رجب ص 89 – دار عالم الفوائد).
فالشوق إلى الله – إذن – ثمرة من ثمار تمكن حبه في قلب العبد، ويؤكد ابن رجب على ذلك بقوله:
الشوق إلى الله درجة عالية رفيعة تنشأ من قوة محبة الله عز وجل، وقد كان يسأل الله هذه الدرجة(استنشاق نسيم الأنس /93).
ففي دعائه «اللهم إني أسألك الرضى بعد القضاء، وبرد العيش بعد الموت، ولذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك من غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة»(أخرجه
الطبراني)فهو يسأل ربه الشوق إلى لقائه دون وجود أسباب ضاغطة عليه تدعوه
لذلك مثل: ضراء الدنيا وأقدارها المؤلمة، أو الفتن في الدين المضلة، أو
بمعنى آخر أن يكون الشوق إلى الله ناشئًا عن محض المحبة.
جاء في الأثر أن الله تبارك وتعالى يقول:
ألا
قد طال شوق الأبرار إلى لقائي، وإني إليهم لأشد شوقًا، وما شوق المشتاقين
إليَّ إلا بفضل شوقي إليهم. ألا من طلبني وجدني، ومن طلب غيري لم يجدني، من ذا الذي أقبل عليَّ فلم أقبل عليه؟ ومن ذا الذي دعاني فلم أجبه؟ ومن ذا الذي سألني فلم أعطه(المحبة لله سبحانه للجنيد /111).
رابعًا:التضحية من أجله والجهاد في سبيله
المحبة الصادقة
لله عز وجل تدفع صاحبها لبذل كل ما يملكه من أجل نيل رضا محبوبه، وليس
ذلك فحسب بل إنه يفعل ذلك بسعادة، وكل ما يتمناه أن تحوز هذه التضحية على
رضاه.
تأمل معي ما حدث من عبد الله بن جحش ليلة غزوة أحد عندما
قال لسعد بن أبي وقاص: ألا تأتي ندعو الله تعالى، فَخَلَوا في ناحية،
فدعا سعد، فقال: يا رب إذا لقينا العدو غدًا فَلَقِّني رجلاً شديدًا بأسه،
شديدًا حرده، أقاتله ويقاتلني، ثم ارزقني الظفر عليه حتى أقتله فآخذ سلبه
فأمَّن عبد الله، ثم قال: اللهم ارزقني غدًا رجلاً شديدًا بأسه، شديدًا
حرده، أقاتله ويقاتلني، ثم يأخذني، فيجدع أنفي وأذني، فإذا لقيتك غدًا قلت
لي: يا عبد الله فيم جُدع أنفك وأذنك؟ فأقول: فيك وفي رسولك، فتقول:
صدقت.
قال سعد:كانت دعوته خيرًا من دعوتي، فلقد رأيته آخر النهار، وإن أنفه وأذنه لمعلق في خيط(سير أعلام النبلاء للذهبي 1/112).
بن عمير يمشي وعليه إهاب كبش قد تمنطق به، فقال النبي : «انظروا إلى هذا الرجل الذي قد نور الله قلبه، ولقد رأيته بين أبوين يغذيانه بأطيب الطعام والشراب فدعاه حب الله ورسوله إلى ما ترون»(رواه أبو نعيم في الحلية)