نظرية المؤامرة هذا الكائن الغير محدد الملامح والذي أؤمن بوجوده في حين أتمسك بوجود ما هو أفظع منها وهو الجهل لدينا نحن العرب ، لا نكاد نخفق في شيء حتى تتجه أصابع الإتهام إلى الخارج والبوصلة غالبا تشير إلى الغرب ومؤخرا تشير أحيانا إلى الشرق حيث إمبراطورية كسرى.
عندما أقول لك أن (العرب ظاهرة صوتية) فإنك ستبصم على كلماتي هذه وستؤكد لي أن العرب لم يتفوقا قديما في شيء قدر تفوقهم في الشعر وعلم الكلام حتى أن بيتا من الشعر كان يذل قبيلة ويعز أخرى ويبدو أن دورة التاريخ تعيد نفسها فالعربي - والذي توسع مكان تواجده من الجزيرة العربية ليشمل بلدان شمال أفريقيا - عبارة عن (بؤ فعل مافيش) كما في التعبير الدارج ، نبكي على الفردوس المفقود ولا نحاول أن نبني فردوسا لنا من جديد ، نبكي على فلسطين والعراق وسوريا ويصعب علينا مساعدتهم لأننا نجيد البكاء فقط ، (العرب ظاهرة صوتية) هذا هو عنوان كتاب للمفكر السعودي عبد الله القصيمي ويبدو أنه لم يعد يفخر بعروبته أو هكذا يهيأ لي وربما أنا أوافقه هذا كما أوافق نزار قباني والذي يلخص الكتاب ككل في مقاطع كهذه :
لا تسافر بجوازٍ عربي..
لا تسافر مرةً أخرى لأوروبا
فأوروبا – كما تعلم – ضاقت بجميع السفهاء..
أيها المنبوذ..
والمشبوه..
أيها الديك الطعين الكبرياء..
أيها المقتول من غير قتالٍ..
أيها المذبوح من غير دماء..
لا تسافر بجوازٍ عربي..
وانتظر كالجرذ في كل المطارات،
إن الضوء أحمر..
لا تقل باللغة الفصحى..
أنا مروان.. أو عدنان..
أو سحبان
إن الإسم لا يعني لها شيئاً..
وتاريخك – يا مولاي – تاريخٌ مزور..
لا تفاخر ببطولاتك في (لليدو)
فسوزان..
وجانين..
وكوليت..
وآلاف الفرنسيات.. لم يقرأن يوماً
قصة الزير وعنتر..
يا صديقي:
أنت تبدو مضحكاً في ليل باريس..
فعد فوراً إلى الفندق..
إن الضوء أحمر..
لا تسافر..
بجوازٍ عربيٍ بين أحياء العرب!!
فهم من أجل قرشٍ يقتلونك..
وهم – حين يجوعون مساءً – يأكلونك
لا تكن ضيفاً على حاتم طي
فهو كذابٌ..
ونصابٌ..
نظرية المؤامرة تتفق مزاجيا مع ظاهرتنا الصوتية فنجد أجمل السيمفونيات الحوارية تملأ صحفنا وكتبنا (كم عربي يواظبون على القراءة؟) ، فنجد هذا الهارموني الفظيع بين ضيوف البرامج الحوارية على الفضائيات عند ذكر وجود يد ما لعبت في استراتيجية ما لدولة ما لتوجهها ناحية جهة ما ، وكلنا يعتنق هذا الفكر ويردد أن لعنة الله على الكافرين. نظرية المؤامرة وظاهرتنا الصوتية نتيجة مباشرة أو غير مباشرة لثقافة الإنهزامية التي تملؤنا وجنون العظمة الذي يعمينا ، في أحد المسلسلات التلفزيونية والذي كان يحكي عن فترة احتلال سيناء فيظهر جنديان من جيش العدو يتحدثان ويسخران من قدرة المصريين لاستعادة الأرض فيقول أحدهم أن مصر والمصريين يجيدون فقط الكلام والوعيد فهم يتحدثون أكثر مما يعملون ويشير أن مصر لن تجنو من ورائها إلا أغنية جميلة لأم كلثوم أو عبد الحليم ، حقيقية هذه الكلمات نوعا ما وتتفق مع جميع العرب. نحب جدا التاريخ المليء بالإنجازات والبطولات والفتوحات والحضارات وننسى أن حاضرنا تاريخ لمستقبلنا ، فإلى متى سيبقى التاريخ مشرفا؟ أتخيل بعد مائة عام مثلا من الآن ، ماذا سيقول الأحفاد عن هذه الحقبة حقبة أجدادهم؟ هل سيكون هناك أحفاد أصلا لنا العرب؟ هل سينقرض العرب أم سيظلوا كما هم وستظل ألسنتهم تعمل وعيونهم تبكي وتتحسر؟ حتى أن تميزنا الصوتي وتفوقنا في الكلام مشكوك في صحته بل غير صحيح وهنا يظهر مصطلح الصمت العربي.
عندما أقول لك هناك صمت عربي ستبصم لي بذلك وستسوق لي الأمثلة منذ كذا وكذا وسأقتنع حينها بأن هناك صمت عربي ولا تعارض إطلاقا مع الظاهرة الصوتية التي أبصمت عليها قبلا ، حروف هجاؤنا تقرأ من اليمين إلى اليسار ولغتنا هي لغة الضاد فكيف سيفهمنا العالم ، إذن العيب في اللغة فنحن نتحدث بفضل خواصنا الصوتية ولكننا لا نسمعهم بفضل غرابة لغتنا وهنا مكمن الصمت الظاهر ، هل تعتقد هذا؟ هل اللغة هي العبء؟ لا وألف لا ، لماذا كانوا في وقت ما منهمرين على كتبنا ومؤلفاتنا العربية في قرطبة وباليرمو؟ يترجمونها حتى إذا عجزوا في إيجاد الكلمات سموها باسمها العربي فآلجيبرا هي الجبر والكاميرا هي القمرة وغيرهما ، لماذا تحولت حروف اللغة التركية من أبجديتها العربية إلى اللاتينية؟ هل العرب متخلفون لهذا الحد؟ ، إذن المشكلة حمال اللغة ونحن نعرف هذا ونعترف به كما نتجاهله ونعتقد أنهم هم السبب في ذلك فهم دائموا التخطيط لتعكير صفو حياتنا الغير صاف أصلا وهم كما نعرف من يسمون بالأطراف الخارجية التي تستمتع بصمتنا. ما الحل إذن؟ .. نحن لا نعرف في الأساس ما هي خواصنا الحالية هل نحن صوت أم صمت؟ في الكثير من المواقف والتي نكون في دور المجني عليهم كما تعودنا تبرز الخاصية الصوتية بشدة في أجوائنا العامة وأعتقد حينها أننا ظواهر صوتية وحنجورية وفي نفس الوقت نصل إلى لا شيء ينصف قضيتنا ويعيد حقوقنا فتتلاشى المناظرات والمناوشات والخطابات والمظاهرات والتي هي تجسيد للصوتنا إلى لا شيء بل ونصبح حينها المعتدين الظالمين القاتلين المهددين لسلام وروعة انتظام الحياة البشرية ، وكأن صوتا لم يكن .. يذكرني هذا الموقف بقصتين بل ثلاث قصص أولها قصة هذا الرجل الذي تعرض له أحدهم في الخارج وأوجعه ضربا وإهانة على مرأى الجميع فعاد الرجل المضروب هذا لبيته وأحكم إغلاق الباب عليه ثم أخذ يشكو لأهله هذا الرجل ويتوعده بالرد القاسي وكذلك ثار أهله وجعلوا يهتفون بنصرة أخيهم وارتفع صوتهم بشدة ولكنه لم يخرج من البيت إلى لبعض الأمتار في حين ذهب الرجل الآخر إلى قسم الئرطة بعد أن خدش نفسه حتى سالت بعض قطرات الدم واتهم الرجل الآخر بإصابته وجرحه فكانت قضية وجنحة أدين فيها المظلوم لأنه لم يروج لقضيته بالشكل السليم كما فعلت مصر منذ أعوام وهذه هي القصة الثانية ، عندما أرادت مصر تنظيم كأس العالم لكرة القدم كانت هناك حملة دعائية ضخمة للترويج لإمكانيات مصر وجهازيتها لذلك فامتلأت الشوارع بالبوسترات وامتلأت القنوات التلفزيونية والجرائد بالإعلانات أقيمت الحفلات عند سفح الهرم ووو .. وكانت النتيجة هي الصفر الأشهر في التاريخ لأن الدعاية كانت موجهة لنا المصريين ولم يعلم العالم عنا شيئا فكيف سيصوتون لنا ، هنا يكمن دور الدعاية وصحة توجيهها وهذا يقودنا للقصة الأخيرة أو العنوان الأخير الذي وجدته عند تصفحي لأحد المواقع : (لماذا لا نأكل بيض البط؟) .. تصورت أن السبب علمي طبي أو ربما ذوقي يعتمد على الطعم وخلافه أو ربما اقتصادي لغلو بيض البط مثلا ولكن الإجابة كانت بسبب أسلوب الدعاية الخاطيء أو اللادعية التي تقوم بها البطة للإعلان عن منتجها ، فالدجاجة عندما تبيض تأخذ في الصياح والصياح معلنة عن وجود منتج جديد لها فينتبه المربون لذلك ولكن البطة عندما تبيض تلتزم الصمت وهنا يضيع محصولها ومكان وجوده ... ربما كان العرب متكلمين بارعين ولكنهم فاشلون في الدعاية لأفكارهم وأنفسهم فباتوا صامتين متخلفين إرهابيين يحق للجميع في العالم أن يحيك لهم المؤامرات لإيقاف شرورهم.