يمكنُنا أن نقسِّمَ ألفاظَ اللغةِ على ثلاثةِ تقسيماتٍ: ظاهرةٍ، وغامضةٍ ومخادِعَةٍ.
أمَّا الظاهرةُ فهي البيِّنةُ الواضحةُ لفظًا ودلالةً، يدلُّكَ لفظُها على
معناها، وأمَّا الغامضةُ فهي الخفيَّةُ المستعصيَةُ على الفهمِ
المتطلِّبةُ رجوعًا إلى معاجمِ اللغةِ للكشفِ عن معناها، وهذانِ القسمانِ
هما الأكثرُ شيوعًا في تعاملاتِنا اللغويَّةِ، وثَمَّةَ قسمٌ ثالثٌ وُصِفَ
هاهنا بالمخادِعِ، وهي الألفاظُ التي تتوَّهَمُ أنك تعلَمُ معناها فإذا ما
تحقَّقتَ منها بالسؤالِ عنها أو بالرجوعِ إلى المعاجم، تبيَّنَ لك أنها على
خلافِ ما توهَّمتَ.
هذه الأقسامُ الثلاثةُ يضمُّ أمثلتَها قولُ طَرَفَةَ بنِ العبدِ:
أَرَى المَوْتَ يَعتامُ الكِرَامَ ويَصْطَفي ... عَقِيلَةَ مالِ الفاحِشٍ المُتَشَدِّدِ
وقبلَ أنْ نمضيَ في بيانِ أمثلةِ الأقسامِ الثلاثةِ من قولِ طَرَفةَ
ننبِّهُ على أنَّ دلالةَ الألفاظِ على الظهورِ أو الخفاءِ أو المخادَعَةِ
أمرٌ نسبِيٌّ يختلِفُ فيه الناسُ باختلافِ مخزونِهم اللُّغَوِيِّ، فما
تَعُدُّه ظاهرًا لك ربما كانَ خفيًّا على غيرِك. ولْنفتَرِضْ أننا
متَّفِقونَ على تقسيمِ ألفاظِ طرَفةَ في البيتِ المذكور على التقسيم
الثلاثي بقصدِ التمثيلِ، فنقول:
إن دلالة (أرى – الموت – الكرام –
يصطفي - مال) ظاهرةٌ لقارئها، فلا حاجةَ إلى توضيحِ الواضحِ، ولكنَّ كلمتَي
(يعتام - عقيلة) خفيةٌ مستعصيَةٌ على الفهمِ، وقد نستدل على شيءٍ من معنى
(يعتام) بدلالةِ الاقترانِ بكلمةِ (يصطفي) فنسترشِدُ بما نعرِفُ من معنى
(يصطفي) على معنى (يعتام) فنقول: هي بمعنى يختار، لكنَّ الخفاءَ يبقى
ملازمًا لها، فهل هي من عمَّ أو من عتَم أو من عَيَم أو من عَوَم؟ وهذه
أصولٌ مختلِفَةٌ كلَّ الاختلافِ، فلا سبيل إذًا إلا استشارةُ معجمٍ يَحُلُّ
المشكِلَ ويُبِينُ عن الأصلِ المتفرِّعَةِ عنه كلمةُ (يعتام) هذه،
وبالرجوعِ إلى لسانِ العربِ أو تاجِ العروسِ ينجلي الغبارُ ويتَّضِحُ
المرادُ، جاءَ في لسانِ العرب: "والعِيمةُ من المَتاع خِيرَتُه قال
الأَزهري عِيمةُ كلِّ شيءٍٍ بالكسر خِيارُه وجمعها عِيَمٌ، وقد اعْتامَ
يَعْتامُ اعْتِيامًا واعْتانَ يَعْتانُ اعْتِيانًا إذا اختار ... وفي حديث
عمر: (إذا وقَفَ الرجلُ عَلَيك غَنَمَهُ فلا تَعْتَمْه)، أَي: لا تَخْتَرْ
غنمَه ولا تأْخذْ منه خِيارَها، وفي الحديثِ: (في صدقةِ الغنمِ يَعْتَامُها
صاحِبُها شاةً شاةً، أَي: يختارها، ومنه حديث عليٍّ: (بَلَغني أَنك
تُنْفِقُ مالَ اللهِ فيمن تَعْتَامُ من عشيرتِك) وحديثِه الآخرِ: (رسولُه
المُجْتَبَى من خلائقِه والمُعْتَامُ لِشَرْع حقائقِه) والتاء في هذه
الأَحاديثِ كلِّها تاءُ الافتعالِ، واعْتَامَ الشيءَ اختاره قال طرفة:
أَرَى المَوْتَ يَعْتَامُ الكِرامَ ويَصْطَفِي عَقِيلَةَ مالِ الفاحشِ المُتَشَدِّدِ"
فتبيَّنَ بذلك أنَّ اعتامَ من عَيَمَ لا من غيرِها، وأنَّ معناها اختارَ بالتحقيقِ لا بالتخمينِ.
وأما معنى (عقيلة مال الفاحش) فهو أكرمُ مالِه وأجودُه، جاء في تاج
العروس: "العَقيلَةُ من النِّساءِ كسَفينَةٍ : الكريمَةُ المُخَدَّرَةُ
النَّفيسَةُ هذا هو الأَصلُ ثمَّ استُعمِلَ في الكريمِ من كلِّ شيءٍ من
الذّواتِ والمَعاني ومنه عَقائلُ الكلامِ. العَقيلَة من القَومِ :
سَيِّدُهُم . العقيلةُ من كلِّ شيءٍ : أَكرَمُهُ قال طَرَفَةُ:
أَرى المَوتَ يَعتامُ الكِرامَ ويَصطَفي عَقيلَةَ مالِ الفاحِشِ المُتَشَدِّدِ"
أمَّا أمثلةُ القسمِ الثالثِ من بيتِ طرَفةَ فكلمتا (الفاحش - المتشدد)
فالظنُّ أنَّ معناهما مفهومٌ لكونِهما مأخوذتانِ من الفُحْشِ
والتَّشَدُّدِ، وهما في الجملةِ من ألفاظِ القبحِ والذمِ، وربما ذهبَ
الذهنُ إلى أنَّ (الفاحش) فاعلُ الخبَثِ من زنًا ونحوِه وأنَّ (المتشدِّدَ)
إمعانٌ في وصفِه بذلك، فهذا الوضوحُ غيرُ صحيحٍ، وإنما معنى الفاحشِ
والمشدِّدِ: البخيلُ المغالي في البخلِ، ومنه في وجهٍ من التفسير قولُه
تعالى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ}
[البقرة : 268] أي بالإمساكِ عن النفقةِ والتصدُّقِ، وقولُه تعالى:
{وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} [العاديات : 8] حكى الطبري عن
بعضهم أن معنى لشديد "أي لبخيل; قال: يقال للبخيلِ: شديدٌ ومتشدِّدٌ.
واستشهدوا لقولِه ذلك ببيتِ طرَفةَ بنِ العبدِ البكريِّ:
أرَى المَوْتَ يَعْتامُ النُّفُوسَ ويَصْطَفِي عَقِيلَةَ مالِ الباخِلِ المُتَشَددِ"
فهذا النوعُ مِنَ الكلِمِ أحوجُ ما يكونُ لليقظةِ والاستبصارِ والله المستعان.
أمَّا الظاهرةُ فهي البيِّنةُ الواضحةُ لفظًا ودلالةً، يدلُّكَ لفظُها على
معناها، وأمَّا الغامضةُ فهي الخفيَّةُ المستعصيَةُ على الفهمِ
المتطلِّبةُ رجوعًا إلى معاجمِ اللغةِ للكشفِ عن معناها، وهذانِ القسمانِ
هما الأكثرُ شيوعًا في تعاملاتِنا اللغويَّةِ، وثَمَّةَ قسمٌ ثالثٌ وُصِفَ
هاهنا بالمخادِعِ، وهي الألفاظُ التي تتوَّهَمُ أنك تعلَمُ معناها فإذا ما
تحقَّقتَ منها بالسؤالِ عنها أو بالرجوعِ إلى المعاجم، تبيَّنَ لك أنها على
خلافِ ما توهَّمتَ.
هذه الأقسامُ الثلاثةُ يضمُّ أمثلتَها قولُ طَرَفَةَ بنِ العبدِ:
أَرَى المَوْتَ يَعتامُ الكِرَامَ ويَصْطَفي ... عَقِيلَةَ مالِ الفاحِشٍ المُتَشَدِّدِ
وقبلَ أنْ نمضيَ في بيانِ أمثلةِ الأقسامِ الثلاثةِ من قولِ طَرَفةَ
ننبِّهُ على أنَّ دلالةَ الألفاظِ على الظهورِ أو الخفاءِ أو المخادَعَةِ
أمرٌ نسبِيٌّ يختلِفُ فيه الناسُ باختلافِ مخزونِهم اللُّغَوِيِّ، فما
تَعُدُّه ظاهرًا لك ربما كانَ خفيًّا على غيرِك. ولْنفتَرِضْ أننا
متَّفِقونَ على تقسيمِ ألفاظِ طرَفةَ في البيتِ المذكور على التقسيم
الثلاثي بقصدِ التمثيلِ، فنقول:
إن دلالة (أرى – الموت – الكرام –
يصطفي - مال) ظاهرةٌ لقارئها، فلا حاجةَ إلى توضيحِ الواضحِ، ولكنَّ كلمتَي
(يعتام - عقيلة) خفيةٌ مستعصيَةٌ على الفهمِ، وقد نستدل على شيءٍ من معنى
(يعتام) بدلالةِ الاقترانِ بكلمةِ (يصطفي) فنسترشِدُ بما نعرِفُ من معنى
(يصطفي) على معنى (يعتام) فنقول: هي بمعنى يختار، لكنَّ الخفاءَ يبقى
ملازمًا لها، فهل هي من عمَّ أو من عتَم أو من عَيَم أو من عَوَم؟ وهذه
أصولٌ مختلِفَةٌ كلَّ الاختلافِ، فلا سبيل إذًا إلا استشارةُ معجمٍ يَحُلُّ
المشكِلَ ويُبِينُ عن الأصلِ المتفرِّعَةِ عنه كلمةُ (يعتام) هذه،
وبالرجوعِ إلى لسانِ العربِ أو تاجِ العروسِ ينجلي الغبارُ ويتَّضِحُ
المرادُ، جاءَ في لسانِ العرب: "والعِيمةُ من المَتاع خِيرَتُه قال
الأَزهري عِيمةُ كلِّ شيءٍٍ بالكسر خِيارُه وجمعها عِيَمٌ، وقد اعْتامَ
يَعْتامُ اعْتِيامًا واعْتانَ يَعْتانُ اعْتِيانًا إذا اختار ... وفي حديث
عمر: (إذا وقَفَ الرجلُ عَلَيك غَنَمَهُ فلا تَعْتَمْه)، أَي: لا تَخْتَرْ
غنمَه ولا تأْخذْ منه خِيارَها، وفي الحديثِ: (في صدقةِ الغنمِ يَعْتَامُها
صاحِبُها شاةً شاةً، أَي: يختارها، ومنه حديث عليٍّ: (بَلَغني أَنك
تُنْفِقُ مالَ اللهِ فيمن تَعْتَامُ من عشيرتِك) وحديثِه الآخرِ: (رسولُه
المُجْتَبَى من خلائقِه والمُعْتَامُ لِشَرْع حقائقِه) والتاء في هذه
الأَحاديثِ كلِّها تاءُ الافتعالِ، واعْتَامَ الشيءَ اختاره قال طرفة:
أَرَى المَوْتَ يَعْتَامُ الكِرامَ ويَصْطَفِي عَقِيلَةَ مالِ الفاحشِ المُتَشَدِّدِ"
فتبيَّنَ بذلك أنَّ اعتامَ من عَيَمَ لا من غيرِها، وأنَّ معناها اختارَ بالتحقيقِ لا بالتخمينِ.
وأما معنى (عقيلة مال الفاحش) فهو أكرمُ مالِه وأجودُه، جاء في تاج
العروس: "العَقيلَةُ من النِّساءِ كسَفينَةٍ : الكريمَةُ المُخَدَّرَةُ
النَّفيسَةُ هذا هو الأَصلُ ثمَّ استُعمِلَ في الكريمِ من كلِّ شيءٍ من
الذّواتِ والمَعاني ومنه عَقائلُ الكلامِ. العَقيلَة من القَومِ :
سَيِّدُهُم . العقيلةُ من كلِّ شيءٍ : أَكرَمُهُ قال طَرَفَةُ:
أَرى المَوتَ يَعتامُ الكِرامَ ويَصطَفي عَقيلَةَ مالِ الفاحِشِ المُتَشَدِّدِ"
أمَّا أمثلةُ القسمِ الثالثِ من بيتِ طرَفةَ فكلمتا (الفاحش - المتشدد)
فالظنُّ أنَّ معناهما مفهومٌ لكونِهما مأخوذتانِ من الفُحْشِ
والتَّشَدُّدِ، وهما في الجملةِ من ألفاظِ القبحِ والذمِ، وربما ذهبَ
الذهنُ إلى أنَّ (الفاحش) فاعلُ الخبَثِ من زنًا ونحوِه وأنَّ (المتشدِّدَ)
إمعانٌ في وصفِه بذلك، فهذا الوضوحُ غيرُ صحيحٍ، وإنما معنى الفاحشِ
والمشدِّدِ: البخيلُ المغالي في البخلِ، ومنه في وجهٍ من التفسير قولُه
تعالى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ}
[البقرة : 268] أي بالإمساكِ عن النفقةِ والتصدُّقِ، وقولُه تعالى:
{وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} [العاديات : 8] حكى الطبري عن
بعضهم أن معنى لشديد "أي لبخيل; قال: يقال للبخيلِ: شديدٌ ومتشدِّدٌ.
واستشهدوا لقولِه ذلك ببيتِ طرَفةَ بنِ العبدِ البكريِّ:
أرَى المَوْتَ يَعْتامُ النُّفُوسَ ويَصْطَفِي عَقِيلَةَ مالِ الباخِلِ المُتَشَددِ"
فهذا النوعُ مِنَ الكلِمِ أحوجُ ما يكونُ لليقظةِ والاستبصارِ والله المستعان.
