في أداء فريضة الحج على هدى المذهب الحنبلي :
( عن كتاب التذكرة لأبي الوفاء بن عقيل الحنبلي )
قال أبو الوفاء بن عقيل الحنبلي :
كتاب الحج :
قال الله سبحانه : ( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا).
ولا يجب إلا على من كملت فيه خمسة شرائط : البلوغ ، والعقل، والإسلام، والحرية ، ووجود الزاد والراحلة .فهذه في حق الرجل ، وتزيد المرأة باعتبار المحرم ، فإن لم تجد محرما فلا حج عليها ..
وأما تخلية الطريق وإمكان السير فهما شرطان للزوم السعي ، والفرق بين شرط الوجوب وشرط لزوم السعي إنما كان شرطا للوجوب أنه إذا مات قبل حصوله لم تجب الحجة في ماله ، وإذا كان شرطا للزوم السعي إذا مات قبل حصوله كانت الحجة في تركته.
فأما إمكان المسير فإن يكون الوقت متسعا لمسيره من إكمال شرائط الوجوب فيه .
والتخلية ألا يكون في الطريق مانع ، ولا ما يحتاج فيه إلى خفاير
.
فصل :
فإن وجدت هذه الشرائط كلها إلا أن الشخص معضوب سقط عنه الحج بنفسه ، ووجبت عليه استنابة غيره ، ويجب أن يكون ذلك الغير ممن أسقط الحج عن نفسه ، ويكون ما يأخذه نفقة طريقه ، لا أجرة، وإن فضل شيء رده إلا أن يهبه منه ، فإن استناب ضرورة وقع الحج عن الحاج دون المحجوج عنه في أصح الوجهين ..
ويصح حج الصبي ، ولا يسقط فرضه بذلك ، وكذلك العبد .
فصل :
وللحج ميقاتان ، ميقات مكان ، و ميقات زمان .
فميقات الزمان لا يختلف باختلاف البلدان ، بل هو في ثلاثة أشهر : شوال ، وذو القعدة ، وعشرة أيام من ذي الحجة ، آخرها يوم النحر ، ووضعت هذه لترك التقدم عليها .
ويجوز الإحرام في جميع السنة إلا أن المستحب فعله في أشهره .
و ميقات المكان وضع لئلا يتجاوز عنه ، ويجوز التقدم عليه إلا أن المسنون أن يحرم منه ، لأنه لا يأمن أن يطول عليه الإحرام فيواقع محظوراته .
و مواقيت المكان خمسة : ميقات أهل العراق ، وخراسان ، والمشرق ذات عرق وبينه وبين مكة ليلتان..، وميقات أهل المدينة من ذي الحليفة .. وميقات أهل مصر والشام ، والمغرب ، وتلك النواحي من الجلفة ، و ميقات أهل اليمن يلملم ...
فصل :
ويكره الإحرام بأحد ثلاثة أنساك :
إما التمتع ، أو القران، أو الإفراد .
فالتمتع أفضلها عندنا ، وصفته : أن يحرم بالعمرة من الميقات ، ثم يمضي إلى مكة معتمرا فيقضي نسكه، وهو طواف ، وسعي، وحلاق ، ثم يخرج مع أهل مكة من جرف مكة بالحج على صفة المكيين.
وصفة الإفراد : أن يحرم بالحج من الميقات .
وصفة القران : أن يحرم بالحج والعمرة معا من الميقات ، فيدخل أفعال إحداهما في أفعال الآخر، وهل يجزئه لهما طواف واحد وسعي واحد ؟ على روايتين ، أحدهما : يجزئه ، والثانية : لا يجزئه إلا طوافان وسعيان .
فصل :
والذي يفعله عند إحرامه يغتسل ويلبس ثوبين نظيفين ، ويصلي ركعتين ، ثم يقول : اللهم إني أريد الحج ، إن أراد الإفراد ، أو أريد العمرة ، إن أراد التمتع ، أو أريد العمرة والحج . إن أراد القران فيسرهما لي وتقبلهما مني ، فإن حبسني حابس دون بيتك الحرام فمحلي حيث حبستني ، ويفيده هذا الشرط سقوط دم الحصار إن حصر عن البيت ، ويلبي فيقول : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك . وليست التلبية واجبة .
فصل :
و التلبية في ثمانية مواطن :
عقيب الصلوات ، وإذا أشرف على نشر ، أو هبط واديا ، وبالأسحار ، وإذا التقت الرفاق ، وإذا تلبس بمحظور ناسيا رفضه وفزع إلى التلبية ، وإذا رأى البيت .
فصل :
ويشتمل الحج على خمسة أشياء :
شرائط ، وأركان ، وواجبات ، ومسنونات ، وهيئات .
فالشرائط ما وجب لها قبلها ، وهي الخمسة التي ذكرناها : البلوغ ، و العقل ، والإسلام ، والحرية ، والزاد ، والراحلة .
والأركان ثلاثة : الإحرام ، والوقوف ، والطواف ، وفي السعي روايتان .
والواجبات طواف الوداع ، والبيتوتة بالمزدلفة ليالي منى ، ورمي الجمار أيام منى ، ودم التمتع ، والحلاق إذا قلنا إنه نسك في إحدى الروايتين .
فصل :
ولا يجب دم التمتع إلا بستة شرائط :
أن يحرم بالعمرة من الميقات ، وأن يكون إحرامه في أشهر الحج وأن يحج من سنته ، وألا يكون من حاضري المسجد الحرام ، وألا يسافر بين الحج والعمرة سفرا يقصر في مثله الصلاة ، وأن يحرم بالحج من مكة ، فمتى لم تكتمل هذه الستة شرائط فلا دم عليه
والهدي شاة ، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام آخرها يوم عرفة ، وسبعة إن شاء صامهن في طريقه ، وإن شاء إذا رجع إلى أهله .
فصل : المسنونات :
وأما المسنونات فطواف القدوم ، والأدعية عند الميزاب ، وعلى الصفا والمروة ، وعند الملتزم ..
فصل : الهيئات :
فأما الهيئات ، فالكرمل ، والاضطباع في الطواف ، والهرولة في السعي من الميل الأخضر إلى الميل الخضر، ويمشي من الصفا إلى الميل الأول ، ومن الميل الثاني يمشي إلى الميل ، ومن الميل إلى المروة ، وكلما كان صفة في غيره فهو هيئة .
فحكم الشرائط أنه لا يحصل وجوب الحج إلا بتقدمها على فعل الإحرام ، وحكم الأركان أنه لا يتم الحج إلا بها ، وينفرد الوقوف بحكم يختصه يفضل به على سائر الأركان وهو فوات الحج بفواته.
وحكم الواجبات أنه يجب بتركها دم ، والحج صحيح تام .
وحكم المسنونات والهيئات أنها تسقط لا إلى جبران ..
فصل :
فأما محظورات الإحرام فعلى ثلاثة أضرب : إتلاف ، وترفة ، وما لا يليق به من الكلام . قال سبحانه: ( فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج) . فالرفث : الجماع ودواعيه ، والفسوق : السباب، والجدال : المماراة فيما لا يعني .
وقال سبحانه: ( لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ) .
ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن لبس المخيط في حق الرجال دون الرجال ، وتضليل المحرم ، وتغطية الرأس كله أو بعضه ، وتطييب عضو أو بعضه ، والتعمد لشم الطيب ، أو صبغ ثوبيه ، والوطء ودواعيه ، كالنظر ، واللمس ، وعقد النكاح ، فإن عقد لم ينعقد ، ولا يتولاه لغيره ، وفي ارتجاع زوجته المطلقة روايتان ، أصحهما : الجواز ، لأنه استدامة إمساك ، وليس بابتداء عقد ، لأنها مباحة له ، والنكاح إنما حظر لأنه يدعو إلى الوطء ، وتتوق النفس به إلى الجماع .
..
فأما التنظف ، كالغسل ، والقطع للروائح الكريهة ، مثل الصنان ، والعرق ، والسواك فلا يحرم ، ولا يكره .
وملبوسان يباح لبسهما إذا عدم غيرهما ولا دم عليه الخف إذا عدم النعل ، ولا يقطعه ، والسراويل إذا عدم الإزار ، ولا يشقه .
فأما الكلام الذي يحرم ، فالسباب ، وهو يحرم في غير الإحرام لكنه متغلظ في الإحرام ، ومثل ذلك القتل محظور في غير الحرم و الإحرام ، لكنه مغلظ بهما .
وأما الإتلاف : فقطع الشعر ، والظفر ، وقتل الصيد ، وإمساكه ، والإشارة إليه ، والدلالة عليه، و ذلك يختص بصيد البر ، ويباح صيد البحر .
وللصيد تحريمان ، تحريم لأجل الإحرام ، و تحريم لأجل الحرام ، وكل واحد منهما بمجرده كاف في التحريم ، فيحرم قتل الصيد على المحل في الحرم ، وعلى المحرم في الحل ، فإذا اجتمعا تأكد حظرهما بعلتين .
وأما المحرمة الصائمة يحرم وطئها بالصوم الإحرام .
والثوب المغصوب إذا كان حريرا حرمت الصلاة فيه لعلتين
ويباح قتل سباع البهائم وجوارح الطير ، نص النبي (ص) على خمس فقال : ( خمس لا حرج على من قتلهن في حل ولا حرم : الحدأة ، والغراب ، والحية ، والعقرب ، والفأرة ، والكلب العقور ) .وقسنا عليه كلما كان مؤذيا للأنفس ، أو متلفا للأموال ، وما لا يكون مؤذيا في الأصل فتحقق منه الأذى بالصول أبيح قتله ، وصار كالجارح المؤذي بطبعه .
وكذلك الشعر ، والظفر إذا كانا مؤذيين بأن انكسر الظفر ، أو نبت الشعر في العين .
... الخ .
فصل : في كفارته ودمائه :
وهي على ضربين : على الترتيب ، وعلى التخيير .
فكفارة الأذى على التخيير ، قال سبحانه : ( فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك ) تقديره : فحلق ..
و كفارة الصيد على التخيير ، قال سبحانه : ( ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم ) الآية .
ودم التمتع على الترتيب شاة ، فإن لم يجد فالصوم ، قال سبحانه : ( فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم ).
ودم الإحصار على الترتيب أيضا ، قال سبحانه : ( فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ) إلا أنه يتحلل إذا عدم الهدي إلا بعد صوم العشرة
.
فصل : المناسك وشرح الأفعال في الأماكن المختلفة :
فصل :
الذي يفعل في الميقات سبعة أشياء :
الغسل إن أمكن ، فإن تعذر فالوضوء ، فإن تعذر فالتيمم ، ويأخذ من شعره ، ويتطيب ، ويلبس ثوبين نظيفين ليس فيهما مخيط ، ويصلي ركعتين يعقد عقيبهما الإحرام ، ويستحب أن ينطق به ، فيقول : اللهم إني أريد الحج ، أو العمرة ، أو الحج و العمرة حسب ما يحرم به من الأنساك .
فصل : ذكر ما يفعله المعتمر :
يحرم ويطوف ويسعى بين الصفا والمروة ويحلق أو يقصر ، فهذه أربعة أشياء لا تتم العمرة إلا بها.
فصل : ذكر ما يفعله إذا رأى البيت :
وإذا رآه لبى ، ثم قال : اللهم زد هذا البيت تشريفا وتعظيما ، ومهابة ، وزد من قصده ممن حج واعتمر تشريفا وتعظيما ، ومهابة .
فصل : ما يفعل في الموقف :
يستحب أن يقف على جبال الرحمة ، وعرفات كلها موقف إلا وادي عرنة ، ويجمع بين الظهر والعصر بأذان وإقامتين ، ولا يتنفل بينهما ، ويدعو ويبتهل إلى الله ، وليس في الدعاء توقيت .
فصل :
ثم يدفع الإمام بعد غروب الشمس إلى مزدلفة ، فيجمع فيها بين المغرب والعشاء الآخرة بأذان وإقامتين ، ثم يأخذ حصى الجمار ، وهو سبعون حصاة ، فيغسله ، ويكون أكبر من الحمص ، ودون البندق .
فصل :
ثم يأتي المشعر الحرام قبل طلوع الشمس ، فيدعو ويجتهد في الدعاء ، ثم يأتي منى ، فيقف عند العقبة الأولى قبل زوال الشمس فيرمها بسبع حصيات ، ويقطع التلبية مع أول حصاة ، ويكبر مع كل حصاة ، فينتقل إلى التكبير .
فصل : في صفة المرمى :
أين ترمي الحصى ؟ عن يمينك ، وشمالك ، وتلقاء وجهك ، وتكبر وتقول : الله أكبر . الله أكبر . لا إله إلا الله . و الله أكبر . الله أكبر ولله الحمد . تكبر كذلك مع رميك ، وتقول : أرضي بك الرحمان ، وأسخط بك الشيطان . ولا يقف عندها .
فصل :
ثم ترجع إلى منى فتذبح ما كان معك من هدي نفلا كان أو فرضا ، أو فدية ، أو نسكا ، ولا تأكل مما تذبحه إلا من الأضحية ، وهدي القران ، والمتعة ، وما سوى ذلك لا يأكل منه ، ثم تحلق رأسك ، أو تقصر شعرك . والحلق أفضل .
وقد حللت من حجك التحلل الأول ، وأبيح لك كل محظور حظره الإحرام سوى الوطء ، والتلذذ بالنساء ، والتحلل الثاني يبيح ذلك ، وهو إذا طفت طواف ( الإفاضة ) .
وإذا حلقت رأسك فقل : اللهم اكتب لي بكل شعرة حسنة ، وامح عني سيئة ، وارفع لي درجة ، واغفر لي وللمحلقين ، والمقصرين ، يا واسع المغفرة .
فصل :
والذي يفعله المحرم في يوم النحر الرمي ، والذبح ، والحلاق ، وطواف الإفاضة ، وهو الركن ، ويحل له كل المحظورات .
وإذا وطء بين التحللين فقد فعل محظورا ، وحجه صحيح . وإذا أخل بالترتيب ففيه روايتان ، إحداهما: يجب عليه دم . والثانية لا دم عليه ، لقول النبي ( ص) : ( لا حرج لا حرج ) .
فصل :
وإذا دخل المسجد الحرام فليكن دخوله من باب بني شيبة ، فيصلي ركعتين تحية المسجد ، ثم يتقدم إلى الحجر الأسود فيقبله إن أمكنه ، وإلا وقف حياله ، وأومأ إليه بيده وقبّلها ، وقال : اللهم إيمانا بك ، ووفاء بعهدك ، واتباعا لسنة نبيك (ص) .الله أكبر . الله أكبر . إلى آخر التكبير الذي شرحته لك ، ثم يأخذ عن يمينه في الطواف ، فإذا أتى الركن العراقي وقف حياله ، وقال : اللهم إني أعوذ بك من الشقاق ، والنفاق ، وسوء الأخلاق ، وسوء المنقلب في الأهل والمال والولد . ثم تسير وأنت مكبر وتقف بإزاء الميزاب من خارج الحجر ، وتقول : اللهم أظلني تحت عرشك يوم لا ظل إلا ظلك ، اللهم أروني يوم يعطشون ، وآمني يوم يفزعون ، ثم تسير حتى تأتي بإزاء الركن الشامي ، فيقول : اللهم تقبل مني كما تقبلت من إبراهيم خليلك وموسى كليمك ، وعيسى كلمتك ، ومحمد نبيك صلى الله عليهم أجمعين .
وتسير حتى تأتي الركن اليماني فتقف بإزاءه ثم تقول : ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار . ثم تأخذ عن يمينك وتأتي الملتزم ، وهو ما بين الحجر الأسود وما بين البيت فتلصق به صدرك إن أمكنك ، وتدعو بما شئت ، ثم تأتي البيت ، فتقول : اللهم إن البيت بيتك ، والحرم حرمك ، والعبد عبدك ، وهذا مقام العائذ المستجير بك من النار ، وتأتي الميزاب وتقول كما قلت في الأول عنده وعند كل ركن ، وليس في الدعاء توقيت ، فيطوف سبعا بالبيت ، ويكون الحجر داخل في الطواف ، لأن الحجر من البيت ، ويكون من البيت ثلاثة أشواط ، وأربعة يمشي فيها ولا يرمل ، ويضطبع بردائيه من تحت يده اليمنى ، ويجعل طرفيه على عاتقه اليسرى ، وكلما طاف قبل الحجر الأسود إن أمكنه ، وإلا يشير إليه بيده ويقبلها ، ويفعل في جميع طوافه كما فعل في الدفعة الأولى ، ويكثر الدعاء ، وذكر الله ، والتهليل ، والتسبيح ، والتحميد في طوافه .
ولا يطوف بالبيت إلا وهو طاهر ساتر لعورته ، لأن الطواف كالصلاة .
فإذا فرغ من الطواف صلى عند المقام ركعتين يقرأ في الأولى بالحمد وقل يا أيها الكافرون ، والثانية بالحمد وسورة التوحيد .
فصل : ما يقوله عند الصفا :
ثم يخرج إلى الصفا من بابه ، فيبدأ بالصفا ، فيصعد عليه حتى يرى البيت ، فيكبر الله ويهلله ، ويدعو ويقول : لا إله إلا الله أنجز وعده ، ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده ، اللهم اعصمني بدينك ، وجنبني حدودك ، واغفر لي خطيئتي ، واستجب لي إنك لا تخلف الميعاد .
ثم ينزل منها حتى يأتي العلم الأول ، وهو مابين الصفا والمروة ، فيهرول من عنده حتى يأتي العلم الآخر فيمشي من عنده إلى المروة ، فيصعد عليها ويقف حيث يرى البيت ، ويقول كما قال على الصفا، ثم ينزل فيمشي حتى يأتي العلم ويهرول ما بين العلمين ، ويمشي إلى الصفا ، وعلى هذا يبدأ سبعة أشواط ، يبدأ بالصفا ويختم بالمروة ، ويعد الذهاب سعيه ، والرجوع سعيه ، ثم يعود ، فيخرج من مكة ، ولا يبيت بها ، فإن بات فعليه دم ، وقد تحلل التحللين جميعا ، وأبيح له كل شيء حتى النساء.
فصل :
فأما إذا أتى منى بات بها ، فإذا كان من الغذ وزالت الشمس أتى الجمرة الأولى ، وهي أقربهن إلى مسجد الخيف فليرمها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة ، ثم يقف عن يسارها حيث يقف الناس وقوفا طويلا ويدعو بما شاء ، ثم يأتي الجمرة الوسطى فليرمها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة ، ثم يقف عن يسارها فيدعو نحو دعائه الأول ، ثم يأتي الجمرة الثالثة فليرمها بسبع حصيات ويكبر مع كل حصاة ولا يقف عندها ، ثم يرجع إلى منى فيبيت بها ، فإذا كان من الغذ وهو يوم النفير الأول إذا زالت الشمس فليأخذ من الحصى إحدى وعشرين فيأتي الجمرة الأولى فيرمها بسبع حصيات ، وكذلك الثانية ، ويقف عندها كما فعل بالأمس ، ثم الثالثة فيرمها ولا يقف عندها .
فصل : في تعجيل النفر :
فإذا أردت أن تعجل بالنفر من يومك ، فانفر إن أردت أن تنفر من الغذ وهو يوم النفر الثاني فخذ باقي الحصى ، وهو إحدى وعشرون حصاة ، فارم بهن بعد الزوال كما رميت في اليومين و قف عند الأولى والثانية ، ولا يقف عند الثالثة .
فإذا أردت أن تنفر في النفر الأول فشغلك شغل حتى غابت الشمس فلا تنفر حتى تزول من الغذ وترمي الجمار .
وإن تم نفرك في اليوم الأول فقد بقيت معك إحدى وعشرون حصاة فلا ترم بها وادفنها ،فذلك معنى قوله : ( فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ) يعني تأخر حتى ينفر في النفر الثاني .
فصل :
فإذا نفرت فأت الأبطح فانزله ، فإذا أردت الخروج من مكة فأت المسجد الحرام فادخله على الصفة التي تقدم ذكرها ، وطف طواف الوداع ، وهو الطواف الواجب الذي ليس بركن ، ولا يرمل فيه ولا يضطبع ، وصلي عند المقام ركعتين ، وقبل الحجر ، والصق صدرك بالملتزم ، ثم ابتهل في الدعاء،وقل : اللهم لا تجعله آخر العهد من بيتك الحرام . ثم اخرج ، ولا تول ظهرك البيتحتى يغيب عنك ويكون ذلك آخرعهدك بالبيت .
فصل :
ويستحب قدوم مدينة الرسول صلوات الله عليه ، فيأتي مسجده فيقول عند دخوله : بسم الله اللهم صل على محمد وآل محمد ، وافتح لي أبواب رحمتك ، وكف عني أبواب عذابك . الحمد لله الذي بلغ بنا هذا المشهد ، وجعلنا لذلك أهلا . الحمد لله رب العالمين .
ثم يأتي حائط القبر فلا تمسه ولا تلصق به صدرك ، لأن ذلك عادة اليهود ، واجعل القبر تلقاء وجهك، وقم مما يلي المنبر ، وقل السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، اللهم صل على محمد ، وعلى آل محمد إلى آخر ما تقوله في التشهد الأخير ، ثم تقول : اللهم اعط محمدا الوسيلة و الفضيلة والدرجة الرفيعة ، والمقام المحمود الذي وعدته ، اللهم صل على روحه في الأرواح ، وجسده في الأجساد كما بلغ رسالاتك ، وتلا آياتك ، وصدع بأمرك حتى أتاه اليقين . اللهم إنك قلت في كتابك لنبيك (صلى الله عليه وسلم) : ( ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما ) وإني قد أتيت بنبيك تائبا مستغفرا فأسألك أن توجب لي المغفرة كما أوجبتها لمن أتاه في حياته ، اللهم إني أتوجه إليك بنبيك صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة ، يا رسول الله إني أتوجه بك إلى ربي ليغفر لي ذنوبي ، اللهم إني أسألك بحقه أن تغفر لي ذنوبي .
اللهم اجعلمحمدا أول الشافعين ، وأنجح السائلين ، وأكرم الأولين والآخرين . اللهم كما آمنا به ، ولم نره ، وصدقناه ، ولم نلقه فأدخلنا مدخله ، واحشرنا في زمرته ، وأوردنا حوضه واسقنا بكأسه مشربا صافيا رويا سائغا هنيئا لا بعده أبدا غير خزايا ولا ناكبين ، ولا مارقين ، ولا مغضوب علينا، -ولا- ضالين ، واجعلنا من أهل شفاعته .
ثم تقدم عن يمينك فقل : السلام عليكما يا صاحبي رسول الله ورحمة الله وبركاته . السلام عليك يا أبا بكر الصديق . السلام عليك يا عمر الفاروق . اللهم أجزهما عن نبيهما وعن الإسلام خيرا .اللهم : ( اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ) الآية ، ويصلي بين القبر والمنبر في الروضة ، وإن أحببت أن تمسح بالمنبر ، والجنانة وهو الجذع الذي كان يخطب عليه صلى الله عليه وسلم فلما اعتزل عنه حن إليه كحنين الناقة .
وتأتي مسجد قباء فتصلي ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقصده فيصلي فيه .
وإن أمكنك فأت قبور الشهداء وزرهم وأكثر من الدعاء في تلك المشاهد حتى كأنك تنظر إلى مواقعهم، واصنع عند الخروج ما صنعت عند الدخول للوداع .
وإذا كان قد حج عن نفسه وأحب الحج عن أبويه فليفعل ويبدأ بالحج عن أمه ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ بها في البِرّ .
( عن كتاب التذكرة لأبي الوفاء بن عقيل الحنبلي )
-انتهى .