بعد أن ذكرنا النوع الأول من أنواع الحديث المقبول وهو الحديث الصحيح، نأتي إلى بيان النوع الثاني من أنواع الحديث المقبول وهو الحديث الحسن، حيث يعزو كثير من المتأخرين استعمال مصطلح (الحديث الحسن) بمعنى: الحديث النازل عن درجة الصحيح دون الرد، إلى الإمام الترمذي.
ورغم أن تقسيم الحديث المقبول إلى: صحيح، وحسن، لم يكن شائعاً قبل الإمام الترمذي، إلا أن بعض من تقدم قبله من أئمة الحديث كانوا يروْن الحديث الحسن درجة من الضعف، ولم يكن مرادهم الضعيف المردود، فلما جاء الترمذي أظهر الاصطلاح بجعل (الحسن) أحد قسمي المقبول.
والتحقيق أنه مسبوق إلى استعمال هذا المصطلح بالمعنى الذي قصد إليه، سبقه به أئمة الحديث، لكنه لم يتحرر يومئذ بتعريف، وفضْل الترمذي أنه أول من صاغ قانونه، وحرر تعريفه.
النوع الثاني من المقبول: الحديث الحسن
يشترك الحديث الحسن مع الحديث الصحيح في كافة الشروط، غير تمام الضبط، قال الإمام ابن الصلاح في تعريفه للحديث الحسن: أن يكون راويه من المشهورين بالصدق والأمانة غير أنه لم يبلغ درجة رجال الصحيح، لكونه يقصر عنهم في الحفظ والإتقان، وهو مع ذلك يرتفع عن حال من يعد ما ينفرد به من حديثه منكرا، ويعتبر في كل هذا سلامة الحديث من أن يكون شاذا، وسلامته من أن يكون معللا.
الحسن عند المتقدمين
اختلف علماء الحديث المتقدمين عن المتأخرين في توصيف الحديث الحسن، فالحديث الحسن في استعمال المتقدمين له صورتان:
الصورة الأولى: ما تقاصر عن درجة الصحيح، من جهة قدر الإتقان في بعض رواته فيما لا يهبط عن درجة القبول غالباً، مع اعتبار سائر شروط الصحة.
والطريق إلى إدراكه: أنك تجده في الراوي الموصوف بالصدق، لكنه: إما أن يثبت له من الوهم والغلط ما نزل بحفظه عن درجة أهل الإتقان، غير أنه لم يزل فوق الضعف الذي يسقط بالرواية، وإما أن يكون لم يرو إلا القليل ولم يتميز من مجموع ما روى أنه يلحق بالثقات، فيبقى دون الثقة.
والتحقيق أن الفصل بين مقبول ومردود في هذا المقام في غاية المشقة؛ لذلك كان هذا النمط من الرواة يشترط لقبول حديثه والحكم بحسنه شرطان زائدان على شروط الصحيح:
الأول: زيادة التحري لتحقيق شرط السلامة من العلل المؤثرة. والثاني: البحث عن وجود ما يوافق روايته، فلو تفرد بمضمونها؛ كأن يأتي بحكم لم يأتي به غيره، ولا يعرف في قرآن أو سنة صحيحة كان الحديث بذلك من (قسم المردود)، ولهذا يعبر بعض أهل الحديث عن الراوي الذي خف ضبطه أو لم يتبين إتقانه بعبارة: (يكتب حديثه وينظر فيه)، وهذا الشرط ليس مطلوباً في حديث الثقة تام الضبط راوي الحديث الصحيح.
الصورة الثانية: الحديث يكون ناقصاً في شرط الاتصال، أو نازلاً في شرط الضبط عن حد من يقبل منفرداً، فيأتي معناه من وجه آخر صالح للاعتبار به، في نفس منزلته أو يقرب منها، بحيث إذا نظرت إلى كل من الوجهين منفرداً رددته، لكنك إذا جمعتهما قوى أحدهما الآخر، حيث سد كل منهما نقص الآخر، وهذا هو الحديث (الحسن لغيره)، وهو في التحقيق: الضعيف المنجبر.
الحسن عند المتأخرين
وأما المتأخرون فإنهم توسعوا، وأهملوا اعتبار بعض الأوصاف، فقووا أحاديث بمجرد تعدد الطرق، وتساهلوا في درجات الرواة، كما وقع لمثل الإمام السيوطي رحمه الله وغيره.
الحسن عند الإمام الترمذي
أول من جاء عنه تعريف الحديث الحسن هو الإمام الترمذي، ومعلوم أن له في كتابه "الجامع" مصطلحات مبتكرة، اضطرب العلماء بعده في تفسيرها، قال الترمذي: "ما ذكرنا في هذا الكتاب (حديث حسن)، فإنما أردنا به حُسن إسناده عندنا، كل حديث يروى لا يكون في إسناده من يتهم بالكذب، ولا يكون الحديث شاذاً، ويروى من غير وجه نحو ذاك، فهو عندنا حديث حسن".
وهذا يبينه ابن رجب بقوله: "الحديث الذي يرويه الثقة العدل، ومن كثر غلطه، ومن يغلب على حديثه الوهم، إذا لم يكن أحد منهم متهماً، كله حسن، بشرط أن لا يكون شاذاً مخالفاً للأحاديث الصحيحة، وبشرط أن يكون معناه قد روي من وجوه متعددة".
وكونه جعل الشرط فيه: رواية معناه من غير وجه، فإذا قال: (حديث حسن غريب) فيعني غرابة لفظه من ذلك الوجه، وحسنه لمجيء معناه من وجه آخر.
قال الشيخ عبد الله الجديع معقبا على ذلك: وهذا التعريف من الترمذي يمكن إجراؤه على صورة (الحسن لغيره)، إذ مجيء معنى الحديث من وجه آخر لا يطلب في رواية من ثبت حفظه بثبوت السلامة من الوهم، وإن كان في حفظه لين إنما تُطلب فيه السلامة من التفرد بما لا أصل له، وفرق بين الصورتين لا يخفى؛ ولذا كان (الحسن لذاته) مندرجاً عند أكثر الأئمة تحت (الصحيح)؛ لاعتبار النظر عندهم إلى ذات الإسناد وذات المتن، وأنه نفس ما اعتبروه للحديث الصحيح لذاته.
والحديث الحسن بتعريف الترمذي هو الضعيف الصالح عند من تقدمه من أهل العلم، قال ابن رجب: "كان الإمام أحمد يحتج بالحديث الضعيف الذي لم يرد خلافه، ومراده بالضعيف قريب من مراد الترمذي بالحسن".
الحسن لذاته والحسن لغيره
كل ما سبق التفصيل فيه هو الحديث الحسن لذاته، وأما الحديث الحسن لغيره فهو: الحديث الذي لا يخلو رجال إسناده من مسـتور لم تتحقق أهليته، غير أنه ليس مغفلا كثير الخطأ فيما يرويه، ولا هو متهم بالكذب في الحديث -أي لم يظهر منه تعمد الكذب في الحديث ولا سبب آخر مفسق-، ويكون متن الحديث مع ذلك قد عرف بأنه رُويَ مثله أو نحوه من وجه آخر، حتى اعتضد بمتابعة من تابع راويه على مثله، أو بما له من شاهد - وهو ورود حـديث آخـر بنحـوه - فيخرج بذلك عن أن يكـون شاذا ومنكرا.
ورغم أن تقسيم الحديث المقبول إلى: صحيح، وحسن، لم يكن شائعاً قبل الإمام الترمذي، إلا أن بعض من تقدم قبله من أئمة الحديث كانوا يروْن الحديث الحسن درجة من الضعف، ولم يكن مرادهم الضعيف المردود، فلما جاء الترمذي أظهر الاصطلاح بجعل (الحسن) أحد قسمي المقبول.
والتحقيق أنه مسبوق إلى استعمال هذا المصطلح بالمعنى الذي قصد إليه، سبقه به أئمة الحديث، لكنه لم يتحرر يومئذ بتعريف، وفضْل الترمذي أنه أول من صاغ قانونه، وحرر تعريفه.
النوع الثاني من المقبول: الحديث الحسن
يشترك الحديث الحسن مع الحديث الصحيح في كافة الشروط، غير تمام الضبط، قال الإمام ابن الصلاح في تعريفه للحديث الحسن: أن يكون راويه من المشهورين بالصدق والأمانة غير أنه لم يبلغ درجة رجال الصحيح، لكونه يقصر عنهم في الحفظ والإتقان، وهو مع ذلك يرتفع عن حال من يعد ما ينفرد به من حديثه منكرا، ويعتبر في كل هذا سلامة الحديث من أن يكون شاذا، وسلامته من أن يكون معللا.
الحسن عند المتقدمين
اختلف علماء الحديث المتقدمين عن المتأخرين في توصيف الحديث الحسن، فالحديث الحسن في استعمال المتقدمين له صورتان:
الصورة الأولى: ما تقاصر عن درجة الصحيح، من جهة قدر الإتقان في بعض رواته فيما لا يهبط عن درجة القبول غالباً، مع اعتبار سائر شروط الصحة.
والطريق إلى إدراكه: أنك تجده في الراوي الموصوف بالصدق، لكنه: إما أن يثبت له من الوهم والغلط ما نزل بحفظه عن درجة أهل الإتقان، غير أنه لم يزل فوق الضعف الذي يسقط بالرواية، وإما أن يكون لم يرو إلا القليل ولم يتميز من مجموع ما روى أنه يلحق بالثقات، فيبقى دون الثقة.
والتحقيق أن الفصل بين مقبول ومردود في هذا المقام في غاية المشقة؛ لذلك كان هذا النمط من الرواة يشترط لقبول حديثه والحكم بحسنه شرطان زائدان على شروط الصحيح:
الأول: زيادة التحري لتحقيق شرط السلامة من العلل المؤثرة. والثاني: البحث عن وجود ما يوافق روايته، فلو تفرد بمضمونها؛ كأن يأتي بحكم لم يأتي به غيره، ولا يعرف في قرآن أو سنة صحيحة كان الحديث بذلك من (قسم المردود)، ولهذا يعبر بعض أهل الحديث عن الراوي الذي خف ضبطه أو لم يتبين إتقانه بعبارة: (يكتب حديثه وينظر فيه)، وهذا الشرط ليس مطلوباً في حديث الثقة تام الضبط راوي الحديث الصحيح.
الصورة الثانية: الحديث يكون ناقصاً في شرط الاتصال، أو نازلاً في شرط الضبط عن حد من يقبل منفرداً، فيأتي معناه من وجه آخر صالح للاعتبار به، في نفس منزلته أو يقرب منها، بحيث إذا نظرت إلى كل من الوجهين منفرداً رددته، لكنك إذا جمعتهما قوى أحدهما الآخر، حيث سد كل منهما نقص الآخر، وهذا هو الحديث (الحسن لغيره)، وهو في التحقيق: الضعيف المنجبر.
الحسن عند المتأخرين
وأما المتأخرون فإنهم توسعوا، وأهملوا اعتبار بعض الأوصاف، فقووا أحاديث بمجرد تعدد الطرق، وتساهلوا في درجات الرواة، كما وقع لمثل الإمام السيوطي رحمه الله وغيره.
الحسن عند الإمام الترمذي
أول من جاء عنه تعريف الحديث الحسن هو الإمام الترمذي، ومعلوم أن له في كتابه "الجامع" مصطلحات مبتكرة، اضطرب العلماء بعده في تفسيرها، قال الترمذي: "ما ذكرنا في هذا الكتاب (حديث حسن)، فإنما أردنا به حُسن إسناده عندنا، كل حديث يروى لا يكون في إسناده من يتهم بالكذب، ولا يكون الحديث شاذاً، ويروى من غير وجه نحو ذاك، فهو عندنا حديث حسن".
وهذا يبينه ابن رجب بقوله: "الحديث الذي يرويه الثقة العدل، ومن كثر غلطه، ومن يغلب على حديثه الوهم، إذا لم يكن أحد منهم متهماً، كله حسن، بشرط أن لا يكون شاذاً مخالفاً للأحاديث الصحيحة، وبشرط أن يكون معناه قد روي من وجوه متعددة".
وكونه جعل الشرط فيه: رواية معناه من غير وجه، فإذا قال: (حديث حسن غريب) فيعني غرابة لفظه من ذلك الوجه، وحسنه لمجيء معناه من وجه آخر.
قال الشيخ عبد الله الجديع معقبا على ذلك: وهذا التعريف من الترمذي يمكن إجراؤه على صورة (الحسن لغيره)، إذ مجيء معنى الحديث من وجه آخر لا يطلب في رواية من ثبت حفظه بثبوت السلامة من الوهم، وإن كان في حفظه لين إنما تُطلب فيه السلامة من التفرد بما لا أصل له، وفرق بين الصورتين لا يخفى؛ ولذا كان (الحسن لذاته) مندرجاً عند أكثر الأئمة تحت (الصحيح)؛ لاعتبار النظر عندهم إلى ذات الإسناد وذات المتن، وأنه نفس ما اعتبروه للحديث الصحيح لذاته.
والحديث الحسن بتعريف الترمذي هو الضعيف الصالح عند من تقدمه من أهل العلم، قال ابن رجب: "كان الإمام أحمد يحتج بالحديث الضعيف الذي لم يرد خلافه، ومراده بالضعيف قريب من مراد الترمذي بالحسن".
الحسن لذاته والحسن لغيره
كل ما سبق التفصيل فيه هو الحديث الحسن لذاته، وأما الحديث الحسن لغيره فهو: الحديث الذي لا يخلو رجال إسناده من مسـتور لم تتحقق أهليته، غير أنه ليس مغفلا كثير الخطأ فيما يرويه، ولا هو متهم بالكذب في الحديث -أي لم يظهر منه تعمد الكذب في الحديث ولا سبب آخر مفسق-، ويكون متن الحديث مع ذلك قد عرف بأنه رُويَ مثله أو نحوه من وجه آخر، حتى اعتضد بمتابعة من تابع راويه على مثله، أو بما له من شاهد - وهو ورود حـديث آخـر بنحـوه - فيخرج بذلك عن أن يكـون شاذا ومنكرا.