في شهر صفر من السنة الرابعة من الهجرة ، قدم على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قوم من عضَل وقَارَة، وذكروا أن فيهم إسلاماً، وطلبوا منه أن يبعث معهم من يعلمهم الدين، ويقرئهم القرآن، فبعث عشرة من أصحابه، وأمر عليهم عاصم بن ثابت ـ رضي الله عنه ـ .
فلما كانوا بالرجيع ـ وهو موضع ماء لهُذَيلِ بين رَابِغ وجدة ـ غدر القوم بهم، واستصرخوا عليهم حياً من هذيل يقال لهم: بنو لَحْيَان، فتبعوهم بقريب من مائة رام، واقتصوا آثارهم حتى أدركوهم، وأحاطوا بهم وهم في مكان مرتفع، فأعطوهم العهد إن نزلوا ألا يقتلوهم .. فأَبَى عاصم وقال: " أما أنا فوالله لا أنزل اليوم في ذمة كافر "، فجعل يقاتلهم، وهو يقول: " اللهم حميتُ دينك أول نهاري، فاحمِ لي لحمي آخره " ، ثم قاتل ـ رضي الله عنه ـ حتى قتل في سبعة من أصحابه بالنبل .
وأما البقية وهم خُبَيْب الأنصاري وزيد بن الدَّثِنَّة ورجل آخر، فقد نزلوا إليهم بالعهد والميثاق، فلما استمكنوا منهم، غدروا بهم فربطوهم وأوثقوهم، ثم قتلوا الرجل الثالث لأنه أَبَى وامتنع عن المسير معهم لما رأى الغدر والخيانة، وانطلقوا بخُبيب و ابن الدثنة حتى باعوهما بمكة .
فأما خبيب فاشتراه بنو الحارث بن عامر بن نوفل ليقتلوه بالحارث الذي كان خبيب قد قتله يوم بدر، فمكث عندهم أسيراً حتى إذا أجمعوا قتله استعار الموس من بنات الحارث، ليستحدّ فأعارته، وغفلت عن صبي لها فجلس على فخذه، ففزعت المرأة لئلا يقتله انتقاماً منه، فقال خبيب: " أتخشين أن أقتله ما كنت لأفعل ذلك إن شاء الله تعالى "، فكانت تقول: ما رأيت أسيراً قط خيراً من خبيب، لقد رأيته يأكل من قطف عنب وما بمكة يومئذ ثمرة، وإنه لموثق في الحديد وما كان إلا رزق رزقه الله .
فخرجوا به من الحرم ليقتلوه، فقال: دعوني أصلي ركعتين، ثم انصرف إليهم فقال: لولا أن تروا ما بي جزع من الموت لزدت، فكان أول من سنَّ الركعتين عند القتل ، ثم قال: " اللهم أحصهم(أهلكهم) عددا، واقتلهم بددا(متفرقين)، ولا تُبق منهم أحداً، ثم قال:
ولست أبالي حين أقتل مسلماً على أي جنب كان في الله مصرعي
وذلك في ذات الإله وإن يشـأ يبارك على أوصال شلو ممــزع
فقتلوه وصلبوه ووكلوا به من يحرس جثته، فجاء عمرو بن أمية الضمري ـ رضي الله عنه ـ، فاحتمله بخدعة ليلاً، فذهب به فدفنه ..
وأما زيد بن الدَّثِنَّة فابتاعه صفوان بن أمية فقتله بأبيه .
وبعثت قريش إلى عاصم ليُؤتوا بشيء من جسده يعرفونه ـ وكان عاصم قتل عظيماً من عظمائهم يوم بدر ـ فبعث الله عليه مثل الظُّلَّة من الدَّبْر(النحل) فحمته من رسلهم، فلم يقدروا منه على شيء .
وقد عرفت هذه الحادثة بالرجيع نسبة إلى ماء الرجيع الذي حصلت عنده، ومع أنها حادثة من حوادث السيرة المؤلمة، إلا أن فيها من الدروس والعبر الكثير ينبغي الاستفادة منها في واقعنا، ومنها :
تعظيم الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ لسنة النبي - صلى الله عليه وسلم -، والحرص عليها في أشد المواقف حتى الموت، وقد ظهر ذلك فيما فعله خبيب لما أسره المشركون، وعلم أنه سيقتل بين عشية أو ضحاها، ومع ذلك كان حريصاً ـ رضي الله عنه ـ على سنة من سنن الفطرة التي تعلمها من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهي سنة الاستحداد(حلق العانة)، فاستعار السكين لذلك، وفي هذا تذكير لمن يستهين بكثير من السنن، بحجة أنه لا ينبغي أن ينشغل المسلمون بذلك للظروف التي تمر بها الأمة، وفي الواقع لا تعارض بين تعظيم السنة والتمسك بها والاهتمام بأحوال الأمة، والدخول في شرائع الإسلام كافة .
ومن دروس هذه الحادثة أن أصحاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ تربوا على الوفاء وعدم الغدر حتى لو تمكنوا من أعدائهم . فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( أد الأمانة إلى من ائتمنك ، ولا تخن من خانك ) (الترمذي).
وقد ظهر ذلك في موقف خبيب ـ رضي الله عنه ـ حينما استعار الموس من بعض بنات الحارث ليستحد وتمكن من طفلها، فخشيت عليه أمه فقال لها: " أتخشين أن أقتله؟!، ما كنت لأفعل ذلك إن شاء الله ".
وهو موقف رائع يدل على سمو الأخلاق، الذي يتعلمه الناس على مر العصور من صحابة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ رغم أنهم قد غُدِر بهم .
فالاستقامة وحسن الخلق طبيعة سلوك المسلم في حالتي الرخاء والشدة، والعافية والابتلاء،. وهذا مثل من عظمة الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ حين يطبقون أخلاق الإسلام على أنفسهم، ومع أعدائهم ، ودليل على قوة إيمانهم، وحسن إعدادهم وتربيتهم من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ..
وقد ظهرت في هذه الحادثة كرامة ومنقبة عظيمة لعاصم بن ثابت ـ رضي الله عنه ـ فقد كانت سُلافة بنت سعد قد قُتِل زوجها وبنوها أربعة في غزوة أحد، وكان عاصم قتل منهم اثنين، الحارث ومُسافعا، فنذرت لئن أمكنها الله منه أن تشرب في قحف رأسه الخمر، وجعلت لمن يجيء برأس عاصم مائة ناقة، فأرادوا أن يَحْتَزّوا رأس عاصم ليذهبوا به إلى سُلافة بنت سعد ليأخذوا منها مائة ناقة، فبعث الله تعالى عليه مثل الظلة من الدَّبْر(النحل)، فحمته فلم يَدْنُ إليه أحد إلا لدغت وجهه، وجاء منها شيء كثير لا طاقة لأحد به، فقالوا: دعوه إلى الليل، فإنه إذا جاء الليل ذهب عنه الدَّبْر، فلما جاء الليل بعث الله عليه سيلاً، ولم يكن في السماء سحاباً في وجه من الوجوه، فاحتمله فذهب به فلم يصلوا إليه . وذلك استجابة من الله ـ عز وجل ـ لدعائه ـ رضي الله عنه ـ : " اللهم حميتُ دينك أول نهاري، فاحمِ لي لحمي آخره " .
وكان عمر ـ رضي الله عنه ـ يقول عن ذلك : " يحفظ الله العبد المؤمن بعد وفاته، كما يحفظه في حياته " .
وفي موقف عاصم وخبيب وزيد ـ رضي الله عنهم ـ فوائد كثيرة ذكر بعضها ابن حجر في كتابه فتح الباري فقال :
" .. للأسير أن يمتنع من قبول الأمان ولا يمكن من نفسه ولو قتل في سبيل الله، أنفة من أن يجري عليه حكم كافر، وهذا إذا أراد الأخذ بالشدة، فإن أراد الأخذ بالرخصة فله أن يستأمن. قال الحسن البصري: لا بأس بذلك، وقال سفيان الثوري: أكره ذلك ..
وفيه الوفاء للمشركين بالعهد، والتورع عن قتل أولادهم ـ كما فعل خبيبب ـ رضي الله عنه ـ من تركه للطفل ـ، والتلطف بمن أريد قتله، وإثبات كرامة الأولياء، والدعاء على المشركين بالتعميم، والصلاة عند القتل، وفيه إنشاد الشعر، وإنشاده عند القتل دلالة على قوة يقين خبيب وشدته في دينه.
وفيه أن الله يبتلي عبده المؤمن بما شاء كما سبق في علمه ليثيبه، ولو شاء ربك ما فعلوه، وفيه استجابة دعاء المسلم وإكرامه حياً وميتاً، وغير ذلك من الفوائد مما يظهر بالتأمل .. وإنما استجاب الله له من حماية لحمه من المشركين، ولم يمنعهم من قتله لما أراد من إكرامه بالشهادة، ومن كرامته حمايته من هتك حرمته بقطع لحمه " ..
وفي هذه الحادثة برزت محبة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ والدفاع عنه. فحظ الصحابة من حبه - صلى الله عليه وسلم - كان أتم وأوفر من غيرهم، ذلك أن المحبة ثمرة المعرفة وهم بقدْره - صلى الله عليه وسلم - ومنزلته أعلم وأعرف، ومن ثم كان حبهم له - صلى الله عليه وسلم - أشد وأكبر.
وقد ظهر هذا الحب في الحوار بين أبي سفيان وزيد بن الدثنة لما أحضروه لقتله، إذ قال له أبو سفيان: " أنشدك الله يا زيد ، أتحب أن محمداً الآن عندنا مكانك تضرب عنقه، وأنت في أهلك؟، فقال زيد: والله ما أحب أن محمداً الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه، وإني جالس في أهلي ". ونقل مثل ذلك عن خبيب ـ رضي الله عنه ـ.
وفي ذلك دلالة على مدى الحب للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ المتمكن في قلوب أصحابه ـ رضي الله عنهم ـ، ذلك الحب الذي لا يتزعزع حتى في أصعب اللحظات حرجا، وهكذا كان الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ يفدون النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأنفسهم أن تصيبه شوكة، وهم بين يدي أعدائهم يعاينون الموت، فما أعظمه من حب أدهش أعداءهم في ذلك الوقت، حتى قال أبو سفيان ـ ولا زال يومئذ مشركا ـ قولته المشهورة : " ما رأيت من الناس أحدًا يحب أحدا، كحب أصحاب محمد محمدًا ".
ومن الدروس الهامة كذلك من حادثة الرجيع الحذر من غدر الغادرين، وعدم الاعتماد على عهود الكافرين، إضافة إلى أهمية الصبر في حياة المؤمن، خاصة في المواقف الصعبة والحرجة، وأثر ذلك في حسن الخاتمة، فالصبر والثبات على دين الله، هو الطريق الموصل إلى الجنة، قال الله تعالى: { أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ }(آل عمران:142) ..
فلما كانوا بالرجيع ـ وهو موضع ماء لهُذَيلِ بين رَابِغ وجدة ـ غدر القوم بهم، واستصرخوا عليهم حياً من هذيل يقال لهم: بنو لَحْيَان، فتبعوهم بقريب من مائة رام، واقتصوا آثارهم حتى أدركوهم، وأحاطوا بهم وهم في مكان مرتفع، فأعطوهم العهد إن نزلوا ألا يقتلوهم .. فأَبَى عاصم وقال: " أما أنا فوالله لا أنزل اليوم في ذمة كافر "، فجعل يقاتلهم، وهو يقول: " اللهم حميتُ دينك أول نهاري، فاحمِ لي لحمي آخره " ، ثم قاتل ـ رضي الله عنه ـ حتى قتل في سبعة من أصحابه بالنبل .
وأما البقية وهم خُبَيْب الأنصاري وزيد بن الدَّثِنَّة ورجل آخر، فقد نزلوا إليهم بالعهد والميثاق، فلما استمكنوا منهم، غدروا بهم فربطوهم وأوثقوهم، ثم قتلوا الرجل الثالث لأنه أَبَى وامتنع عن المسير معهم لما رأى الغدر والخيانة، وانطلقوا بخُبيب و ابن الدثنة حتى باعوهما بمكة .
فأما خبيب فاشتراه بنو الحارث بن عامر بن نوفل ليقتلوه بالحارث الذي كان خبيب قد قتله يوم بدر، فمكث عندهم أسيراً حتى إذا أجمعوا قتله استعار الموس من بنات الحارث، ليستحدّ فأعارته، وغفلت عن صبي لها فجلس على فخذه، ففزعت المرأة لئلا يقتله انتقاماً منه، فقال خبيب: " أتخشين أن أقتله ما كنت لأفعل ذلك إن شاء الله تعالى "، فكانت تقول: ما رأيت أسيراً قط خيراً من خبيب، لقد رأيته يأكل من قطف عنب وما بمكة يومئذ ثمرة، وإنه لموثق في الحديد وما كان إلا رزق رزقه الله .
فخرجوا به من الحرم ليقتلوه، فقال: دعوني أصلي ركعتين، ثم انصرف إليهم فقال: لولا أن تروا ما بي جزع من الموت لزدت، فكان أول من سنَّ الركعتين عند القتل ، ثم قال: " اللهم أحصهم(أهلكهم) عددا، واقتلهم بددا(متفرقين)، ولا تُبق منهم أحداً، ثم قال:
ولست أبالي حين أقتل مسلماً على أي جنب كان في الله مصرعي
وذلك في ذات الإله وإن يشـأ يبارك على أوصال شلو ممــزع
فقتلوه وصلبوه ووكلوا به من يحرس جثته، فجاء عمرو بن أمية الضمري ـ رضي الله عنه ـ، فاحتمله بخدعة ليلاً، فذهب به فدفنه ..
وأما زيد بن الدَّثِنَّة فابتاعه صفوان بن أمية فقتله بأبيه .
وبعثت قريش إلى عاصم ليُؤتوا بشيء من جسده يعرفونه ـ وكان عاصم قتل عظيماً من عظمائهم يوم بدر ـ فبعث الله عليه مثل الظُّلَّة من الدَّبْر(النحل) فحمته من رسلهم، فلم يقدروا منه على شيء .
وقد عرفت هذه الحادثة بالرجيع نسبة إلى ماء الرجيع الذي حصلت عنده، ومع أنها حادثة من حوادث السيرة المؤلمة، إلا أن فيها من الدروس والعبر الكثير ينبغي الاستفادة منها في واقعنا، ومنها :
تعظيم الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ لسنة النبي - صلى الله عليه وسلم -، والحرص عليها في أشد المواقف حتى الموت، وقد ظهر ذلك فيما فعله خبيب لما أسره المشركون، وعلم أنه سيقتل بين عشية أو ضحاها، ومع ذلك كان حريصاً ـ رضي الله عنه ـ على سنة من سنن الفطرة التي تعلمها من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهي سنة الاستحداد(حلق العانة)، فاستعار السكين لذلك، وفي هذا تذكير لمن يستهين بكثير من السنن، بحجة أنه لا ينبغي أن ينشغل المسلمون بذلك للظروف التي تمر بها الأمة، وفي الواقع لا تعارض بين تعظيم السنة والتمسك بها والاهتمام بأحوال الأمة، والدخول في شرائع الإسلام كافة .
ومن دروس هذه الحادثة أن أصحاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ تربوا على الوفاء وعدم الغدر حتى لو تمكنوا من أعدائهم . فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( أد الأمانة إلى من ائتمنك ، ولا تخن من خانك ) (الترمذي).
وقد ظهر ذلك في موقف خبيب ـ رضي الله عنه ـ حينما استعار الموس من بعض بنات الحارث ليستحد وتمكن من طفلها، فخشيت عليه أمه فقال لها: " أتخشين أن أقتله؟!، ما كنت لأفعل ذلك إن شاء الله ".
وهو موقف رائع يدل على سمو الأخلاق، الذي يتعلمه الناس على مر العصور من صحابة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ رغم أنهم قد غُدِر بهم .
فالاستقامة وحسن الخلق طبيعة سلوك المسلم في حالتي الرخاء والشدة، والعافية والابتلاء،. وهذا مثل من عظمة الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ حين يطبقون أخلاق الإسلام على أنفسهم، ومع أعدائهم ، ودليل على قوة إيمانهم، وحسن إعدادهم وتربيتهم من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ..
وقد ظهرت في هذه الحادثة كرامة ومنقبة عظيمة لعاصم بن ثابت ـ رضي الله عنه ـ فقد كانت سُلافة بنت سعد قد قُتِل زوجها وبنوها أربعة في غزوة أحد، وكان عاصم قتل منهم اثنين، الحارث ومُسافعا، فنذرت لئن أمكنها الله منه أن تشرب في قحف رأسه الخمر، وجعلت لمن يجيء برأس عاصم مائة ناقة، فأرادوا أن يَحْتَزّوا رأس عاصم ليذهبوا به إلى سُلافة بنت سعد ليأخذوا منها مائة ناقة، فبعث الله تعالى عليه مثل الظلة من الدَّبْر(النحل)، فحمته فلم يَدْنُ إليه أحد إلا لدغت وجهه، وجاء منها شيء كثير لا طاقة لأحد به، فقالوا: دعوه إلى الليل، فإنه إذا جاء الليل ذهب عنه الدَّبْر، فلما جاء الليل بعث الله عليه سيلاً، ولم يكن في السماء سحاباً في وجه من الوجوه، فاحتمله فذهب به فلم يصلوا إليه . وذلك استجابة من الله ـ عز وجل ـ لدعائه ـ رضي الله عنه ـ : " اللهم حميتُ دينك أول نهاري، فاحمِ لي لحمي آخره " .
وكان عمر ـ رضي الله عنه ـ يقول عن ذلك : " يحفظ الله العبد المؤمن بعد وفاته، كما يحفظه في حياته " .
وفي موقف عاصم وخبيب وزيد ـ رضي الله عنهم ـ فوائد كثيرة ذكر بعضها ابن حجر في كتابه فتح الباري فقال :
" .. للأسير أن يمتنع من قبول الأمان ولا يمكن من نفسه ولو قتل في سبيل الله، أنفة من أن يجري عليه حكم كافر، وهذا إذا أراد الأخذ بالشدة، فإن أراد الأخذ بالرخصة فله أن يستأمن. قال الحسن البصري: لا بأس بذلك، وقال سفيان الثوري: أكره ذلك ..
وفيه الوفاء للمشركين بالعهد، والتورع عن قتل أولادهم ـ كما فعل خبيبب ـ رضي الله عنه ـ من تركه للطفل ـ، والتلطف بمن أريد قتله، وإثبات كرامة الأولياء، والدعاء على المشركين بالتعميم، والصلاة عند القتل، وفيه إنشاد الشعر، وإنشاده عند القتل دلالة على قوة يقين خبيب وشدته في دينه.
وفيه أن الله يبتلي عبده المؤمن بما شاء كما سبق في علمه ليثيبه، ولو شاء ربك ما فعلوه، وفيه استجابة دعاء المسلم وإكرامه حياً وميتاً، وغير ذلك من الفوائد مما يظهر بالتأمل .. وإنما استجاب الله له من حماية لحمه من المشركين، ولم يمنعهم من قتله لما أراد من إكرامه بالشهادة، ومن كرامته حمايته من هتك حرمته بقطع لحمه " ..
وفي هذه الحادثة برزت محبة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ والدفاع عنه. فحظ الصحابة من حبه - صلى الله عليه وسلم - كان أتم وأوفر من غيرهم، ذلك أن المحبة ثمرة المعرفة وهم بقدْره - صلى الله عليه وسلم - ومنزلته أعلم وأعرف، ومن ثم كان حبهم له - صلى الله عليه وسلم - أشد وأكبر.
وقد ظهر هذا الحب في الحوار بين أبي سفيان وزيد بن الدثنة لما أحضروه لقتله، إذ قال له أبو سفيان: " أنشدك الله يا زيد ، أتحب أن محمداً الآن عندنا مكانك تضرب عنقه، وأنت في أهلك؟، فقال زيد: والله ما أحب أن محمداً الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه، وإني جالس في أهلي ". ونقل مثل ذلك عن خبيب ـ رضي الله عنه ـ.
وفي ذلك دلالة على مدى الحب للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ المتمكن في قلوب أصحابه ـ رضي الله عنهم ـ، ذلك الحب الذي لا يتزعزع حتى في أصعب اللحظات حرجا، وهكذا كان الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ يفدون النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأنفسهم أن تصيبه شوكة، وهم بين يدي أعدائهم يعاينون الموت، فما أعظمه من حب أدهش أعداءهم في ذلك الوقت، حتى قال أبو سفيان ـ ولا زال يومئذ مشركا ـ قولته المشهورة : " ما رأيت من الناس أحدًا يحب أحدا، كحب أصحاب محمد محمدًا ".
ومن الدروس الهامة كذلك من حادثة الرجيع الحذر من غدر الغادرين، وعدم الاعتماد على عهود الكافرين، إضافة إلى أهمية الصبر في حياة المؤمن، خاصة في المواقف الصعبة والحرجة، وأثر ذلك في حسن الخاتمة، فالصبر والثبات على دين الله، هو الطريق الموصل إلى الجنة، قال الله تعالى: { أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ }(آل عمران:142) ..
منتديات عرب مسلم | منتدى برامج نت | منتدى عرب مسلم | منتديات برامج نت | منتدى المشاغب | منتدى فتكات | منتديات مثقف دوت كوم | منتديات العرب | إعلانات مبوبة مجانية | إعلانات مجانية |اعلانات مبوبة مجانية | اعلانات مجانية | القرآن الكريم | القرآن الكريم قراءة واستماع | المكتبة الصوتية للقران الكريم mp3 | مكتبة القران الكريم mp3 | ترجمة القرآن | القرآن مع الترجمة | أفضل ترجمة للقرآن الكريم | ترجمة القرآن الكريم | Quran Translation | Quran with Translation | Best Quran Translation | Quran Translation Transliteration | تبادل إعلاني مجاني