اين نحن من اطفال السلف
أين نحن من أطفال السلف ؟!
عن أيوب، عن أبي قِلابة، عن عمرو بن سلمة -رحمه الله- قال: “قال لي أبو قِلابة: ألا تلقاه فتسأله؟ قال: فلقيتُه فسألته فقال: كنا بماءٍ ممرَّ الناس، وكان يمرُّ بنا الركبان فنسألهم: ما للناس، ما للناس؟ ما هذا الرجل؟ فيقولون: يزعُم أن اللهَ أرسله، أوحى إليه، أو: أوحى الله بكذا، فكنت أحفظُ ذلك الكلام، وكأنما يقر في صدري، وكانت العرب تلوَّم بإسلامهم الفتح، فيقولون: اتركوه وقومَه، فإنَّه إن ظهَر عليهم فهو نبي صادق.
فلما كانت وقعة أهل الفتح، بادر كل قوم بإسلامِهم، وبدر أبي قومي بإسلامِهم، فلما قدِم قال: جئتُكم والله من عند النبي -صلى الله عليه وسلم- حقًّا، فقال: “صَلُّوا صَلاَةَ كَذَا فِي حِينِ كَذَا، وَصَلُّوا صَلاَةَ كَذَا فِي حِينِ كَذَا، فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ فَلْيُؤَذِّنْ أَحَدُكُمْ، وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْثَرُكُمْ قُرْآنًا”. فنظروا فلم يكن أحدٌ أكثرَ قرآنًا مني؛ لما كنت أتلقى من الركبان، فقدَّموني بين أيديهم، وأنا ابن ست أو سبع سنين، وكانت عليَّ بردة، كنت إذا سجدتُ تقلصت عني، فقالت امرأة من الحي: ألا تغطون عنا اسْتَ قارئكم؟ فاشتَروا فقطعوا لي قميصًا، فما فرِحْتُ بشيء فرَحي بذلك القميص[1].
وقدم إياسُ بن معاوية -رحمه الله- الشام وهو غلام، فقدَّم خصمًا له إلى قاضٍ لعبد الملك بن مروان، وكان خصمه شيخًا كبيرًا، فقال له القاضي: أتقدِّم شيخًا كبيرًا؟ فقال له إياس: الحقُّ أكبر منه. قال: اسكُت. قال: فمَن ينطق بحجَّتي؟ قال: ما أظنُّك تقول حقًّا حتى تقوم. قال: أشهَد أن لا إله إلا الله. فقام القاضي فدخل على عبد الملك فأخبَره بالخبر، فقال: اقضِ حاجتَه وأخرِجْه من الشام لا يفسد عليَّ الناس[2].
إنها نماذج مضيئة من تاريخنا المنسي، أهدت لأمتنا أروعَ الرجال، فما لنا نقصر في التعريف بهم لأبنائنا، بدلاً من تركهم فريسةً لقدوة مزعومة باطلة فجة، يهرولون إليها في شخصياتٍ تغمر الفضاء غمرًا، بما لا يتناسب وقِيَمنا ومبادئنا، فيتخيلون القدوة في راكلٍ للكرة، أو ممثِّل، أو غيرهم ممن تعِجُّ بهم سماء الإعلام المتناهية الفوضى!
لا بد لنا من آلةٍ إسلاميةٍ إعلاميةٍ قوية (ترسم القدوة) بألوان الحقِّ والخير والجمال، التي يمتلئ بها تاريخُ السلف الصالح.
ينبغي أن نضع أبناءَنا على طريق (القدوة الحسنة) التي يفوح شذاها كلما عانقت أعيننا قصص (أطفال السلف) وسيرتهم، فهل نحنُ فاعلون؟!