محاضرة الشيخ أبو عبد المعزِّ محمَّد علي بن بوزيد بن علي فركوس
شرف الانتساب لمذهب السلف
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له واشهد أن لا إله غلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أما بعد :
فإن من دواعي الغبطة والسرورأن أكون موضع ثقتكم الغالية و ليت بوسعي أن أصف لكم شعوري الغامر بالمودة والولاء وأنا بين أظهركم في هذه المدينة العريقة مدينة بلعباس العامرة حرسها الله من كل سوء وفتن و أنا بين أهلها السلفيين من ذوي الجود والكرم في هذا الرحاب العلمي المبارك وضمن هذه الدورة العلمية الحافلة إن شاء الله بمشاركات علمية ووجوه سلفية ولاشك أن مثل هذه المناسبات الهامة في حياة أمتنا و حياة رجالنا تمثل بصدق فرصا للتقويم و التقدير والمراجعة كما تعطي فرصا للتفكير العميق في كيفية نشر هذا الدين المصفى على نطاق واسع لتربية الناس على دينهم الحق ودعوتهم إلى العمل بأحكامه والتحلي بآدابه وإبعادهم عن أنماط الضلالة وأنواع الإنحرافات عن سواء السبيل ومختلف الأباطيل التي كانت سببا لهذا البلاء والذل الذي يعيشه المسلمون اليوم ، فهذه الرواسب الشركية من أعمال الجاهلية والمجال البدعية التي شوهت جمال الإسلام وكدرت صفاء الدين و حالت دون تقدم المسلمين إنما يقوم ببيانها و إزالتها وتنقيتها و تصفيتها الدعاة إلى الله تعالى من أهل العلم والتقوى السالكين مذهب أهل السنة والجماعة سلفيين على ما أخبر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم :" يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين و انتحال المبطلين وتدليس الجاهلين " و نجاح هذه الأمة مرهون بعودتها إلى ما كان عليه سلفها الصالح إذ لا يصلح أخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها و ضمن هذه الرؤية الدعوية فقد سطّرت لهذه المناسبة الكريمة مقالا موسوما بعنوان شرف الانتساب إلى مذهب السلف و جوانب الإفتراق مع ما يسمى بالسلفية الجهادية سائلا المولى عز وجل العون والتوفيق والسّداد ,هذا قبل الشروع في موضوع المحاضرة فلا يفوتني أن أسدد في هذا المقام مشاعر الشكر والعرفان للقائمين على هذه الدورة المباركة و الشكر موصول أيضا إلى كل من أسهم من قريب أو من بعيد في تفعيل النشاط العلمي والدعوي وفي تحريك القلوب وجمعها على طاعة الله وحبّه فأقول وبالله التوفيق :
المسلمون الأولون كانوا على الإسلام الصحيح قولا وعملا وسلوكا وأخلاقا لم يدبّ فيهم الخلاف العقدي والطائفي لذلك سمّوا بالمسلمين تمييزا لهم عن أصحاب الملل الأخرى من اليهود والنصارى و الصابئة المشركين فكان معنى قوله تعالى :" هو سمّاكم المسلمين من قبل " ينطبق عليهم إسما ومسمى قلبا وقالبا ظاهرا وباطنا ،أما من كانوا على الإسلام الذي شرعه الله لعباده مجردا عن الشركيات والبدعيات وخاليا من الحوادث والمنكرات في العقيدة والمنهج والفرعيات فمن يوجِد مصوغات حالية كاتخاذ بديل عن التسمية للمسلمين لأنهم كانو يمثلون الإسلام بحق، لكن بعد ظهور الاختلافات العقدية والانحرافات السلوكية بين عموم المسلمين تمخّض عنها ظهور فرق مختلفة و طوائف عقدية متناحرة منها الخوارج والشيعة والقدرية والجهمية والمعتزلة و الأشعرية وغيرهم كل منها تدّعي الحق وأنها على الهدى والسير على منهج الكتاب والسنة وترمي غيرها بالزيغ والضلال والإنحراف عن سواء السبيل مع أنها جميعا تفتقد إلى الإتصاف بالوصف الذي بيّنه النبي صلى الله عليه وسلم مخبرا أمته عن حال هذه الفرق فقال :" تفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلهم في النار إلا واحدة , قالوا وما تلك الفرقة , قال ما أنا عليه اليوم وأصحابي ." فكان جوابه صلى الله عليه وآله وسلم منصبّا على تعيين الوصف دون الموصوف ذلك الوصف الذي يفصح عن دلالة واضحة في أن النجاة إنما تعم كل من اتصف بأوصاف الفرقة الناجية إلى قيام الساعة وليست قاصرة الاختصاص بمن تقدم بدليل قوله صلى الله عليه وسلم :" لا تزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتيهم أمر الله وهم على ذلك." و منه يتبين بوضوح أن كل متأخر عن الحقبة الزمنية التاريخية المختصة بأهل القرون المفضلة الواردة في قوله صلى الله عليه وآله وسلم :" خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ." و هي زمن السلف الصالح والتزم مذهبهم و منهجهم في الاعتقاد و العمل الفقهي يكون سلفيا ويطلق عليه هذه التسمية لالتزامه باتصاف السلف الصالح ويطلق عليه سنيّ من أهل السنة والجماعة لالتزامه بالسنة ومجانبته للبدعة ويطلق عليه أثري أي من أهل الحديث والأثر لاعتنائه بالحديث النبوي رواية ودراية وتطبيقا وعملا وسلوكه لهديه صلى الله عليه وآله وسلم ظاهرا وباطنا واشتغاله بآثار الصحابة رضي الله عنهم تمييزا وفهما واحتجاجا كما يوصف بالغريب لأنه يصلح إذا فسد الناس لقوله صلى الله عليه وآله وسلم :" بدأ الإسلام غريبا ثم يعود غريبا كما بدأ فطوبا للغرباء, قيل يا رسول الله ومن الغرباء , قال : الذين يصلحون إذا فسد الناس ." وفي حديث آخر " أناس صالحون في أناس سوء كثير من يعصهم أكثر ممن يطيعهم ." وإنما يصلح لأنه اتصف بالوصف المعيِّن للفرقة الناجية في قوله صلى الله عليه وسلم :" ما أنا عليه اليوم وأصحابي ." قال الحافظ بن رجب رحمه الله : وأما فتنة الشبهات والأهواء المضلّة فبسببها تفرق أهل القبلة وصاروا شيعا و كفّر بعضهم بعض وصاروا أعداء وفرقا وأحزابا بعد أن كانوا إخوانا قلوبهم على قلب رجل واحد فلم ينجوا من هذه الفرق إلا فرقة واحدة ناجية وهم المذكورون في قوله صلى الله عليه وآله وسلم :" لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك ." و هم في آخر الزمان الغرباء المذكورون في هذه الأحاديث الذين يصلٌحون إذا فسد الناس , هم الذين يصلحون ما أفسد الناس من السنة , هم الذين يفرّون بدينهم من الفتن وهم النٌزّاه من الخبائث لأنهم قبلوا فلا يوجد في كل قبيلة منهم إلا الواحد والإثنان و قد لا يوجد في هذه القبائل منهم أحد كما كان الداخلون في الإسلام في أول الأمر كذلك و بهذا فسّر الأئمة هذا الحديث , قال الأوزاعي في قوله صلى الله عليه وآله وسلم :" بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ " أما إنه ما يذهب الإسلام ولكن يذهب أهل السنة حتى ما يضحى في البلد منهم إلا رجل واحد , ولهذا المعنى يوجد في كلام السلف كثيرا مدح السنة ووصفها بالغربة ووصف أهلها بالقلّة فكان الحسن البصري رحمه الله يقول لأصحابه : يا أهل السنة ترفّقوا رحمكم الله فإنكم من أقل الناس , وقال يوسف بن عبيد : ليس شيء أغرب من السنة و أغرب منها من يعرفها ورُوي عنه أنه قال: أصبح من عُرِّف السنة فعرفها غريبا و أغرب منه من يُعرِّفها , وعن سفيان الثوري قال: استوصوا بأهل السنة خيرا فإنهم غرباء و مراد هؤلاء الأئمة بالسنة طريقة النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان هو وأصحابه عليها السّالمة من الشبهات والشهوات ولهذا كان الفضيل بن عياض يقول: أهل السنة من عرف ما يدخل بطنه من حلال ,و ذلك بأن أكل الحلال من أعظم خصال السنة التي كان عليها النبي صلى الله عليه وآله وسلم و أصحابه رضي الله عنهم .ثم صار في عُرف كثير من العلماء المتأخرين من أهل الحديث وغيرهم السنة عبارة عمّا سنّ من الشبهات في الاعتقادات خاصة في مسائل الإيمان بالله و ملائكته وكتبه ورسله و اليوم الآخر, وكذلك مسائل القدر و فضائل الصحابة وصنّفوا في هذا العلم تصانيف سمّوها كتب السنة و إنما خصّوا هذا العلم باسم السنة لأن خطره عظيم والمخالف فيه على شفا هلكة و أما السنة المتكاملة فهي الطريقة السالمة من الشبهات والشهوات كما قال الحكم ويونس ابن عبيد وسفيان والفضيل وغيرهم ولهذا وُصف أهلها بالغربة في آخر الزمان لقلتهم وعزتهم في الدين انتهى كلام ابن رجب . هذا وللسلفية ألقاب وأسماء يُعرفون بها تنصبُّ على معنى واحد فهي تتفق ولا تختلف وتأتلف ولا تنتقض قال عنها بكر أبو زيد رحمه الله : إنها ألقاب منها ما هو ثابت بالسنة الصحيحة و منها ما لم يبرز إلا في مواجهة مناهج أهل الأهواء والفرق الضالّة لرد ّبدعتهم و التمييز عنهم وإبعاد الخلطة بهم و مناكبتهم فلمّا ظهرت البدعة تميزوا بالسنة و لمّا حكِّم الرأي تميزوا بالحديث والأثر و لمّا فشت البدع والأهواء في الخلوف تميزوا بهدي السلف قلت ولذلك لما سئل مالك رحمه الله من أهل السنة ؟ قال: أهل السنة الذين ليس لهم لقب يُعرفون به لا جهمي ولا قبلي ولا رافضي .و مراده أن أهل السنة التزموا اللّفظ الذي كان عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم و أصحابه و بقوا متمسكين بوصيته صلى الله عليه وآله وسلم من غير انتساب لشخص أو جماعة و من هنا يُدرك أن سبب هذه التسمية إنما نشأت بعد الفتنة عند بداية ظهور الفرق الدينية و قد أشار إلى ذلك ابن سيرين رحمه الله بقوله: "لم يكونوا يسألون عن الإسناد فلما وقعت الفتنة قالوا سمُّوا لنا رجالكم فيُنظر إلى أهل السنة فيُؤخذ حديثهم ويُنظر إلى أهل البدع فلا يُؤخذ حديثهم " وبهذا يُعلم أن السلفية نسبة إلى السلف الصالح الذين لا يُطلق على مرحلة السبق الزمني فحسب بل هو اصطلاح جامع لمعاني متكاملة تُطلق من جهة الدلالة على مذهب السلف الصالح في تلقي الإسلام وفهمه و العمل به كما تُطلق من جهة أخرى للدلالة على من حافظ على سلامة العقيدة و اتباع التشريع و الإفادة والعمل بها وفق ما كان عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه من التمسُّك بالوحي أي الكتاب والسنة وتقديمهما على ما سواهما و العمل على مقتضى فهم الصحابة رضي الله عنهم ومن يوازونهم من القرون المفضلة قبل أن يحصل الإختلاف والإفتراق من أهل الفرق والطوائف وأصحاب المذاهب والنِّحل الأخرى التي ظهرت وانتشرت في مختلف البلدان والأقطار من الرقعة الإسلامية الكبرى , ولهذا كان الإمتثال إلى مذهب السلف بلا شك إعتزازا وشرفا و أكد ابن تيمية رحمه الله هذا المعنى بقوله :" لا عيب على من أظهر مذهب السلف و انتسب إليه واعتزى إليه بل يجب قبول ذلك منه بالإتفاق فإن مذهب السلف لا يكون إلا حقا ."
شرف الانتساب لمذهب السلف
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له واشهد أن لا إله غلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أما بعد :
فإن من دواعي الغبطة والسرورأن أكون موضع ثقتكم الغالية و ليت بوسعي أن أصف لكم شعوري الغامر بالمودة والولاء وأنا بين أظهركم في هذه المدينة العريقة مدينة بلعباس العامرة حرسها الله من كل سوء وفتن و أنا بين أهلها السلفيين من ذوي الجود والكرم في هذا الرحاب العلمي المبارك وضمن هذه الدورة العلمية الحافلة إن شاء الله بمشاركات علمية ووجوه سلفية ولاشك أن مثل هذه المناسبات الهامة في حياة أمتنا و حياة رجالنا تمثل بصدق فرصا للتقويم و التقدير والمراجعة كما تعطي فرصا للتفكير العميق في كيفية نشر هذا الدين المصفى على نطاق واسع لتربية الناس على دينهم الحق ودعوتهم إلى العمل بأحكامه والتحلي بآدابه وإبعادهم عن أنماط الضلالة وأنواع الإنحرافات عن سواء السبيل ومختلف الأباطيل التي كانت سببا لهذا البلاء والذل الذي يعيشه المسلمون اليوم ، فهذه الرواسب الشركية من أعمال الجاهلية والمجال البدعية التي شوهت جمال الإسلام وكدرت صفاء الدين و حالت دون تقدم المسلمين إنما يقوم ببيانها و إزالتها وتنقيتها و تصفيتها الدعاة إلى الله تعالى من أهل العلم والتقوى السالكين مذهب أهل السنة والجماعة سلفيين على ما أخبر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم :" يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين و انتحال المبطلين وتدليس الجاهلين " و نجاح هذه الأمة مرهون بعودتها إلى ما كان عليه سلفها الصالح إذ لا يصلح أخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها و ضمن هذه الرؤية الدعوية فقد سطّرت لهذه المناسبة الكريمة مقالا موسوما بعنوان شرف الانتساب إلى مذهب السلف و جوانب الإفتراق مع ما يسمى بالسلفية الجهادية سائلا المولى عز وجل العون والتوفيق والسّداد ,هذا قبل الشروع في موضوع المحاضرة فلا يفوتني أن أسدد في هذا المقام مشاعر الشكر والعرفان للقائمين على هذه الدورة المباركة و الشكر موصول أيضا إلى كل من أسهم من قريب أو من بعيد في تفعيل النشاط العلمي والدعوي وفي تحريك القلوب وجمعها على طاعة الله وحبّه فأقول وبالله التوفيق :
المسلمون الأولون كانوا على الإسلام الصحيح قولا وعملا وسلوكا وأخلاقا لم يدبّ فيهم الخلاف العقدي والطائفي لذلك سمّوا بالمسلمين تمييزا لهم عن أصحاب الملل الأخرى من اليهود والنصارى و الصابئة المشركين فكان معنى قوله تعالى :" هو سمّاكم المسلمين من قبل " ينطبق عليهم إسما ومسمى قلبا وقالبا ظاهرا وباطنا ،أما من كانوا على الإسلام الذي شرعه الله لعباده مجردا عن الشركيات والبدعيات وخاليا من الحوادث والمنكرات في العقيدة والمنهج والفرعيات فمن يوجِد مصوغات حالية كاتخاذ بديل عن التسمية للمسلمين لأنهم كانو يمثلون الإسلام بحق، لكن بعد ظهور الاختلافات العقدية والانحرافات السلوكية بين عموم المسلمين تمخّض عنها ظهور فرق مختلفة و طوائف عقدية متناحرة منها الخوارج والشيعة والقدرية والجهمية والمعتزلة و الأشعرية وغيرهم كل منها تدّعي الحق وأنها على الهدى والسير على منهج الكتاب والسنة وترمي غيرها بالزيغ والضلال والإنحراف عن سواء السبيل مع أنها جميعا تفتقد إلى الإتصاف بالوصف الذي بيّنه النبي صلى الله عليه وسلم مخبرا أمته عن حال هذه الفرق فقال :" تفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلهم في النار إلا واحدة , قالوا وما تلك الفرقة , قال ما أنا عليه اليوم وأصحابي ." فكان جوابه صلى الله عليه وآله وسلم منصبّا على تعيين الوصف دون الموصوف ذلك الوصف الذي يفصح عن دلالة واضحة في أن النجاة إنما تعم كل من اتصف بأوصاف الفرقة الناجية إلى قيام الساعة وليست قاصرة الاختصاص بمن تقدم بدليل قوله صلى الله عليه وسلم :" لا تزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتيهم أمر الله وهم على ذلك." و منه يتبين بوضوح أن كل متأخر عن الحقبة الزمنية التاريخية المختصة بأهل القرون المفضلة الواردة في قوله صلى الله عليه وآله وسلم :" خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ." و هي زمن السلف الصالح والتزم مذهبهم و منهجهم في الاعتقاد و العمل الفقهي يكون سلفيا ويطلق عليه هذه التسمية لالتزامه باتصاف السلف الصالح ويطلق عليه سنيّ من أهل السنة والجماعة لالتزامه بالسنة ومجانبته للبدعة ويطلق عليه أثري أي من أهل الحديث والأثر لاعتنائه بالحديث النبوي رواية ودراية وتطبيقا وعملا وسلوكه لهديه صلى الله عليه وآله وسلم ظاهرا وباطنا واشتغاله بآثار الصحابة رضي الله عنهم تمييزا وفهما واحتجاجا كما يوصف بالغريب لأنه يصلح إذا فسد الناس لقوله صلى الله عليه وآله وسلم :" بدأ الإسلام غريبا ثم يعود غريبا كما بدأ فطوبا للغرباء, قيل يا رسول الله ومن الغرباء , قال : الذين يصلحون إذا فسد الناس ." وفي حديث آخر " أناس صالحون في أناس سوء كثير من يعصهم أكثر ممن يطيعهم ." وإنما يصلح لأنه اتصف بالوصف المعيِّن للفرقة الناجية في قوله صلى الله عليه وسلم :" ما أنا عليه اليوم وأصحابي ." قال الحافظ بن رجب رحمه الله : وأما فتنة الشبهات والأهواء المضلّة فبسببها تفرق أهل القبلة وصاروا شيعا و كفّر بعضهم بعض وصاروا أعداء وفرقا وأحزابا بعد أن كانوا إخوانا قلوبهم على قلب رجل واحد فلم ينجوا من هذه الفرق إلا فرقة واحدة ناجية وهم المذكورون في قوله صلى الله عليه وآله وسلم :" لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك ." و هم في آخر الزمان الغرباء المذكورون في هذه الأحاديث الذين يصلٌحون إذا فسد الناس , هم الذين يصلحون ما أفسد الناس من السنة , هم الذين يفرّون بدينهم من الفتن وهم النٌزّاه من الخبائث لأنهم قبلوا فلا يوجد في كل قبيلة منهم إلا الواحد والإثنان و قد لا يوجد في هذه القبائل منهم أحد كما كان الداخلون في الإسلام في أول الأمر كذلك و بهذا فسّر الأئمة هذا الحديث , قال الأوزاعي في قوله صلى الله عليه وآله وسلم :" بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ " أما إنه ما يذهب الإسلام ولكن يذهب أهل السنة حتى ما يضحى في البلد منهم إلا رجل واحد , ولهذا المعنى يوجد في كلام السلف كثيرا مدح السنة ووصفها بالغربة ووصف أهلها بالقلّة فكان الحسن البصري رحمه الله يقول لأصحابه : يا أهل السنة ترفّقوا رحمكم الله فإنكم من أقل الناس , وقال يوسف بن عبيد : ليس شيء أغرب من السنة و أغرب منها من يعرفها ورُوي عنه أنه قال: أصبح من عُرِّف السنة فعرفها غريبا و أغرب منه من يُعرِّفها , وعن سفيان الثوري قال: استوصوا بأهل السنة خيرا فإنهم غرباء و مراد هؤلاء الأئمة بالسنة طريقة النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان هو وأصحابه عليها السّالمة من الشبهات والشهوات ولهذا كان الفضيل بن عياض يقول: أهل السنة من عرف ما يدخل بطنه من حلال ,و ذلك بأن أكل الحلال من أعظم خصال السنة التي كان عليها النبي صلى الله عليه وآله وسلم و أصحابه رضي الله عنهم .ثم صار في عُرف كثير من العلماء المتأخرين من أهل الحديث وغيرهم السنة عبارة عمّا سنّ من الشبهات في الاعتقادات خاصة في مسائل الإيمان بالله و ملائكته وكتبه ورسله و اليوم الآخر, وكذلك مسائل القدر و فضائل الصحابة وصنّفوا في هذا العلم تصانيف سمّوها كتب السنة و إنما خصّوا هذا العلم باسم السنة لأن خطره عظيم والمخالف فيه على شفا هلكة و أما السنة المتكاملة فهي الطريقة السالمة من الشبهات والشهوات كما قال الحكم ويونس ابن عبيد وسفيان والفضيل وغيرهم ولهذا وُصف أهلها بالغربة في آخر الزمان لقلتهم وعزتهم في الدين انتهى كلام ابن رجب . هذا وللسلفية ألقاب وأسماء يُعرفون بها تنصبُّ على معنى واحد فهي تتفق ولا تختلف وتأتلف ولا تنتقض قال عنها بكر أبو زيد رحمه الله : إنها ألقاب منها ما هو ثابت بالسنة الصحيحة و منها ما لم يبرز إلا في مواجهة مناهج أهل الأهواء والفرق الضالّة لرد ّبدعتهم و التمييز عنهم وإبعاد الخلطة بهم و مناكبتهم فلمّا ظهرت البدعة تميزوا بالسنة و لمّا حكِّم الرأي تميزوا بالحديث والأثر و لمّا فشت البدع والأهواء في الخلوف تميزوا بهدي السلف قلت ولذلك لما سئل مالك رحمه الله من أهل السنة ؟ قال: أهل السنة الذين ليس لهم لقب يُعرفون به لا جهمي ولا قبلي ولا رافضي .و مراده أن أهل السنة التزموا اللّفظ الذي كان عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم و أصحابه و بقوا متمسكين بوصيته صلى الله عليه وآله وسلم من غير انتساب لشخص أو جماعة و من هنا يُدرك أن سبب هذه التسمية إنما نشأت بعد الفتنة عند بداية ظهور الفرق الدينية و قد أشار إلى ذلك ابن سيرين رحمه الله بقوله: "لم يكونوا يسألون عن الإسناد فلما وقعت الفتنة قالوا سمُّوا لنا رجالكم فيُنظر إلى أهل السنة فيُؤخذ حديثهم ويُنظر إلى أهل البدع فلا يُؤخذ حديثهم " وبهذا يُعلم أن السلفية نسبة إلى السلف الصالح الذين لا يُطلق على مرحلة السبق الزمني فحسب بل هو اصطلاح جامع لمعاني متكاملة تُطلق من جهة الدلالة على مذهب السلف الصالح في تلقي الإسلام وفهمه و العمل به كما تُطلق من جهة أخرى للدلالة على من حافظ على سلامة العقيدة و اتباع التشريع و الإفادة والعمل بها وفق ما كان عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه من التمسُّك بالوحي أي الكتاب والسنة وتقديمهما على ما سواهما و العمل على مقتضى فهم الصحابة رضي الله عنهم ومن يوازونهم من القرون المفضلة قبل أن يحصل الإختلاف والإفتراق من أهل الفرق والطوائف وأصحاب المذاهب والنِّحل الأخرى التي ظهرت وانتشرت في مختلف البلدان والأقطار من الرقعة الإسلامية الكبرى , ولهذا كان الإمتثال إلى مذهب السلف بلا شك إعتزازا وشرفا و أكد ابن تيمية رحمه الله هذا المعنى بقوله :" لا عيب على من أظهر مذهب السلف و انتسب إليه واعتزى إليه بل يجب قبول ذلك منه بالإتفاق فإن مذهب السلف لا يكون إلا حقا ."