رغم أن علم القراءات القرآنية هو العلم الذي يهتم باختلاف القراء والرواة عنهم في نطق حروف القرآن وحصر مواضع هذا الخلاف أصولا وفرشا إلا أن ثمت مبحث نادر وطريف قل ما يتطرق – أو حتى يتفطن – له المهتمون بمباحث هذا العلم الجليل، ألا وهو تلك المسائل التي أجمع القراء والرواة عنهم على قراءتها بوجه واحد لا خلاف بينهم عليه، وهذا المبحث مهم غاية الأهمية؛ ذلك أنه لا يكفي لإتقان القراءات المتعددة للحرف القرآني معرفة مواضع الخلاف دون التركيز على مواضع الإجماع أيضا ودراستها دراسة مستفيضة تبين هذه الحروف وسبب الإجماع عليها ونسبتها من أحرف الخلاف.
وهذا المبحث النادر قلَّ أن تجد من أفرده بالدراسة أو التأليف، ولا يكاد يوجد في كتب القراءات حديث عنه، وقد عقد الإمام الشاطبي (المتوفى سنة 590 هـ) في منظومته حرز الأماني فصلا للحديث عن إجماع القراء السبعة على إدغام ذال (إذ) والدال من (قد) وتاء التأنيث فيما وقع بعدها من أحرف، إلا أنه لم يسلم من اعتراض النقاد فقد عاب عليه أبو شامة إدراج هذا الباب؛ قائلا: إنه من عجيب التبويب في مثل هذا الكتاب فإنه لم ينظم هذه القصيدة إلا لبيان مواضع خلاف القراء لا لما أجمعوا عليه فإنما أجمعوا عليه أكثر مما اختلف فيه ...
ويوجد كتاب عزيز نادر في هذا المضمار ألفه أحد علماء الشناقطة وهو العلامة: محمد مولود بن أحمد فال اليعقوبي (المتوفى سنة 1323 هـ)؛ بعنوان: " ما أجمع عليه القراء من قواعد الأداء "، جمع فيه مؤلفه مسائل نادرة من هذا العلم الجليل في رسالة لطيفة الحجم غزيرة العلم لا يتعدى حجمها العشرين صفحة، وقد ذكر في ديباجتها أن الباعث على تأليفها هو أن الشهاب بن حجر ذكر: أن تعلم ما أجمع عليه القراء واجب، وقد درس المؤلف في هذا الكتاب ما أجمع عليه القراء من مسائل المد والهمزات والإمالة وترقيق الراءات وتفخيمها وتغليظ اللامات وترقيقها ولابتداء والوقف وهاء الضمير (هاء الكناية) والتنوين والنون الساكنة وأحكام التقاء الساكنين .
ومن النواحي الإيجابية في هذا الكتاب اشتماله على مباحث نادرة لا يتطرق لها القراء عادة؛ مثل الباب المستقل الذي عقده لأحكام الابتداء وقال فيه: " لم أر نحويا ولا مقرئا عقد بابا للابتداء غير ما عقده النحاة لهمز الوصل " [ما أجمع عليه القراء (ص 6)]، ثم شرع في تفصيل أحكامه وتقعيد قضاياه ... كذلك فإن مؤلف الكتاب كثيرا ما يستنطق نصوص العلماء ويَسْبِر غورها مقدما إضافات علمية مبتكرة؛ كتعليقه على جعل الهمز المسهل هاء خالصا بقوله: " طلبناه في جمع غفير من كتب النحو والقراءة فلم نجد له ذكرا ولم يذكروا إلا قول الجعبري: ينبغي أن يفرق القاريء بين مسهل ومبدل ويحترز في تسهيله عن الهاء والهاوي " [ما أجمع عليه القراء (ص 3)]، ثم هو فوق ذلك يعزو الأقوال لأصحابها ويخرجها من كتبهم في أحايين كثيرة وقدد تتبعت موارد الكتاب فوجدته استخدم أكثر من 36 مرجعا من مصادر القراءات والنحو وشروح الحديث والفقه، وختم الرسالة بالتنبيه على أخطاء شائعة في التلاوة تخالف إجماع القراء واستطرد بالحديث عن أحكام قراءة الحديث النبوي وضوابطها وقواعدها العامة .
ومما قد يلاحظ على الكتاب التداخل المنهجي فيه بين مباحث علم القراءات والفقه أحيانا فهو مثلا عندما يتكلم في مسائل المد والقصر يورد قولا عن ابن العربي بأن قصر المنفصل لا يضر الصلاة [ما أجمع عليه القراء (ص 9)]،
وربما يكون ذلك راجعا لمعرفة مؤلفه الموسوعية وتبحره في علوم الفقه، وربما غلبت عليه الصناعة النحوية فأطلق بعض عموميات اللغة على القراءة كقوله في باب الإمالة: " اعلم أن الإمالة لا تجب لغة ولا قراءة " [ما أجمع عليه القراء (ص 6)]، ومعلوم أن من القراء من لم يمل – فالإمالة ليست واجبة عنده - وهو ابن كثير، ومنهم من اتجه إلى الإمالة – فهي واجبة عنده - وهم قسمان: قسم يكثر من الإمالة وهم ورش وأبو عمرو، وحمزة والكسائي، والقسم الآخر منهم مقلون وهم قالون وابن عامر وعاصم.
وعموما يبقى هذا الكتاب محاولة بديعة نادرة لسد ثغرة في المكتبة الإسلامية وفي الدراسات القرآنية على وجه الخصوص بحاجة إلى من يضيف عليها حتى يبلغ البنيان تمامه .
والاهتمام بهذا الفن يكتسب أهمية من عدة نواح:
أولا: لأن مسائل الإجماع في القراءات تعني – بالضرورة – كل قاريء لكتاب الله، عكس علم القراءات الذي قد لا يعني اليوم إلا المختصين في الدراسات القرآنية .
ثانيا: حصر المواضع التي أجمع عليها القراء ضروري للخروج بموازنات متكاملة عن عدد أحرف الخلاف، والنسبة التي تمثلها من المتفق عليه بين القراء .
ثالثا: دراسة المسائل التي أجمع عليها القراء مهم لإثبات أن القراءات القرآنية ليست جارية على ما يقتضيه الخلاف اللغوي وتنوع ضروب الكلام العربي؛ لأن كثيرا من أحرف الإجماع تحتمل وجوها متعددة في النطق من حيث اللغة إلا أن القراء أجمعوا على قراءتها بوجه واحد مما يأكد أنهم يتبعون الرواية لا القياس النحوي، وأوضح مثال على ذلك ما أورده أبو حيان في تفسيره حيث قال: " أجمع القراء على ضم الميم من "مُكث" في قوله تعالى: {وَقُرْآَنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ} [الإسراء: 106] واللغة تجيز في الميم من "مُكث" الضم والفتح والكسر لكن القراء لم يقرءوا إلا بضم الميم " [البحر المحيط (6/88)] .
وهذا المبحث النادر قلَّ أن تجد من أفرده بالدراسة أو التأليف، ولا يكاد يوجد في كتب القراءات حديث عنه، وقد عقد الإمام الشاطبي (المتوفى سنة 590 هـ) في منظومته حرز الأماني فصلا للحديث عن إجماع القراء السبعة على إدغام ذال (إذ) والدال من (قد) وتاء التأنيث فيما وقع بعدها من أحرف، إلا أنه لم يسلم من اعتراض النقاد فقد عاب عليه أبو شامة إدراج هذا الباب؛ قائلا: إنه من عجيب التبويب في مثل هذا الكتاب فإنه لم ينظم هذه القصيدة إلا لبيان مواضع خلاف القراء لا لما أجمعوا عليه فإنما أجمعوا عليه أكثر مما اختلف فيه ...
ويوجد كتاب عزيز نادر في هذا المضمار ألفه أحد علماء الشناقطة وهو العلامة: محمد مولود بن أحمد فال اليعقوبي (المتوفى سنة 1323 هـ)؛ بعنوان: " ما أجمع عليه القراء من قواعد الأداء "، جمع فيه مؤلفه مسائل نادرة من هذا العلم الجليل في رسالة لطيفة الحجم غزيرة العلم لا يتعدى حجمها العشرين صفحة، وقد ذكر في ديباجتها أن الباعث على تأليفها هو أن الشهاب بن حجر ذكر: أن تعلم ما أجمع عليه القراء واجب، وقد درس المؤلف في هذا الكتاب ما أجمع عليه القراء من مسائل المد والهمزات والإمالة وترقيق الراءات وتفخيمها وتغليظ اللامات وترقيقها ولابتداء والوقف وهاء الضمير (هاء الكناية) والتنوين والنون الساكنة وأحكام التقاء الساكنين .
ومن النواحي الإيجابية في هذا الكتاب اشتماله على مباحث نادرة لا يتطرق لها القراء عادة؛ مثل الباب المستقل الذي عقده لأحكام الابتداء وقال فيه: " لم أر نحويا ولا مقرئا عقد بابا للابتداء غير ما عقده النحاة لهمز الوصل " [ما أجمع عليه القراء (ص 6)]، ثم شرع في تفصيل أحكامه وتقعيد قضاياه ... كذلك فإن مؤلف الكتاب كثيرا ما يستنطق نصوص العلماء ويَسْبِر غورها مقدما إضافات علمية مبتكرة؛ كتعليقه على جعل الهمز المسهل هاء خالصا بقوله: " طلبناه في جمع غفير من كتب النحو والقراءة فلم نجد له ذكرا ولم يذكروا إلا قول الجعبري: ينبغي أن يفرق القاريء بين مسهل ومبدل ويحترز في تسهيله عن الهاء والهاوي " [ما أجمع عليه القراء (ص 3)]، ثم هو فوق ذلك يعزو الأقوال لأصحابها ويخرجها من كتبهم في أحايين كثيرة وقدد تتبعت موارد الكتاب فوجدته استخدم أكثر من 36 مرجعا من مصادر القراءات والنحو وشروح الحديث والفقه، وختم الرسالة بالتنبيه على أخطاء شائعة في التلاوة تخالف إجماع القراء واستطرد بالحديث عن أحكام قراءة الحديث النبوي وضوابطها وقواعدها العامة .
ومما قد يلاحظ على الكتاب التداخل المنهجي فيه بين مباحث علم القراءات والفقه أحيانا فهو مثلا عندما يتكلم في مسائل المد والقصر يورد قولا عن ابن العربي بأن قصر المنفصل لا يضر الصلاة [ما أجمع عليه القراء (ص 9)]،
وربما يكون ذلك راجعا لمعرفة مؤلفه الموسوعية وتبحره في علوم الفقه، وربما غلبت عليه الصناعة النحوية فأطلق بعض عموميات اللغة على القراءة كقوله في باب الإمالة: " اعلم أن الإمالة لا تجب لغة ولا قراءة " [ما أجمع عليه القراء (ص 6)]، ومعلوم أن من القراء من لم يمل – فالإمالة ليست واجبة عنده - وهو ابن كثير، ومنهم من اتجه إلى الإمالة – فهي واجبة عنده - وهم قسمان: قسم يكثر من الإمالة وهم ورش وأبو عمرو، وحمزة والكسائي، والقسم الآخر منهم مقلون وهم قالون وابن عامر وعاصم.
وعموما يبقى هذا الكتاب محاولة بديعة نادرة لسد ثغرة في المكتبة الإسلامية وفي الدراسات القرآنية على وجه الخصوص بحاجة إلى من يضيف عليها حتى يبلغ البنيان تمامه .
والاهتمام بهذا الفن يكتسب أهمية من عدة نواح:
أولا: لأن مسائل الإجماع في القراءات تعني – بالضرورة – كل قاريء لكتاب الله، عكس علم القراءات الذي قد لا يعني اليوم إلا المختصين في الدراسات القرآنية .
ثانيا: حصر المواضع التي أجمع عليها القراء ضروري للخروج بموازنات متكاملة عن عدد أحرف الخلاف، والنسبة التي تمثلها من المتفق عليه بين القراء .
ثالثا: دراسة المسائل التي أجمع عليها القراء مهم لإثبات أن القراءات القرآنية ليست جارية على ما يقتضيه الخلاف اللغوي وتنوع ضروب الكلام العربي؛ لأن كثيرا من أحرف الإجماع تحتمل وجوها متعددة في النطق من حيث اللغة إلا أن القراء أجمعوا على قراءتها بوجه واحد مما يأكد أنهم يتبعون الرواية لا القياس النحوي، وأوضح مثال على ذلك ما أورده أبو حيان في تفسيره حيث قال: " أجمع القراء على ضم الميم من "مُكث" في قوله تعالى: {وَقُرْآَنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ} [الإسراء: 106] واللغة تجيز في الميم من "مُكث" الضم والفتح والكسر لكن القراء لم يقرءوا إلا بضم الميم " [البحر المحيط (6/88)] .