سفر المرأة بلا محرم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد :

عن عبدالله بن عباس - رضي الله عنهما - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم، ولا يدخل عليها رجل إلا معها محرم) متفق عليه. [صحيح الجامع 7301].

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم منها) (متفق عليه). [صحيح الجامع 7653] و [السلسلة الصحيحة 2421].

وعنه - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (لا تسافر المرأة بريدا ، إلا ومعها محرم يحرم عليها) [صحيح الجامع 7302] .

البريد : هو مسافة أربع فراسخ . والفرسخ نحو ثماني كيلو متر .

والفرسخ : ثلاثة أميال .

والميل من الأرض : هو منتهى مد البصر لأن البصر يميل عنه حتى يفنى إدراكه ، وبذلك جزم الجوهري .

وقيل حَدّهُ أن ينظر إلى الشخص في أرض مُسَطحَةٍ فلا يدري أهو رجل أو امرأة، وهو ذاهب أو آت، كما في الفتح (2/ 467)، وهو في تقدير بعض العلماء في الوقت الحاضر يساوي : 1680 متر.

وعن ابن عمر - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (لا تسافر المرأة ثلاثة أيام إلا مع ذي محرم) متفق عليه . [صحيح الجامع7303].

وعن أبي سعيد - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (لا تسافر المرأة مسيرة يومين إلا ومعها زوجها أو ذو محرم منها، ولا صوم في يومين : الفطر، والأضحى) رواه البخاري. انظر : [صحيح الجامع 7304].

وعنه - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر سفرا يكون ثلاثة أيام فصاعداً إلا ومعها أبوها، أو ابنها، أو زوجها، أو أخوها، أو ذو محرم منها) [مختصر صحيح مسلم 645].

وعن عبدالله بن عباس - رضي الله عنهما - قال : سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : (لا يخلونّ رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم ، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم) فقام رجل فقال : " يا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجــّـــة، وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا "، قال : (انطلق فحجّ مع امرأتك) [مختصر صحيح مسلم 647] .

وفي كتاب " من فتاوى الحج والعمرة " المسألة الثمانون " سئل الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله تعالى - عن : امرأة ليس لها محرم، أرادت أن تحجّ حجــّـــة الإسلام مع رجل من أعيان بلدها مشهور بالصلاح، ومعه نسوة من محارمه، هل يصحّ أن تخرج معه لعدم وجود المحرم، مع أنها مستطيعة من ناحية المال ؟؟.

فأجاب رحمه الله – تعالى - : [لا يحل لهذه المرأة أن تحج بلا محرم حتى وإن كانت مع نساء، ورجل أمين لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : (ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم) فقام رجل فقال : " يا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجـــّــــة، وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا "، قال : (انطلق فحج مع امرأتك) ولم يستفسر النبي - صلى الله عليه وسلم - منه، هل كانت آمنة أو غير آمنة ؟، وهل كان معها نساء ورجال مأمونون أم لم يكن، مع أن الحال تقتضي ذلك، ومع أن زوجها كان قد اكتتب في غزوة، فأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يدع الغزوة، وأن يخرج مع امرأته.

وقد ذكر أهل العلم أن المرأة إذا لم يكن لها محرم، فإن الحج لا يجب عليها، حتى ولو ماتت لا يـُحج عنها من تركتها لأنها غير قادرة، والله - سبحانه وتعالى - فرض الحــــجّ على المستطيع ]. انتهى كلامه.

وقال رحمه الله – تعالى - : رَدّاً على المسألة الحادية والثمانون :

[ ... وههنا أمر نأسف له كثيرا وهو : تهاون بعض النساء في السفر بالطائرة بدون محرم، فإنهن يتهاونّ بذلك، تجد المرأة تسافر بالطائرة وحدها، وتعليل هذا الفعل يقولون : محرمها يشيعها في المطار الذي أقلعت منه الطائرة، والمحرم الآخر يستقبلها في المطار الذي تهبط فيه الطائرة، وهذه العلة عليلة في الواقع فإن محرمها الذي شيعها ليس يدخلها في الطائرة، بل إنه يوصلها إلى صالة الإنتظار، وربما تتأخر الطائرة عن الإقلاع، فتبقى هذه المرأة ضائعة، وربما تطير الطائرة ولا تتمكن من الهبوط في المطار الذي تريد لسبب من الأسباب، وتهبط في مكان آخر، فتضيع هذه المرأة، وربما تهبط في المكان الذي قصدته، ولكن لا يأتي محرمها لسبب من الأسباب، إما نوم، أو مرض، أو زحام، أو حادث منعه من الوصول.

وإذا انتفت هذه الموانع كلها، ووصلت هذه الطائرة في وقتها، ووجد المحرم الذي يستقبلها فإنه من الذي يكون إلى جانها في الطائرة، قد يكون إلى جانبها رجل لا يخشى الله – تعالى -، ولا يرحم عباد الله فيغريها وتغتر به، ويحصل بذلك الفتنة والمحذور ــ كما هو معلوم ــ.

فالواجب على المرأة أن تتقي الله - عز وجل - وأن لا تسافر إلا مع ذي محرم، والواجب على الرجال أيضا الذين جعلهم الله قوامين على النساء أن يتقوا الله - عز وجل -، وأن لا تذهب غيرتهم ودينهم ، فإن الإنسان مسؤول عن أهله لأن الله جعلهم أمانـــَـــة عنده فقال : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم 6]. انتهى كلامه.

صدق شيخنا العلامـــــَــة ابن عثيمين - رحمه الله وجعل الفردوس الأعلى مأواه - .

إن الشارع الحكيم قدّم سفر الصحابي مع امرأته إلى الحج ليكون محرما لها، على الجهاد في سبيل الله - تعالى - مع علوّ مكانــَــة الجهاد ومنزلته في الإسلام، وما ذلك إلا تشريفاً وتكريماً للمرأة، وحفظاً لطهرها، وصيانةً لعفتها وعرضها وكرامتها، ولكن كثر في هذه الأيام سفر النساء ذهابا وإيابا، في أنحاء المعمورة دون محرم، ودون مراعاة لحدود الله – تعالى - ومرضاته - إلا مارحم ربي -.

ويظهر لنا من قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (لا يحلّ) أن الأمر مُحرّم، ومن خالفت فقد أحلّت ما حَرّمَ الله - تبارك وتعالى -.

وقد تحتجّ أخوات بأن النهي خاصّ بسفر اليوم والليلة، واليومان، والثلاثة. وتنسى قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم : (... ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم) فقد ذكر مطلق السفر، ولم يحدد أياما.

وللتوفيق بين الأدلة قال العلماء ما معناه : يراعى في ذلك العرف في السفر، وانقطاع البيوت، وانقطاع الإتصال.

يدل على ذلك قول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - : [كل اسم ليس له حد في اللغة ولا في الشرع، فالمرجِع فيه إلى العرف، فما كان سفراً في عُرفِ الناس، فهو السفر الذي علـّـق به الشارع الحكم] [السلسلة الصحيحة جـ 1 ص 310].

قالت لي أخت في الله : " قبل سنوات سافرت بالطائرة بلا مُحرم مضطرةً لعيادة أخي المريض، فجلس إلى جانبي رجل سَكِــرَ وصدرت منه أقوال وأفعال تمنيت لو أن الأرض انشقت وابتلعتني، على أن أسافر بلا محرم لوحدي !!.

وقلن أخريات : ليتنا لم نسافر إلى العمرة بلا محرم، فواللهِ لقد تحكـُّـمِ السائق بنا، وسار على هواه، فكان هو الآمر الناهي، ناهيك عما كانت تتعرض له إحدانا من أمراض، وأحداث لم تكن بالحسبان أثناء السفر، فكانت بأمسّ الحاجة إلى محرم يعينها ويدافع عنها.

قلت :إن لله – تعالى – شرع عدم سفر المرأة إلا بمحرم تشريفاً وتكريماً وحمايةً وحفظاً لها، فلتحمد الله – تعالى على هذه الكرامة ... وعلى هذه النعمة.

كما أن طاعة الله – سبحانه وتعالى – لا يمكن أن تكون بمعصيته وبمخالفة أمره، ليتنا نُذعن لأمر الشارع الحكيم، فنقول إذا جاء من عند الله – تعالى - : {سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير}.

قال الله – تعالى - : {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} [سورة الأحزاب : 36].

قلن : " واللهِ ما أردنا إلا خيرا، حجاً أو عمرةً برفقة نساء ثقـــاة. وقد سمعنا أن الإمام الشافعي رحمه الله - تعالى - أفتى بجوازه.

فقلت : وهل يُـتقرب إلى الله – تعالى - بما يخالف شرعه ؟؟ الله أكبر !!، ما أروع قول الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - : "وكم من مريدٍ للخير لن يصيبه !!".

وقد ثبت فيما تقدم من أدلة أعلاه، عدم جواز سفر المرأة بلا محرم، لعلّ هذه الأدلة لم تصل الإمام الشافعي رحمه الله – تعالى -، أو لعله اجتهد فأخطأ، فله أجر الإجتهاد.

أختـــــــاه : إن الأمر إذا جاء من عند الله – تبارك وتعالى - عن طريق رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وفي قول الإمام الشافعي أو غيره – رحمهم الله تعالى - ما يخالفه، فأمرُ من يجب أن نتبع ؟؟.

أأمر الإمام الشافعي - رحمه الله تعالى - نتبع، أم أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟؟.

إن الإمام الشافعي رحمه الله – تعالى - قد برّأ الذمّة قبل وفاته بقوله : [ما من أحد إلا وتذهب عنه سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم ، وتغرب عنه، فمهما قلت من قول وأصّلت من أصل فيه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خلاف ما قلت، فالقول ما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وهو قولي].

وقوله هذا رحمه الله - تعالى - يرد فتواه في جواز خروج المرأة إلى حجة الفريضة إن لم تجد المحرم، وهذه هي فتواه.

قال الإمام الشافعي رحمه الله – تعالى - : [.... خامسا : أن يكون مع المرأة زوجها أو محرمها، أو نسوة يوثق بهن. اثنتان فأكثر. فلو وجدت امرأة واحدة فلا يجب عليها الحج ، وإن جاز ، لها أن تحج معها حجة الفريضة ، بل يجوز لها أن تخرج وحدها لأداء الفريضة عند الأمن.

أمّــا في النفل فلا يجوز الخروج مع النسوة ولو كثرت] انتهى كلامه. انظر : [كتاب الفقه على المذاهب الأربعة كتاب الحج ص 636].

وهل توقـّــفَ الأمر عند النساء في أيامنا هذه على سفر المرأة إلى الحج والعمرة بلا محرم فقط، أم انفرط العقد فقامت تجوبُ بلاد العالم شرقاً وغرباً هكذا بلا محرم، في رحلات عمل، ورحلات سياحية ... ورحلات مختلطة، ومخيمات لقضاء عطل وإجازات،؟؟ ... واللـــه المستعان.

أخــــــــي في الله ! : أنت القوام في الأسرة، أنت الربان للسفينة ... فلا تَدَعْها تغرق ويغرق من فيها. لا تغضّ الطرف عما يجري في بيتك من مخالفات شرعية، فإنك محاسَبٌ عليه.

لا تتهاون مع أرحامك من النساء في السماح لهنّ بالسفر بغير محرم، فأنت راعٍ في بيتك ومسؤولٌ عن رعيتك.

قال الله - تعالى - : {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [سورة النساء : 65] .

أختــــــــــاه ! : أين التسليم لأمر الله – تبارك وتعالى - ؟؟ أين الرضى بقضاه ؟؟.

أختــــــــــاه ! : أوصيك ونفسي بتقوى الله، فإن من فضل الله - تعالى - علينا، أن المرأة إن لم تجد المحرم، فقد فقدت الإستطاعة، فلها العذر وإن كان سفر طاعة.

ولكن، عجبي لا يكاد ينقضي من مُسلمات يذهبن لبلاد الكفر ويَغِبنَ سنواتٍ بلا محرم للدراسة،
أو للحصول على الجنسيات الأجنبية.

يضاف إلى هذه المعصية معصية أخرى وهي : أنه لا يسمح لإحداهنّ بالسفر إلى بعض البلاد إلا أن تضع على جواز سفرها صورةً جانبيةً لها " كاشفة الرأس " نعم، كاشفة الرأس، هذا شرطهم !!، أخبرتني به أكثر من أخت من الأخوات !!.


هكذا يريدونها ، ليصدّوها عن دينها ... عن مبادئها، عن حيائها. ناهيك عن سفرها بلا محرم،
جرياً وراء دنيا ... دنيا دنية !!. فيــــــــــا لغربة الإسلام !!.

اللهم ردّنا إليك رداً جميلا، ولا حول ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم.



وكتبته : أم عبــــــداللــــــه نجــــلاء الصالــــــح

من محاضرات اللجنـــة النسائية بمركز الإمام الألباني - رحمه الله تعالى -.