:: لماذا نهمل دراسة التاريخ ::
يقول ابن خلدون - رحمه الله :
اعلم أن فن التأريخ فن عزيز المذهب ، جم الفوائد ،
شريف الغاية ؛ إذ هو يوقفنا على أحوال الماضين من الأمم في أخلاقهم ،
والأنبياء في سيرهم ، والملوك في دولهم وسياستهم ، حتى تتم فائدة الاقتداء
في ذلك لمن يرومه في أحوال الدين والدنيا .
" تاريخ ابن خلدون " ( 1 / 9 ) .- - - -
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله :
فينبغي للعقلاء أن يعتبروا بسنة الله وأيامه في عباده ، ودأب الأمم وعاداتهم .
" مجموع الفتاوى " ( 28 / 427 ) .
ومن هنا نعى ابن الأثير الجزري رحمه الله على من لم يقم لعلم التاريخ وزناً ، فقال :
لقد رأيت جماعة ممن يدعي المعرفة والدراية ويظن
بنفسه التبحر في العلم والرواية : يحتقر التواريخ ويزدريها ، ويُعرِض عنها
ويلغيها ؛ ظنّاً منه أن غاية فائدتها إنما هو القصص والأخبار ، ونهاية
معرفتها الأحاديث والأسمار ؛ وهذا حال من اقتصر على القشر دون اللب نظره ،
ومن رزقه الله طبعاً سليماً ، وهداه صراطاً مستقيماً : علم أن فوائدها
كثيرة ، ومنافعها الدنيوية والأخروية جمَّة غزيرة .
" الكامل في التاريخ " ( 1 / 7 ، 8 ) .
ومما ذكره - رحمه الله من الفوائد الدنيوية :
أن الملوك ومَن إليهم الأمر والنهي إذا وقفوا على ما فيها من سيرة أهل
الجور والعدوان ورآها مدوّنةً في الكتب يتناقلها الناس ، فيرويها خلف عن
سلف ، ونظروا إلى ما أعقبت من سوء الذكر ، وقبيح الأحدوثة ، وخراب البلاد ،
وهلاك العباد ، وذهاب الأموال ، وفساد الأحوال : استقبحوها ، وأعرضوا عنها
واطَّرحوها ، وإذا رأوا سيرة الولاة العادلين وحسنها ، وما يتبعهم من
الذكر الجميل بعد ذهابهم ، وأنّ بلادهم وممالكهم عمرت ، وأموالهم درّت :
استحسنوا ذلك ورغبوا فيه ، وثابروا عليه وتركوا ما يُنافيه ، هذا سوى ما
يحصل لهم من معرفة الآراء الصائبة التي دفعوا بها مضرات الأعداء ، وخلصوا
بها من المهالك ، واستصانوا نفائس المدن وعظيم الممالك ، ولو لم يكن فيها
غير هذا لكفى به فخراً .