كان الفتح الإسلامي لشبة الجزيرة الأيبيرية – إسبانيا والبرتغال – أمرًا طبيعيًا حسب الخطة التي اتبعها المسلمون أثناء فتوحاتهم وهي تأمين حدودهم ونشر دعوتهم، فبعد أن وصل تيار الفتح إلى شمال إفريقية، وبعد أن أرسى موسى بن نصير ومن معه كلمة الإسلام في الشمال الإفريقي، كانت الخطوة التالية الطبيعية هي فتح الأندلس[1].
دخل الإسلام بلاد الأندلس من عام 92هـ واستمر حكم المسلمين بها إلى عام 897هـ وهي فترة طويلة شهدت أحيانًا قوة المسلمين وأحيانًا أخرى ضعف وتخاذل إلى أن سقط الحكم الإسلامي بتلك البلاد، وتعرف الأندلس بهذا الاسم نسبة إلي قبائل الفندال أو الوندال فسميت هذه البلاد بفانداليسيا ومع الأيام حُرّف إلى أندوليسيا فأندلس.

[1] عبد الرحمن علي الحجي: التاريخ الأندلسي ص 43.

مزيد من التفاصيل

فكرة الفتح
تعود فكرة فتح الأندلس إلى أيام الخليفة الراشد عثمان بن عفان، فقد فكر عقبة بن نافع سنة 63هـ في اجتياز المضيق إلى إسبانيا[1]، ولكن التنفيذ الفعلي للفتح كان في زمن الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك، بعد أن نُوقِشَت خطة الفتح بينه وبين قائده على شمال إفريقية موسى بن نصير[2].
موسى بن نصير:
ولد موسى في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه سنة 19هـ= 640م، بقرية يقال لها كفر متري – من قرى أرض الشام في جبل الجليل- ونشأ في وسط وثيق الصلة بأمور الحرب والجندية، فتوطدت صلته بقادة الفتح وأعلام الفكر الإسلامي، في دار الخلافة بالشام، وأخذ عن أبيه الجرأة والصراحة والورع، فظهرت عليه علامات الطموح ومؤهلات القيادة منذ نعومة أظفاره، وكانت نشأته مع أبناء الخلفاء الأمويين كمروان بن عبد الملك وبشر بن مروان من العوامل التي مهدت له طريق المستقبل[3].

بعد نقاش فكرة الفتح أرسل موسى بن نصير أحد ضباطه ويدعى طريف بن مالك المعافري على رأس قوة عسكرية إلى ساحل إسبانيا الجنوبي في مهمة استطلاعية وذلك في عام 91هـ= 710م فنزل طريف في جزيرة بالوماس، وأغار على المناطق المجاورة وأصاب سبيًا كثيرًا وعاد محملاً بالغنائم، وأقنعته هذه الحملة بضعف وسائل الدفاع الإسباني، بعد ذلك أرسل موسى بن نصير في عام 92هـ= 711م قوة عسكرية قوامها سبعة آلاف مقاتل بقيادة طارق بن زياد نائبه على طنجة[4].

طارق بن زياد:
من المعروف أن طارق مولى مغربي أمازيغي لموسى بن نصير، وهو أيضا من البربر الزناتيين أو النفزاويين، وقد أسلم والد طارق منذ أيام عقبة بن نافع الفهري[5].
وقد قيل إن طارق: طويل القامة، ضخم الهامة، أشقر اللون، وتنطبق هذه الصفات على عنصر البربر"[6].
وقد كان طارق بن زياد حسب الروايات الأدبية والنقدية شاعرًا؛ إذ أورد له المقَّرِي في كتابه (نفح الطيب) بعض الأبيات الشعرية نقلاً عن الحجاري في المسهب وابن اليسع في المغرب، وهي:

ركبنا سفينــــا بالمجاز مقيرا عسى أن يكون الله منا قد اشتـرى
نفوسا وأموالا وأهلا بجنة إذا ما اشتهينا الشيء فيها تيســــرا
ولسنا نبالي كيف سالت نفوسنا إذا نحن أدركنا الذي كان أجدرا[7]

[1] السابق نفسه ص 44.
[2]محمد سهيل طقوش: التاريخ الإسلامي الوجيز ص 207.
[3]بسام العسيلي: موسى بن نصير ص 10-11.
[4]محمد سهيل طقوش: التاريخ الإسلامي الوجيز ص 207.
[5]مجلة ديوان العرب، الأحد 23 مارس 2008=

[6]الدكتور علي محمد الصلابي: صفحات مشرقة من التاريخ الإسلامي، 1/ 311
[7]المقري: نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، 1/ 248.
عمليات الفتح
كان طارق عسكريًا ناجحًا وقائدًا ممتازًا، مخلصًا للإسلام، متحمسًا لنشره في بقاع الأرض؛ لذا بدأ طارق بالتجهز للعبور؛ فقام ببناء عدد كبير من السفن؛ ليتمكن من عبور المضيق الفاصل بين أفريقية وأوربا. عبر طارق بن زياد المضيق فنزل تجاه الجزيرة الخضراء، وسيطر على الجبل الذي حمل اسمه منذ ذلك الوقت، ثم تقدم حتى بلغ بحيرة خندة - غربي إسبانيا - وعلم بالحشود الضخمة التي حشدها لذريق ملك الأندلس، فطلب النجدة من موسى بن نصير، فأمده بخمسة آلاف جندي، والتقى الجيشان عند وادي لكة 92هـ= 711م وانتهت المعركة بانتصار المسلمين وتم القضاء على الجيش القوطي[1].
بعد ذلك توغَّل طارق بن زياد في البلاد ففتح قرطبة وطليطلة في أوائل عام 93هـ= 712م، ثم فتح شذونه والبيرة وغيرها من المدن؛ مما شجَّعه إلى أن يكتب إلى موسى بن نصير يخبره بما حقق من انتصارات، فشجع ذلك موسى بن نصير على العبور بنفسه إلى الأندلس في عام 93هـ= 712م، ففتح مدنًا كثيرة مثل قرمونة وإشبيلية ودخل ماردة صلحًا، وامتدت فتوحاته إلى برشلونة شرقًا وأربونا في الجوف وقادش في الجنوب، وجليقية في الشمال الغربي.
ثم اجتمع القائدان المسلمان في مدينة طلبيرة لتقويم ما تم إنجازه من خطة الفتح، وما سيتم فتحه في المستقبل، واشتركا معًا في فتح مدينة سرقسطة في إقليم أرغوان، واخترق موسى جبال البرينييه الفاصلة بين إسبانيا وفرنسا، فغزا ولاية سبتمانيا، وفتح قرقشونة وناربون، كما غزا وادي نهر الرون ووصل إلى مدينة ليون، في حين اجتاز طارق وادي الأبرو وغزا جليقية.
وتلقى في هذه الأثناء كل من موسى بن نصير وطارق بن زياد أمرًا من الخليفة بوقف العمليات العسكرية والعودة فورًا إلى دمشق – ربما كان ذلك خوفًا من الخليفة على المسلمين من كثرة التوغل في تلك البلاد- وعين الأول قبل مغادرته ابنه عبد العزيز حاكمًا على الأندلس نيابة عنه[2].
يتضح من خلال هذا العرض التاريخي لفتح المسلمين لبلاد الأندلس، أن المسلمين أتموا فتح بلاد الأندلس ولم يتجاوز عددهم الثلاثين ألفًا، وكان المسلمون يقومون بهذا الفتح ويعرفون أن أعدادهم أقل بكثير من عدوهم، لكنهم كانوا يتفوقون على ذلك بالإيمان القوي المتدفق، وكانوا مستعدين لكل تضحية مهما عزت لنصرة الإسلام[3].
ومن الأمور المهمة التي يجب الإشارة إليها أيضًا أن مهمة الفتح الإسلامي لا تنتهي أو تتوقف عند النصر الحربي، بل بعده تبدأ؛ وذلك ببيان الإسلام والدعوة إليه، وهي مهمة ما بعد الفتح على لسان الفاتحين وفي سلوكهم وتصرفهم[4].
وقد عاش الأندلس في ظل الحكم الإسلامي فترات من القوة، وفترات أخرى من الضعف.

[1]محمد سهيل طقوش: التاريخ الإسلامي الوجيز ص 208.
[2]محمد سهيل طقوش: التاريخ الإسلامي الوجيز ص 208.
[3]عبد الرحمن علي الحجي: التاريخ الأندلسي ص 123.
[4]السابق نفسه ص 124.
عصور القوة في تاريخ الأندلس
1- فترة القوة في عهد الولاة
2- عهد الإمارة الأموية
3- عهد الخلافة الأموية
4- الدولة العامرية أو عصر سيطرة الوزراء
5- دولة المرابطين
6- دولة الموحدين
فترة القوة في عهد الولاة
عبد الرحمن الغافقي
عبد الرحمن بن عبد الله بن بشر بن الصارم الغافقى، كنيته أبو سعيد ولقب بأمير الأندلس والغافق قبيلة في اليمن ينسب إليها، رحل إلى إفريقية ثم وفد على سليمان بن عبد الملك في دمشق وعاد إلى المغرب فاتصل بموسى بن نصير وابنه عبد العزيز أيام إقامتهما في الأندلس، ولى قيادة الشاطئ الشرقي من الأندلس، وبعد مقتل السمح بن مالك أمير الجيوش انتقل إلى أربونة فانتخبه المسلمون فيها أميرًا وأقره والى إفريقية، ثم نشأ خلافًا بينه وبين عنبسة بن سحيم فعزل عبد الرحمن وولى عنبسة مكانه وصبر عبد الرحمن يغزو مع الغزاة، حتى ولاه هشام بن عبد الملك إمارة الأندلس سنة 112 هـ ليكون سابع الولاة عليها، وكان صالحًا حسن السيرة في ولايته[1].

استطاع عبد الرحمن الغافقي القضاء على النزاعات القبلية وتوحيد الجميع تحت رايته، فكان تجرده القبلي أحد أسباب النجاح الذي حققه فاحترمه الجميع واستطاع أن يجتاح بجيوشه وادي الرون إلى عمق فرنسا حتى نهر اللوار، إلا أن هُزِمَ وسقط شهيدًا في معركة بلاط الشهداء أمام شارل مارتل في 114هـ= 732م[2].

[1
[2]محمد سهيل طقوش: التاريخ الإسلامي الوجيز ص213.
الإمارة الأموية فترة القوة والازدهار
عبد الرحمن الداخل (صقر قريش):
هو عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان مؤسس الدولة الأموية بالأندلس، بعد أن سقطت الخلافة الأموية على أيدي العباسين وأخذ الولاة العباسيون يتعقبون الأمويين ويقتلونهم، إلا أن عبد الرحمن بن معاوية استطاع الفرار منهم، واتجه إلى المغرب ومنها إلى الأندلس ليؤسس دولته هناك[1]، وقد لقب عبد الرحمن بن معاوية بالداخل لأنه أول من دخل الأندلس من بني أميه حاكمًا، وقد لقبه أبو جعفر المنصور بصقر قريش لبراعته وتوليه الحكم في الأندلس بعد أن كان هاربًا من أيدي العباسيين[2].
ومن الأمور المهمة التي يجب الإشارة إليها أن عبد الرحمن بن معاوية قد تربى في بيت الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك الذي كان عهده عهد ازدهار الدولة الأموية فكان قصره مدرسة للتعلم من كل المهارات والفنون فمنه تعلم عبد الرحمن[3].
استطاع عبد الرحمن الداخل القضاء على الثورات والصعوبات الداخلية التي واجهته، وأصبحت فترة حكمه من أقوى الفترات التي حكمت فيها الأندلس، فقد كان رجلاً موهوبًا جمع صفات كثيرة من الحزم والسياسة.
وقد تعرضت الأندلس أيام عبد الرحمن الداخل إلى محاولة قام بها شارلمان للاستيلاء على سرقسطة – أي الثغر الأعلى- ولكن لحسن الحظ أن الأندلس كان مجتمعًا تحت راية عبد الرحمن في ذلك الحين فتمكن من النجاة من ذلك الخطر[4].
بدء مرحلة الاستقرار:
تعتبر هذه الفترة فترة ازدهار وقوة بعد فترة الضعف التي مرت بها الأندلس في عهد الولاة والدليل على ذلك ما قام به عبد الرحمن بن معاوية من أعمال العمران فقد بدء في ببناء مسجد قرطبة عام 170هـ واستمر بناؤه سبع سنوات، بالإضافة إلى تجميل المدن وتشيد دارة سماها الرصافة في ظاهر قرطبة، وكان من ضمن ما غرسه فيها نخله أتى بها من الشام فأنشد فيها شعرًا يقول:
تبدت لنا وسط الرصافة نخلة تناءت بأرض الغرب عن بلد النخيل
فقلت شبيهي في التفرد والنوى وطول التنائي عن بني وعن أهلي
نشأت بأرض أنت فيها غريبة فمثلك في الإقصاء والمنتأى مثلي
سقتك غوادي المزن من صوبها الذي يسح ويستمري السماكين بالوبل[5]

هشام الأول (الرضا) 173- 180هـ
كان عادلاً متواضعًا ورعًا تقيًا، شهد عهده تحولاً مذهبيًا بشيوع مذهب الإمام مالك وتخلي الأندلسيين عن مذهب الإمام الأوزاعي الذي كان المذهب الرسمي حتى ذلك الحين، وقد نعمت الأندلس في عهده ببعض الهدوء بعد أن احتوى بطبعه الهادي كل الزعامات القبلية.
أما على الصعيد الخارجي، فقد اتجه هشام الأول نحو محاربة النصارى في الشمال مدفوعًا في ذلك بنزعته وحماسه الديني، فحارب الإسبان في ولاية إستورقة كما أرسل حملات صيفية ضد ولاية سبتمانيا في جنوب فرنسا، توفى عام 180هـ= 896م وخلفه ابنه الحكم الأول[6].
الحكم بن هشام 180-206هـ:
كان الحكم يحب حياة الترف والرياضة والصيد وكان من حوله حاشية متكبرة متعالية، وجندًا قاسيًا عنيفًا على الناس معظمه من الصقالبة.
ومن أشهر الأحداث التي وقعت في عهده موقعة الربض في 13 من رمضان 202هـ، وكان السبب فيها أن مجموعة من الفقراء والفقهاء خرجوا يطلبون العدالة لا الحكم، ولكن الحكم تعامل مع الثوار بشكل غير مسبوق في التاريخ الأندلسي فقام بحرق بيوت الثوار الذين اضطروا للعودة للنجاة بأهلهم فقام بقتل الكثير منهم وطرد الكثير منهم من الريف الجنوبي للأندلس.
وقد شغلت هذه الفتنة الحكم عن عدوه الصليبي شارلمان الذي أنتهز الفرصة واستطاع أن يستولي على برشلونة سنة 190هـ وأنشأ فيها ثغر أصبح بعد ذلك شوكة في جنب المسلمين.
وقد تمكن المرض من الحكم بن هشام بعد حادثة الربض، وتطاولت به العلة وحل به الندم وجعل يتمنى لو لم يتصرف مع أهل قرطبة على هذا النحو، حتى توفاه الله[7].
عبد الرحمن الثاني (الأوسط) 206-238هـ :
خلف عبد الرحمن الثاني أباه الحكم الأول في ظل أجواء هادئة، وعرف بالأوسط لأنه ثاني ثلاثة سموا بهذا الاسم، وهو لا يتفق مع أبيه في كثير من الصفات، إنه أقل تمسكًا بنظرية الحكم المطلق، وبالتالي فإن خلفيته الدينية كانت بارزه في البلاط، وانعكست شخصيته المثقفة والفقهية الواسعة، وما تمتع به من إحساس فني مرهف، وذوق اجتماعي رفيع على حياة الأندلس، ويعد عهده بداية الانتقال الحقيقي إلى الدولة بمفهومها المحدد كمؤسسة إدارية وثقافية وعسكرية متطورة[8].
وفي عهده بدأت مظاهر الحضارة والترف تظهر، فأنشأ الناس القصور الجميلة وأخذت قرطبة طريقها لتصير أجمل مدائن أوربا على الإطلاق، ولكن هذه حياة الأقلية أما حياة الأكثرية فكانوا يعيشون في رخاء نسبي، لأن البلد كان غنيًا وكان الناس مقبلين على العمل، والضرائب قليلة، وكان هناك ديوان المظالم مخصص للنظر في شكاوي الناس من أعمال رجال الدولة وتصرفاتهم[9].
التصدي لغارات النورمان:
كانوا يقبلون من البحر ويقومون بغارات على المسلمين، فاستطاع عبد الرحمن الأوسط التصدي لهم وأنشأ البحرية الأندلسية التي استطاعت السيطرة على الحوض الغربي للبحر المتوسط، واستولت على الجزائر الشرقية – البليار- وكان هناك أسطولين أسطول بالبحر المتوسط وأخر بالمحيط الأطلسي[10].
وتوفى عبد الرحمن الأوسط في 3 ربيع الثاني 238هـ= 852م بعد حكم دام إحدى وثلاثين سنة تعتبر من أزهر فترات التاريخ الأندلسي بما ساد قرطبة وكبار المدن ومراكز العمران من هدوء وما تمتعت به البلاد من رخاء ورفاهية، لأن عبد الرحمن ورجاله كانوا من أذكياء رجال الدولة الذين يؤمنون بأن رخاء الرعية أساس لثبات الحكم واستقرار أسس العدالة والنظام[11].

[1] السابق نفسه ص222.
[2]عبد الرحمن علي الحجي: التاريخ الأندلسي ص217.
[3]فريق البحوث والدراسات الإسلامية:الموسوعة الميسرة في التاريخ الإسلامي، تقديم د/ راغب السرجاني، 1/ 375.
[4]حسين مؤنس: موسوعة تاريخ الأندلس 1/ 55.
[5]فريق البحوث والدراسات الإسلامية:الموسوعة الميسرة في التاريخ الإسلامي، تقديم د/ راغب السرجاني ، 1/ 377-378.
[6]محمد سهيل طقوش: التاريخ الإسلامي الوجيز ص 226.
[7]فريق البحوث والدراسات الإسلامية:الموسوعة الميسرة في التاريخ الإسلامي، تقديم د/ راغب السرجاني ، 1/ 379-380.
[8]محمد سهيل طقوش: التاريخ الإسلامي الوجيز ص229.
[9]فريق البحوث والدراسات الإسلامية:الموسوعة الميسرة في التاريخ الإسلامي، تقديم د/ راغب السرجاني ، 1/380.
[10] السابق نفسه ص 380-381.
[11]حسين مؤنس: موسوعة تاريخ الأندلس 1/80
عهد الخلافة الأموية
عبد الرحمن الثالث (الناصر):
كان الناصر أميرًا حازمًا، وذكيًا عادلاً، وعاقلاً شجاعًا، محبًا للإصلاح وحريصًا عليه، قاد الجيوش بنفسه، فأنزل العصاة من حصونهم، لشجاعته وسياسته الحكيمة بالسيف أو بالسياسة الرشيدة التي اتبعها[1].
تولى الأمير عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله الحكم وهو في الحادية والعشرين من عمره، وقد تولى الحكم في ظروف صعبة إذ أن أعمامه كانوا أحق منه في تولي هذا الأمر، لكنهم زهدوا فيه بسبب التمزق والحالة التي وصلت إليها البلاد، في حين كان عبد الرحمن شابًا طموحًا فتعلقت آمال الجند به، وهكذا تولى الأمير عبد الرحمن الثالث عرش الإمارة في عام 300هـ= 912م، دون منازع مما أتاح له حرية الحركة للتصدي لمشكلات التي تعاني منها البلاد[2].
الأوضاع الداخلية:
أرسل عبد الرحمن الناصر منشور إلى كل أمير أو ملك من هؤلاء المتغلبين على النواحي، وفيه يعد ويتوعد ويمني ويحذر، فأيما رجل متغلب على ناحية من النواحي قدم ولاءه للحاكم الشرعي فإنه سيكون من المقربين، وسيحقق ما يبتغيه من مال وسلطان تحت راية الإمارة المركزية، ومن لم يفعل فينذره بحرب مدمرة[3].
واستطاع عبد الرحمن الناصر بعد إصدار هذا المنشور أن يقضي على جميع الثورات دون معاناة، أما الخصم الوحيد الذي كلف عبد الرحمن مشقة كبيرة فهو ابن حفصون غير أنه ضعف أمره وذهبت ريحه خصوصًا بعد أن أرتد عن الإسلام وتوفي في سنة 312هـ وكان أمره قد تفرق تمامًا ولم يصمد أولاده من بعد لعبد الرحمن وسقط حصنه المنيع ببشتر[4].
إحياء الخلافة الأموية:
بعد أن استتب الأمر لعبد الرحمن الناصر وجد أن اللقب الذي ورثه عن أسلافه وهو الأمير، لم يعد يسع لطموحه الكبير، ورأى أنه أحق بألقاب الخلافة، فاتخذ لنفسه لقب أمير المؤمنين، وتلقب بلقب الناصر لدين الله أمير المؤمنين وذلك في عام (316هـ=928م)، وقد شجعه على ذلك ضعف الخلافة العباسية، وقيام دولة فتية معادية في شمالي إفريقية وهي الدولة الفاطمية التي تطلعت لضم الأندلس، وأيضًا بعد قيام عبد الرحمن الناصر بإخضاع القوى الثائرة في الأندلس كان لابد من رفع مكانة الأمير السياسية والدينية وإعطاء قرطبة دورًا أكثر مركزية بحيث تشدد قبضتها على الأطراف، بالإضافة إلى رغبة الأندلسيين في أن يكون لهم خليفة[5].
أمّا على الصعيد الخارجي:
فلم يكن باستطاعة عبد الرحمن الناصر تجاهل النشاط الإسباني الواسع ضد أراضيه، وتجسد تصميمه على توجيه ضربه انتقامية للملك الليوني في عمق بلاده، وخاض من أجل ذلك حروبًا طويلة منذ عام 308هـ=920م وأحرز عدة انتصارات واستعاد عددًا من المواقع المهمة لاسيما أوسما وتطيلة، غير أن راميرو الثاني خليفة أردينو الثاني، أنزل به هزيمة في معركة جرت عند خندق مدينة شمنقة في 327هـ= 939م، ورغم ذلك لم تحدث هذه المعركة أي تغير في وضع الأراضي، كما أن استئناف العمليات العسكرية التقليدية من جانب الخلافة ضد ممالك الشمال في أعقاب الهزيمة، كان كافيًا لردع أي محاولة توسعية من جانب الأسبان[6].

إنجازات عبد الرحمن الناصر المدنية:
أنشأ عبد الرحمن الناصر مدينة الزهراء في سفح جبل العروس بالقرب من قرطبة، ووسع مسجد قرطبة الكبير، ولعل أبرز المنشآت التي أضيفت إليه تلك المنارة المذهبة التي سميت بمنارة الناصر.
وازدهرت الحياة الاقتصادية في عهد الناصر فامتلأت خزانة الدولة بالأموال المتحصله من التجارة والصناعة والزراعة، بالإضافة إلى ذلك بلغت العاصمة قمة التألق الثقافي والحضاري، فزخرت مكتباتها بآلاف المخطوطات النفسية، وغصت أروقة مساجدها وقصورها بالنخبة من العلماء والشعراء وبلغت النهضة العلمية مرحلة النضج[7].
ويروي المقري في نفح الطيب: "أنه وجد بخط الناصر –رحمه الله- أيام السرور التي صفت له دون تكدير، يوم كذا من شهر كذا من سنة كذا ويوم كذا من كذا، وعدت تلك الأيام فكانت أربعة عشر يومًا"[8].
وقد توفي عبد الرحمن الناصر في اليوم الثاني من رمضان سنة 350هـ=961م بعد أن أدى إلى الدولة الإسلامية هذه الأمجاد، ودفن في رياض قصر قرطبة[9].
الحكم بن عبد الرحمن (المستنصر بالله):
هو الحكم بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن محمد لقبه المستنصر بالله ولد سنة 302هـ=914م، تولى الخلافة سنة 350هـ= 961م[10]، وقد جاء المستنصر إلى الحكم ولديه تجربه في الشؤون الإدارية والعسكرية بما اكتسبها نتيجة مصاحبة والده، لكن دوره اقتصر في المحافظة على مكتسبات والده في الداخل، وحمايتها من غارات الأسبان في الخارج، فقد ظهر قويًا، حازمًا، لكنه أشتهر بأنه كان عالمًا أديبًا يقضي الكثير من الوقت في القراءة لكن دون أن يشغله ذلك عن القيام بأعباء الدولة[11].
أما عن فتوحاته فقد تعددت وكان من أعظم ما فتحه قلهرة من بلاد البشكنس على يد غالب بن عبد الرحمن[12].
بناء الدولة والاهتمام بالمعرفة:
كان المستنصر بالله مكملاً لدولة أبيه الناصر، فقد كان أبوه رجل دولة وحرب وسياسة وكان هو إلى جانب ذلك رجل علم وأدب وحضارة، فقد أنشأ في القصر مكتبة بني لها بناءًا خاصًا وأقام لها رجال المكتبات من مسجلين ومنظمين ومفهرسين حتى أصبحت أعظم مكتبة في العصور الوسطى، وقد قدر المؤرخون كتبها بنصف مليون مجلد[13].
واهتم المستنصر بالتعليم فبني عددًا من المدارس، وكانت جامعة قرطبة من أشهر جامعات العالم ومركزها المسجد الجامع، تدرس فيها مختلف أنواع العلوم والمعرفة[14].
وتوفى الحكم الثاني المستنصر في عام 366هـ= 977م[15].

[1] البيان المغرب 2/223.
[2]محمد سهيل طقوش: التاريخ الإسلامي الوجيز 238.
[3]فريق البحوث والدراسات الإسلامية:الموسوعة الميسرة في التاريخ الإسلامي، تقديم د/ راغب السرجاني ، 1/385.
[4]فريق البحوث والدراسات الإسلامية:الموسوعة الميسرة في التاريخ الإسلامي، تقديم د/ راغب السرجاني ، 1/ص386.
[5]محمد سهيل طقوش: التاريخ الإسلامي الوجيز ص 239-240.
[6]السابق نفسه 242.
[7]محمد سهيل طقوش: التاريخ الإسلامي الوجيز ص 244.
[8]نفح الطيب 1/379.
[9]عبد القادر قلاتي: الدولة الإسلامية في الأندلس من الميلاد إلى السقوط ص84.
[10]السابق نفسه ص85.
[11]محمد سهيل طقوش: التاريخ الإسلامي الوجيز ص 245.
[12]عبد القادر قلاتي: الدولة الإسلامية في الأندلس من الميلاد إلى السقوط ص 85.

[13]عبد القادر قلاتي: الدولة الإسلامية في الأندلس من الميلاد إلى السقوط ص 86- 87.
[14]محمد سهيل طقوش: التاريخ الإسلامي الوجيز ص 247.
[15]السابق نفسه ص 247.
الدولة العامرية أو عصر سيطرة الوزراء
هشام بن الحكم بن عبد الرحمن: ( 366هـ - 406هـ = 976م - 1013م )
هو هشام بن الحكم بن عبد الرحمن الناصر، تولى الخلافة وعمره لا يزيد عن عشر سنوات وأشتهر بلقب المؤيد بالله وانقسم رجال الدولة إلى قسمين:
- قسم العسكر ويرى في هشام طفلاً لا يصلح للإمارة ويرشحون عمه ( المغيرة ابن عبد الرحمن الناصر)
- وقسم الوزير المصحفي ومحمد بن أبي عامر ورجال الحكم المدنيين يرون استبقاء هشام في الحكم تقوية لنفوذهم واستئثارًا بالسلطة[1].
المنصور محمد بن أبي عامر:
برز في هذا الصراع محمد بن أبي عامر فقام بقتل المغيرة بن عبد الرحمن الناصر – كان المرشح للخلافة بعد أخيه الحكم- ثم انقلب على صديقه جعفر بن عثمان، وأصبح رئيسًا للوزراء، وظل ابن أبي عامر يدبر المكائد والمؤامرات حتى حجر على الخليفة هشام واستولى على الدولة.
وقد قام محمد بن أبي عامر في سنة 381هـ=991م بتعين ولده عبد الملك رئيسًا للوزراء وجعل أخاه عبد الرحمن وزيرًا، وفي سنة 386هـ = 996م اتخذ المنصور لنفسه لقب الملك[2].

جهاده ضد الممالك النصرانية:
واصل المنصور مسيرة خلفاء بني أمية في الأندلس فقد حكم بالعدل، وقام بغزو البلاد المسيحية فخرج إلى قشتلية غازيًا، ثم خرج إلى مدينة شنت ياقوت عاصمة غليسية، وأعظم المشاهد النصرانية الموجودة ببلاد الأندلس.
وفي سنة 387هـ= 997م دخل المنصور مدينة قورية، وكانت آخر غزوة غزاها المنصور في ربيع 392هـ= 1002م وقصد فيها برغش وقشتالة وقد أحتلهم المنصور وهزم جيشهم وعاش في أرض مملكة ليون[3].
كان محمد بن أبي عامر جزعًا على مستقبل إرثه الذي أقامه في أحضان الخلافة الأموية، مدركًا أن مكتسباته لن تعيش طويلاً بعد غيابه لأنها ارتبطت بشخصه وبمنجزاته، وتوفى في مدينة سالم أثناء عودته من غزوة لإقليم قشتالة عام 392هـ=1002م، إلا أن جهوده أفرزت في النهاية حكمًا وراثيًا، فخلفه ابنه الأكبر عبد الملك المظفر، وأصدر الخليفة كتابًا بتوليته الحجابة[4].

[1]فريق البحوث والدراسات الإسلامية:الموسوعة الميسرة في التاريخ الإسلامي، تقديم د/ راغب السرجاني ، 1/ 390.
[2]عبد القادر قلاتي: الدولة الإسلامية في الأندلس من الميلاد إلى السقوط ص 89.
[3]عبد القادر قلاتي: الدولة الإسلامية في الأندلس من الميلاد إلى السقوط ص90.
[4]محمد سهيل طقوش: التاريخ الإسلامي الوجيز ص 249- 250.
دولة المرابطين بالأندلس ( 484- 539هـ )
من المرابطون؟ من هؤلاء الذين يهدد بهم ابن عبّاد ألفونسو؟
المرابطون هم قبائل ينسبون إلى حمير، وأشهر هذه القبائل لمتونه وجدالة ولمطة، ومن لمتونه كان أمير المسلمين يوسف بن تاشفين، وقد دخلت هذه القبائل المغرب مع موسى بن نصير، وتوجَّهوا مع طارق بن زياد إلى طنجة، لكنهم أحبوا الانفراد فدخلوا الصحراء بالمغرب الأقصى واستوطنوها[1].
وفي سنة 448هـ حدث بينهم انبعاث ديني، وانبثق فيهم من يدعو إلى الجهاد في سبيل الله، وتسمَّى هؤلاء بالمرابطين، وقد تغلب هؤلاء المرابطون على المنطقة كلها من الجزائر إلى السنغال، وكانوا رجالاً من طابع طارق وأصحابه لا تنقصهم الشجاعة وليس للترف إليهم منفذ، وفي سنة 462هـ آل أمر المرابطين إلى يوسف بن تاشفين وكان رجلاً تقيًا حازمًا داهية مجربًا، فمد فتوحه في المغرب الأفريقي حتى دان له جميعه، واختط مدينة مراكش تحت جبال المصامدة، الذين هم أشد أهل المغرب قوة، فكانت مراكش عاصمة لدولة المرابطين ثم ملك سبته وطنجة وأصبح بذلك مطلاً على جنوب الأندلس، ودولته هي أقوى دولة بالمغرب ومن ثم استنجد به أهل الأندلس[2].

السلطان يوسف بن تاشفين أمير المرابطين:
هو أمير المسلمين، السلطان أبو يعقوب يوسف بن تاشفين اللمتوني، ويعرف بأمير المرابطين[3]، وقال عنه ابن الأثير: "أمير المسلمين يوسف بن تاشفين ملك المغرب والأندلس، وكان حسن السيرة خيرًا عادلاً، يميل إلى أهل العلم والدين، ويكرمهم ويحكِّمُهم في بلاده ويصدر عن آرائهم، وكان يحب العفو والصفح عن الذنوب العظام، وكان إذا وعظه أحدهم خشع عند استماع الموعظة، ولان قلبه لها، وظهر ذلك عليه"[4].
وقال عنه ابن خلكان: "كان حازمًا سائسًا للأمور، ضابطًا لمصالح مملكته، مؤثرًا لأهل الدين والعلم، كثير المشورة لهم"[5].

[1]السابق نفسه ص397.
[2]فريق البحوث والدراسات الإسلامية: الموسوعة الميسرة في التاريخ الإسلامي، تقديم د/ راغب السرجاني 1/ 397.
[3]مجدي فتحي السيد: تاريخ الإسلام والمسلمين في بلاد الأندلس ص 147.
[4]ابن الأثير: الكامل في التاريخ 10/417.
[5]وفيات الأعيان 7/ 124.
معركة الزلاقة
وافق يوسف بن تاشفين على تقديم المساعدة لأهل الأندلس واشترط أن يُمنَح الجزيرة الخضراء لتكون مركزًا لانطلاق جيوشه، بعد ذلك عبر يوسف بن تاشفين بجيوشه مضيق جبل طارق ونزل في الجزيرة الخضراء فنظم شؤونها وحصنها، ثم تابع تقدمه باتجاه إشبيلية.
كان ألفونسو السادس آنذاك يحاصر مدينة سرقسطة، وحينما علم بأنباء الزحف الإسلامي، رفع الحصار عنها وأسرع بجيوشه نحو جيوش المسلمين من المغاربة والأندلسيين، فالتقى بهم في شمال شرقي بطليوس عند سهل الزلاقة، وهناك دارت بين الطرفين معركة طاحنة في شهر رجب 479هـ أكتوبر عام 1086م، هزم فيها ألفونسو هزيمة شنعاء وجرح في المعركة واضطر إلى التراجع باتجاه الشمال مخليًا إقليم بلنسية.
والحقيقة أن انتصار المسلمين في الزلاقة كان له آثار كبيرة حيث أنقذ العالم الإسلامي في الأندلس من السقوط في يد النصارى، كما ثبت أقدام المرابطين فيها[1].
وبعد هذه المعركة رجع يوسف بن تاشفين إلى المغرب بعد أن ترك حامية مرابطية مكونه من ثلاث آلاف جندي بقيادة سير بن أبي بكر تساعد القوات الأندلسية في التصدي للهجمات الإسبانية التي بدأت تشن غاراتها على الأندلس انتقامًا لهزيمتها في الزلاقة[2].
بعد ذلك عاد الأندلسيون إلى سيرتهم الأولى بعد رحيل يوسف بن تاشفين، فاختلفوا فيما بينهم، وضايقوا القوة المغربية التي بقيت في الأندلس لحملها على ترك البلاد، وتجاوز الإسبان بعد عام ذيول هزيمتهم في الزلاقة بعد النجدات التي وفدت عليهم من فرنسا والبابوية فاستأنفوا عملياتهم العسكرية، واختاروا المناطق الأكثر ضعفًا في شرق الأندلس وهي بلنسية ومرسية ولورقة والمرية[3].
ونظرًا لخطورة الوضع قرر المعتمد الذهاب بنفسه إلى المغرب لطلب المساعدة من يوسف بن تاشفين، ووافق الزعيم المغربي على العبور مرة ثانية إلى الأندلس لإنقاذها من براثن الخطر النصراني، والسيطرة على ملوك الطوائف فعبر المضيق في عام 481هـ= 1088م، واستنفر الأندلسيين للجهاد.
وهاجم المسلمون حصن الليط الذي أقامه ألفونسو السادس، بين مرسية ولورقة، بعد معركة الزلاقة، غير أن تجددت الخلافات بين الأندلسيين وبخاصة بين المعتمد صاحب إشبيلية، والمعتصم صاحب المرية، حال دون فتح الحصن، وعاني يوسف بن تاشفين من هذه الخلافات ففقد ثقته بالأندلسيين، وعاد إلى المغرب عام 482هـ= 1089م وأخذ يستعد لعزل أمراء الأندلس، وضمها إلى المغرب[4].

[1]محمد سهيل طقوش: التاريخ الإسلامي الوجيز ص257.
[2]عبد القادر قلاتي: الدولة الإسلامية في الأندلس من الميلاد إلى السقوط ص 127.
[3]محمد سهيل طقوش: التاريخ الإسلامي الوجيز ص 258.
[4]السابق نفسه ص 258.

ضم الأندلس إلى المغرب
عبر يوسف بن تاشفين المضيق للمرة الثالثة في عام 483هـ= 1090م دون طلب استغاثة، فسار مباشرة إلى طليطلة مجتاحًا أراضي قشتالة، لكنه فشل في اقتحامها، ولم يتقدم أحد من الزعماء الأندلسيين لمساعدته، ثم اتجه إلى غرناطة وبها الأمير عبد الله بن بلكين بن باديس بن زيري الصنهاجي، فدخلها بعد حصار، وضم مالقة، وقاومه المعتمد بن عباد، وترك ابن تاشفين القيادة لبعض قواده الذين استطاعوا الاستيلاء على الكثير من الأراضي الأندلسية.
وجد المعتمد بن عباد نفسه وحيدًا في مواجهة المرابطين مما جعله يستنجد بألفونسو السادس، لكن المساعدة العسكرية التي دفع بها إلى ميدان القتال لقيت هزيمة قاسية في معركة جرت على مقربة من حصن المدور، بعد ذلك بفترة وجيزة تمكن المرابطين من دخول المدينة في 22من رجب 484هـ= سبتمبر 1091م[1].
ولم يكن من الصعب بعد سقوط إشبيلية التي كانت أقوى دول الطوائف أن يضم المرابطون باقي أجزاء الأندلس، ولم ينجح بالاحتفاظ باستقلاله سوى المستعين أحمد بن هود صاحب سرقسطة، والذي كانت إمارته بمثابة شوكة في خاصرة النصارى الشماليين، ويبدو أن يوسف بن تاشفين أدرك مدى أهميتها العسكرية كخط دفاع أول أمام النصارى، وفي تكوين جبهة قوية للوقوف في وجههم، لذلك بقيت سرقسطة الإمارة الوحيدة التي لم يضمها المرابطون، وعبر يوسف بن تاشفين في عام 496هـ= 1102م إلى الأندلس لتنظيم شؤونها الإدارية، وأضحى هذان البلدان المغرب والأندلس يشكلان دوله واحدة عاصمتها مدينة مراكش التي بناها يوسف بن تاشفين[2].
وقد تُوُفي يوسف بن تاشفين في شهر محرم عام 500هـ = سبتمبر 1106م تاركًا لابنه أبي الحسن علي أقوى دولة عرفها الغرب الإسلامي حتى ذلك الحين[3].