[size=18]علي بن يوسف بن تاشفين:
خلف يوسف ابنه علي وكان في الخامسة والثلاثين من عمره، وكان قد تدرب على شئون الحكم والحرب وسياسة الدولة في أيام أبيه، ولهذا فقد سار بأمور دولته سيرًا حثيثًا إلى الأمام، وسجل اسمه بين عظماء تاريخ المغرب الإسلامي، وكان إلى جانب ذلك شديد التدين حريصًا على الجهاد، منصرفًا إلى الدراسة ومجالسة الفقهاء[4].
واهتم علي بن يوسف بالدفاع عن بلاده وتصدى بشجاعة كبيرة لمحاربة النصارى في الأندلس، فأرسل خيرة رجاله وقواده إلى القتال واستشهد كثيرون منهم في ميدان القتال، وإذا كان أبوه قد كسب موقعة الزلاقة فقد كسب هو معارك اقيش 501هـ= 1116م وافراغة 528هـ = 1134م وفي هذه المعركة الأخيرة لقي ألفونسو المحارب ملك أرغون مصرعه بعد أن طال حكمه وكثر أذاه للمسلمين[5].
وبينما كان علي بن يوسف يواصل جهوده في المغرب والأندلس بدأ محمد بن تومرت المعروف بمهدي الموحدين دعايته ضد المرابطين واجتهد في تشويه سمعتهم واتهامهم بالمروق عن الدين والتجسيم وما إلى ذلك، وقد نجحت دعايته لأنه توجه بها إلى فريق من البرانس كانوا يتشوقون بدورهم إلى إنشاء دولة تضاهي ما وصلت إليه قبائل لمتونه ومسوفة وجدالة وغيرها من المجموعة الصنهاجية الصحراوية المرابطية[6].
توفى علي بن يوسف سنة 533هـ= 1138م فانتهت بوفاته فترة طويلة من الرخاء واستقرار الأحوال في الأندلس والمغرب، وكان قد تلقب مثل أبيه بلقب أمير المسلمين[7].

[1]محمد سهيل طقوش: التاريخ الإسلامي الوجيزص 259.
[2] السابق نفسه ص260.
[3]السابق نفسه ص 260.
[4]حسين مؤنس موسوعة تاريخ الأندلس 2/78.
[5]السابق نفسه 2/ 78.
[6]حسين مؤنس: معالم تاريخ المغرب والأندلس ص 200.
[7]حسين مؤنس: موسوعة تاريخ الأندلس 2/79.
دولة الموحدين ( 539- 620هـ )
محمد بن تومرت:
من قبيلة مصمودة البربرية، ولكنه كان في الأصل من أحفاد العلويين الأدارسة الذين اندمجوا في البربر بعد سقوط دولتهم، فهو عربي الأصل، بربري النشأة، خرج طالبًا للعلم وتأثر بآراء بن حزم، ورحل إلى المشرق فلقي في بغداد أبا بكر الشاشي وأخذ عليه شيئًا من أًول الفقه وسمع الحديث على المبارك بن عبد الجبار، ثم عاد فمرَّ بالإسكندرية فحضر مجالس أبي بكر الطرطوشي، ثم ذهب إلى بلاد المغرب ومنها إلى أغمات، ولحق بالجبل وبدأ في دعوته[1].
أسس عبد الله محمد بن تومرت دعوته على أساس ديني قوامه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى أساس قبلي وهو الصراع بين القبائل البربرية، قبيلة لمتونة (المرابطين)، وقبيلة هرغة من مصمودة (الموحدين)، واتخذ محمد بن تومرت حصن (تينملل) مقرًا له ولدعوته.
أما المرحلة الثانية لدولة الموحدين فكانت بقيادة عبد المؤمن بن علي 524- 543هـ والتي توجت بسقوط دولة المرابطين وقيام دولة الموحدين[2].
عبد المؤمن بن علي:
هو عبد المؤمن بن علي، سلطان المغرب، لقب بأمير المؤمنين، ذكر ابن العماد في شذرات الذهب أنه كان ملكًا عادلاً، سائسًا، عظيم الهيبة، عالي الهمة، متين الديانة، كثير المحاسن، قليل المِثل، وكان يقرأ كل يوم سُبُعًا من القرآن العظيم، ويجتنب لبس الحرير وكان يصوم الاثنين والخميس، ويهتم بالجهاد والنظر في الْمُلْك كأنما خُلق له، ولكنه كان سفّاكا لدماء من خالفه[3]!!
وذلك أمر غريب أن يجتمع التدين الظاهري مع سفك الدماء، ولكن هذه الدولة – دولة الموحدين – كانت دولة فاسدة العقيدة منذ مؤسسها ابن تومرت، ولم يصلح منها، ويسير على منهج الإسلام إلا أبا يعقوب يوسف المنصور بن عبد المؤمن هذا.
عاد مسلمو الأندلس يطلبون النجدة من الموحدين في شمال إفريقية كما طلبوها من قبل من المرابطين، فأرسل عبد المؤمن جيشًا سنة 539هـ فدخل الأندلس ولم يمض أكثر من خمس سنوات حتى صارت جميع بلاد المسلمين في الأندلس في يد الموحدين، ولكن الموحدين لم يفكروا في أن يجعلوا من الأندلس قاعدة لملكهم، بل أرسلوا نوابًا عنهم يحكمونها باسمهم، وبقيت قاعدة ملكهم مراكش[4].
تُوُفي الخليفة عبد المؤمن في 20من جُمَادى الآخرة 558هـ= 25مايو 1163م، وخَلَفَه ابنه أبو يعقوب يوسف.

أبو يعقوب يوسف المنصور:
يقول فيه يقول فيه ابن خلكان في كتابه وفيات الأعيان "وهو الذي أظهر أبهة ملكهم ورفع راية الجهاد ونصب ميزان العدل وبسط أحكام الناس على حقيقة الشرع ونظر في أمور الدين والورع والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأقام الحدود حتى في أهله وعشيرته الأقربين كما أقامها في سائر الناس أجمعين، فاستقامت الأحوال في أيامه وعظمت الفتوحات"[5].

[1]فريق البحوث والدراسات الإسلامية: الموسوعة الميسرة في التاريخ الإسلامي، تقديم د/ راغب السرجاني 1/ 402.
[2]عبد القادر قلاتي: الدولة الإسلامية في الأندلس من الميلاد إلى السقوط ص 131.
[3]ابن العماد : شذرات الذهب182/4
[4]فريق البحوث والدراسات الإسلامية: الموسوعة الميسرة في التاريخ الإسلامي، تقديم د/ راغب السرجاني 1/ 403.
[5]ابن خلكان :وفيات الأعيان 3/7.
موقعة الأرك 591هـ
الأرك حصن على بعد عشرين كيلو مترًا إلى الشمال الغربي من قلعة رباح، على أحد فروع نهر وادي آنة، وهي نقطة الحدود بين قشتالة والأندلس، في حين تجهَّز ألفونسو الثامن ملك قشتالة للقاء الجيش الإسلامي وطلب العون من ملكي ليون وونبارة.
ونظم أبو يوسف يعقوب المنصور جيشه، ودارت المعركة وانتهى يوم الأرك بهزيمة النصارى على نحو مروع، وسقط منهم في القتال ثلاثون ألف قتيل، وغنم المسلمون معسكر الإسبان بجميع ما فيه من المتاع والمال، واقتحموا عقب الموقعة حصن الأرك، وقلعة رباح[1].
نتائج معركة الأرك:
ارتفاع الروح المعنوية لمسلمي الأندلس، وسقوط هيبة ملوك النصارى أمام مسلمي الأندلس، كما جعلت ملوك النصارى يسارعون في عقد المعاهدات مع المسلمين، وإيقاف الحروب والإذعان للشروط التي يضعها الموحدون، وأيضًا من النتائج المهمة أن انصاعت بعض قبائل المغرب التي كانت تفكر في الثورة على الموحدين[2].

[1]د/ علي محمد الصلابي: إعلام أهل العلم والدين بأحوال دولة الموحدين ص 133-137.
[2]السابق نفسه ص 139.
عصور الضعف في تاريخ الأندلس
1- عهد الولاة
2- مرحلة التدهور في عهد الإمارة الأموية
3- مرحلة التدهور في الدولة العامرية
4- نهاية حكم الأمويين بالأندلس
5- عصر ملوك الطوائف
6- فترة الضعف في أواخر دولة المرابطين
7- فترة الضعف في أواخر دولة الموحدين
8- دولة بني الأحمر في مملكة غرناطة
9- حركة إزالة العالم الإسلامي
عهد الولاة
تولى عبد العزيز بن موسى بن نصير بعد والده ولكنه تعرض لحادثة اغتيال وكان ذلك بداية عهد مضطرب ومشوش كان من أبرز سماته عدم الاستقرار السياسي والتناقضات القبلية والعنصرية بين العرب أنفسهم ثم بينهم وبين البربر[1]، ومما يدل على التدهور الذي وصلت إليه البلاد في تلك الفترة من (95 – 138هـ) (714 – 755م) هو أن من تولى أمر الأندلس خلال تلك الفترة 22واليًا حكم واحد منهم مرتين[2].
تتابع الولاة على الأندلس بعد مقتل عبد العزيز بن موسى بن نصير، فتولى أيوب بن حبيب اللخمي لمدة ستة أشهر فقط، ثم عين الحر بن عبد الرحمن الثقفي الذي نقل العاصمة من إشبيلية إلى قرطبة، وأنهمك في قمع الفتن والثورات التي كانت ناشبة بين العرب والبربر ولكنه فشل في حل تلك النزاعات، وتولى بعده السمح بن مالك الخولاني وبادر إلى وضع حد للنزاعات وقام بالعديد من الإصلاحات، ولكنه استشهد في معركة مع الصليبيين بالقرب من تولوز عام 102هـ= 721م[3].
بعد ذلك تولى عنبسة بن سحيم الكلبي وقتل هو الأخر أثناء عودته من إحدى الغزوات في 107هـ=712م، وبعد وفاته عمت حالة من الاضطراب وفقدان الاستقرار البلاد في ظل تفاقم الخلافات بين القبائل، وتمرد البربر، وتفكك الجيش، وعاقب على الحكم ولاة معظمهم فرضته العصبية القبلية، ولم تنتهِ هذه الحالة المضطربة إلا بتعين عبد الرحمن الغافقي واليًا على الأندلس عام 113هـ=731م[4].

[1]محمد سهيل طقوش: التاريخ الإسلامي الوجيز ص210-211.
[2]حسين مؤنس: معالم تاريخ المغرب والأندلس ص 277.
[3]محمد سهيل طقوش: التاريخ الإسلامي الوجيز ص212.
[4]السابق نفسه ص 212-213.
عبد الرحمن الغافقي وهزيمته في موقعة بلاط الشهداء
ما السبب في هزيمة عبد الرحمن الغافقي في موقعة بلاط الشهداء بعد تلك الانتصارات التي حققها؟
كان هناك عدة أسباب وراء هزيمة عبد الرحمن الغافقي، كان من تلك الأسباب بُعد الجيش الإسلامي عن بلاد الإسلام فكان على بعد 400كم تقريبًا شمال جبال ألبرت – تبعد 900كم عن قرطبة - بالإضافة إلى النزاعات التي كانت بين البربر وبين العرب وكان ذلك من أهم العوامل التي أدت إلى هزيمة المسلمين، بالإضافة إلى عوامل أخرى منها أن الوقت كان خريفًا وهو وقت سقوط المطر في تلك النواحي، بالإضافة إلى عامل آخر هام وهو انشغال المسلمين بالغنائم الكثيرة التي كانوا يحملونها نتيجة الفتوحات الكبيرة التي قاموا بها قبل الوصول إلى تلك الموقعة[1].
وكان من نتائج هذه المعركة أن توقف المد الإسلامي باتجاه قلب أوربا، وقضت على تصميمهم في اجتياح هذه القارة، وأقنعتهم بالاكتفاء بما حققوه من إنجازات فيما وراء البرينييه.
في المقابل بددت مخاوف الأوربيين من اجتياح إسلامي للقارة، وأنقذت النصرانية في أوربا الغربية من حكم إسلامي محتمل، وجعل هذا النصر من شارل مارتل بطل النصرانية الأول[2].
بعد ذلك تولى عدد من الولاة كانت الفتن والنزاعات القبلية أهم ما يميز عصرهم إلى أن وصلوا إلى يوسف بن عبد الرحمن الفهري آخر الولاة الذين حكموا الأندلس في هذا العهد، حيث سقطت في غضون ذلك الخلافة الأموية في دمشق، وتمكن أحد الأمراء الأمويين، وهو عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان، أن ينجو من المذابح التي نفذها العباسيون بحق الأمراء الأمويين، ويمم وجهه شطر المغرب ثم الأندلس ليدخلها ويؤسس الدولة الأموية فيها[3].

[1]حسين مؤنس: موسوعة تاريخ الأندلس 1/ 43-44.
[2]محمد سهيل طقوش: التاريخ الإسلامي الوجيز ص220.
[3]محمد سهيل طقوش: التاريخ الإسلامي الوجيز ص216.
مرحلة التدهور في عهد الإمارة الأموية
تولى حكم الإمارة بعد وفاة عبد الرحمن الثاني أمراء ضعاف، فتمزقت الأندلس وتفجرت الثورات في أنحائها المختلفة، واستقل الثوار بحكم المناطق التي ثاروا فيها، وتقلص نفوذ بني أمية فاقتصر على قرطبة وضواحيها، وتعد المدة الزمنية بين أعوام ( 238-300هـ=852-912م ) مضطربة سياسيًا وعسكريًا، وتمثل انتكاسة للمنجزات الكبيرة التي تحققت على يد الأمراء الأوائل[1].
أمّا عن الأسباب المسئولة عن هذا الضعف والتدهور الذي وصلت إليه الأندلس في تلك الفترة فيكمن في عدم التجانس بين عناصر شعب الأندلسي؛ فرغم الرخاء الذي عم ربوع البلاد فإن المجتمع الأندلسي لم يكن متجانسًا، إنما تشكل من عدة شعوب متعددة خضعت للسيادة الأموية إما طوعًا أو كرهًا دون أن يجمعها قاسم مشترك، وعاشت في تنافر عنصري وديني، ولم يندمج بعضها ببعض[2].
ونتيجة لذلك كثرت الثورات فكون العرب دويلات أهمها دولة بني حجاج في أشبيلية من قبيلة لخم اليمنية، أما البربر فقد خلعوا طاعة أمراء بني أمية، وعادوا إلى القبائل واستقلوا بالولايات الغربية وجنوب البرتغال، واحتلوا مراكز عظيمة الشأن في الأندلس نفسه كمدينة جيان.
أمّا مولدو الأسبان فقد استولوا على ولاية الجرف في الزاوية الجنوبية الغربية من الأندلس، وملكوا عددًا كبيرًا من المدن والولايات المستقلة بالأندلس، وكان ابن حفصون أكثر هؤلاء قوة وبأسًا وظل يحكم ويمد نفوذه على البلاد حتى اقترب من قرطبة، وظل ابن حفصون في قوته حتى أعلن ارتداده عن الإسلام ليغري المستعربة بالانضمام إليه، ولكن جاء هذا وبالاً عليه؛ فقد انفضَّ من حوله المسلمون، ولم ينضم إليه النصارى، فضعف أمره وزالت دولته[3].

[1]محمد سهيل طقوش: التاريخ الإسلامي الوجيز ص 233-234.
[2]محمد سهيل طقوش: التاريخ الإسلامي الوجيز ص234.
[3]فريق البحوث والدراسات الإسلامية:الموسوعة الميسرة في التاريخ الإسلامي، تقديم د/ راغب السرجاني ، 1/ 383-384.
عهد الضعف في الدولة العامرية
عبد الملك المظفر الحاجب:
تولى عبد الملك المظفر الحجابة بعد موت أبيه محمد بن أبي عامر 392هـ= 1002م ولكنه لم يكن مؤهلاً لتخطي العقبات التي كان عليه أن يتخطاها، فلم يكن يملك موهبة القيادة كما كان والده، فقد كان واقعًا تحت تأثير رجاله، ومع ذلك فقد قام بسبع غزوات في بلاد الروم ففي سنة 393هـ= 1003م خرج في غزوته الأولى التي فتح فيها حصن يمقصر من ثغر برشلونة، وخرج في غزوة عام 395هـ =1005م إلى جليقية، وفي العام التالي إلى بنبلونة، وفي عام 397هـ= 1007م خرج إلى قشتلية وهي الغزوة المشهورة بغزوة النصر، وقد هزم النصارى في هذه الغزوة هزيمة عظيمة وعلى إثر هذه الغزوة سمي عبد الملك بالمظفر.
وتوفى عبد الملك وهو في الطريق لتنفيذ إحدى غزواته في الشمال سنة 399هـ=1008م[1].
عبد الرحمن بن المنصور:
كان مستهترًا محبًا للملذات طمع فيما لم يطمع فيه أبوه ولا أخوه، إذ طمع في السلطة الشرعية، وأراد أن يستأثر بما بقى للأمويين من رسوم الخلافة، فطلب من هشام أن يكتب له بولاية العهد، فأثار ذلك المرسوم المضريين الذين كبر عليهم أن ينتقل العرش إلى اليمنيين (القحطانين)، وأن تبتعد الخلافة عن قريش، فانبعثت العصبية العربية من جديد وانتهز الأمويون والمضريون فرصة غياب عبد الرحمن في الشمال وولوا رجلاً من أحفاد الناصر هو (محمد بن هشام بن عبد الجبار بن أمير المؤمنين الناصر) ولقبوه بالمهدي بالله.
ولما بلغت الأخبار عبد الرحمن رجع من الشمال، وكان كلما اقترب من قرطبة انفضَّ عنه جماعة من جيشه حتى صار في قلة من أصحابه، فاعترضه من خصومه معترض، فقبض عليه وحزَّ رأسه وحمله إلى المهدي وبموته انتهت دولة بن عامر[2].

[1]عبد القادر قلاتي: الدولة الإسلامية في الأندلس من الميلاد إلى السقوط ص90-91.
[2]فريق البحوث والدراسات الإسلامية:الموسوعة الميسرة في التاريخ الإسلامي، تقديم د/ راغب السرجاني ، 1/392.
الانهيار ونهاية حكم الأمويين بالأندلس: ( 399هـ- 422هـ)
تلاحقت الأحداث بعد ذلك سريعة ومذهلة، ومرَّت دولة الأمويين في الأندلس بأجواء عاصفة، ومشحونة بالصراعات الدموية بين عناصر الأسرة الحاكمة، حيث اعتلى منصب الخلافة عدد من الخلفاء لم يكن أحد منهم على مستوى الأحداث[1].
فقد تولى الأندلس في تلك الفترة عدد من الخلفاء الأمويين يزيد على عدد من تولوا طيلة القرون الثلاثة الماضية، وضاعت هيبة الخلافة وانقسمت البلاد مرة أخرى وبرزت العنصرية المقيتة بشكل واضح، ووصل الأمر إلى أن يستعين كل فريق على خصمه بنصارى الشمال الذين كانوا ينتهزون تلك الفرصة للحصول على الحصون نظير إجابتهم طلب النجدة.
وبعد تلك الأحوال التي وصلت إليها الأندلس كان الأمر الطبيعي المتوقع حدوثه أن تسقط الدولة الأموية بالأندلس، وقد حدث ذلك بالفعل بموت آخر خلفائها المعتمد بالله سنة 422هـ، وبموته أعلن الوزير أبو محمد بن جهور انتهاء الخلافة، لعدم وجود من يستحقها، وأنه سيحكم الدولة جماعة من الوزراء على نظام شبه جمهوري.
وبانتهاء هذه الفترة انقسمت البلاد إلى دويلات صغيرة، واستقل كل أمير بمقاطعته، وأعلن نفسه ملكًا عليها، ودخلت الأندلس في عصر جديد هو عصر ملوك الطوائف[2].
ولكن قبل الانتقال إلى عصر ملوك الطوائف كان لابد أن نعرف أولاً ما أسباب سقوط الخلافة الأموية في الأندلس؟

[1]محمد سهيل طقوش: التاريخ الإسلامي الوجيز ص 251.
[2]فريق البحوث والدراسات الإسلامية:الموسوعة الميسرة في التاريخ الإسلامي، تقديم د/ راغب السرجاني ، 1/393.
أسباب سقوط الخلافة الأموية في الأندلس
تكمن تلك الأسباب أولاً في غياب القائد والأداة القادرة على الحسم في الوقت المناسب: فالأندلس في هذه الفترة كانت بحاجة إلى أمثال عبد الرحمن الداخل الذي أسسها وإلى أمثال عبد الرحمن الناصر الذي بنى مجدها الحضاري.
ثانيًا: الفصل بين السلطة الروحية والسلطة الزمنية:
منذ تأسيس الدولة ظلَّ الأمير أو الخليفة يجمع السلطتين الزمنية والروحية حتى سيطر على الحكم الحاجب المنصور بن أبي عامر وأبناؤه، فانتزعوا السلطة الزمنية لأنفسهم وتركوا الخلافة مجرد رمز لا معنى له في الأصل، وكان هذا الفصل مقدمة لنهاية الخلافة.
ثالثًا: التركيبة الاجتماعية للأندلس:
كان أهل الأندلس أخلاطًا متنافرة من السكان بعضهم عرب وبعضهم بربر وبعضهم صقالبة، وبعضهم مولدون وبعضهم مستعربون أو يهود، وكان لزامًا على الحكم أن يصنع الحزم لأن الرغبة في الاستقلال تجعل هناك نوعًا من الحساسية.
رابعًا: الاستعانة بأمراء وملوك الممالك الإسبانية الشمالية:
أدَّى التنازع بين الأمراء إلى استعانة البعض بالنصارى مقابل التنازل عن بعض الحصون والمدن الحدودية وهذا بالتأكيد أدى إلى تفكك الدولة الأموية.
ومن المؤلم تصور الصرح الشامخ الذي بناه رجال أمثال عبد الرحمن الداخل والأوسط والثالث ورجل مثل المنصور بن أبي عامر، ينهار خلال بضع سنوات وذلك استجابة لسنة من سنن الله في الأرض : "وتلك الأيام نداولها بين الناس"، ويصبح الأندلس بعد ذلك دويلات وإمارات صغيرة وادعى كل حاكم من هؤلاء أنه ملك مقتدر بل أنهم جميعًا تلقبوا بألقاب تدل على سعة الملك وعظيم الشأن وهي لا تنم عن حقيقة حالهم، وقد وصف ابن رشيق حال الأندلس في ظل هذه الدويلات بقوله:
مما يُزَهِّدني في أرض أندلس أسماء معتضد فيها ومعتمد
ألقاب مملكة في غير موضعها كالهر يحكي انتفاخًا صولة الأسد[1]

--------

[size=18][1]عبد القادر قلاتي: الدولة الإسلامية في الأندلس من الميلاد إلى السقوط ص 95-96.
عهد دول الطوائف ( 422-897هـ= 1031- 1086م )
لم تكد الخلافة الأموية تسقط حتى استقل كل بما امتلكته يده، فأصبح لكل مدينة أو مقاطعة أمير مستقل، فالبربر بالجنوب والصقالبة بالشرق، وأما البقية الباقية فقد ذهبت إلى أيدي محدثي النعم أو بعض الأسر القديمة، وقد حكم في هذه الفترة نحو عشرين أسرة مستقلة، في عشرين مدينة أو مقاطعة، ومن أشهر ملوك الطوائف:
- بنو عبَّاد بأشبيلية
- بنو حمود الأدارسة بمالقة والجزيرة
- بنو زيري بغرناطة
- بنو هود بسرقسطة.
- بنو ذي النون بطليطلة وهم أقوى هؤلاء الملوك[1].
وقد أحسن بعض هؤلاء الملوك، وإن كان أكثرهم عتاة جبارين، غير أنهم كانوا مثقفين محبين للعلم، وكانت قصورهم مثابة للشعراء والأدباء والعلماء، وقد عاش في هذه الفترة وفي بلاط هؤلاء الملوك كثير من العلماء الكبار والأدباء العظام ممن تفخر بهم الأندلس، كما كان من بين هؤلاء الملوك أنفسهم من كان عالمًا أديبًا شاعرًا.

[1]فريق البحوث والدراسات الإسلامية: الموسوعة الميسرة في التاريخ الإسلامي، تقديم د/ راغب السرجاني 1/ 394.
المسلمون يدمرون أنفسهم بأنفسهم
كان ألفونسو السادس قد وحَّد تحت إمارته استوريا وليون وقشتالة، ورأى أن يستفيد من الفوضى في الأندلس، خاصة أن أكثر ملوك الطوائف كانوا يتقربون إلى ألفونسو بالعطايا والإتاوات، يطلبون حمايته، فكان ألفونسو يجمع منهم ما يعد به العدة للقضاء عليهم وهم لا يشعرون.
وكان ألفونسو ينتهز كل فرصة ليستولي على الحصون والقلاع، واحدة إثر الأخرى، حتى وثبة وثبة سنة 478هـ استولى فيها على طليطلة، ووضع حامية تزيد على أثنى عشر ألفًا في حصن ليط في وسط الأندلس، ومن هذا الحصن كانت تخرج جنوده لتغير وتنهب[1].
ومن الأمور التي تدعو إلى العزة في ذلك الوقت رغم الأحوال التي وصلت إليها الأندلس في عهد ملوك الطوائف، ذلك الموقف الذي قام به المتوكل بن الأفطس حاكم بطليوس ذلك الحاكم الوحيد الذي رفض أن يدفع الجزية إلى ملك قشتالة الذي أرسل إليه يهدده، ويطلب منه الجزية مقابل أن يتركه دون قتال، وردَّ عليه في رسالة قوية تدل على شجاعته وهذا نصها:
"وصل إلينا من عظيم الروم كتاب مدع في المقادير وأحكام العزيز القدير، يرعد ويبرق، ويجمع تارة ثم يفرق، ويلدد بجنوده الوافرة وأحواله المتظافرة، ولو علم أن لله جنودًا أعز بهم كلمة الإسلام وأظهر بهم دين نبينًا محمد عليه السلام أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون، بالتقوى يعرفون وفي التوبة يتضرعون، ولئن لمعت من خلف الروم بارقة فبإذن الله وليعلم المؤمنين وليميز الله الخبيث من الطيب ويعلم المنافقين"[2].
"أما تعييرك للمسلمين فيما وهي من أحوالهم فبالذنوب المركوبة، ولو اتفقت كلمتنا مع سائرنا من الأملاك علمت أي مصاب أذقناك كما كانت آباؤك تنجزعه فلم تزل تذيقها من الحمام ضروب الآلام شؤمًا تراه وتسمعه وإذا المال تتورعه، وبالأمس كانت قطيعة المنصور على سلفك أهدى ابنته إليه مع الذخائر التي كانت تفد كل عام عليه، وأما نحن إن قلت أعدادنا وعدم من المخلوقين استمدادنا فما بيننا وبينك بحر نخوضه ولا صعب نروضه إلا السيوف تشهد بحدها رقاب قومك وجلاد تبصره في ليلك ويومك، وبالله تعالى وملائكته المسومين نتقوى عليك ونستعين، ليس لنا سوى الله مطلب ولا لنا إلى غيره مهرب، وما تتربصون بنا إلا إحدى الحسنتين، نصر عليكم فيا لها من نعمة ومنة، أو شهادة في سبيل الله فيا لها من جنة، وفي الله العوض مما به هددت وفرج يفتر بما مددت ويقطع فيما أعددت"[3].

يئس ملوك الطوائف أن يتوحدوا، فتوجه نظرهم إلى دولة المرابطين بأفريقية، ولقد توجس بعض مشيري ابن عباد ملك أشبيلية وقرطبة من هذه الدعوة خيفة، ولكنه أسكتهم بقوله: "لأن أكون راعي جمال في صحراء أفريقية خير من أرعى الخنازير في قشتالة".
كان المعتمد بن عباد آخر ملوك بني عباد وكان عربيًا شاعرًا، ولكنه كان ذليلاً لألفونسو حيث كان يدفع له كغيره حتى طلب منه ألفونسو يومًا أن يسمح لزوجته أن تدخل جامع قرطبة لتلد فيه حسب إشارة القسيسين والأساقفة، فلم يتمالك ابن عباد نفسه فقتل حامل الرسالة لوقاحتها، وأمر به فصُلِبَ منكوسًا بقرطبة، وأمر بمن معه من الفرسان فقتلوا، وبلغ الخبر ألفونسو فأقسم ليغزونه بأشبيلية ، فأعدَّ ألفونسو لذلك جيشين زحف أحدهم إلى كورة باجة ثم أشبيلية، وقاد الجيش الثاني بنفسه ثم لحق به الجيش الأول، ونزل بهما أمام قصر ابن عباد على الضفة الأخرى من نهر الوادي الكبير، وكتب إلى ابن عباد يتهكم: "لقد كثر بطول مقامي في مجلسي الذباب، واشتد على الحر، فأتحفني من قصرك بمروحة أُرَوِّح بها على نفسي، وأطرد الذباب عن وجهي".
فوقع له ابن عباد على الرسالة بخطه قائلاً: "قرأت كتابك وفهمت خيلاءك وإعجابك، وسأنظر لك في مراوح من الجلود اللمطية في أيدي الجيوش المرابطية، تُرِيح منك لا تُرَوِّح عليك، إن شاء الله!"؛ فلما تُرْجِمَ لألفونسو توقيع ابن عباد في الجواب، أطرق إطراق من لم يخطر له ذلك ببالٍ.
وابن عباد يشير بالجلود اللمطية إلى الاستعانة بالمرابطين في شمال أفريقية[4].

[1]السابق نفسه ص395.
[2]الحلل الموشية في ذكر الأخبار المراكشية ص 20-23
[3]الحلل الموشية في ذكر الأخبار المراكشية ص 20-23
[4]فريق البحوث والدراسات الإسلامية: الموسوعة الميسرة في التاريخ الإسلامي، تقديم د/ راغب السرجاني 1/ 396.
تاشفين ونهاية دولة المرابطين
تاشفين بن علي (533 – 539 هـ = 1138- 1144م) ونهاية دولة المرابطين في المغرب والأندلس.

خلَّف علي بن يوسف مُلكًا عريضًا حافلاً بالمشاكل والمصاعب لابنه تاشفين، وكان شابًا حسن الاستعداد، ولكن الظروف التي تولى فيها كانت عسيرة تحتاج إلى رجل ذي تجربة أوسع، ثم إن محمد بن تومرت استعمل أساليب غاية في القسوة والبعد عن الأخلاق في محاربة المرابطين معتمدًا على قبائل أكبر وأَضخم من قبائلهم.
وقد اضطر المرابطون إلى توجيه كل قواهم إلى صراع الموحدين في المغرب دفاعًا عن كيانهم وبهذا حرم الأندلس من جهودهم فيه، والأغرب من ذلك قيام نفر من زعماء أهل الأندلس بالثورة على المرابطين حاسبين أن توقف النصارى عن مهاجمة البلاد الإسلامية سيستمر إذا غاب المرابطون فلم تنفعهم ثوراتهم وأسرعوا ببلادهم إلى الزوال.
وبعد تاشفين بن علي تولى ابنه إسحاق بن تاشفين وكان صبيًا، وفي أيامه تمكن عبد المؤمن بن علي أول خلفاء الموحدين من القضاء على دولة المرابطين ودخول مراكش فلم يدم حكم إسحاق أكثر من عام[1].
ولكن لماذا تسقط دولة مثل دولة المرابطين بعد أن وصلت إلى تلك القوة وأنقذت الأندلس مما كانت عليه؟

[1]السابق نفسه 2/ 80-81.
أسباب سقوط دولة المرابطين
1- ظهور روح الدعة والانغماس في الملذات والشهوات عند حكام المرابطين وأمرائهم في أواخر عصر علي بن يوسف، وكان للمجتمع الأندلسي تأثير لا ينكر في قادة وحكام دولة المرابطين الذين استجابوا لنزوات شهواتهم وانغمسوا في الحياة الدنيا، فتحقق قول الله تعالى: "وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا" [ الإسراء: 16].
2- ظهور السفور والاختلاط بين النساء والرجال، فقد بدأت دولة المرابطين في آخر عهد الأمير علي بن يوسف تفقد طهرها وصفاءها الذي اتصف به جيلهم الأول، مما جعل الرعية المسلمة تتذمر من هذا الانحراف والفساد، وتستجيب لدعوة محمد بن تومرت الذي أظهر نفسه للناس بالزاهد والناسك والآمر بالمعروف والناهي عن المنكر.
3- انحراف نظام الحكم عن نظام الشورى إلى الوراثي الذي سبب نزاعًا عنيفًا على منصب ولاية العهد بين أولاد علي بن يوسف، كما تطلع مجموعة من الأمراء إلى منصب الأمير علي ونازعوه في سلطانه مما سبب تمزقًا داخليًا أدى إلى إضعاف الوحدة السياسية وإسقاط هيبة الدولة المرابطية.
4- الضيق الفكري الذي أصاب فقهاء المرابطين وحجرهم على أفكار الناس، ومحاولة إلزامهم بمذهب الإمام مالك وحده، وعملوا على منع بقية المذاهب السنية تعصبًا لمذهبهم، وكان لفقهاء المالكية نفوذ كبير مما جعلهم يوسعون تعصبهم وتحجرهم الفكري، بالإضافة إلى استغلال بعض الفقهاء نفوذهم من أجل جمع المال، وامتلاك الأراضي وعاشوا حياة البذخ والرفاهية المفرطة، وكان ذلك في إيجاد ردة فعل عنيفة عند أفراد المجتمع المرابطي.
وقد انبرى الشعراء في تصوير حال الفقهاء في تلك الفترة، فقال أبو جعفر أحمد بن محمد المعروف بابن البني:
أهل الربا لبستم ناموسكم كالذئب أدلج في الظلام العاتم
فملكتم الدنيا بمذهب مالك وقسمتم الأموال بابن القاسم
وركبتم شهب الدواب بأشهب وبأصبغ صبغت لكم في العالم
5- ومن أهم العوامل التي أسقطت دولة المرابطين فقدها لكثير من قياداتها وعلمائها العظام أمثال سير بن أبي بكر، ومحمد بن مزدلي، ومحمد بن فاطمة، ومحمد بن الحاج، وأبي إسحاق بن دانية، وأبي بكر بن واسينو، فمن لم يستشهد من كبار الدولة أدركه الموت الطبيعي، ولم يستطيع ذلك الجيل أن يغرس المبادئ والقيم لمن بعدهم.
6- أيضًا من الأمور التي أنهكت دولة المرابطين أنها مرت بأزمة اقتصادية حادة نتيجة لانحباس المطر عدة سنوات، وحلول الجفاف والقحط بالأندلس والمغرب، وزاد من حدة الأزمة الاقتصادية إن أسراب الجراد هاجمت ما بقى من الأخضر على وجه البلاد مما هيأ الظروف لانتشار مختلف الأوبئة بين كثير من السكان، ووقعت هذه الأزمة في الفترة الواقعة ما بين أعوام 524هـ- 530هـ.
7- ومن الأسباب الرئيسية في زوال دولة المرابطين صدامها المسلح مع جيوش الموحدين[1].

[1]د/ علي محمد الصلابي: الجوهر الثمين بمعرفة دولة المرابطين ص227- 229.
موقعة العقاب وبداية النهاية لدولة الموحدين
في سنة 609هـ أعلن الصليبيون حملة واسعة النطاق ضد المسلمين بالأندلس، فجاءهم المتطوعون من فرنسا وألمانيا وإنجلترا وإيطاليا، وقاد الناصر ابن المنصور بالله جيش المسلمين، وكان عدته كما تقول بعض الروايات حوالي نصف مليون من المحاربين، ولما لم يكن الناصر بارعًا في القيادة، فدارت الدائرة عليه وفقد معظم جيشه، بل إن هذه المعركة كانت نهاية لدولة الموحدين في الأندلس، فقد سقطت المدن الإسبانية مدينة إثر أخرى في يد الصليبين، وعم الشغب بين قبائل البربر في إفريقية، وتوالت وثبات المنافسين للموحدين فيها فتبددت قوتهم وطمع فيهم أمراء الأندلس، فأزاحوهم عن الأندلس سنة 633هـ وأعلن ابن هود نفسه حاكمًا لأكثر بلاد الجنوب، ولما قضى نحبه تحول حكم الأندلس إلى بني نصر أمراء غرناطة سنة 620هـ[1].
ولكن ما السبب وراء هزيمة المسلمين في هذه المعركة رغم ما وصلوا إليه من قوة؟
يكمن ذلك في عدة أسباب منها: الإعجاب بالكثرة، وكأن غزوة حنين تتكرر بعد حوالي ستة قرون في الأندلس، وأيضًا ضعف شخصية الناصر لدين الله كان من أهم أسباب الهزيمة، بالإضافة إلى إصرار ملك قشتالة على الانتقام من هزيمة الأرك، وأيضًا الثورات التي حدثت في المغرب مع بني غانية جعلت الموحدين ينفقون فيها نفائس أموالهم ويقدمون خيرة رجالهم[2].

[1]فريق البحوث والدراسات الإسلامية: الموسوعة الميسرة في التاريخ الإسلامي، تقديم د/ راغب السرجاني 1/ 403- 404.
[2]د/ علي محمد الصلابي: إعلام أهل العلم والدين بأحوال دولة الموحدين ص 161-162.
أسباب سقوط دولة الموحدين
1- ظلمهم الفظيع للمرابطين وسفكهم للدماء واعتداؤهم على الأموال وسبيهم للنساء بدون وجه حق، فمضت فيهم سُنَّة الله في الظلم والظالمين.
2- من أسباب السقوط ثورة بني غانية وهم من بقايا المرابطين، حيث قامت هذه الثورة على أسس فكرية ناهضت الأسس التي قامت عليها دولة الموحدين.
3- ثورات الأعراب المتتالية؛ حيث إن قبائل بني سليم وبني هلال التي سكنت إفريقية والمغرب الأوسط وبعد ذلك المغرب الأقصى لا تنظر إلا لمصالحها، فأحيانًا تتحالف مع بني غانية ضد الموحدين وأحيانًا تخضع لدولة الموحدين.
4- ثورات الأندلس ضد دولة الموحدين: ومن أشهر هذه الثورات، ثورة محمد بن مردنيش الذي لم يتم القضاء عليه إلا بعد ربع قرن من تحالفه مع النصارى.
5- النزاع على الخلافة بين الموحدين ولم يستطيعوا أن يضعوا نظامًا ثابتًا لتولِّي الخلافة عندهم.
6- أيضًا من العوامل المسئولة عن سقوط الموحدين الترف والانغماس في الشهوات[1].

[1]السابق نفسه ص 165-172.
دولة بني الأحمر في مملكة غرناطة ( 620- 897هـ )
كانت مملكة غرناطة هي بقية ملك المسلمين في الأندلس بعد أن تمزق دولتهم، ووقوع أكثر المدن الكبرى في أيدي الصليبيين، وكان منشئ دولة بني الأحمر رجلاً عربيًا من بني نصر الدين – يقال إنهم ينتسبون إلى خزرج المدينة – ويدعى محمد بن يوسف، كان رجلاً شديد المراس ذا خلق كريم وكفاية نادرة، ولذلك لُقِّب بالشيخ اعترافًا له بالزعامة في بني النضير، ونظرًا للظروف التي كان المسلمون يمرون بها بالأندلس لم يكن بنو الأحمر يطمحون في أكثر من المحافظة على غرناطة، وقد كان ملوك غرناطة يطلبون المساعدة من بني مرين في المغرب ليساعدوهم في الحفاظ على ملكهم[1].
وبعد موت محمد الخامس توالى على عرش غرناطة عدد من ملوك بني الأحمر لم تكن لهم قوة أسلافهم ولا حذرهم ولا حيطتهم فعاشوا عيشة ترف ولهو، وفي الوقت الذي أخذ فيه الضعف يدب في أوصال غرناطة، بدأ النشاط والقوة تتجمع في إسبانيا المسيحية، فقد تزوج فرديناند ملك أراغون من إيزابيلا ملكة قشتالة واتحدت المملكتان ضد غرناطة.
وفي سنة 897هـ= 1492م أراد فرديناند أن يحسم الجولة فخرج بجيش قوامه 50.000 وحاصر المدينة، ولم يجد أبو عبد الله حاكم المدينة آنذاك بدًا من مفاوضة الصليبين، ولكن قائده موسى لم يرضَ بالتسليم للعدو، فلبس سلاحه وركب جواده، وغاص في الأعداء ضربًا وطعنًا حتى قتل غرقًا، مفضلاً ميتة كريمة عن حياة ذليلة[2].

[1]فريق البحوث والدراسات الإسلامية: الموسوعة الميسرة في التاريخ الإسلامي، تقديم د/ راغب السرجاني 1/ 405- 406.
[2]السابق نفسه ص 408
شروط التسليم
كانت شروط التسليم سبعة وستين شرطًا، منها:
- تأمين المسلمين على أنفسهم وأهلهم وأموالهم
- وإبقاء الناس في أماكنهم ودورهم وعقارهم
- وإقامة شريعتهم على ما كانت عليه
- وأن تبقى المساجد كما كانت
- ولا يُقهَر أحد على ترك دينه
- وأن يسير المسلم في بلاد النصارى آمنًا على نفسه وماله
- وأن يطلق سراح أسرى المسلمين
- وأن يكون لهم الحق في الخروج إلى أفريقية بأموالهم وأولادهم متى شاءوا.
وافق المسلمون على هذه الشروط ولم يكن أمامهم خيار آخر، ووقف عبد الله في ثلة من فرسانه بسفح جبل الريحان فلما مر موكب فرديناند وإيزابيلا تقدم فسلم مفاتيح المدينة ووقف من بعيد يودع ملكًا ذهب ومجدًا ضاع فلما رأته أمه ( عائشة الحرة) يبكي؛ قالت: "ابكِ مثل النساء ملكًا مضاعًا لم تحافظ عليه مثل الرجال"، ثم هاجر أبو عبد الله إلى المغرب ونزل بفاس؛ حيث عاش هو وأبناؤه على سؤال المحسنين[1].

[1]السابق نفسه ص 408-409.
حركة إزالة الإسلام في الأندلس
لم تكن دموع أبي عبد الله آخر دموع سكبت بالأندلس بل تلتها دموع، ذلك أن النصارى ما لبثوا أن تنكروا لعهودهم ونقضوا الشروط، إلى أن آل الأمر إلى حملهم المسلمين على التنصير، فقد استصدرت المراسيم تخير المسلمين بين التنصير أو مغادرة البلاد؛ ففي 4 من محرم 907هـ صدر المرسوم الملكي بمنع وجود المسلمين في مملكة غرناطة، وحظر اتصال المسلمين بعضهم ببعض، ومن يخالف تلك الأوامر يكون جزاؤه الموت ومصادرة أملاكه.
في 13من رمضان 908هـ= 12من فبراير 1502م صدر المرسوم الذي يحتِّم على كل مسلم حر يبلغ الرابعة عشرة من عمره إن كان ذكرًا والثانية عشر من عمرها إن كانت أنثى مغادرة غرناطة قبل أول شهر مايو من العام نفسه، ولا يسمح لمن يريد الخروج التصرف في أمواله وممتلكاته، ولا يكون الخروج إلى شمال إفريقيا؛ لأنها بلد إسلامية.
في 19 من ربيع الأول سنة 920هـ= 12مارس سنة 1524م صدر الأمر البابوي بإجبار المسلمين على اعتناق الكاثوليكية، ومن أبي ذلك فعليه الخروج من إسبانيا خلال مدة معينة أو يصبح عبدًا رقيقً مدى الحياة، وفي ختام الأمر قرار يجعل كل المساجد كنائس، ورغم تنصُّر الكثيرين إلا أنهم لم يُترَكوا لحالهم، ولم يَسْلَموا من التعذيب والمطاردة.
وفي سنة 1007هـ= 1599م صدر المرسوم الملكي باسترقاق شباب المتنصِّرين والكهول منهم، ومصادرة أموالهم ونفيهم إلى خارج البلاد وأخذ الأطفال وإيداعهم المعاهد الدينية المسيحية ليتلقوا تربيتهم.
وفي 1018هـ=1609م صدر المرسوم الملكي بنفي كل المتنصرين إلى بلاد البربر خلال ثلاثة أيام من نشر القرار، وتم تقدير عدد المنفيين بعد ذلك بأكثر من مليون شخص.
وأخذ الأسبان يلفقون تهمًا غريبة لبقايا المسلمين وكان العقاب جاهزًا ومتشابهًا في كل الحالات: فمن الحرق إلى الجلد ومصادرة الممتلكات أو التشهير، ومن التهم التي كانت تُلَفَّق للمسلمين مثلاً: كثرة الاستحمام، أو تكفين الميت في ثياب جديدة، أو ذكر النبي صلى الله عليه وسلم، أو اقتناء القرآن، أو إحراز أوراق أو كتب عربية، أو إنشاد أغاني عربية أو الامتناع عن أكل لحم الخنزير وشرب الخمر أو الوضوء والقيام إلى الصلاة أو الصيام[1].
ظلَّ الأندلس بعد ذلك شبه خالٍ من المسلمين، إلا من الآثار الإسلامية، والعمران غير المسبوق الذي تركه المسلمون ما يزال شاهدًا على التقدم الذي شهده الأندلس خلال الحكم الإسلامي، وما زالت إسبانيا المسيحية حاليًا تقتات على الدخل السياحي الكبير الذي تدرُّه تلك الآثار الإسلامية التي امتهن النصارى بعضها؛ فحوَّلوه إلى كنيسة، أو متحف.
لقد شُغِف العالم بما شيده المسلمون كمدينة الزهراء التي لم يُبْنَ مثلُها، وقصر الحمراء بغرناطة، والمسجد الكبير بقرطبة الذي شوهه ألفونسو عند دخوله قرطبة؛ فقد جعل في أحد مداخل المسجد كاتدرائية، وأمر بتعليق أجراس الكنائس على المآذن، والآن يُمنَع أن تقام فيه الصلاة ويصعب دخوله إلاّ بتذكرة مدفوعة الثمن!
وما زالت الصليبيون في الأندلس المفقود يحاولون تشويه التاريخ، ويكذبون على العالم كله؛ فقد شاهدنا جميعًا حفل افتتاح دورة الألعاب الأوليمبية بمدينة برشلونة الأسبانية عام 1992م، وقد أُقِيمت هناك عمدًا في الذكرى الخمسمائة لطرد المسلمين من الأندلس، ورأينا كيف صور النصارى الإسبان من خلال فقرات الحفل الفاتحين المسلمين؛ فقد صوروهم كشياطين وقوى شريرة ترتدي السواد تأتي في سفن من قلب الظلام؛ لتحاول فتح الأندلس؛ فيبرز لها من خلف الأسوار ملائكة ترتدي البياض تشير إلى الصليبيين المجرمين؛ فيهزموا قوى الشر – المسلمين – ويردوهم على أعقابهم.
لقد مرَّ الحفل على الكثيرين، ولم يفهموا المعنى المراد؛ وذلك لأننا في غيبة عن تاريخنا المجيد، وفي ذهول عن محاولة إعادة ذلك التاريخ؛ بالنهضة والعلم، وقبل ذلك وبعده بالتمسك بصحيح الإسلام.

[1]فريق البحوث والدراسات الإسلامية: الموسوعة الميسرة في التاريخ الإسلامي، تقديم د/ راغب السرجاني 1/ 411-413.
المصــــــــــــــــــــــــــــــــــدر
[size=32]والله احب ان اموت في ارض اندلس الحبيبة[/size][/size]
[/size]