الطريق الصح طريق نحتاج فيه إلى دليل ومرشد أو أحد يأخذ بأيدينا، ولا يقدر أحد أن يأخذ بيد إنسان أكثر من والديه؛ فهما يكنان له كل الحب ويعتبرانه جزءا منهما، ويقولان هذا ابني أو ابنتي جزء مني. والوالدان عندما يتعرضان لشيء اسمه عقوق الوالدين يكون الأمر كبيراً فعلاً، أتسمح لنا أن تكلمنا عن عقوق الوالدين؟
بسم الله الرحمن الرحيم، بالطبع هو مطبّ ثانٍ، ونحن في هذه الحلقات نحاول أن نتكلم عن مطبات كبيرة على الطريق، واليوم نتكلم عن عقوق الوالدين وهو من الكبائر. ونريد -كما قلنا من قبل- أن نعيد ترتيب أولوياتنا في الفضائل حتى لا يكون تديننا مغلوطاً، تديناً متمسكا بشيء بشدة وتاركا لأشياء أهم بكثير. نحن لا نقلل منها؛ ولكن هناك غيرها كذلك مهم، ونريد أن نؤدي الاثنين معاً.
وهذا يذكّرني بقصة.. شيطان كبير كان يُعلّم شيطاناً صغيراً كيف يغوي بني آدم، وكان الرجل المنوط بالشيطان الصغير إغواؤه بدأ يقترب من الله، فأرسل الشيطان الكبير للصغير عدة رسائل، الأولى: توبيخ للشيطان الصغير وتقريع، والثانية: يقول له فيها:" أنا سأسامحك على شرط أن تنقذ هذا الرجل من الجنة، وتقربه ثانية إلى النار!" ثم قال له:" خذ استعدادك؛ فإن الإنسان في هذه المرحلة ستكون عنده مواجيد، أي أنه سيجد في قلبه أنوارا ومشاعر إيمانية، وسيبدأ بالانشغال بباطنه وتطهير قلبه، ويوم بعد الآخر ستراه يركّز في الصلاة جدا، وستجده يزكّي أو يتصدق..فنحن نريد أن نوجد داخله انفصالاً تاماً؛ بحيث إنه ينسى تماماً أن علاقته بأمه لها تأثير ضخم على علاقته بالله!!!"
فيكون مدخلا يدخل منه إبليس -نعوذ بالله منه- إلى الإنسان، ويحاول أن يبعده تماماً عن الحق، ويظل الشيطان يوسوس له ويجعله غير متصور أبداً أن هناك مشكلة في أن يرد على أمه مثلاً ردا سيئا وهو ذاهب إلى المسجد؛ فتقول له أمه: خذ الشيء الفلاني معك، فيقول لها بضجر: يووووه، أنا ذاهب للمسجد، ألا تعرفين.. إلى آخر هذه المعاني.
التكبر على الوالدين
وقد يكون التدين المغلوط سبيلاً إلى أن يتعالى الابن على والديه، ويكون متصوراً أنه أكبر منهما، وتفوّق عليهما فيما يفعله من أشياء ملموسة، أنا أصلي أكثر وهكذا.. أليس كذلك؟
بلى، قد يشعر فعلاً أنه أحسن منهما؛ يعني من الممكن مثلاً أن تكون أم أحد الشباب ليست "متدينة" -باستخدامنا للفظ العصري- فهو يشعر أنه هو الذي أصبح قريباً من الله سبحانه وتعالى، وهذا يأخذنا للآيات في سورة الإسراء: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}، وهنا لنا وقفة؛ لأننا كثيرا ما نجد في القرآن أن الله يأمرنا بالتوحيد وينهانا عن عبادة أي أحد غيره، ثم يقرن مع ذلك الإحسان بالوالدين، وهذا متكرر في القرآن الكريم، لأنه مرتبط بمعنى الوفاء؛ وقد قال لنا الله هنا: {وَقَضَى رَبُّكَ} لم يقل قضى الله؛ مذكراً إيانا أنه هو الذي خلقنا، وهو الذي ربّانا، وهو الذي أنعم علينا، وهو الذي رزقنا؛ لكنَّ الله جعل أمي وأبي سبباً لوجودي، وهما اللذان ربياني في الدنيا، وبعد قليل يأتي قوله سبحانه: {وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا}. وطبعاً مرويّ في الأثر "أن رضا الله في رضا الوالديْن، وسخط الله -وأعوذ بالله منه- في سخط الوالدين"؛ فهناك علاقة قوية جداً ما بين علاقتي أنا كإنسان بأمي وأبي وعلاقتي بالله سبحانه وتعالى.
لذلك فإن الذي لا يكون عنده وفاء لوالديه يصعب عليه أن يكون وفياً مع الله سبحانه، وأنا لا أريد أن أقول "هو"؛ لأني في المقام الأول أخاطب نفسي، وخاصة أنني في هذه المرحلة أمرّ بفترة تأمل، وأنا والدي متوفى منذ فترة وجيزة -رحمه الله- حتى أنني اليوم تذكرت لحظات في أيام المراهقة قد أكون أسأت الأدب فيها معه، وبالفعل أتألم من الداخل. لا بد أنني كنت غافلاً وقتها؛ لأنني كنت أفعلها على أساس أنها شيء عادي، ولو أني كنت أعلم أيامها ما أعلمه الآن ما كنت أبداً كلّمت أمي أو أبي بهذه الطريقة.
التأدب مع الوالدين
سأعترف لك بموقف من المواقف؛ فأنا فعلاً تمنيت يومها أن تنشق الأرض وتبتلعني؛ لأن أبي -رحمه الله- كان في مراحل عمره الأخيرة، وكان ذاهباً للعزاء، وذهبت معه أقود له، فنزل وقال لي: عشر دقائق وأعود، ومكث وقتها نصف ساعة -لعله احترام للقراءة- ولكن عندما جاء قلت له: أهذه عشر دقائق، وساعتها نظر لي نظرة تمنيت بعدها أن تنشق الأرض وتبتلعني.. ما هذا الجرم الذي أنا ارتكبته؟ هل يجوز أن أعاتب هذا الرجل؛ لأنه تأخر ربع ساعة أو ثلث ساعة، بعد العمر الذي قضاه في تعليمي؟
ولذلك فهذا يجعلني أتفكر في معنى الوفاء؛ فكيف يكون للإنسان وفاء لله سبحانه وتعالى بالغيب، وهو ليس قادراً على الوفاء مع أبويه وهما أمامه في الدنيا؛ مع أنه قد يكون الأسهل علينا.. فنحن مررنا بذكريات وأشياء ملموسة مع والدينا منذ الولادة، وطوال النشأة؛ فاستحضار هذا المعنى يجعلنا نستحيي من أن نعصي والدينا.. ويفتح لنا أبواباً في تعلّم معنى الوفاء مع الخالق سبحانه..
إنها مسألة في الحقيقة مهمة جداً لأن الإنسان إذا لم يذكّر نفسه بها دائماً من الممكن أن يتورط في فعل ما، وعندما أجلس أنا أتصور شاباً في المرحلة الأولى من العمر وأبواه يسألانه عن أشياء بسيطة مثل إلى أين تذهب ومن أين تجيء؛ فيقول: تدخّل في حريتي، وهذا إذلال، ويستغلون أنهم يعطونني المصروف وكلام من هذا كثير.
صحيح.. وهذا يحتاج منّا تحليلاً إن شاء الله، وكيف أننا نعيش هذه النفسية الراقية ولا نزال صغاراً وأهلنا موجودون.
وهذا ما سنتكلم عنه في حلقتنا القادمة بإذن الله تعالى،،،
المصدر : بص وطل
منتديات عرب مسلم | منتدى برامج نت | منتدى عرب مسلم | منتديات برامج نت | منتدى المشاغب | منتدى فتكات | منتديات مثقف دوت كوم | منتديات العرب | إعلانات مبوبة مجانية | إعلانات مجانية | اعلانات مبوبة مجانية | اعلانات مجانية | القرآن الكريم | القرآن الكريم قراءة واستماع | المكتبة الصوتية للقران الكريم mp3 | مكتبة القران الكريم mp3 | ترجمة القرآن | القرآن مع الترجمة | أفضل ترجمة للقرآن الكريم | ترجمة القرآن الكريم | Quran Translation | Quran with Translation | Best Quran Translation | Quran Translation Transliteration | تبادل إعلاني مجاني