نحن على الطريق الصح نناقش عقوق الوالدين وقد قطعنا شوطا طويلا من الموضوع، ونتمنى أن نكمل معك ونذكر الآيات التي ترصد هذا الموضوع..
كنا قد وقفنا عند قوله تعالى: {فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا}.. والكلمة الطيبة قد شبّهها الله تعالى بالشجرة الطيبة الثابتة: {أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} فالكلمة الطيبة الكريمة هي التي يبقى تأثيرها الإيجابي عليك وتظل متذكرا لها.. ونتحدث اليوم عن العقوق؛ لأنه مطب على الطريق ونريد أن نتفاداه، وكانوا يقولون: "بضدها تتميز الأشياء"، ولهذا نتكلم عن البر كحلّ للعقوق، ونعلم بالطبع أن الكلمة الخبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض مالها من قرار..
فمن الممكن مثلاً لو أن أحدا كان أبوه يزوره ودخل عليه فأسقط "فازة" مثلاً فوقعت وانكسرت وتهشمت تماما، هنا تخرج كلمة "أف" وأمثالها.. فتجرح الوالد.. لأننا أحيانا نكون في غفلة، ونكون مستهينين بآبائنا بشدة، ونهتم بسعر "الفازة" سواء لو كانت بألف جنيه أو مائة جنيه أو عشرة جنيه.. ولكن القول الكريم هنا هو وقته، فيجب أن نقول لأبينا ساعتها مثلا: "فداك" فنهوّن عليه المسألة.. فهنا يكون الأثر الإيجابي على الوالد أو الوالدة، وستجده يدعو لك باستمرار ويقول لك: الله يرضى عنك، وستجد أن هذا طريق مختصر لرضا الله.
وليس هناك أحسن من القول الكريم، وأن يرزقنا الله القدرة على أن نقوله ونعرف في هذه اللحظات الحاسمة التي هي لحظات معدودة؛ لأن فرصة البر ليست لا نهائية؛ فهي موجودة فقط في حياة الوالد وحياة الوالدة، وبعد ذلك تذهب إلى غير عودة، وسنتحدث بعد قليل عما يجب أن نفعله بعد أن يتوفيا؛ فهناك "بر" في تلك المرحلة كذلك، لكنني أقصد الآن البر في حياة الوالدين.
لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق
كان لي صديق يقول لي في أيام حياة أمي قبل أن يتوفاها الله: أنت لديك كنز فلا تفوّت فرصة أن تأخذ منه على قدر ما تستطيع، فهل هذا تصديق لكلامك؟
نعم بالطبع.. أعاننا الله على العمل بهذه النصيحة.. وهذا شيء مهم جداً.. لكن أحياناً يحدث تعارض، فقد يطلب مني أبي أو أمي شيئا لا يجوز، وطبعاً معروف أنه: "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق"، لكن هذا يحتاج لتحليل وشرح؛ لأنه من الممكن أن إنسانا يأخذ هذه الجملة ويقول لا يصحّ أن أطيع مخلوقا في معصية الخالق، ويبدأ في العقوق، وهو ميزان دقيق؛ لأنه كما أنني مطالب بعدم طاعتهما في معصية الخالق، فأنا مطالَب كذلك بأن أبرهما لأكون مطيعا للخالق..
ولننظر إلى المثال في سورة لقمان: {وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنْ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ}، وهنا نعود لما قلناه منذ قليل وهو الاقتران، ولو لم يكن هناك ارتباط بين رضا الله ورضا الوالدين وسخط الله -والعياذ بالله- وسخط الوالدين، لما أتى هذا الاقتران في الألفاظ هنا بل وفي آيات كثيرة في القرآن الكريم، فجاء هنا معنى "شكر الوالدين" معطوفا على معنى "شكر لله" والشكر لله هو أساس من أسس العبادة، فبطاعة الوالدين والشكر لهما يتحقق لنا معنى من معاني العبودية في الدنيا ونأخذه معنا في الآخرة إن شاء الله، وهذه من الصفات الموجودة في الدنيا حتى تقيد نفوسنا فتضمن لنا الجنة، وهذا الشكر للوالدين دليل على الوفاء الحقيقي لهما، ولهذا قال الله تعالى: {أَنْ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ}..
وتكملة الآية: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً} ونحن نتكلم هنا عن آباء مشركين، ومع أننا لن نطيعهم إلا أننا سنصاحبهم -طالما أنهم في الدنيا- إلى أن يتوفوا، فلن ينقطع إحساننا لوالدينا وإن كانوا كفارا. وإن كان هذا حالنا مع آباء مشركين، فما بالك بآباء مؤمنين وإن كانوا "غير متدينين".. كما يقال في هذا الزمان؟
ونكمل: {وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} وعلينا طبعاً أن نظل قريبين من أهل الله في كل الأحوال..
وهنا أحب أن أذكر لقطة رأيتها في برنامج الداعي إلى الله "مصطفى حسني" حيث كان يقدّم حلقة عن الوالدين، وكان يعرض فيديو أجنبيا مترجما، وكان هناك حسب ما أذكر -وليسامحني من شاهد الفيديو على أني لا أذكره بالتفصيل- رجل عجوز وابنه جالس بجانبه وكان عنده حوالي 30 سنة والأب عجوز جدا وكان الابن ممسكا بجريدة أو صفحات يقرأ فيها، وظهرت في المكان عصفورة، فكان الأب يسأل ابنه: ما هذه؟ والولد مشغول في القراءة والأب يسأله والابن يجيب فيقول له: "عصفورة"، ثم بعد قليل يعيد الأب على ابنه السؤال فيقول له الابن: "عصفورة".. وهكذا حتى أكثر الأب على ابنه في السؤال فقال له ابنه بعصبية: "قلت لك عصفورة عصفورة عصفورة!!!"...
بصراحة أشفقت جدا على الأب في هذه اللحظة، فذهب الأب ثم رجع ومعه كتاب وقرأ أمام ابنه الآتي: "منذ 28 سنة أو مدة طويلة قريبة من ذلك، كنت جالسا هنا في نفس المكان مع ابني، وكان طفلاً صغيرا وكان في المكان عصفورة وظل ابني يسألني ما هذه؟، فأقول له عصفورة وسألني هذا السؤال كثيرا، وكلما يسأل أقول له عصفورة وأنا أبتسم، وكل مرة يسألني أبتسم وأتحمّله"... وهنا أفاق الابن من غفلته، واحتضن والده وحدث بينهما نوع من البر الحقيقي والاقتراب.. لقد أثر فيّ هذا الموقف بشدة حتى أنني اتصلت ساعتها بوالدي -رحمه الله.
ونحن نقول هذا الكلام حتى ننهض ونحيا ونكون بصدق عباد الرحمن وندخل الجنة، ويمكّن لنا ربنا في الأرض مرة أخرى، بعد كل الذي نراه يُفعل بنا الآن من الظلم، الذي هو أيضا راجع لذنوبنا كأمة، سواء من عقوق الوالدين أو شرب الخمر أو الزنا أو لقلة حبنا لأوطاننا أو لعدم إتقاننا للعمل.. وراجع لأشياء كثيرة جداً، ولذا سنحاول معاً إن شاء الله أن ننهض وتحيا قلوبنا مرة أخرى، ونكون من أصحاب اليقين بالله.. وتكون لنا علاقة بالله.. علاقة حقيقية لا صورية، ولو أنها حقيقية بصدق سنبتعد عن الغيبة والكبر وعقوق الوالدين.
البر بعد الوفاة
وبالنسبة للسؤال الخاص بالبر بعد الوفاة فقد قال رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم: "إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية. أو علم ينتفع به. أو ولد صالح يدعو له"، فأنا من الممكن أن أصنع لأهلي الذين توفّوا عني صدقة جارية تكون باسمهم، ومن الممكن أن أقرأ لهم القرآن وأهب لهم الثواب، ويمكنني أن أزورهم لو تيسر، وأحب أن أقول إن أهم شيء -مع أهمية كل ما سبق- هو الدعاء من القلب، وهو يقربني من الله سبحانه وتعالى، ويوصّل لهم هم ثواباً، لأنني جزء منهما وما دام جزء منهما في الدنيا يجتهد لهم في الدعاء فسوف يصل إليهم.. وكلاهما سوف يُثاب؛ الداعي والمدعوّ له.. وسيثاب؛ لأنه بار بوالديه بعد الوفاة.
حسن تربية الأبناء صدقة جارية
وقد نعتبر هذا حافزا مهما جداً في الشرع حتى يهتم الإنسان بحسن تربية أولاده؛ لأنه لو لم يحسن تربيتهم فلن يكون أولاده من هؤلاء الصالحين الذين سيزيدون من رصيد حسناته بعد وفاته..
هذا كلام صحيح تماما... ونختم بقوله تعالى: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً}.. كلفتة للتذكير وكيف تعبا معنا ونحن صغار، ونتذكر وقتها كيف كنا نحتاج إلى والدينا وكيف كنا ضعفاء.
فماذا بخصوص العقوق حين يتعلق الأمر بشخص آخر من الأقارب غير الأب والأم كالعم مثلاً أو حتى معلم في مكانة الأب مثلاً؟
هذا سؤال مهم.. ونجيب بأنه يوجد أب روحي غير الأب البيولوجي، فهناك من يعتبر أن المُعلم له نصيب من الأبوة أو الأمومة، وهناك من يَعتبر والد زوجته والداً له، فلا بد من أن أكون باراً بوالديّ وبكل من ربوني بعد وفاتهم، كأن أوفي بأي شيء هم وعدوا به ولم يستطيعوا أن يبروا به نظرا لوفاتهم، سواء كان هذا الشيء مادياً أو غير ذلك.. فواجب عليّ إن كانت عليهم أي ديون أن أسددها.. وأيضا أصحابهم الذين كانوا يحبونهم واجب عليّ أن أتواصل أنا معهم كنوع من برّي لهم...
ونكتفي بهذا القدر؛ لأن خير الكلام ما قلّ ودلّ، وكل ما أريد قوله في الختام أن أدعو الله أن يحفظ لنا آبائنا وأمهاتنا..
والحمد لله رب العالمين،،،
المصدر : بص وطل
منتديات عرب مسلم | منتدى برامج نت | منتدى عرب مسلم | منتديات برامج نت | منتدى المشاغب | منتدى فتكات | منتديات مثقف دوت كوم | منتديات العرب | إعلانات مبوبة مجانية | إعلانات مجانية |اعلانات مبوبة مجانية | اعلانات مجانية | القرآن الكريم | القرآن الكريم قراءة واستماع | المكتبة الصوتية للقران الكريم mp3 | مكتبة القران الكريم mp3 | ترجمة القرآن | القرآن مع الترجمة | أفضل ترجمة للقرآن الكريم | ترجمة القرآن الكريم | Quran Translation | Quran with Translation | Best Quran Translation | Quran Translation Transliteration | تبادل إعلاني مجاني