منتديات عرب مسلم
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات عرب مسلمدخول

descriptionالغيبة .. الجزء الثالث Emptyالغيبة .. الجزء الثالث

more_horiz
الغيبة .. الجزء الثالث Da568b6a-b330-4643-92d6-11e9d8fdc6c1

كنا قد تكلمنا في حلقتين سابقتين عن الغيبة وتعريفها.... وسيكون حديثنا اليوم عن علاج هذا المرض.

نجد الآن أن الفراغ والغيرة بين الناس من أسباب الغيبة، حتى الحب هو الآخر أصبح من أسباب الغيبة، فتجد من يحب أحدا لا يستطيع أن يتكلم عليه أمامه فيشكوه في غيبته.. أو أنه "يفضفض"، فما الحل؟؟

أؤكد أن الحل أن يكون لدينا ثقافة تزكية النفس، ورؤيتنا لمواقف بعض الناس الصادقين من الغيبة تؤكد أن هناك أملا؛ لأننا نعرف أن ما نفعله خطأ، وفي الحلقة السابقة كنا نتكلم عن المستمع وأننا عندما لا ننهى عن الغيبة بلطف فإن بعضنا ينشّط المغتاب بالحماس للاستماع وإبداء الرغبة في المزيد..

وهذا معناه أن العملية لا تقوم إلا بطرفين مرسل ومتلقٍ، فإذا استطعنا أن نقطع الاستقبال فسينقطع الإرسال بالضرورة.. أليس كذلك؟

بلى، وجميل هذا المعنى.. وهذا من ناحية، ومن ناحية أخرى هناك سبب جامع وهو الغفلة عن الله سبحانه وتعالى.. أتعرف أننا لو أدركنا أن الله ينظر إلينا فلن نستطيع أن نغتاب أحدا أو أن نسخر من أحد..

{أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى}..

إذن فما العلاج.. خاصة أننا عرفنا أن هذا مرض؟

طبعا مرض.. ولهذا فإننا نذكر علماء كبارا كالإمام الغزالي وكتابيه "إحياء علوم الدين" و"الأربعين في أصول الدين" والذي تحدث فيهما عن آفات اللسان، وصنّف عشرين آفة للسان منها الغيبة، وفي الأربعين في أصول الدين لخّصهم إلى خمس آفات منها الغيبة أيضا.. فهي من الآفات الكبيرة، وهنا أحب أن أذكر حديثا شريفا، قال سيدنا محمد، صلى الله عليه وسلم: "أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، قال: "المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مالَ هذا، وضرب هذا، وسفك دم هذا، فيُعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أُخِذ من سيئاتهم فطُرحت عليه ثم طرح في النار" رواه مسلم..

فتجد الرسول عليه السلام هنا يصف حالة مخيفة يقول فيها إن جزءا من علاج الغيبة هو "الخوف"، فنحن عادة ندعو الله: "اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك"، فنريد أن يكون لدينا قدر من الخوف بحيث يكون رادعا للنفس، هذا هو الخوف الصحي المحمود الكفيل بأن يفيقنا من الغفلة، وهذا المعنى هو الذي ركز عليه الإمام الغزالي، وهو أن الغيبة قد تكون بابا لضياع حسناتي وليس هذا فقط بل أيضا لأخذي من سيئات الآخرين..

والمعنى الثاني: هناك قصة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للصحابة إنه سيطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة، ثم دخل عليهم رجل، وقد قال عنه النبي أكثر من مرة أنه من أهل الجنة، فأراد الصحابة أن يعرفوا ماذا يفعل هذا الرجل حتى يقلدوه، فمنهم من ذهب ليبيت مع هذا الرجل ومكث معه ثلاث ليالٍ، فوجد الرجل لا يقوم من الليل شيئا وفقط يتقلب في الفراش ويذكر الله، وعندما جاء وقت الفجر قام ليصلي، فاستغرب الصحابي هذه الحكاية وكيف أن عمله قليل، فقال له: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لك ثلاث مرات: يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة، فطلعت أنت الثلاث مرات، فأردت أن آوي إليك، فأنظر ما عملك، فأقتدي بك، فلم أرك عملت كبير عمل، فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: ما هو إلا ما رأيت، فلما وليت دعاني -يعني ناداه- فقال له: ما هو إلا ما رأيت غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشا ولا أحسد أحدا على خير أعطاه الله إياه، فقال الصحابي: هذه التي بلغت بك".

إنه لا يغتاب أحدا بلسانه ولا حتى بقلبه، لذا فإن كثيرا من العلماء اعتبر أن للقلب غيبة، وذلك بأن تذكر السوء لشخص بداخلك حتى ولو لم تنطق بهذا، فبمجاهدة النفس ومنع هذا الخاطر من أن يخترق قلبك لن تقع في الغيبة، فهذا الرجل كان يردّ هذه الخواطر ويردّ إضمار السوء للناس، فرغم أنه لم يكن يزيد على العبادات المفروضة إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم ضمن له أنه من أهل الجنة.. فالعلاج أنني:

أولا: أذكر أن الغيبة سوف تأخذ من حسناتي وتضيف عليّ من سيئات من أغتابهم
ثانيا: أن أتذكر قيمة القلب السليم وأهميته وأن أشتهي أن يكون لديّ قلب سليم مثل هذا الرجل الذي هو من أهل الجنة..

مع أن الناس تهتم جدا بأمراض القلب الصحية، وتقلق جدا لو أصابها مكروه فتلجأ إلى أكبر المتخصصين.. فما بالك بالوجه المعنوي لأمراض القلب.. مثل الغيبة؟

القلب هو المحرك الأساسي للإنسان ولهذا يقول الله: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} فمن أكثر ما يُمرض القلب الغيبة.. كما لا يخفى عليك أن الجوارح كالعين والأذن تُدخل على القلب أمراضا وصورا سيئة تنطبع فيه، فتجعله بعيدا عن الله تبارك وتعالى، ولذلك لابد أن أشتهي القلب السليم: {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}، ونحن نتعرف معاً على "الطريق الصح"، فالقلب السليم طريق مختصر يوصلنا أسرع إلى أهدافنا..

ولهذا جاء في الآية: {وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ}، فالابتعاد عن الغيبة من صفات التقوى.. وهنا قال الله سبحانه وتعالى "تواب" يعني كثير التوبة على عباده.. وجميل جدا أن تأتي هذه صفة، صفة الله سبحانه "التواب"، في موضع الغيبة المرعبة،..

لكن هل إذا عملنا هذا وساعدنا بعضنا على التوبة.. فهل يعفو ربنا عما فات من غيبة في حق غيرنا؟

سؤال جميل طبعا.. لأن في هذه النقطة جزءا حساسا وهو ماذا أفعل تجاه الناس الذين اغتبتهم وأريد أن أخرج من هذا الذنب الذي فعلته بحقهم؟

هناك ثلاثة مستويات للتعامل مع هذا الموقف، أولها أن تذهب إلى الشخص الذي اغتبته وتقول له: أنا اغتبتك، سامحني. ولا ننصح بفعل هذا إلا مع النفوس الراقية جداً التي تتقبل هذا بسهولة؛ لأنهم من أهل الله، فإنه سيقول لك: سامحتك على الفور.

لكن إذا لم يكن من هؤلاء فمن الممكن أن تقول له معنى بسيطا جدا وأقل وضوحاً وهو: سامحني.. فأنا هذه الأيام أراجع نفسي في أشياء كثيرة، وظلمت نفسي وظلمتك، وقصرت معك في أشياء كثيرة، فأرجوك سامحني.. فيقول لك: سامحتك عموماً، وهنا تكون قد استحللت من الإثم من غير أن تقول له أنا اغتبتك.. فهذا هو المستوى الثاني أن تقول الأمر بشكل عام لأن نفس الشخص لا تطيق ولو أخبرته لربما أحدثت مشكلة أكبر معه.

المستوى الثالث.. لو أن إخبار الشخص بالصورتين السابقتين سيُحدث شراً ومنكراً كبيراً جداً فالأفضل أن لا أفتح معه الموضوع، وأن أُكثر من الدعاء له على قدر ما استحقرته في الماضي، وأكثر من الثناء عليه أمام الناس، وخاصة الناس الذين اغتبته أمامهم.. ووقتها أكون طامعاً في رحمة الله التواب الرحيم.. وبهذا تكون إن شاء الله كفارة للغيبة..

ولابد أن يكون هدفنا الأكبر أن نقف بين يدي الله يوم الحساب..

نعم.. فاليقين مهم واستحضار يوم القيامة، والتعامل مع القيامة على أنها قد تكون غداً، فالله يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}، ونبدأ في أن نتفكر في حديث الرسول عليه السلام عن المفلس يوم القيامة، وأنه من الممكن بالفعل أن يُؤخذ من سيئاتي يوم القيامة وتضاف لمن اغتبتهم وكيف أنني وإن كنت أهتم بالصلاة والصيام وكل العبادات الظاهرة والمفروضة ولكني أهمل أشياء باطنة في غاية الأهمية.. فبرنامجنا كله هذا العام مخصص للبحث عن الأشياء الباطنة أو غير الملموسة، والتي تدمرنا وتبعدنا عن طريق الله عز وجل، حتى لا يكون في النهاية هناك مفاجأة سيئة يوم القيامة..

هذه المهمة قد تبدو صعبة إنما لو أخلصنا النية إن شاء الله سننهض من جديد ولا نعود إلى هذا السلوك البغيض
مرة أخرى.. ألا تتفق معي؟

كما تعودنا في الماضي على أن نغتاب الناس ونصمت عندما يُغتاب الناس أمامنا، فلابد أن أعتاد من اليوم أنه عندما يأتي الكلام السيئ عن شخص آخر فإنني أنصرف، وإن وجدت أن التخلص من الغيبة لا يأتي إلا بالإعراض فلا بد من الإعراض..
وندعو الله بأن يتوب علينا جميعاً.. كلنا أخطأنا.. لكن ربنا تواب رحيم.. ولابد أن نبدأ بـ"التخلي" عن الصفات القلبية المذمومة مثل الغيبة والحسد والنميمة والعجب والكبر، ثم نبدأ في "التحلي" بالصفات القلبية المحمودة مثل التواضع والصدق والشكر والرضا، فيحدث "تجلٍّ" من الله سبحانه داخل قلوبنا.. وما أسعد حظنا لو عرفنا أن نعيش معنى {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَمَا كُنْتُمْ}..
وهذه درجة عليا رزقنا الله جميعاً إياها.. آمين،،،

المصدر : بص وطل


descriptionالغيبة .. الجزء الثالث Emptyرد: الغيبة .. الجزء الثالث

more_horiz
كل الشكر والامتنان على هذا الطرح الرائع
بارك الله فيكم
معلومات قيمة ومفيدة
دائما التميزحليفكم في الانتقاء
سلمتم على روعة طرحكم
نترقب المزيد من جديدكم الرائع
دمتم ودام لنا روعه مواضيعكم


اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الاحياء منهم والاموات
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم
واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين
privacy_tip صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
power_settings_newقم بتسجيل الدخول للرد