أحيانا تعترضنا مطبات ومفاجآت أثناء سيرنا على الطريق الصح، واليوم نجد مطبا مرعبا نريد أن نعرف كيف نعبره آمنين بإذن الله، ولهذا سنتكلم اليوم في عنوان اسمه "الغيبة"، وخطورتها أننا متعودون عليها ونكاد نكون قد أدمناها.. فماذا نفعل في الغيبة؟
نحن في الطريق الصح نتكلم كثيراً عن توسيع مفهوم التدين، حيث يشمل الأخلاق ويشمل تزكية النفس المؤدية إلى محبة الله سبحانه وتعالى، ونتيجة تلك المحبة نستطيع أن نقوم بكل الأمور الظاهرة التي فُرضت علينا من غير شعور بأي حرج، مع تخلقنا بالأخلاق والمعاملات الحسنة، ومع اهتمامنا بتعمير الأرض التي استخلفنا الله سبحانه عليها، وهذا الفهم الواسع للدين يكون مفتاح باب السعادة لنا ونحن هنا في الدنيا ومفتاح دخولنا الجنة إن شاء الله.
فلا شك أن الذي كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما فقد أخذ طريقا مختصرا إلى الجنة. وأهل الجنة عليهم في الدنيا أن يُظهروا عالمية هذا الدين العظيم، وأن يحاولوا أن يكونوا سبباً في إحياء الفطرة في نفوس أهل الأرض أجمعين، من خلال مساهمتهم في وضع معايير المجتمع الدولي على كل المستويات، ومن خلال تحقيق نهضة اقتصادية وسياسية تعينهم على ذلك، وفوق كل هذا نهضة وصحوة أخلاقية.
كيف نحقق تلك النهضة أو الصحوة الأخلاقية؟
إننا نريد أن نعيد ترتيب أولوياتنا في الفضائل؛ بحيث نرجع كأمة نعظّم الصدق ونستقبح الكذب، نعظّم الأمانة ونستقبح الخيانة، نعظّم اللسان، لأن الله علم الإنسان البيان، فنستقبح الكذب والغيبة، وكل هذا سوف يؤدي إلى عودة مصداقيتنا كأمة، نعود ندعو إلى الله كما قال تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ}، وقوله: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ}، كل هذا لن يحدث لو اضطربت أولوياتنا في الفضائل، ولو ركزنا فقط على ظاهر التشريعات... ومن هنا بدأنا نبحث عمّا سماه الإمام الغزالي -رضي الله عنه- في إحياء علوم الدين "المهلكات".. هناك أمراض قلوب مهلكة، تظهر على الجوارح.. كالغيبة تظهر على اللسان، وهذه هي المطبات الكبيرة على الطريق والتي تتسبب في الحوادث -عافانا الله- ومن ضمنها الكذب وقد تحدثنا عنه ومن ضمنها الكبر وقد تكلمنا فيه.
معنى الغيبة:
الغيبة باختصار كما عرّفتها الشريعة المطهرة بأنها: "ذكرك أخاك بما يكره" وطبعا في غيابه، فعلى سبيل المثال لو أن لي ولك صديقا اسمه "أشرف" كان موجودا معنا ثم تركنا وهو مثلا قد يكون عنده نقص معين، وهذا النقص قد يكون في شكله، أو في عقله، أو في تعليمه، أو في نسبه، أو في دينه، أو في أي شيء آخر فأقوم أنا وأقول: "أشرف القصير القزعة ده" أو "أشرف الذي لسانه قذر" (مع أنه من الممكن أن يكون لسانه قذرا فعلا ويشتم الناس كثيرا، ويكون هذا العيب فعلاً فيه ولكنه يحاول أن يتخلص منه)، فلو كان العيب فيه فأكون قد اغتبته، أما لو أنني أذكر شيئا ليس فيه فإنني أكون قد "بهتّه" والبهتان ملف آخر.. فما هي أول حجة نقولها كثيراً في هذه الأيام لنحاول أن نبرر الغيبة؟
كلنا يقول: إنني لم آتِ بشيء من عندي..
هذا يحدث فعلا، ونقول "إنني أصفه فقط.." لكن لا يحق لي أن أصفه بما يكره، حتى لو هو فيه هذا العيب، كما لو أنا فيّ عيب -وبالتأكيد أنا فيّ عيوب كثيرة- هل أحب أن يذكر أحد عيوبي في غيابي؟ بالطبع لا، ولذلك كثيرا ما تجدنا نقول: "أستطيع أن أقول له عن هذا العيب في وجهه"، (يعني في وجه الشخص الذي اغتبناه)، لكن هذا لا يقلل من كونها غيبة لأنني ذكرت أمراً يكرهه، في غيابه....
صور الغيبة وأشكالها المختلفة
ما رأيك في أن يذكر لي أحدٌ عيوبي لينبهني ولكن بشكل ودود؟
كان سيدنا عمر رضي الله عنه يقول: "رحم الله امرأً أهدى إليّ عيوبي" لكن هذا يكون وجها لوجه..
ونلفت النظر إلى أن الغيبة يمكن أن تكون باللسان لكنها لا تقتصر على اللسان فقط، بل من الممكن أن تكون أيضا بالإشارة، ويحضرني الآن حديث للسيدة عائشة رضي الله عنها في موضع كانت تُعرِّف فيه امرأة -بمعنى أنها تقول عنها شيئا ولا تقصد أن تغتابها- وكانت جالسة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وتريد أن تقول له صفة المرأة لتعرفه بها، فهي تشير بيدها فقط أنها القصيرة، ولم تكن تسخر منها بل هي تُعرّفها بصفة فيها، فقال صلى الله عليه وسلم: "اغتبتِها".. هذه غيبة.. أترى إلى أي حد يحمينا الشرع الشريف من الوقوع في هذا الإثم...
حرصا على كرامة الإنسان ..
طبعا.. وهذه نقطة مهمة جدا، فقال لها صلى الله عليه وسلم: "اغتبتِها"، وأحيانا أيضا من الأشياء التي توقعنا في الغيبة أننا نعملها بشكل غير مباشر يسمى التعريض المُفهم، أن أستخدم إشارة غير صريحة في سياق الكلام عن أحد، ولكنها تكون مفهومة عند الحاضرين، ومن يرى إشارتي يفهم معناها السلبي.
وكثير منا يملك صفة "خفة الدم".. ويأخذ هذا الأمر على سبيل الظرف.. ونتبارى أحيانا في أن نذكر الأشياء بشكل يضحك الآخرين، كأننا في جلسة ودّ، ونبدأ في تبادل النكات، ونحن نغتاب الطرف الآخر.
هذا يأخذنا للآيات التي في سورة الحجرات: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ} أحياناً نبدأ بالسخرية فننتهي عند الغيبة؛ وهذا يرينا أن لب المشاكل كلها في أن الإنسان يظن نفسه أحسن من غيره ولا يحترم كرامة إنسان غيره، فيسخر من غيره ويغتابه.. كما قال إبليس -والعياذ بالله منه- عن آدم عليه السلام من قبل: "أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين"، مع أن أن آدم -عليه السلام- كان خيرا منه..
قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ} أمر صريح جدا ومع ذلك نتركه كثيرا، وهذا أمر مخيف؛ ماذا نفعل في هذه الأوامر الصريحة التي نخالفها ونعيش حياتنا ولا نبالي؟
أولا: ربنا تواب رحيم.. وكل بني آدم خطّاء وخير الخطائين التوابون، ولكن يجب عليّ أن آخذ قرارا، يجب عليّ أن أقول لنفسي إنني أغار على قلبي من أن يدخل عليه ما يفسده ويفسد عليّ علاقتي بالله سبحانه وتعالى. من كبر أو عجب أو غيبة.. وهذه الغيرة على قلوبنا تكون نقطة انطلاقنا في البحث عن العلاج القاطع لمرض الغيبة إن شاء الله، فلو أن الله تعالى أعاننا على التخلص منه، فلنعلم أننا قد قطعنا شوطاً على الصراط المستقيم وبدأنا أن نقترب فعلاً من الجنة.. جعلها الله سبحانه دارنا أجمعين.. آمين .
المصدر : بص وطل
منتديات عرب مسلم | منتدى برامج نت | منتدى عرب مسلم | منتديات برامج نت | منتدى المشاغب | منتدى فتكات | منتديات مثقف دوت كوم | منتديات العرب | إعلانات مبوبة مجانية | إعلانات مجانية | اعلانات مبوبة مجانية | اعلانات مجانية | القرآن الكريم | القرآن الكريم قراءة واستماع | المكتبة الصوتية للقران الكريم mp3 | مكتبة القران الكريم mp3 | ترجمة القرآن | القرآن مع الترجمة | أفضل ترجمة للقرآن الكريم | ترجمة القرآن الكريم | Quran Translation | Quran with Translation | Best Quran Translation | Quran Translation Transliteration | تبادل إعلاني مجاني